مقابلة: حوارٌ مفتوح مع الأستاذ برهان الدين ربّاني أمير جمعية أفغانستان الإسلامية
1989/04/05م
المقالات
2,004 زيارة
أجرى الحوار مراسل «الوعي» في باكستان أول شهر شباط 1989
الأستاذ برهان الدين رباني هو أمير جمعية أفغانستان الإسلامية، ورئيس دورة الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان، من 12/88 إلى 02/89 (حيث يتعاقب على رئاسة الاتحاد الرؤساء السبعة للتنظيمات السبعة التي تشكل الاتحاد).
وقد كان لنا مع الأستاذ رباني هذا اللقاء، حاولنا أن نثير فيه بعض النقط التي هي بحاجة إلى نوع من الإيضاح، وبعد وقت من الانتظار سنحت لنا فرصة اللقاء، وطرحنا بعض الأمور وإن كنا نتمنى لو كان اللقاء أشمل، ولكن داهمنا الوقت فحاولنا اختصار ما نريد إلى حد ما.
وقد اقتصر لقاؤنا على خمس نقاط:
1- الوضع السياسي العام بعد إعلان الاتحاد السوفياتي عن انسحابه.
2- حقيقة المساعدات التي تقدم من أميركا ومن بعض الدول القائمة في العالم الإسلامي.
3- الدولة التي يريدون إنشاءها بعد الانسحاب الروسي.
4- الإعداد للدولة المقبلة من دستور وقوانين.
5- الخلافات الداخلية بين فئات المجاهدين.
وقد كان لنا اللقاء التالي:
س- نود منكم في بداية اللقاء أن تضعونا بالصورة عن الوضع الآن في أفغانستان؟
ج- الحمد لله رب العالمين. بعد 10 سنوات على الزحف الروسي على أفغانستان، نجد أن المجاهدين قد انتصروا انتصاراً حاسماً على الروس وعملائهم في داخل أفغانستان، وهم الآن مسيطرون (المجاهدون) على 90% من الأراضي وحرروها، ولكن العدو بعد أن أجبر أن يخرج من أفغانستان ويسحب جيشه تجده في هذه الأيام يقوم بالعمليات الوحشية ضدنا، فقد بدأ منذ أسبوع بالمدفعية والصواريخ وبالطائرات. وقبل أيام استشهد أكثر من 600 وجرح أكثر من 1000 في يوم واحد. وهكذا فهناك هجمات في مناطق أخرى ولكن هذا لن ينفع العدو وسوف ينسحب أبى أم رضي.
س- الواضح على السياسة الدولية أن أميركا وروسيا اتفقتا على انسحاب روسيا بشرط أن تؤمن لها أميركا انسحاباً مشرفاً حتى تحفظ لها هيبتها، وبدأت أميركا فعلاً بتنفيذ ذلك فسمحت بمجيء بنازير بوتو إلى الحكم، وهي صاحبة المواقف المعارضة للمجاهدين، وبالتالي حتى تقوم بنوع من الضغط عليهم.
ج- لا نعلم باتفاق بين روسيا وأميركا ولكننا نرى أن انسحاب الروس لم يأت باتفاق مع أميركا ولكن بالضغط من المجاهدين، وبالتالي عدم نجاحه فيما كان يريد إحرازه…
س- هذا صحيح ولكن ما أقوله أنه حين قررت روسيا الانسحاب اتفقت مع أميركا أن تقوم أميركا بالضغط على بعض الأطراف حتى يتم الانسحاب بصورة مشرفة؟
ج- الانسحاب المشرف يكون بتحقيق بعض لانتصارات، ولكن الروس مهما اتفقوا مع أميركا فسيخرجون أذلاء منهزمين. ومعنى ماء الوجه الذي يريدونه هو أن يحكم الشيوعيون البلاد أو يشتركوا في حكم البلاد، وقد رفض المجاهدون أي نوع من إشراكهم بالحكومة المستقبلية.
واعتقد أن مسألة ماء الوجه انتهى وقتها، لأنه لن يكون لروسيا في وقت خروجها أي شيء يقال له ماء الوجه فكان هدفه بعد أن وقع اتفاقية جنيف أن يخرج بموجب تلك الاتفاقية، ولكن بعد أن دخل في المرحلة الثانية وهي أن يجلس مع المجاهدين، معنى ذلك أنه لم يبقَ أمامه إلا الخروج من أفغانستان بالذلة والهزيمة.
س- (مقاطعاً) ولكن هذا يعارض ما جاء في المادة 10 من البيان التأسيسي للحكومة المؤقتة والصادر عن الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان مساء 22 ـ 02 ـ 1988م (وقد ووفق عليه بالإجماع):
«تقوم الحكومة المؤقتة بتوقيع اتفاقية جنيف وتتحمل المسؤولية الكاملة في تنفيذ هذه الاتفاقية ومنها ضمان العدوة الآمنة للقوات الروسية بعدما تصبح هذه المعاهدة مقبولة لها» أ هـ.
– أين هذا ومن قاله!!!
س- هذا موجود عندي بنصه وقد نشرته مجلة المجاهدون (التي تصدرها الجمعية التي ترأسونها) العدد 10 السنة الثانية رجب 1408 هـ، شباط 1988م. [النص منشور في هذا العدد من مجلة «الوعي» ص (12)].
ج- لا ليس بهذه الصورة ولكنني كتبت أن معاهدة جنيف أصبحت منتهية وليس لمعاهدة جنيف أي وجود بعد أن جاء العدو وجلس معنا. وأعتقد أن هذا الشيء لم يكن موجوداً في البيان الصحفي بعد معاهدة الطائف 89 ولم تكن فيه مادة بهذه الصورة.
س- لم أقل لكم كانت في الطائف وإنما قلت إنها وردت في البيان التأسيسي للحكومة المؤقتة؟
ج- إن مسألة اتفاقية جنيف مرفوضة لدينا منذ البداية، والاتحاد كان قد رفض بكل قوة معاهدة جنيف والنتائج الناتجة عنها، كل ذلك كان مرفوضاً من المجاهدين.
المحادثات مع الاتحاد السوفييتي:
س- حصلت لقاءات بينكم وبين الروس في الطائف وإسلام أباد، فهل لكم أن تحدثونا عن طبيعة تلك المحادثات؟
ج- نحن طالبنا بخروج الجيش الروسي فوراً، أو إذا كان عند حسن النية فلغاية 15/02/89 بناءاً على القرارات التي اعترفوا وتعهدوا بها.
أيضاً عدم إعطاء أي نوع من المساعدة للحكم العميل وعدم الإصرار على إشراكه بالحكومة القادمة ـ إيقاف القصف بالصواريخ ـ إعطاء تعويضات الحرب ـ إعادة جميع الأطفال الذين نقلوا إلى روسيا ـ إطلاق جميع السجناء في كابل وفي موسكو ـ ثم عدم التدخل في الشؤون الداخلية والاعتراف بحكومة المجاهدين.
س- وماذا كان ردهم؟
ج- في بعض الأمور قالوا نحن نقدم إنذاراً، وكان مطالبتهم اشتراك هؤلاء في الحكومة، وطبعاً نحن رفضنا وقلنا أنه فقط وقت خروج الجيش الروسي يمكن أن يفسح المجال له بالخروج، أما الحكم فلا علاقة لهم به.
س- وهل تتوقعون فعلاً أن يتم الانسحاب في 15/02؟
ج- نحن أملنا كبير بذلك.
المساعدات:
س- المساعدات التي تأتي من أميركا أو من العالم الإسلامي، لأي طرف أتت، نعلم أن هذه الدول جميعها دول تطبق الكفر ولا تريد للإسلام أن يحكم في الأرض، بل كلها دول عدوة للإسلام وحَمَلَتِهِ، فكيف توفقون بين نظرتهم هذه للإسلام وبين دعمهم للمجاهدين الذين يعلنون أنهم سيقيمون حكومة إسلامية؟
ج- أولاً بعض المساعدات التي تقدم لحكومة باكستان، معظمها ينصب للمجاهدين، وبعض المساعدات القليلة التي تأتي من بعض الدول ومن بعض الشخصيات، هذا في أصله ليس فيه مسار الحل، أو أي تأثير أساسي لها في الحل، أما الدول التي أرسلت مساعدات فبعضها لا تتفق معه ولكن نتعامل معها بشكل أو بآخر. فنحن الآن في أفغانستان نعمل أن هذه الدول مصالحها في أفغانستان، فلو سقطت أفغانستان تحت السيطرة الشيوعية فهذا يهدد كل منها. فحرصاً على مستقبل تلك الدول ولمستقبل الحكم ومستقبل الشعوب في المنطقة. فبعض الدول لها مصالح ولكن هذا لا يعني أن كل تلك الدول مشتركة في كل شيء بل عندهم مصالح خاصة ونظرة خاصة فيما يخصهم أما ما يخص المجاهدين فهذا أمر آخر.
س- ولكن ألا تخشون أن وجود هذه المساعدات ستؤدي إلى الخضوع لقرارات وضغوطات تلك الدول أو مسايرتها؟
ج- لا، نحن والحمد لله متأكدون بأنه لم ولن نسمح بأي تدخل لأي جهة من الجهات لا الدولة الإسلامية ولا غير الإسلامية وقد كررنا هذا مراراً أننا لن نسمح لأي دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية.
س- قلتم أن 90% من أفغانستان محررة، وكذلك كابل العاصمة محاصرة. كما أنكم تأملون أن تقوم دولة لكم قريباً فماذا أعددتم من دستور لهذه الدولة؟
ج- ليس هناك دستور جاهز لهذه الحكومة لغاية الآن، فكل الجهود كانت منصبة للعمل العسكري، فإلى ما قبل عام لم يكن أحد ينتظر خروج الجيش الروسي. أما الآن فنحن بعد أو وصلنا ـ والحمد لله ـ إلى هذه المرحلة فالآن عندنا تفكير بأنه لا بد أن يكون هناك دستور لأفغانستان، وسوف نقوم بإذن الله بذلك.
س- ولكن سمعنا عن دستور مؤقت وضعه الاتحاد؟
ج- هذا الدستور ليس بدستور. وإنما هو عبارة عن مفاهيم عامة، أن يكون الحكم حكماً إسلامياً وأن يستمر الجهاد حتى يكتمل التحرير، وأن أي عمل يخالف الشريعة فلن يقبل، ضرورة قيام مجلس شورى والانتخابات لتشكيل هذا المجلس ثم وضع دستور وهذا الدستور يقدم لمجلس الشورى ليحدد موقفه منه.
س- هل يمكننا القول إن ما سيحصل عندكم هو كما حصل في إيران إبان الثورة؟
ج- قد لا يتشابه تماماً، ولكن إلى حد ما. فأهل الحل والعقد سينظرون في هذا الدستور فإن تبنوه فبعد ذلك يتم تعيين رئيس الدولة ثم تكون الحكومة بعد ذلك.
س- ولكنكم كجمعية مثلا، بدأتم العمل في أفغانستان قبل دخول روسيا، منذ أيام الملك، أي أنكم تعملون لإقامة حكومة إسلامية منذ سنين طويلة، فلا بد أن يكون عندكم منذ البداية دستور وقوانين ووضوح لشكل الدولة التي تريدون؟
ج- نحن نعيش الآن مع بعض الأطراف فلا بد أن يكون هناك تعاون بين الجميع، حتى نصل إلى الهدف المنشود وغلا فسيحصل خلافات ومشاكل وهذا ليس في صالح الدولة الإسلامية المقبلة التي نريد، فلا بد أن نجتاز هذه المرحلة وأن يكون هناك تعاون حتى نصل إلى الصورة التي نريدها.
س- لنتحدث عن تصوركم أنتم للدولة التي تريدون، هل تريدونها دولة لأفغانستان فقط أم لكل المسلمين في العالم، أي خلافة؟
ج- طبعاً، نحن نريد دولة خلافة على منهاج النبوة، وفي هذه المرحلة فالبدء سيكون في أفغانستان حنى توجد دولة قوية، ثم تعمل هذه الدولة على نشر الرسالة الإسلامية للعالم.
س- مقاطعاً ـ ما هي تصوراكم للمستقبل أي للمدى البعيد؟
ج- الشيء العملي الآن حتى نكون واقعيين وعمليين أن تكون هذه الدولة في أفغانستان وتركيز العمل فيها الآن، حتى نستطيع أن نؤدي الرسالة الإسلامية في بقعة من الأرض ولا بد أن تشمل العالم الإسلامي كله.
س- بمعنى آخر ما هو موقفكم من الدول المتحكمة بالعالم الإسلامي؟
ج- طبعاً في هذه المرحلة لن نعمل على الانقطاع عن العالم.
س- حتى بعد أن تصبح دولتكم قوية؟
ج- طبعاً نحن في هذه المرحلة لن نعلن انفصالنا عن العالم الإسلامي.
س- إذاً توافقون على ما ورد في بيان تأسيس الحكومة المؤقتة:
(تتبع هذه الحكومة سياسة خارجية مستقلة وغير منحازة بحيث تكون لها علاقات ودية مع كل الدول ولا سيما جيرانها وهذا يشترط عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها).
ج- هذا الأمر ضروري لتقوية دولتنا أن لا يكون لنا موقف شاذ ومنعزل عن العالم.
س- ولكن ماذا عن المسلمين المعذبين والمظلومين في العالم؟
ج- هؤلاء بإمكانهم أن يأتوا إلينا.
س- ولكنكم مظلومون بعدم تطبيق الإسلام عليهم وعدم وجود دولة إسلامية توحدهم؟
ج- نحن نرى أننا لو شكلنا دولة في بقعة من بقاع الأرض فسنعمل على إيجاد طريقة لحل مشاكل المسلمين الآخرين في المستقبل.
س- إذاً البعض يردد «أن أفغانستان هي أمل الأمة الإسلامية الآن» وأنه إذا انتصر الإسلام في أفغانستان فإن الفرج والنصر قد فتحا أبوابهما للمسلمين، بأن الدولة الإسلامية في أفغانستان ستوحدهم تحت راية واحدة، فما الذي يمكن قوله لهؤلاء بعد الذي ذكرتم عن دولتكم؟
ج- ليس الأمر كذلك. بل نقول لهؤلاء أنه إذا قامت دولة في أفغانستان فإن المسلمين سيجدون دولة يستطيعون أن ينطلقوا منها لأداء رسالة الإسلام.
س- ولكنكم قلتم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى؟
ج- فعلاً في مثل هذه الظروف يجب أن نكون واقعيين، لأنه في هذه الظروف التي يعيشها الإسلام لا يمكن أن تقوم دولة إسلامية منفردة لتؤدي رسالتها. فمن مصلحة أداء الرسالة للدولة الإسلامية أن تعمق جذورها في الدولة التي أقيمت ثم بعد ذلك تبدأ بأداء رسالتها بالصورة التي تفيد بقاء الدولة واستمراريتها. أما لو بقيت منعزلة عن العالم أو تعادي العالم دون تعد العدة فمعنى ذلك أننا قد نقوم بعمل يؤدي إلى إزالة الدولة الإسلامية من حيث نعرف أو لا نعرف.
س- ولكن الإسلام واضح في تعامله مع الدول، فإن جازت العلاقة مع دولة كافرة كسويسرا مثلاً فالأمر مختلف بالنسبة للدول القائمة في العالم الإسلامي من حيث عدم جواز قيام أي علاقة معها، بل لا بد من قتالها قتال بغاة إن رفضت الانضمام للدولة الإسلامية؟
ج- نحن في أفغانستان نرى أنه من الخير للإسلام والمسلمين أن يكون التركيز في العمل أولاً في تقوية الدول القائمة، ثم يكون هناك اختيار الطرق المناسبة لأداء رسالة الإسلام الخلافات الداخلية:
س- الحديث عن الخلافات الداخلية يعرض المتحدث به إلى الانتقاد الحاد بل والهجوم عليه من البعض، حتى ولو كان من باب النصح، بحجة أن الوقت الآن وقت جهاد وهذا ضرب له، ولكن نود الحديث عن الموضوع حتى نكون صريحين مع المسلمين حول ما يحصل، وبالتالي لإيجاد نوع من التوعية لهم. وليس تشويهاً لصورة الجهاد. واليوم وقد أصبح الموضوع معروفاً، كما حصل سنة 85 أو التصفيات الدموية التي حصلت في المناطق الشمالية قبل أكثر من عام، فهل لكم أن تسلطوا لنا الضوء على حقيقة ما حصل؟
ج- كما تعلم بأن الوعي عند الشعوب الإسلامية، عامة ليس بالصورة الكاملة، كذلك فإن هذا حصل عبر التاريخ الإسلامي، حيث وصل إلى حد الاقتتال بين المسلمين، فقد يكون هناك خلافات في الاجتهادات أو سوء فهم. وقد يكون هناك أناس يقومون بمثل هذه الأعمال، وهم في الحقيقة فقط منتسبون إلى الحركات الإسلامية. وقد 0حدث في أفغانستان بعض المشاحنات والمشاكل وكانت هذه من رواسب الماضي ومن بعض الذين لم يكونوا من المجاهدين الحقيقيين وإنما دخلوا في صفوفهم. فليس معنى ذلك أن هناك مشاكل كبيرة جداً ولكنها مشاكل صغيرة حدثت بسبب الحرب، ولكن المجاهدين حقيقة متحدون ولو لم يكن الاتحاد قائماً لما استطاعوا الاستمرار بالقتال ضد العدو.
س- إذا كان هذا الواقع الآن مع وجود العدو الخارجي، فيكيف سيكون الواقع بعد خروج الروس وعودة المجاهدين واستتاب الأمر لهم؟
ج- أيضاً بعد الخروج لن يكون هناك مشاكل كبيرة لأن المجاهدين لن يسمحوا بالاقتتال لأجل بعض المناصب والسيطرة. كما أن الشعب الأفغاني لن يسمح بهذا. ولكن هذا لا يمنع أن يحصل مشاكل ومشاحنات ولكنها ستكون صغيرة وفي المرحلة الانتقالية وهذا قد يكون طبيعياً في بعض المناطق.
اتقاء النار
قال ﷺ: «ما مِنْ عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله إلاّ باعدَ الله بذلك اليومِ وجهَهُ عن النار سبعين خريفاً».
1989-04-05