محاسبة النفس (2)
2013/04/29م
المقالات
2,088 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
محاسبة النفس (2)
من القرآن الكريم:
– قال تعالى: (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) يقولُ ابنُ كثيرٍ (رحمه الله) في تفسيرِ الآية: ( وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ): «أي حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسِكم من الأعمالِ الصالحةِ ليومِ معادِكم وعرضِكم على ربِكم، واعلموا أنه عالمٌ بجميعِ أعمالِكم وأحوالِكم، لا تخفى عليهِ منكم خافية».
– وقال تعالى: ( وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) يقول القرطبي (رحمه الله) في تفسير الآية: «وَمَعْنَى: بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيْ بِنَفْسِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا تَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ، يَقُولُ: مَا أردت بكذا؟ فلا تراه إِلَّا وَهُوَ يُعَاتِبُ نَفْسَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ وَاللَّهِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ، مَا يُرَى الْمُؤْمِنُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ: مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِي؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلِي؟ مَا أَرَدْتُ بِحَدِيثِ نَفْسِي؟ وَالْفَاجِرُ لَا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الَّتِي تَلُومُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَنْدَمُ، فَتَلُومُ نَفْسَهَا عَلَى الشَّرِّ لِمَ فَعَلَتْهُ، وَعَلَى الْخَيْرِ لِمَ لَا تَسْتَكْثِرُ مِنْهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا ذَاتُ اللَّوْمِ. وَقِيلَ: إِنَّهَا تَلُومُ نَفْسَهَا بِمَا تَلُومُ عَلَيْهِ غَيْرَهَا، فَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ تَكُونُ اللَّوَّامَةُ بِمَعْنَى اللَّائِمَةِ، وَهُوَ صفة مدح».
– وقال تعالى: ( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول الماوردي في تفسيره: «فيه ثلاثة تأويلات: أحدها أنه شاهد على نفسه بما تقدم به الحجة عليه، كما قال تعالى: ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ). والثاني أن جوارحه شاهدة عليه بعمله، قاله ابن عباس، كما قال تعالى: ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ). الثالث معناه بصير بعيوب الناس غافل عن عيب نفسه فيما يستحقه لها وعليها من ثواب وعقاب. والهاء في ( بَصِيرَةٌ ) للمبالغة. ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) فيه أربعة تأويلات: أحدها معناه لو اعتذر يومئذ لم يقبل منه، قاله قتادة. الثاني يعني لو ألقى معاذيره أي لو تجرد من ثيابه، قاله ابن عباس. الثالث لو أظهر حجته، قاله السدي. الرابع معناه ولو أرخى ستوره، والستر بلغة اليمن معذار، قاله الضحاك. ويحتمل خامساً أنه لو ترك الاعتذار واستسلم لم يُترك».
من السنة النبوية:
– وقد أشار النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذه النفس اللوامة أى نفس المؤمن التى تلومه دائماً فقال فى الحديث الذى رواه الترمذى وأحمد وحسنه الترمذى: أخرج الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه على الصحيحين من حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعليها ستورٌ مرخاة، وعلى رأس الصراط داعٍ، يقول: هلُمَّ -عباد الله- إلى الصراط ولا تتعوجوا، وفوق الصراط داع، كلما أراد الإنسان أن يفتح باباً قال: ويحك! لا تفتحه؛ فإنك إن فتحته تلجه. فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله عز وجل، والأبواب: محارم الله تعالى، والداعي على الصراط: كتاب الله عز وجل، والداعي من فوق الصراط: هو داعي الله عز وجل في نفس كل مسلم».
– وفي الحديث عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأمانيّ» رواه الإمام أحمد والترمذي.
– عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه» السيوطي في الجامع الصغير.
وفي معنى المحاسبة:
مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ: التَّشْدِيدُ فِي مُعَاتَبَتِهَا وَمُرَاقَبَتِهَا.
– قال أبو بكر الصديق (رضي الله عنه:( من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته».
– وقد روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتاً».
– قال ابن القيم (رحمه الله): «هي التمييز بين ما له وما عليه (يقصد العبد)، فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه لأنه مسافرٌ سَفَرَ من لا يعود». وقال «فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانياً» وقال: «محاسبة النفس حتى تعرف ما لها وما عليها ولا يدعها تسترسل في الحقوق استرسالاً فيضيعها ويهملها، وأيضاً فإن زكاتها وطهارتها موقوف على محاسبتها فلا تزكو ولا تطهر ولا تصلح البتة إلا بمحاسبتها».
– قال الماوردي في معنى المحاسبة: «أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في المستقبل».
– وأما الحارث المحاسبي فقد عرّفها بقوله: «هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفعل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله عز وجل جانبه بعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله عز وجل، ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض وسارع إلى أدائه».
– «قال سعيد بن جبير وعكرمة في النفس اللوامة: «أي تلوم على الخير والشر، ولا تصبر على السراء والضراء، قال قتادة اللوامة: الفاجرة قال مجاهد تندم على ما فات وتقول لو فعلت ولو لم أفعل، قال الفراء: ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً قالت: هلَّا ازددت، وإن عملت شراً قالت: ليتني لم أفعل. قال الحسن: هي النفس المؤمنة. قال: إن المؤمن واللهِ ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلتي، وإن الفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها، قال مقاتل: هي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا».
– عن يحيى بن المختار عن الحسن قال: «إن المؤمن قوامٌ على نفسه يحاسب نفسه لله -عز وجل- وإنما خفَّ الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول: واللهِ إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي، ولكن واللهِ ما من صلة إليك، هيهات، هيهات، حيل بيني وبينك. ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا؟ مالي ولهذا؟ واللهِ لا أعود لهذا أبداً- إن شاء الله-. إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله -عز وجل- يعلم أنه مأخوذٌ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوراحه».
– قال ميمون بن مهران: «لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه، حتى يعلم من أين مطعمه، ومن أين ملبسه، ومن أين مشربه، أمن حلٍّ ذلك أم من حرام».
– جاء رجل إلى يونس بن عبيد فقال له: أنت يونس بن عبيد؟ قال: «نعم»، قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك، قال: «وما حاجتك؟» قال: أريد أن أسألك عن مسألةٍ. قال: «سل عما بدا لك»، قال: أخبرني ما غاية الورع؟ قال: «محاسبة النفس مع كل طرفة، والخروج من كل شبهة. قال فأخبرني: ما غاية الزهد؟ قال: ترك الراحة».
– قال الحسن بن علي الدقاق: «أصل الطاعة الورع، وأصل الورع التقى، وأصل التقى محاسبة النفس، ومحاسبة النفس من الخوف والرجاء، والخوف والرجاء من المعرفة، وأصل المعرفة لسان العلم والتفكر».
– قال الحسن (رحمه الله): «رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر».
– وقال ميمون بن مهران: «لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه؛ ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوّان، إن لم تحاسبه ذهب بما لك».
– قال ابن قدامة في منهاج القاصدين: «واعلم أن أعدى عدو لك نفسُك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمَّارة بالسوء، ميَّالة إلى الشر، وقد أمرتَ بتقويمها وتزكيتها وفطامها من مواردها، وأن تقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك، وإن لزمتها بالتوبيخ رجونا أن تصير مطمئنة، فلا تغفلن من تذكيرها».q
2013-04-29