العدد 27 -

السنة الثالثة – العدد 27 – ذو الحجة 1409هـ، الموافق تموز 1989م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ).

المعنى كما جاء في تفسير ابن كثير. قال: إن أول بيت وضع للناس أي لعموم الناس لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون إليه، ويعتكفون عنده.

بكة: الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام. وبكة من أسماء مكة المشهورة. قيل لأن الناس يتباكّون فيها أي يزدحمون. وقال قتادة: إن الله بك به الناس جميعاً، فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها. كما ذكر لمكة أسماء كثيرة منها، البيت الحرام، والبيت العتيق، والبلد الأمين، وأم القرى وقادس المقدسة، والناسه والباسه وكوثاء والبنية والكعبة وغير ذلك.

آيات بينات: دلالات ظاهرة.

مقام إبراهيم: أي المكان الذي كان يقف عليه إبراهيم عليه السلام أثناء عملية البناء. وعن ابن عباس رضوان الله عليهما، مقام إبراهيم الحرم كله.

ومن دخله كان آمناً. أي أنه حرم آمن لا يحل فيه الاقتتال، فكان القاتل يدخل الحرم ويراه ابن المقتول فلا يعترضه. قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا البلد حرمه الله سبحانه وتعالى  يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلالها».

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) هذه آية وجوب الحج عند الجمهور.

وأما موضوع السبيل فعن عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له ما السبيل؟ قال: «الزاد والراحلة» فالاستطاعة كما جاء في روايات كثيرة هي الزاد والراحلة.

قوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) قال بن عباس ومجاهد رضي الله عنهم: أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر.

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك زاداً وراحلة ولم يحج بيت الله قلا يضره مات يهودياً أو نصرانياً». وذلك بأن الله قال: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ).

وعن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل م كان عنده جِدَة فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين.

ولهذا فإن هذه الآية هي دليل فرضية الحج.

1- وليس البحث هنا بحثاً فقهياً شروط الحج وأركانه أحكامه، وإنما البحث في موضوع الحج، وما آلت إليه الحال في عصرنا. فقد قيل فيه أنه مؤتمر إسلامي سنوي، يعقد ليتباحث فيه المسلمون بشؤونهم. وهذا القول مناف للحقيقة ومخالف لما شرع الحج من أجله، فالحج عبادة من العبادات، وهو من الأحكام الشرعية التوقيفية أي التي لم تعلل وليست العلة فيه اجتماع المسلمين السنوي، والله سبحانه وتعالى لم يبين لنا سبب تشريعه مثله مثل بقية العبادات فهي أحكام تعبدية لا يجوز البحث لها عن عله، لأن الله سبحانه لم يبين لنا الباعث على التشريع فيها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن مناسك الحج ليس فيها ما يشير من قريب أو بعيد إلى أنها مؤتمر يجري فيه البحث في شؤون المسلمين. بل هو أعمال فردية يتصل فيها الفرد بخالقه يدعوه ويخاطبه ويقوم بالأعمال التي فرضت عليه، وليس فيه حكم واحد فرض على الكفاية، أو عمل مشترك بين الجماعة، مما هي طبيعة المؤتمرات أو ما يشبهها، وليس فيه محاضر جلسات ولا اتخاذ قرارات أو غير ذلك، وترى الناس فيه كأنه يوم الحشر. فالكل باسط يد الضراعة إلى الله طالباً العفو والمعافاة في الدنيا والآخرة. فلماذا يسمونه مؤتمراً سنوياً؟ كما يدّعون عن صلاة الجمعة بأنها مؤتمر أسبوعي.

2- القيود التي فرضت على الناس لتحد من إقبالهم على أداء هذه الفريضة.

أ- جواز السفر، لقد مزق الكفار بلاد المسلمين وأقاموا فيها دولاً كرتونية، وأحاطوها بسور الحدود، التي جعلت المسلم وكأنه يعيش في سجن كبير لا يحق له مغادرته إلا بإذن محدد، تماماً كالسجين الذي يحصل على إذن لزيارة طبيب أو ما شاكل ذلك؟

ب- الإذن من السلطات الحاكمة ـ أي التأشيرة ـ للسماح لهذا المسلم بأداء هذه الفريضة. ولا يسمح له مطلقاً بالبقاء في تلك البقاع المقدسة إلا أيام الحج فقط.

ج- الضرائب التي تفرض على الحاج والتي ترهق كاهله.

د- تشريع ما يخالف الشرع صراحة وذلك بتحديد سن معينة لمن يسمح له بأداء الفريضة. فلا يسمح إلا لمن تجاوز سنّه الخامسة والأربعين ـ فهل أخذوا من الله عهداً لا يحاسب من ملك الاستطاعة وهو دون هذه السن؟ وهل أخذوا من الله عهداً أن لا يتوفى هؤلاء الناس إلا بعد أداء هذه الفريضة؟

هـ- فساد الرعاية، وسوء المعاملة التي يجدها الحاج.

3- إن مشاعر الحج ومناسكه جميعها هي تشريعات إسلامية جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست امتداداً لديانة سابقة أو لما كان عليه العرب المشركون. فإن الشرع الإسلامي هو الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وليس امتداداً لما قبله، فالله سبحانه وتعالى يقول: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) ولذلك فإن الشرع الإسلامي هو ما جاء في القرآن الكريم وما جاء في السنة الشريفة قولاً وعملاً وتقريراً، وقيام الرسول بعمل أو سكوته عن عمل لا يعني أنه كان ينفذ شريعة من قبله. وإنما كان ينفذ ما يوحي به الله إليه، سواء أكان مطابقاً لشريعة سابقة أو مخالفاً لها، ولذلك فإن ما قام به من عمل، وما سكت عنه من قول أو عمل في معرض البيان، أو ما عبر عنه بلسانه فكله تشريع جديد، وليس امتداداً لشرائع سابقة، كشريعة إبراهيم عليه السلام، أو ابنه إسماعيل عليه السلام.

وقد جاءت مناسك الحج وأعماله مبينة بالقرآن الكريم بكثير من التفصيل، وحج رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين بعمله ما كان مجملاً في القرآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *