العدد 317 -

السنة السابعة والعشرون جمادى الآخرة 1434هـ – نيسان 2013م

مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

مقتطفات من كتاب  التيسير  في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)).

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير لمؤلفه

عطاء بن خليل أبو الرشته

أمير حزب التحرير حفظه الله في تفسيره لهذه الآيات ما يلي:

  1. يخبرنا الله سبحانه في هذه الآيات بأنه قد أخذ الميثاق على بني إسرائيل أن لا يعبدوا إلا الله ( لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ) خبر في معنى النهي أي لا تعبدوا إلا الله، وأن يحسنوا للوالدين ويصلوا القرابة ويحسنوا لليتامى والمساكين، وأن يقولوا للناس قولاً حسناً – وحُسْناً وحَسناً قراءتان متواترتان – وأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، لكنهم لم يلتزموا بالميثاق بل أعرضوا عنه ورفضوه باستثناء القليل الذي أسلم وآمن سواء ممن كان في زمن موسى – عليه السلام – أي في الوقت الذي أخذ فيه الميثاق على بني إسرائيل أو من بعدهم، ويشمل كذلك يهود الذين في عصر الرسول e. فالميثاق الذي أخذ على السلف يصدق على الخلف، وعدم الالتزام بالميثاق ممن أخذ عليهم في حينه ينطبق على واقع اليهود الذين في زمن رسول الله e، فهم يُحَرِّفون ويغيـِّرون صفة الرسول eوهم يعلمون الحق في ذلك.

( وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) أي وأنتم قوم عادتكم الإعراض والتولية عن المواثيق.

  1. ثم يخبرنا الله سبحانه أنه أخذ عليهم في الميثاق أن لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرجوا بعضهم من ديارهم ( لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) أي سفك دماء الفريق الآخر وإخراج أنفس الفريق الآخر من ديارهم، فكونهم من ملة واحدة عُبِّر عنهم بالدم الواحد والنفس الواحدة.

وعلى الرغم من إقرارهم بما أخذ عليهم في الميثاق وموافقتهم شاهدين على ذلك، إلا أنهم نقضوا عهد الله، فهم يقتتلون فيما بينهم ويظاهرون أقواماً آخرين على بعضهم ويخرجون فريقاً من ديارهم، وكلّ ذلك محرم عليهم.

  1. من منطوق الآيات يتبين أن الذي أخذ عليهم في الميثاق ترك القتل لبعضهم وترك الإخراج لبعضهم ( لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ). ومن مفهوم الآيات يتبين أنه سبحانه أخذ عليهم كذلك عدم مظاهرة الآخرين عليهم ومفاداة الأسرى ( تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ).

( وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ) معطوف على ( وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ) وبيان للحكم فيها، وفي اللغة إذا فصل العربي الفصيح (من أهل اللغة) المعطوف عن معطوفه أو النعت عن منعوته، أو اختلف نسق الكلام بتقديم وتأخير، أو غير ذلك من نسق الكلام فإنه يكون مقصوداً منه إبراز ما خالف نسق الكلام.

وهنا المعطوف عليه (المحكوم عليه): (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ)

والمعطوف (الحكم) ( وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ )

وفصل بينهما ( تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ )

أي أن هناك أمراً مقصوداً إبرازه في موضوع الإخراج والحكم عليه.

وبتدبر الآية يتبين أن المطلوب إبرازه هو تبكيتهم بأنهم يخرجون إخوانهم حرباً لا سلماً، وهو زيادة في التشنيع عليهم. فلو كانت (وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم، وهو محرم عليكم إخراجهم) لما فهم كيفية الإخراج، ولكان الأمرُ إخراجَهم بوسائل عادية قد تكون سلماً أو اتفاقاً أو بيعاً وشراءً…إلخ، لكن هـذا الفصل بـ(تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم) بين أنهم يخرجونهم حرباً ثم جاء الحكم بعد ذلك لإبراز التشنيع عليهم بأن إخراجهم لإخوانهم كان حرباً، وهو أشد من التفاهم معهم بوسيلة ما ليخرجوا أي يخرجون بالسلم لا بالحرب. لذلك فإن الفصل بين المتلازمين ( وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ  )، ( وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ ) مقصود منه إبراز شدة التبكيت والتشنيع عليهم بأنهم يخرجون إخوانهم حرباً لا سلماً.

ومنه يتبين أنهم نقضوا الثلاثة الأولى مما أخذ عليهم في الميثاق (ترك القتل وترك الإخراج وعدم المظاهرة أي عدم نصرة غيرهم عليهم) وأعرضوا عنها وأثبتوا في ميثاقهم الرابعة فقط (مفاداة الأسرى) فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) فهو استفهام استنكاري مع التقريع لهم على سوء ما فعلوه.

  1. يختم الله سبحانه الآية مبيناً أن مصير من يفعل ذلك ( خِزْيٌ ) ذل وهوان وصغار في الدنيا وعذاب شديد لا أشد منه في الآخرة، وأن الله سبحانه ليس ساهياً عن أعمالهم الخبيثة بل مُحصٍ لها وحافظها عليهم ليجزيهم عليها بما يستحقون من خزي وعذاب في الدنيا والآخرة ( وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ).

  2. وهذه الآية وصف لواقع يهود في المدينة عندما جاءهم الإسلام، فقد كانت بنو قينقاع حلفاء للخزرج، وبنو النضير وبنو قريظة حلفاء للأوس، فيشعل اليهود الحرب بين الأوس والخزرج، وكلّ فريق من اليهود يناصر حلفاءه، ومن ثم يقتتلون فيما بينهم كلّ مع حليفه، ويخرجون بعضهم من ديارهم حسب نتيجة الحرب، ولكن اليهود في النهاية يجتمعون معاً لمفاداة أسراهم سواء كانوا من بني قينقاع أو من بني النضير أو من بني قريظة ( وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ )وإن يكن عند حلفائكم أسرى يهود من الفريق الآخر تفدوهم وتفكوا أسرهم ( وَإِنْ يَأْتُوكُمْ ) أي أن يصبحوا أسرى عند حلفائكم فكأنهم أتوكم أسرى.

فإذا قيل لهم كيف تقتتلون فيما بينكم ثم تجتمعون معاً لمفاداة أسراكم الذين يقعون عند الأوس أو الخزرج؟ قالوا إن مفاداة أسرانا فرض علينا في الميثاق الذي أخذه الله علينا، ويخفون أن الميثاق أخذ عليهم كذلك في ترك القتل وترك الإخراج وعدم المظاهرة على بعض، يفعلون هذا الإذكاء لنار الحرب بين الأوس والخزرج ويخالفون الميثاق الذي أخذ عليهم لأجل مصلحة دنيوية بأن يبقى الشأن لهم في المدينة وإضعاف الأوس والخزرج نتيجة الحرب المستمرة التي يذكونها بينهم.

  1. لذلك يصفهم الله في الآية التالية بأنهم باعوا آخرتهم مقابل مصالح دنيوية زائفة وزائلة، ويتوعدهم الله سبحانه نتيجة ذلك بالعذاب الشديد الذي لا يخفف أبداً، والذي لا يمكن دفعه عنهم بحال ( وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *