العدد 24 -

السنة الثانية – العدد الثاني عشر – رمضان 1409هـ، الموافق نيسان 1989م

سؤال وجواب

السؤال: في أفغانستان النظام ليس إسلامياً من فترة غير قصيرة. وتوجد الآن هناك ثورة مسلحة لإسقاط هذا النظام وإقامة نظام إسلامي مكانه.

وقد قرأنا في مجلة «الوعي» (عدد 11 سنة ثانية) في باب سؤال وجواب أن الثورة المسلحة تكو ن طريقاً للتغيير عندما تكون الدار دار إسلام ويحاول الحاكم أن يحولها إلى دار كفر، أمّا إذا كانت مستقرة على الكفر فطريق التغيير تكون بالعمل الفكري وليس بالعمل المسلح.

فهل تكون (ثورة المجاهدين) الآن في أفغانستان غير مبررة شرعاً؟

الجواب:

إنها مبررة شرعاً حسب علمنا، وذلك إذا كان هؤلاء المجاهدون يعملون لله، وليسوا عملاء مدفوعين من دول كافرة. وإليك البيان:

نعم حين تكون الدار مستقرة على الكفر لا بد أن يبدأ العمل للتغيير فيها بالفكر وليس بالسلاح. وحين يصل العمل الفكري إلى مرحلة مناسبة يُضافُ إليه طلب النصرة.

هذه المرحلة المناسبة يمكن أن نطلق عليها مرحلة التفاعل، أي تفاعل الناس في المجتمع مع الأفكار التي يُدعي الناس إليها والتي تشكل النظام الذي يراد إيجاده في المجتمع مكان النظام الذي يراد هدمه.

فحين يحس العاملون للتغيير أنه صارت توجد في المجتمع فاعلية لهذه الأفكار وأن تياراً قوياً من الناس قد تقبّلها، وأنه صار لها رأي عام يطالب بها، وأن الناس صار عندهم استعداد جيد لاحتضانها ونصرتها والتضحية في سبيلها. عند ذلك يكون العمل الفكري قد بلغ المرحلة المناسبة، ويصبح من الواجب على العاملين للتغير أن يمدوا أيديهم لأخذ السلطة من الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله.

مَدُّ أيديهم لأخذ السلطة يكون بطلب النصرة ممن عندهم القدرة على ذلك.

هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بدأ دعوته في مكة وحين بدأ يطلب النصرة إلى أن استجاب له الأنصار من أهل المدينة رضوان الله عليهم، ومن أجل ذلك سماهم الله سبحانه بالأنصار.

إذاً ليس مفروضاً في كل حركة تريد أن تقيم دولة إسلامية أن توجد هي التفاعل في المجتمع، بل يكفي أن يوجد هذا التفاعل على يد حركة أخرى، كي يصبح المجتمع مهيأ لطلب النصرة، ولتحاول أية حركة إقامة دولة إسلامية، ما دامت تقوم على الأسس الفكرية نفسها.

في أول سنة 1980م حصل انقلاب في أفغانستان وجاء نظام استعان بروسيا التي أدخلت ما يزيد على مائة ألف من جنودها إلى أفغانستان، وقد قامت البلاد الإسلامية المجاورة لأفغانستان بتوجيه من الدول الغربية الكبرى وبمعونة من البلاد الإسلامية الأخرى بتحريض مسلمي أفغانستان للثورة ضد القوات الروسية وضد الحكم العميل لهم. ونأمل أن يكون الثوار قد تخلصوا من التبعية للكفار ولعملاء الكفار.

من جراء هذه الثورة ومن جراء الإعلام الذي صار يستنهض همم المسلمين للجهاد ويحرضهم ضد النظام الشيوعي المناقض للنظام الإسلامي، حصل وجود الأفكار الإسلامية وحصل التفاعل المناسب معها وصار المجتمع في أفغانستان مستعداً لاحتضانها ونصرتها والتضحية في سبيلها. فصار من الواجب عليهم أن يمدوا أيديهم لأخذ السلطة من الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله.

إنهم الآن لا يطلبون النصرة بشكل سري أو بشكل سلمي ممن عنده القدرة على أخذ السلطة بل إنهم يقومون بثورة مسلحة لأخذ السلطة فهل هذا يتنافى مع الأحكام الشرعية؟

حين بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيعة العقبة الثانية كانت بيعة سرية، وحين هاجر عليه الصلاة والسلام إليهم في المدينة سلموه السلطة بشكل سلمي، ولم تحصل ثورة ولا سفك دماء. ولكن هل كان في نصوص البيعة، بيعة النصرة، شرطٌ يمنع سفك الدماء إذا لزم الأمر؟ كلا، بل أن في نصوصها استعداداً لسفك الدماء عند اللزوم. من هذه النصوص قول العباس بن نضلة الأنصاري: (يا معشر الخزرج، هل تدرون عَلاَمَ تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم؛ قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس) ومنها قوله ﷺ: «أبايعكم على أن تمنعوني ـ أي تحموني ـ مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» كما جاء في سيرة ابن هشام.

إننا نفهم من ذلك أنه حين يصبح المجتمع مهيأ لاحتضان الإسلام ونصرته والتضحية في سبيله، يصبح حكمه كحكم المجتمع الذي يُطَبَّقُ فيه الإسلام ويحاول الحاكم أن يحوله إلى دار كفر بإظهار أحكام الكفر فيه، أي يصح طلب النصرة لأخذ الحكم فيه. وطلب النصرة هذا يمكن أن يوصل إلى السلطة بشكل سلمي في بعض الحالات، ويمكن أن يوصل إلى السلطة مع إراقة قليل من الدماء في بعض الحالات، ويمكن أن يوصل إلى السلطة مع إراقة كثير من الدماء. وأولى هذه الحالات هي الحالة التي لا إشكال فيها ولا خلاف عليها بين الفقهاء وهي التي توصل إلى السلطة بشكل سلمي كما حصل مع رسول الله ﷺ. والأصل هو التزام هذه الحالة إذا أمكن حقناً للدماء التي يمكن أن تسفك. وإذا كان ذلك غير ممكن فإن سفك قليل من الدماء لهدم نظام الكفر وإقامة نظام الإسلام، أي لتحويل دار الكفر إلى دار إسلام هو أمر مشروع.

أما الحالة التي هي محل إشكال فهي الفتنة التي تدوم. وهي تشبه الحالة الواردة في السؤال عن ثورة أفغانستان الآن بعد أن خرج الجيش الروسي من هناك، وصار القتال بين أبناء المسلمين وفيه إتلاف أموال المسلمين ونفوسهم.

نحن نعلم أن الحاكم إذا فسق أثناء حكمه (دون أن يكفر هو بشكل صريح ودون أن يعلن أنظمة الكفر بشكل صريح) فيجب عزله إذا لم يعتد ولا يحل شرعاً أن يستمر في الحكم وهو فاسق. ولكن إذا كان عزله سيؤدي إلى فتنة فإن جمهور الأئمة يقولون بالصبر عليه بناء على النصوص الواردة في ذلك. وهذا ما نرجحه نحن.

أما إذا كفر الحاكم بشكل صريح أو أظهر العمل بأنظمة الكفر بشكل صريح فهنا يجب الخروج عليه بالسلاح ولا يجوز الصبر عليه، إذا كانت هناك قدرة على منابذته بالسلاح، ولا عبرة بوجود فتنة تدوم، وسفك كثير من الدماء. وذلك لورود النصوص في ذلك. من هذه النصوص أحاديث المنابذة بالسيف عند رؤية الكفر البواح. ومن ذلك نهوض الإمام علي كرم الله وجهه لمقاتلة البغاة مع علمه أنه سيحصل سفكٌ كثيرُ للدماء. ومن ذلك خروج الإمام الحسين السبط رضي الله عنه ضد يزيد مع علمه أن دماء كثيرة ستراق.

ومثل هذا قتال المجاهدين الآن في أفغانستان لإسقاط نظام الكفر وإقامة النظام الإسلامي، ما داموا يرون أن فيهم القدرة على إسقاطه ولو سالت دماء كثيرة.

ونحن هنا نفترض أن هؤلاء المجاهدين مخلصون لله ويعملون فعلاً للإسلام وأنهم لن يسيروا في ركاب دول الكفر أو عملاء دول الكفر.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الصيامُ جُنَّة

قال رسول الله ﷺ: «قال الله عَزَّ وجلَّ: كلُّ عملِ ابن آدم له إلاّ الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان يومُ صوْم أحدِكم فَلا يَرْفُثْ يؤمَئذٍ ولا يَسْخَبْ (يَصْخَبْ) فإنْ سابَّه أَحدٌ أو قاتَله فليقل: إني امرُؤٌ صائمٌ. والذي نفسُ محمدٍ بيده لَخُلوفُ فَم الصائمِ أطيبُ عند الله يومَ القيامةِ من ريحِ المِسْكِ، وللصائمِ فرحتانِ يفرحُهما، إذا أفطر فَرِحَ بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *