العدد 316 -

السنة السابعة والعشرون جمادى الأولى 1434هـ – آذار 2013م

الرعب (الإسرائيلي) من الثورة السورية

بسم الله الرحمن الرحيم

الرعب (الإسرائيلي) من الثورة السورية

عصام الشيخ غانم

فرضت الثورة السورية نمطاً جديداً في التفكير السياسي والاستراتيجي لدى الساسة وأصحاب الرأي في دولة يهود، صحيح أن الثورة السورية- وهي أم الثورات في المنطقة العربية- قد صعقت تفكير السياسيين في المنطقة وحول العالم، إلا أن تأثيرها في دولة يهود صار يأخذ منحىً انقلابياً. وقد اضطر الساسة اليهود للخروج عن صمتهم المعتاد، فكشفت مصادر يهودية نبأ الاجتماع السري الذي عقده رئيس الوزراء نتنياهو مع ملك الأردن في عمان بخصوص تطورات الأوضاع في سورية، واللافت أن هذا الاجتماع كان مطولاً وتم فيه بحث خرائط محددة، ويرجح أن نتنياهو كان يطلب من الأردن استخدام سلاح الجو (الإسرائيلي) للأجواء الأردنية في قصف سوريا، وسرت إشاعات بأن المالكي رئيس وزراء العراق قد حضر هذا الاجتماع أيضاً. وبعد الاجتماع بأيام قامت طائرات (إسرائيلية) بالإغارة على منطقة في ريف دمشق كشفتها الصحف الأميركية، وأعلن عنها النظام السوري بعد ذلك، وأكدها وزير الدفاع اليهودي إيهود باراك بشكل ضمني في اجتماعات ميونيخ للأمن.

وقبل الغارة (الإسرائيلية) بأيام قليلة صرح نائب رئيس وزارء يهود سلفان شالوم بأنه «إن سيطر المتطرفون في سوريا على الأسلحة الكيماوية، وهم يقتربون من مواقعها في منطقتين في ريف دمشق والسفيرة في حلب، فإن (إسرائيل) ستقوم بضربات عسكرية وقائية»، وقال نتنياهو أيضاً «إذا ما تم نقل أسلحة كيماوية إلى متطرفين في سوريا فإن هذا شيء خطير للغاية، ولا يمكن لدول العالم التسامح فيه [الجزيرة 28/1/2013م]. وقد حصلت كل هذه التطورات في الأسابيع الأخيرة بعد أن كان ساسة يهود يعلنون اطمئنانهم بأن النظام السوري لا يزال يسيطر على الأسلحة الكيماوية، وكان ذلك على أثر موجة الهجمات الجريئة التي شنها الثوار السوريون على مواقع النظام في كافة أنحاء سوريا، واستولوا من خلالها على مواقع عسكرية جديدة، وغنموا من الذخائر والسلاح ما يمكنهم من مواصلة المعارك لإسقاط الأسد بثقة أكبر، ونقلت مصادر عن الجيش (الإسرائيلي) في 22/2/2013م «بأن الجيش السوري يقوم بسحب قواته من خطوط التماس في منطقة الجولان لتعزيزها في دمشق»، وكأن تلك المصادر تقول تاركاً الجيش (الإسرائيلي) أمام المجهول .

وأشار إلى ذلك الكاتب الأميركي توماس فريدمان، وقال في مقال نشرته له صحيفة نيويورك تايمز الأميركية واقتطفت الجزيرة نت مقتطفات منه في 10/2/2013م، وأضاف «إن بعض الجنرالات الإسرائيليين يرون الحرب المستمرة في سوريا خطراً استراتيجياً عظيماً يهدد إسرائيل بنفس الدرجة التي يشكلها خطر البرنامج النووي الإيراني عليها». وأوضح أنه «إذا ما تحولت سوريا إلى أفغانستان أخرى على الحدود الإسرائيلية، فإن الأرض السورية ستصبح بؤرة تعجّ بالجهاديين وبالأسلحة الكيمياوية وبصواريخ أرض جو، وكلها تنتشر بحرية في كل الأرجاء في الجوار الإسرائيلي في المنطقة».

وقد ذكرت وسائل إعلام عربية نقلاً عن مصادر يهودية بأن زيارة الرئيس أوباما المزمعة في الربيع إلى (إسرائيل) سوف تركز على بحث أثر الأوضاع المتفجرة في سوريا على (إسرائيل) بالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني. وكان لافتاً لكافة المراقبين أن حملة نتنياهو الانتخابية، وعلى عكس كافة التوقعات، لم تركز أبداً على البرنامج النووي الإيراني كما كان معتاداً منه، وهذا مؤشر واضح على الانقلاب الكبير الذي أحدثته الثورة السورية في العقلية الأمنية والسياسية لدى ساسة يهود. ولفهم حقيقة هذا الانقلاب ومداه، سنورد الحقائق السياسية التالية:

يحلو للبعض أن يتشدق بالممانعة والمقاومة والدور السوري المركزي في ذلك، تعلم (إسرائيل) أن كل ذلك هو للاستهلاك العربي المحلي، وما يهم (إسرائيل) هو حقائق أن حدودها مع سوريا كانت هي الأكثر هدوءاً منذ سنة 1967م، وكلما كانت (إسرائيل) تفحص حقيقة الموقف السوري عن طريق القصف الجوي منذ زمن حافظ أسد وابنه في مرات متعددة، وبالتأكيد لم يكن آخرها قصفها لما وصفته بالمفاعل النووي الذي كانت تقوم كوريا الشمالية ببنائه لسوريا في دير الزور، كانت- أي (إسرائيل)- تسمع نفس الأسطوانة المهترئة: «سنرد في الزمان والمكان المناسب».

كانت (إسرائيل) ولا تزال تنظر إلى القوة العسكرية السورية بخوف كبير، لكن ليس خوفها من مغامرات الأسد الذي جالسها في عدة لقاءات علنية برعاية تركية، ناهيك عن اللقاءات السرية، من أجل إيجاد حل لموضوع الجولان، لكن (إسرائيل) تخشى من أن يتسبب انقلاب عسكري بوقوع هذه القوة العسكرية بأيدي مخلصين، ولا شك أيضاً بأنها تولي اعتباراً وإن أقل درجة لاحتمال استخدام جزئي لهذه القوة وفق السياسات الأميركية التي تقتضي أحياناً تأديب (إسرائيل)، كما في توريطها في حرب 2006م في لبنان، والتي أخذت (إسرائيل) خلالها تستجدي أميركا لإنقاذها بتزويدها بالذخيرة التي نفذت، وبحفظ ماء وجهها عن طريق وقف إطلاق النار بقرار من مجلس الأمن لا بقرار (إسرائيلي)، الأمر الذي ماطلت فيه أميركا كثيراً من أجل إتاحة الفرصة لليهود ليدركوا بأن أمن دولتهم هو بيد أميركا، ويجب على (إسرائيل) التخلص من النزعات الاستقلالية عن أميركا لدى بعض ساستها.

يدرك العارفون بالعقلية الحاكمة في (إسرائيل) بأنها تفكر ببعد واحد هو الأمن، وأن هذه العقلية العرجاء لا شك بأنها الآن ترتجف من احتمال أن يمسك بزمام القوة السورية مخلصون، لا سيما بعد أن فشلت كافة السياسات الأميركية والأوروبية بوضع الثورة في سوريا تحت السيطرة، وهذا بالتأكيد يشعل المخاطر بقوة في العقلية (الإسرائيلية) التي أخذت في الفترة الأخيرة ترى تكدس غير مسبوق للمخاطر الأمنية الكبرى حول الدولة اليهودية.

يتبجح اليهود بقوة جيشهم دائماً، وهذه أسطورة تاريخية قد صنعتها لهم الهزائم المذلة لحكام العصر الجبري في مصر والأردن وسوريا ولبنان وغيرها، وبتغطية إنجليزية وأوروبية أولاً، ثم بتغطية أميركية، لكن اليهود قد أخذوا يتحدثون بأنفسهم عن انهيار نظرية الردع (الإسرائيلية)، وبدأ الحديث عن ذلك في ما يسمونه بالنزاعات منخفضة الوتيرة كالانتفاضات الفلسطينية التي كسرت الرعب العربي من الجيش اليهودي، ذلك الرعب الذي صنعه حكام سوريا ولبنان ومصر والأردن بتخاذلهم عن المنازلة والهزائم المتتالية أمام جيش يهود وكأنه جيش لا يقهر، لكن الحقيقة التي أذهلت اليهود هي أن نظرية الردع (الإسرائيلية) هذه قد سقطت أيضاً في النزاعات متوسطة القوة كالتي خاضتها (إسرائيل) في لبنان 2006م وفي غزة 2008م و2009م و2012م، ويعلم اليهود بأن سقوط هذه النظرية في حرب شاملة إنما يعني تلاشي دولة يهود، وأن تصبح أثراً بعد عين. لكل ذلك، فإن نمطاً من التفكير الحربي قد نما لدى الساسة اليهود وأسموه “حرب يأجوج ومأجوج” بداية بالبرنامج النووي الإيراني، وبعدها الربيع المصري قبل أن يتضح لهم أن أميركا لا تزال تمسك بزمام الأمور في مصر، وأخيراً بالثورة السورية، وعلى الأرجح أنه سيستقر في مخاطرها المتزايدة، ولن يخرج منها. أي أن السياسة (الإسرائيلية) ستبقى في الشمال، وسوف تستمر المخاطر بالتصاعد حتى تصل الذروة، وحينها تقرر (إسرائيل) خوض حرب شاملة ضد سوريا، وبها تكون نهاية دولة (إسرائيل) بإذن الله.

ترى (إسرائيل) أن المخاطر قد أخذت تتجمع حولها وبتسارع كبير، فلم يكد الساسة اليهود يحصرون المسائل الأمنية متوسطة الخطر لدولة (إسرائيل) بصواريخ غزة وجنوب لبنان، حتى برز البرنامج النووي الإيراني كخطر كبير لا بد من علاجه، وقد انساقت السياسات (الإسرائيلية) في السنوات القليلة الماضية في محاولة دفع هذا الخطر الإيراني، وكانت أميركا باستمرار تصدُّها عن أي هجوم قد تقوم به (إسرائيل) ضد البرنامج النووي الإيراني. وأمام الانتفاضات العربية في مصر وليبيا وتونس وقفت (إسرائيل) مذهولة مما يحدث، ورفضت أن تسميه ربيعاً عربياً، وأطلقت على تلك الانتفاضات شتاءً إسلامياً قارصاً في إشارة إلى تنامي المخاوف (الإسرائيلية) مما يمكن أن تؤول إليه أوضاع تلك الدول لا سيما مصر بعد موجات الاحتجاجات التي اجتاحتها، وترى (إسرائيل) وتدرك تماماً بأن الحكومات “الإسلامية” التي نتجت عن تلك الانتفاضات هي حكومات موالية للغرب تماماً، فعلاقاتها مع مصر لا تزال قائمة، بل إن قادة الإخوان المسلمين في مصر يغازلونها أحياناً إرضاءً لأميركا كما في تصريحات عصام العريان التي أوجدت ضجة كبيرة داخل مصر على أثر دعوته الترحيبية لليهود للعودة إلى مصر. ومن ناحية النظرة الأمنية بعيدة المدى في (إسرائيل) فإنها ترى في مصر خطراً أقل بكثير من سوريا، بسبب الفاصل الصحراوي الكبير في سيناء مما يتيح للجيش (الإسرائيلي) هامشاً كبيراً للحركة قبل أن تصبح الحرب داخل (إسرائيل)، وهذا الفاصل غير متوفر على الجانب السوري.

وأما في سوريا، فقد كان الوضع مغايراً لأوضاع الدول التي عصفت بها الانتفاضات، ففي سوريا كانت ثورة كاملة بكل المعاني الحقيقية للثورة، ولم تلوثها أيدي الناتو كما في ليبيا وتمسك بزمامها، ولم يتمكن الغرب من النفاذ إلى الثورة السورية لتلويثها بالمطالبات التي لا تسمن ولا تغني من جوع كالدولة المدنية وغير ذلك من الشعارات القاتلة للثورة، بل نصعت ثورة سوريا بإسلامها، وزاد على ذلك شدة الوحشية من نظام الأسد، فزاد كل ذلك الثورة إسلاماً ونقاوةً وصلابةً، وطفت إلى السطح مطالبها الشمولية بإقامة دولة الإسلام بديلاً عن نظام الأسد. وقد تسربت أنباء من المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) منذ بداية الثورة السورية بأن رأس المشكلة في ثورة سوريا كما تراها (إسرائيل) هي المخاوف من إمساك حزب التحرير بها، ذلك الحزب الذي يختلف عن كافة الأحزاب الأخرى بأن كل أبوابه مقفلة أمام (إسرائيل) وفق تلك التسريبات. والذي يخشاه القاصي والداني اليوم في سوريا هو فعلاً ثورة إسلامية بامتياز، وقد احتضنت فكرة حزب التحرير ونادت بكل صراحة ببناء الخلافة الإسلامية، وعلى ذلك توحدت الكثير من الكتائب والألوية العسكرية المقاتلة في سوريا.

تدرك (إسرائيل) تماماً حجم الخطر القادم من سوريا بسبب وجود ما تسمية “الجهاد العالمي” المتجمع فيها. وحسب النظرة (الإسرائيلية) فإن هذا الوجود يشكل خطراً أكبر من الدرجة المتوسطة ويرتقي للخطر الشامل، حتى ولو نتج عن الأزمة السورية وضع ما يسميه الغرب “الدولة الفاشلة” وأمراء الحرب مع بقاء جزئي للأسد، لأن تلك الجماعات ستبدأ خططها لمهاجة الأهداف اليهودية، ويخطئ من يظن بأن قادة يهود ينامون ليلهم وهم يشاهدون الكتائب المقاتلة تستولي على الطائرات القتالية في مطار الجراح العسكري بحلب، وكذلك كتائب مقاتلة أخرى وهي تستولي على الغنائم الاستراتيجية بالمقياس العسكري (الإسرائيلي) من مخازن السلاح السوري من صواريخ ومعدات للدفاع الجوي لا سيما في ريف دمشق. بل إن اليهود يخططون لرد فعل مؤكد؟

وأمام كل هذه الحقائق، وأمام الصورة القاتمة (إسرائيلياً) لمآلات الأوضاع السورية فإن (إسرائيل) تقلِّب  في كافة الأوراق على الطاولة في محاولة منها لإيجاد طريق النجاة أمام ثورة تزداد قوةً فوق قوتها، وإسلاماً فوق إسلامها، ومن الجدير الإشارة إليه أن التفكير (الإسرائيلي) في طريق النجاة يتزامن مع ارتباك دولي شامل من الثورة السورية، وتعلم (إسرائيل) بأنه لا يمكن التعويل على أي من القوى الدولية المرتبكة أصلاً في الموضوع السوري حتى تلتمس طريق نجاتها، هذا إن وجد أصلاً لها هذا الطريق، لكنها بالتأكيد تقلًّب الأوراق في محاولة إيجاده والسير فيه. وهي تفكر في طريق نجاتها تحت وطأة المتغيرات الأرضية لصالح الثوار في سوريا، وإذا كنا ندرك طبيعة التفكير (الإسرائيلي) الذي يغلِّب الناحية الأمنية على ما سواها فإننا ندرك بأن (إسرائيل) ستقع حتماً في خطأ قاتل يودي بها إلى ظلمات التاريخ مع مخاوف يهودية متنامية من هولوكوست جديد، لا سيما إذا تمادت في عدوانها على سوريا.

يدرك اليهود بأن الأوضاع في المنطقة الإسلامية قد تغيرت كثيراً ضد ما تشتهيه سفن يهود، بل إن بعضهم كان سباقاً إلى توقع المخاطر الشاملة حتى قبل الربيع العربي، فقد سئل الرئيس (الإسرائيلي) شمعون بيرس قبل اندلاع الربيع العربي بستة شهور عن سبب عناية (إسرائيل) بقوة جيشها في الوقت الذي يسود فيه الموات أوضاع الجيوش العربية، وأن الرؤساء والملوك العرب مسالمين للغاية في العلاقة مع (إسرائيل)، فأجاب ببضع كلمات معبرة خارقة، حيث رد بقوله “في مثل هذا الظرف يظهر صلاح الدين”.

وأما كيف يمكن أن تكون السياسة (الإسرائيلية) تُجاه الثورة السورية، فإنه يمكن الجزم بأن العقلية الأمنية والضربات العسكرية هي كل ما سيتمخض عن التفكير الأمني (الإسرائيلي) لمواجهة تطورات الأوضاع في سوريا، وإذا كانت (إسرائيل) ومنذ شهور قد بدأت بتحصين حدود احتلالها في الجولان مع سوريا ببناء الجدران والأشياك الأمنية واستبدلت وحداتها التقليدية التي كانت زمن سيطرة الأسد على الجانب الآخر من الحدود بوحدات من نخبة جيشها، وهي تقوم الآن بنصب كمائن افتراضية لهجمات تتوقع أن يقوم بها بين الحين والآخر “جهاديون” من أولئك الذين تتوسع سيطرتهم على الحدود السورية معها، إلا أن استمرار صمود الأسد أمام الثورة يشعل شيئاً من الدفء في صدرها، ولكنها لا تطمئن كثيراً إلى هذا الأمل، فأخذت توسع من نطاق أعمالها العدوانية، وقد بدأت فعلاً تجسُّ النبض في غارتها الأخيرة على ريف دمشق، ويحتمل أنها تقوم بغارات أخرى لاستهداف الأسلحة التي تعتبرها خطيرة في أيدي الثوار، ولا يعلن النظام السوري عن هذه الغارات، ولا يتمكن الثوار من تحديد أنها (إسرائيلية) في الوقت الذي تنهال فيه صواريخ الأسد وقذائفه وغاراته الجوية على القواعد العسكرية التي استولى عليها الثوار.

 ويجب أن يكون معلوماً بأن الثورة السورية الناصعة بإسلامها قد دقت كل أجراس الخطر في (إسرائيل) بدرجة أصبح معها البرنامج النووي الإيراني خطراً ثانوياً أمام النيران التي تقترب من شمالها، ومن السذاجة النظر إلى اجتماع نتنياهو مع ملك الأردن بصورة عابرة، فهو اجتماع أمني بامتياز، ويرجح أن الطائرات (الإسرائيلية) تخترق سوريا من جهة الأردن لأغراض المراقبة والتصوير والقصف.

ومع اقتراب لحظة الحقيقة على الساحة الدولية، وهي اللحظة التي ينفض فيها سياسيو أميركا أيديهم من أي قدرة على الحفاظ على نظام الأسد، وعندما يعلنون فشلهم الصريح بإيجاد بديل عميل لهم مثل معاذ الخطيب في ظل رفض الداخل السوري لأي حوار مع السفاح، فإن الحرب على سوريا قد تكون قيد الإعداد، وإذا كنا ندرك تماماً عجز أميركا عن القيام بهذه الحرب بعد العقدة العراقية وأنها قد أوكلت روسيا بالكثير من المهام الأمنية حول سوريا، فليس من المستبعد إدخال (إسرائيل)، وبشكل مدعوم دولياً على خط الحرب لمنع وقوع الحكم في سوريا بيد الإسلاميين المخلصين، وبالتالي تفلُّت المنطقة كلها من يد الغرب لمصلحة إقامة دولة الخلافة الراشدة التي ستأكل أخضرهم ويابسهم. وهناك أسباب غير (إسرائيلية) تدفع (إسرائيل) للقيام بمهمات عسكرية في سوريا. وهذه الأسباب تتمحور حول الفشل الأميركي في سوريا، وتكاد تكون أميركا قد استخدمت كافة أوراقها الممكنة في سوريا، من تركيا إلى تحريض روسيا ضد قرارات في مجلس الأمن، وإلى بعثات المراقبة العربية والأممية والمبعوثين الدابي وعنان والإبراهيمي والجامعة العربية، والآن مثلث تركيا-مصر-إيران، وكذلك لبنان. وكل هذا المسلسل من الفشل تزامن مع إفلاس للسياسة الأميركية في أخذ تبعية الثوار داخل سوريا، وكذلك المعارضة الخارجية المهترئة التي لا رصيد لها في داخل سوريا، وأخيراً فشل أميركا في حصار الثورة السورية بإمدادات السلاح. وتراقب أميركا بشكل محكم الحدود التركية والأردنية بقواتها. وفي الغرب والشرق فالمسألة موكولة لحزب الله والمالكي؛ وفي مقابل هذا الفشل رأى السوريون أن عناية الله أعظم من مكر أميركا، فكان مددهم من الغنائم التي يغنمونها من قواعد الأسد العسكرية التي يستولي عليها الثوار في المعارك.

وقد ظهر مجموع الفشل الأميركي في مبادرات مفلسة يطرحها الائتلاف السوري الذي أنشاه السفير الأميركي لدى سوريا فورد، الأمر الذي يلقى رفضاً شديداً في الداخل السوري، وهذا يدفع المراقب للجزم بأن أميركا بصدد سياسة الإخراج من سوريا، لذلك بدأت بنصب صواريخ باتريوت في تركيا للدفاع عن الحدود التركية –بالتأكيد ليس خوفاً من الأسد المتهاوي في الضعف، وإنما خوفاً مما بعد الأسد-. والذي يجب أن لا يغيب عن الذهن، أن الكفار يدركون حقيقةً النظام الإسلامي القادم في سوريا بعد الأسد، لذلك فإنه ليس من الوارد عندهم ترك مصالحهم للمجهول، وأن سياسات عملية يجري اتخاذها في هذا الإطار.

وإذا كانت أميركا، وهي تفكر بعنفوان “النظام الدولي الجديد” زمن بوش الأب، وتحارب العراق، قد طلبت من (إسرائيل) عدم التدخل رغم الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها من صدام حسين، خوفاً من أن تظهر دولة الممانعة- حافظ الأسد- الذي كان يحارب مع أميركا بعشرات الآلاف من الجنود السوريين- و(إسرائيل) في صف واحد، فتنكشف خطة الممانعة والمقاومة الأميركية في المنطقة لهذه الدول. نعم، إن أميركا اليوم ليست بصدد نفس التصرف، وقد احترقت معظم أوراقها في المنطقة، فأميركا الآن لا يمكنها التدخل العسكري القوي –أي إرسال مئات الآلاف من الجنود- بعد العقدة العراقية التي أصابت المجتمع الأميركي ولم يتعافَ منها بعد، وهذا مقرون بحدة الأزمة المالية التي تهدد عظمة أميركا عالمياً –أي ليس في الشرق الأوسط وحده-، فإن أميركا ومعها الغرب سيستخدمون القاعدة العسكرية الكبرى للغرب في المنطقة – أي (إسرائيل)- مع إسنادها بالذخيرة والطيران. ويستبعد أن تكون (إسرائيل) قد قامت بغارتها على ريف دمشق دون إذن أميركا، لأن الصحف الأميركية هي التي كشفت عنها،

إن (إسرائيل) لا شك أنها مرتبكة في تحقيق هذه الأهداف، فسوريا اليوم ليست سوريا الأمس، وقد جرى خلط كبير في خريطة القواعد العسكرية في سوريا، ومعظم المعلومات التي كانت متوفرة لـ(إسرائيل) لم تعد اليوم مهمة في ظل أن سلاح الأسد يستخدم فيما تريده (إسرائيل) من ناحية، والسلاح الذي يستولي عليه الثوار لا تستطيع (إسرائيل) تقييم وضعه بشكل كامل لأسباب متعددة، رغم مراقبتها للتحولات في الميزان العسكري داخل سوريا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تدخلها الآن سيسرع من انهيار الأسد. لكل ذلك تعيش (إسرائيل) حالة إرباك وعدم ثقة في طريقة التدخل في سوريا والتي تشجعها عليها أميركا، وهي تستمر في جمع المعلومات، وربما تستمر تلك العملية حتى سقوط النظام، لكن لا يوجد ما ينفي أنها ربما تقوم الآن بغارات جوية لا تعلن عنها لضرب أسلحة متطورة تقع بأيدي الثوار وتنسق في ذلك مع أميركا وعن طريقها مع الأسد.

وإذا كان من قدر الله تعالى أن يتجمع هذا العدد الكبير من الأعداء ضد الثورة في سوريا، ويؤيد ذلك حديث الرسول الكريم B «فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى بأرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ» فإن من طبيعة المؤمنين أن يزدادوا إيماناً بربهم امتثالاً لقوله تعالى: ] الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) [والمسلمون أهل لصدِّ كل هذه الغزوات، فقد ظهر وهن (إسرائيل) وهي تقاتل في غزة ولبنان، وهي دولة وهنها أكثر من قوتها، وقد يكون انهيارها أسرع بكثير مما يتوقعه كثيرون.

فعسى أن تكون أولى ثمرات سقوط الأسد هو قيام دولة الخلافة الإسلامية، وعندها تتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوَّة» رواه أحمد والتي ستكون أولى ثمراتها القضاء، إن شاء الله تعالى، على دولة يهود، وعندها تتحقق بشرى أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك حين قال فيما رواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون». وما ذلك على الله بعزيزq

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *