صندوق النقد الدولي لعنة صندوق النقد الدولي تلاحق دويلات العالم الإسلامي
1989/02/05م
المقالات
2,578 زيارة
بقلم: أبو الفضل الشامي
إن الحديث عن صندوق النقد الدولي وهيمنة أميركا عليه وتحكمه في البلاد الفقيرة تكاد لا تخلو منه مجلة أو صحيفة في كل أنحاء العالم، ولكن الأحاديث والإحصاءات كلها تركز على ما يطلقون عليه تسمية (العالم الثالث) (أو دول العالم النامي) أو الدول المتخلفة أو دول الجنوب في مقابل دول الشمال، وإذا أردنا أن نعرف موقع العالم الإسلامي ضمن هذه التسميات فإننا نجد أن هذه التسمية تشمل جميع دول العالم الإسلامي لأنها كلها متخلفة وكلها فقيرة (ولو أن بعض الدول حققت بعض الأرباح النفطية إلا أنها لا زالت في عداد الدول المتخلفة)، وهذه التسمية تشمل إضافة إلى دويلات العالم الإسلامي بعض دول جنوب شرق آسيا وباقي دول أفريقيا وكل دول أميركا الجنوبية.
إن الإحصاءات والأرقام في مجملها أو كلها تُحضّر لتشمل كل الدول المتخلفة أو دول العالم الثالث، ويندر أن تكون هنالك إحصائيات تختص بالعالم الإسلامي بشكل منفرد، لذلك على الباحث في الأرقام والإحصائيات إما اللجوء إلى التخمين والتقدير للوصول إلى الأرقام التي تتعلق بالعالم الإسلامي، وإما تعميم الأرقام ليجعل ما ينطبق على دول العالم الثالث ينطبق على العالم الإسلامي لأن الأخير يشكل الثقل الأكبر من تعداد ما يسمى بالعالم الثالث.
فتش عن أميركا
وبالرجوع لموضوعنا وهو هيمنة أميركا من خلال صندوق النقد الدولي على اقتصاد ومالية أغلب دول العالم بما فيها الدويلات القائمة في العالم الإسلامي فإننا نجد أن أميركا تمتلك العديد من الأسلحة التي تهمين بها على العالم فبالإضافة إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وما انبثق عنها من منظمات وهيئات موجهة مباشرة من قبل أميركا هنالك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهنالك القروض التي تعطيها للدول الفقيرة وفوائد تكل القروض التي تتراكم على الدول المدينة بأرقام خيالية تُبقي تلك الدولة تحت رحمة أميركا طالما بقيت تلك الديون قائمة، وهنالك الدولار الذي جعلته أميركا مخزناً للقيمة، ومقياساً لأثمان الأشياء، والعملة الدولية للتجارة والتبادل الدولي، وما يترتب على ذلك من قدرة فائقة على التحكم في أسعار العملات الأخرى وفي مال العالم والأسواق المالية والعالمية، وهنالك الذهب الذي تملك أميركا منه احتياطاً ضخماً مما يمكنها من التحكم في أسعاره حتى تجعل الدولار وحده هو المقياس والقاعدة النقدية الدولية الأمر الذي أدى إلى تحويل الذهب إلى سلعة وبضاعة بعد أن كان مقياساً لأسعار العملات ومخزناً للقيمة وقاعدة نقدية، ومن أسلحة أميركا أيضاً النفط وقدرتها على التحكم في أسواقه وأسعاره وهذا يؤكد أن منظمة الأوبك أصبحت هي الأخرى من الأسلحة التي تمتلكها أميركا وتتحكم بها في النفط إنتاجاً وتسويقاً وتسعيراً. ومن الأسلحة التي تستعملها أميركا أيضاً صفقات بيع الأسلحة وقطع الغيار وما تفرضه من شروط، ومن أمثلة ذلك صفقة طائرات الأواكس للسعودية وتسريب قطع الغيار لإيران فيما عُرف «بإيران غيت» وفضيحة الكونترا وما يتبع تلك الصفقات من خبراء وبعثات تدريبية وتجسسية، ومن أسلحة أميركا أيضاً سلاح المساعدات والمنح التي تقدمها أميركا مجاناً للدول الفقيرة بالرغم من أن ميزان مدفوعاتها يشكو من عجز دائم إلا أن رقم المساعدات والمنح لا زال يحسب له حساب في كل عام، وهذا دليل على حرص أميركا على الظهور بمظهر الأب العطوف على أبنائه الفقراء، ولكن الأمر لا يعدو كونه نوعاً من الدعم المادي لأعوانها وعملائها في البلدان الفقيرة حتى يتمكنوا من البقاء في مركز القرار في ذلك البلد الممنوح.
ومن أسلحة أميركا أيضاً إثارة الحروب الإقليمية والأهلية من أجل تثبيت نفوذها أو من أجل طرد حليفاتها والحلول محلها وليس ببعيد بروز الدور الأميركي في تأجيج حرب الخليج وكذلك الدور الأميركي في الحرب اللبنانية ومنع استقرار الأوضاع في كثير من البلدان الفقيرة.
ومن أسلحة أميركا أيضاً الانقلابات حتى على رجالها، وما حصل في الفلبين وطرد ماركوس ومجيء أكوينو خير دليل، ولا ننسى ما حصل للنميري رجلها المخلص حينما تخلت عنه ومنعت صندوق النقد الدولي من مد يد المساعدة إليه، أو ما حصل في باكستان حينما جاءت بالسيدة بنازير بوتو.
ومن أسلحة أميركا الاستعراض المباشر للقوة كما حصل في الأرجنتين وكما حصل أخيراً من عدوان على الطائرات الليبية. ومن أسلحة أميركا هيمنتها على قرار الدول الصناعية السبع التي تعقد مؤتمراً صناعياً سنوياً تتداول فيه سبل التحكم والسيطرة على مسار الاقتصاد العالمي.
صندوق النقد الدولي
إن الحديث عن صندوق النقد الدولي يلزمه الرجوع إلى عام 1944 أي إلى العام الذي اجتمعت فيه الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في بلدة بريتون وودز في أميركا، وإبرامها لاتفاقية نقدية سُمّيت باسم المكان الذي أبرمت فيه وهو اتفاقية بريتون وودز، وهي أول اتفاقية نقدية عالمية تُعنى بتنظيم العلاقات النقدية الدولية، وقد وَجّهت الدعوة لحضور هذا المؤتمر النقدي العالمي كل من أميركا وبريطانيا، فكان أن حضر ممثلون عن 45 دولة وتم توقيع الاتفاقية.
وكان لا بد من إيجاد جهاز أو مؤسسة دولية تتولى الإشراف على تنفيذ اتفاقات بريتون وودز، وتهتم بحسن سير التطبيق والتنفيذ فكان أن انبثق عن هذه الاتفاقية «صندوق النقد الدولي» والذي أوكلت إليه مهمتان رئيسيتان:
1- تثبيت أسعار صرف العملات: أي يجب على كل دولة منتسبة إلى الصندوق إعلان سعر صرف عملتها المحلية وذلك بالاستناد إلى تحديد قيمتها بوزن معين من الذهب سواء كانت التغطية الذهبية لعملتها هي تغطية مباشرة بالذهب أم تغطية غير مباشرة وتلتزم كل دولة بالمحافظة على هذا السعر عن طريق تدخل مصرفها المركزي مباشرة.
2- منح قروض قصيرة الأجل للدول الأعضاء: وهذه هي نقطة القوة التي ينطلق منها الصندوق في الهيمنة على الأوضاع المالية للدول الفقيرة. ولكن كيف بدأت هيمنة أميركا على الصندوق؟
هيمنة أميركا على صندوق النقد الدولي
بدأ تحكم أميركا في صندوق النقد منذ أن تأسس ذلك الصندوق وذلك حين اشترطت شرطين: الأول: أن تكون مساهمة كل دولة من الدول الرأسمالية في الصندوق بحسب أهميتها النسبية في التجارة الدولية كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية إضافة إلى أهميتها الاقتصادية الحالية، وهذا الشرط يعطي حصة كبرى لأميركا في الصندوق والشرط الثاني حينما اتفقت مع باقي الدول المساهمة على أن عملات جميع الدول الأعضاء تتحدد بوزن من الذهب أو بنسبتها إلى الدولار، مع الإشارة إلى أن قيمة الدولار محددة بنسبة 88،0 غم من الذهب، وهذا الشرط الثاني جعل للدولار قيمة عالمية وعملة وسيطة للتبادل مثل الذهب تماماً، حتى أن الدولار كان يمثل عام 1970 أكثر من 85% من إجمالي الاحتياطات النقدية للدول (النامية) الأمر الذي جعل التبعية النقدية لعملات هذه الدول تجاه الدولار تبدو تبعية كاملة، بحيث إذا تعرض الدولار لأية أزمة فإنها تنعكس مباشرة على عملات تلك الدول. وقد لاحظنا أثر انخفاض قيمة الدولار على عائدات الدول النفطية لأنها كانت تسعر إنتاجها النفطي بالدولار الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة عائداتها النفطية بالرغم من الارتفاع الذي طرأ على الأسعار. ولكن أميركا لم تكتف بهذه الخسارة التي لحقت بالدول المصدرة للنفط بل اتبعتها بسياسة تخزين للطاقة عندها حتى وصلت إلى الحد الذي خفضت فيه الكميات المطلوبة من النفط وزادت من استخراج النفط من أراضيها وضغطت على الأوبك فوصلت إلى نتيجة وهي إغراق السوق بالنفط مع قلة الطلب عليه فانخفضت أسعاره، وكان هدفها ضرب الاقتصاد الإنجليزي لأنه يعتمد على واردات النفط من بحر الشمال، ثم ضرب اقتصاد الدول المنتجة للنفط في الشرق لأن عماده النفط ووارداته وحصلت أميركا على مبتغاها.
شروط صندوق النقد لإقراض الدول المحتاجة
تتلخص الإجراءات التي يطلبها الصندوق الدولي من كل دولة تريد الاقتراض في هذه الشروط التي تشبه التعجيز:-
1- قيام الدولة الطالبة للقرض بتخفيض سعر عملتها.
2- إلغاء مختلف أشكال الحماية الجمركية للمنتوجات المحلية لأنها تؤدي حسب وجهة نظر الصندوق إلى غياب المنافسة الدولية وبالتالي انخفاض إنتاجية العمل في الدول الفقيرة.
3- إعطاء الحرية الكاملة لدخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدول الفقيرة من أجل تمويل الاستثمارات فيها ونقل التكنولوجيا إليها.
4- إلغاء الدعم عن جميع أسعار السلع الغذائية والمواد الضرورية لأن سياسة الدعم على حد زعم الصندوق لا تساعد تنمية النتاج المحلي من تلك السلع.
5- اتباع سياسة التقشف وشد الأحزمة على البطون في النفقات الحكومية مثل التعليم والتطبيب، والإنفاق على البُنى الأساسية.
6- تجميد الأجور والحد من العمالة الحكومية.
7- رفع الرقابة على الأسعار.
وقد يطلب صندوق النقد تطبيق بعض هذه الإجراءات أو كلها حينما تمد إليه بعض الدول المحتاجة يدها، فتجد نفسها بين نارين، نار الإفلاس الحكومي والمالي ونار الثورة الشعبية التي تأتي مباشرة بعد البدء في تنفيذ الإجراءات التي يطلبها صندوق النقد الدولي والأمثلة هنا كثيرة فما حصل في السودان أيام النميري هو خير دليل، وما حصل في تونس أيام بورقيبة وما حصل في الجزائر وما حصل في الأردن للدينار الأردني، وما حصل في لبنان للعملة اللبنانية، وما هو حاصل في مصر منذ عام ونصف ولا زال وهذا المثال سنتوسع فيه بعض الشيء حيث أن مصر على علاقة سيئة مع الصندوق منذ عام ونصف، وهي تعيش هاجس الثورة الشعبية إن هي رضخت لكل شروط الصندوق، وقد عجزت الحكومة المصرية عن إقناع الصندوق بإعادة جدولة ديونها التي بلغت المليارات، وقد حضرت بعثة صندوق النقد إلى مصر ودرست الوضع الاقتصادي لها على الطبية وطلبت من الحكومة عدة طلبات منها:-
1- إلغاء الدعم عن السلع والخدمات بشكل كلي.
2- توحيد سعر الصرف.
3- تجميد المرتبات لمدة 5 سنوات وتجميد تعيين الخريجين (مع أن البطالة تطال 3 ملايين خريج).
4- وقف إقامة أية مشروعات إنتاجية جديدة.
وتقول الأنباء بأن الحكومة المصرية التزمت بالشروط وبدأت بإلغاء الدعم عن السلع حتى أن سعر الخبز ارتفع إلى نسبة 300% وكذلك سعر السكر والشاي والكهرباء وتعرفة النقل بنفس النسبة أي 300%.
وتدخلت أميركا أيضاً إلى جانب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وطلبت من النظام المصري الامتثال للشروط المطلوبة وادعى حسني مبارك أنه قبل بالشروط المفروضة لكي يضمن استمرار تدفق القروض الخارجية.
ويتوقع المحللون أن تنعكس الإجراءات الاقتصادية التي بدأ النظام المصري بتطبيقها على استقرار النظام وقد يتحول إلى سودان آخر، خصوصاً وأن لقمة عيش الناس هي آخر خط أحمر بين النظام والناس، ولن يبقى بعدها من مجال للصبر عليه.
إن إجراءات صندوق النقد أحدثت ضجيجاً في أماكن أخرى من العالم غير العالم الإسلامي لأن شعوب العالم أصبحت تدرك مدى خبث أميركا وهيمنتها على الأجهزة النقدية والمالية العالمية، ففي تظاهرة نظمها حوالي مائة ألف متظاهر ألماني غربي خارج قاعة اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين كانت هتافاتهم «يسقط قتلة الشعوب» «ارفعوا أيديكم عن فقراء العالم الثالث» «يسقط صندوق النقد الدولي». وقد علق البعض على شروط الصندوق والتي طلبها من جمهورية غوايانا أخيراً بقوله: «أن تلك الشروط هي وصفة انتحار سريعة لحالة الاستقرار السياسي النسبي الذي تتمتع به».
صندوق النقد والديون
إن كارثة الديون في الدول الفقيرة تنذر بالخطر الشديد وتنذر بإعادة الاستعمار المباشر للبلدان المدينة حتى تتمكن الدول الدائنة من الحصول على الأموال التي أقرضتها، ولكن من أين أتت هذه الأموال؟ إنها من الأموال التي يودعها رعايا وحكومات الدول الفقيرة لدى بنوك الدول المقرضة، وحينما يتمنع صندوق النقد عن مد يد العون إلى تلك الدول المدينة فإنه يدفعها إلى الارتماء أكثر في أحضان الدول الدائنة والرضوخ لشروطها، لذلك فإن الاستعمار يكمل بعضه، واستنزاف الدول الفقيرة تشترك فيه الدول الرأسمالية إلى جانب المؤسسات التي تهيمن عليها كصندوق النقد، والخطر محدق من كل الاتجاهات ولا زالت الأنظمة التابعة في عواصم العالم الإسلامي تجتر أحلامها النفطية وكأن الأمر لا يعنيها، حتى أن بنك المصرف العربي والدولي للاستثمار قام مؤخراً بتوقيع عقد مع الاتحاد السوفياتي لبناء محطة تزلج تقدر قيمتها بحوالي 160 مليون دولار فهل هذا البنك يشعر بالمسؤولية وهل الأنظمة التي تملكه تشعر بالمسؤولية هي الأخرى، وهل الوقت الذي نمر به هو وقت بناء محطات تزلج؟ لا عجب في ذلك فلقد قامت أنظمة عديدة في الشرق بإنشاء محطات تزلج في قلب الصحراء، بالرغم من أن الأوضاع المالية لها تصعق وتصيب بالذهول وإلى من يريد المزيد من الأرقام نورد له بعض الأرقام الواردة في مقال للسيد محمود سيف الدين في مجلة الاقتصاد الإسلامي الصادرة في دبي:-
1- أن حجم الديون الخارجية للدول النامية بلغ عام 1988 حوالي 1,2 ترليون دولار أي (1200 مليار دولار).
2- أن الديون ارتفعت خلال ثلاث سنوات فقط من 950 مليار إلى 1200 مليار دولار.
3- إن ما يتلقاه صندوق النقد الدولي من أقساط سداد وفوائد يزيد على ما يقدمه من قروض بمقدار 5000 مليون دولار.
4- إن حجم ديون الدول الأفريقية يعادل ثلاثة أضعاف عائدات القارة الأفريقية من صادرتها السنوية.
5- المدير التنفيذي لمنظمة الطفولة (اليونيسيف) التابعة للأمم المتحدة صرح في أعقاب وفاة مليون طفل أفريقي خلال عامين «بأن الوفيات نتجت بشكل مباشر على عدم قدرة الحكومات الأفريقية على تحسين ظروف المعيشة حيث ذهبت قطاعات ضخمة من الميزانية لتسديد ديونها، إن مليون طفل لقوا حتفهم كعاقبة للدين، وتساءل هل يجب أن يموت أطفالنا جوعاً حتى نسدد ديننا؟».
بعد هذه الأرقام هل بقي عاقل في الدنيا يصدق بأن أميركا هي رائدة الدفاع عن حقوق الإنسان أو أن أميركا هي الحارس للسلام العالمي، أو أنها هي المدافع الأول عن ما تسميه (معايير السلوك الدولية)؟ كذبت والله، فهي وراء كل مصيبة في عالمنا الإسلامي منذ قامة بأول انقلاب لها في شمال أفريقيا وتحت شعار التحرر من الاستعمار (والإمبريالية). إن أميركا هي عدوة الشعوب حتى في لقمة عيشها فهل آن الأوان لهذه الشعوب أن تعرف كيف تقضي على رأس الأفعى وتكف عن الالتهاء بالذّنَب؟.
1989-02-05