العدد 49 -

السنة الخامسة – شوال 1411هـ، أيار 1991م

رد على صلف وزير خارجية إنجلترا

الرد للكاتب عبود عطية نشرته السفير يقول فيه الكاتب:

السيد دوغلاس هيرد وزير خارجية بريطانيا:

لأن مقالكم التي جرى توزيعها على عدد من صحف العالم ونشرتها السفير يوم 22 شباط 1991 هي رسالة موجهة إلى الرأي العام العربي والإسلامي، يصبح من حقنا أن نبدي بعض الملاحظات حولها:-

بالانتقال إلى مضمون مقالتكم نلاحظ أن ثلثها الأول الذي تختتمونه بالقول «هذه هي الطريقة التي يعامل بها صدام حسين رفاقه المسلمين» تتضمن انحناءة تواضع مهينة للقارئ العربي الذي تخاطبونه وكأنه تلميذُ مدرسة ابتدائية في الضاحية الجنوبية لمدينة كراتشي، ولا نتوقف أمام هذه الإهانة لأنها مفاجئة، أو لأنها فردية من نوعها، لا بل هي أكثر رقة وتهذيباً من أي كلام آخر سمعناه من نظيركم الأميركي جيمس بيكر أو رئيسه جورج بوش، ولكننا أشرنا إليها للفت نظركم إلى أن الرأي العام العربي بات أكثر تعقيداً وتطلّباً من البدو الذين اكتفوا قبل سبعين سنة وباللغة المسطحة والبسيطة التي استعملها معهم لورنس المعروف باسم (لورنس العرب).

وفي المقال نفسه تصفون جيش صدام (بالغازي) والمعاملة التي لقيها الكويتيون (بالوحشية) ولكننا لا نذكر أبداً أننا سمعنا منكم هذه التعابير أو ما يشبهها في حديثكم وأحاديث حلفائكم ولوصف الغزو الإسرائيلي للبنان، ولا نذكر أنكم اتخذتم موقفاً واضحاً واحداً تجاه أي اعتداء إسرائيلي على العرب، لا بل نذكر وبشكل ضبابي أنكم شاركتم مباشرة إسرائيل في اعتدائها على العرب ذات مرة (العدوان الثلاثي 1956) إنكم تعتمدون اليوم على ضعف الذاكرة العربية وربما تصيبون.

إن استدار عطفنا على شعب الكويت لم يكن ضرورياً في مقالتكم، لأن تعاطفنا مع اخوتنا الكويتيين كان وما زال وسيبقى موجوداً فنحن لا نفرق بين كويتي جريح وعراقي جريح إلا بمدى خطورة الجرح.

حرب الخليج هي مجرد معركة في حرب الغرب على العرب تماماً كما كانت المعارك الأخرى من أكثرها حداثة كالاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 مروراً بمعارك 1967 و1956 و1948 وصولاً في القدم إلى الحروب الصليبية التي أعدتم فتح جروحها بأيديكم وبالحملات الإعلامية التي تشنها وسائل إعلامكم، وأن عودة إلى أرشيف الأيام الأخيرة تؤكد أن صحافتكم وصفت الحرب الحالية في أكثر من مرة (بالحروب الصليبية).

حرب الخليج هي في نظرنا مجرد جولة ضد جزء من العالم العربي في سياسة الاستفراد الناجحة التي اتبعتموها منذ 1918 وحتى اليوم.

وتعدوننا في مقالتكم بأنه حالما تتحرر الكويت ويعاد السلام إلى المنطقة فإنكم ستتجهون «بنشاط قوي جديد إلى محنة الفلسطينيين». ونحن نسأل عن سر هذا النشاط الجديد هل نجح العراق يا ترى في ربط القضيتين؟ وكبرياؤكم يمنعكم الاعتراف بذلك؟ أم أن العراق أيقظكم على أن العرب ما يزالون مشكلة وسيبقون كذلك إلى أن تحل قضاياهم؟ أم أن تسوية «محنة الفلسطينيين» هي مجرد رشوة؟

إن «محنة الفلسطينيين» والتي تشيرون إليها بهذا التعبير الإنساني والغامض هي من اختصاص اللجنة الدولية للصليب الأحمر. فما يشغلنا ويهمنا هو قضية العرب الفلسطينية، وما نحن ضده هو وجود إسرائيل جملة وتفصيلاً في بلادنا وأن تدمير العراق أو إعادة رسم حدوده أو احتلاله سيكون أكثر هولاً علينا وعليكم من كارثة فلسطين. لأن تسوية القضية الفلسطينية لن تكون عندنا أكثر من «بخشيش» صغير ومرفوض. فالتدمير الحالي للعراق ـ الذي ألقيتم علي حسب مصادركم من القنابل أكثر مما ألقيتم على ألمانيا طوال كل الحرب العالمية الثانية ـ لن يفعل أكثر من زيادة لائحة مطالبنا وتخليد العداء ما بيننا وبينكم.

إننا نؤكد عدم جدوى خطابكم لأنه جاء بلغة غير مفهومة وقديمة تؤكد أن التقارير التي رفعتها إليكم مخابراتكم حول ميول ومواقف الرأي العام العربي لم تكن دقيقة. إن كل ما جاء في مقالتكم من مواقف أخلاقية تجاه الظلم والتبشير بالسلام وعبارات الاحترام لجماعة الأزهر والمسلمين كان على وضوحه وبساطته خافتاً وتعجز آذننا عن سماعه بسبب المليون ميغا طن من الحقد والكراهية للعرب وللمسلمين التي تفجرها وسائل إعلامكم ضدنا والتي تغلي في صدور شعوبكم أو بالأحرى في صدور 80 في المائة من شعوبكم، أي النسبة المؤيدة لحربكم ضد العرب من دون أن تعرف أين يقع العراق على خارجة العالم.

إن حوار الغرب والشرق سيبقى في المستقبل وأكثر من أي وقت مضى حواراً بين مسؤولين حكوميين فقط لا غير. إن وحشية حرب الخليج وما كشفت عنه وسّعت حلقة العداء لتشمل الشعوب التي قدمت نفسها علناً وصراحة كعدوة لنا.

إنكم تختتمون مقالتكم بالقول إن الهدف «مجموعة من الترتيبات الأمنية بحيث يصبح من الممكن لجميع البلدان أن تعيش بسلام هذا أظن ما تطمح إليه الأغلبية الساحقة من شعوب المنطقة» هذا ما تقولونه يا سيدي الوزير، ويؤسفنا أن نبلغكم أن الأمر ليس صحيحاً. إننا قد نكون مهتمين بـ «هدنة» إذا كانت لصالحنا في وقت من الأوقات، أما السلام فليس على جدول أعمالنا بعد. وتفضلوا بقبول الاحترام¨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *