مع القرآن الكريم
1990/06/07م
المقالات
1,748 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) سورة إبراهيم (35 ـ 37)
هذا البلد: أي مكة المكرمة. آمنا: من الأمن ضد الخوف. وقد استجاب الله له فقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا) الآية. وقال تعالى: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) وقد كان الناس يُتَخطّفون من حوله فإذا دخلوه أمنوا. حتى أن الرجل كان يقتل قتيلاً ويلتجئ إلى الحرم، فإذا رآه ابن القتيل لا يتعرض له ما دام في الحرم. وقد كان هذا في الجاهلية. وقد شرعه الله في الإسلام. (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته. ثم يذكر أن الأصنام افتتن بها كثيرٌ من الناس وضَلوا، وتبرأ إبراهيم عليه السلاممنها.
ونحن اخترنا هذه الآيات لأن المسلمين الآن في أشهر الحج وقلوبهم تهفو إلى بيت الله المحرّم وأنظارهم ترنو إلى البقعة المباركة حيث ترك إبراهيم زوجه هاجر وولده إسماعيل في واد غير ذي زرع أنيس إلا الله.
وقد روى البخاري ـ رحمه الله ـ حديثاً نختصره هنا: «جاء إبراهيم بإسماعيل عليه السلام وأمه وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت… وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء، فوضعهما هناك ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفّى إبراهيم عليه السلام منطلقاً فتبعته أم إسماعيل تقولن: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ قالت ذلك مراراً وهو لا يلتفت إليها. فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيّعنا. ثم رجعت. ثم استقبل إبراهيم عليه السلام البيت (وهم لا يرونه) ورفع يديه ودعا بهذه الدعوات: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي…) حتى بلغ (يَشْكُرُونَ). ولمّا نفد الماء جعلت تنظر إلى ابنها يتلوّى من العطش، فتركته في الوادي وصعدت إلى الصَّفا وصارت تنظر فلم تر أحداً، ثم هبطت إلى الوادي ثم نظرت ومشت حتى صعدت إلى المَرْوَة، ونظرت فلم تَرَ أحداً وجعلت تهبط الوادي وتصعد مرة إلى الصفا وأخرى إلى المروة سبع مرات حتى جهدت، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعى الناس بينهما».
وحين كانت عند المروة وهي مجهودة سمعت صوتاً ثم إذا الملاك _ جبريل ـ عند موضع زمزم، فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء… ثم مرت بهم رفقة أو أهل بيت من جُرْهُم مقلبين من طريق كداء، فنزلوا في أسف مكة فرأوا طائراً، فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء وعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء… فجثوا ووجدوا الماء وعنده أم إسماعيل فاستأذنوا بالإقامة عندها على الماء فأذنت لهم. وشب الغلام (إسماعيل) وتعلم العربية منهم… وتزوج امرأة منهم… وماتت أم إسماعيل… وجاء إبراهيم عليه السلام ولم يجد إسماعيل… فسأل امرأته عنه، قالت: خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحنُ بشّر، نحن في ضيق وشدّة. قال: فإذا جاء زوجت فأقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه أنسي شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أننا في جهد وشدة؟ قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيّر عتبة بابك. قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك. وطلّقها وتزوج منهم بأخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم. فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله عزّ وجلّ… قال: فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ومُريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك…
ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك… وقال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر… أمرني أن أبني ها هنا بيتاً… فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني… حتى ارتفع البناء وهما يقولان: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)».
1990-06-07