العدد 15 -

السنة الثانية – العدد الثالث – ذو الحجة 1408هـ، الموافق آب 1988م

نص (المقالة ـ الوثيقة) التي وزعت على المراسلين الأجانب في الجزائر، وحملت توقيع بسام أبو شريف

وزعت هذه (المقالة ـ الوثيقة) على المراسلين الأجانب، وخصوصاً الأميركيين منهم، وذلك خلال مؤتمر قمة الجزائر الذي انعقد أخيراً، وعنوانها: (وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية في تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية).

وحملت الوثيقة توقيع مستشار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية للشؤون السياسية بسام أبو شريف، وقال إنها تحظى بموافقة عرفات. ورغم أن غير منظمة وغير مسؤول قد انتقد الوثيقة المذكورة، فإن انتقاداتهم بقيت شكلية، ولم يطلبوا من عرفات أو من اللجنة التنفيذية للمنظمة تنصلاً منها.

وفيما يأتي نص الترجمة العربية الكامل للوثيقة، كما نشرته صحيفة (السفير) البيروتية في عددها الصادر في 18 حزيران الماضي:

“إن ما قيل حول النـزاع في الشرق الأوسط، تركز على الاختلافات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتجاهل النقاط التي يتفق عليها الطرفان بشكل كامل تقريباً.

هذه النقاط من السهل إدراكها، على الرغم من أن تراكم الشك والعداء المتبادلين طوال 70 عاماً قد حجب هذه النقاط… لكنها موجودة فعلاً، وفيها يكمن الأمل بأن السلام الذي فارق هذه المنطقة لفترة طويلة هو في النهاية في متناول اليد.

وإذا ما نزعنا طبقات الخوف وعدم الثقة التي كدسها القادة الإسرائيليون المتعاقبون على القضايا الجوهرية. فإنك ستجد بأن الفلسطينيين والإسرائيليين هم على اتفاق عام حول الأهداف الوسائل:

– إن هدف إسرائيل هو السلام والأمن الثابتين، كذلك فإن السلام والأمن هما هدف الشعب الفلسطيني أيضاً، ولا أحد يستطيع أن يفهم معاناة الشعب اليهودي على مدى قرن أكثر من الفلسطينيين، لأننا ندرك معنى أن يكون شعب من دون دولة عرضة لتخوف وتحامل الأمم. وبسبب الحكومات التي كان لها السلطة في تحديد نهج حياة شعبنا، فإننا نعرف ما يكون عليه الشعور عندما تعتبر كائنات بشرية أقل إنسانية من غيرها، وينكر عليها الحقوق الأساسية التي يفترض أن تتمتع بها شعوب العالم كله بشكل بديهي.

– إننا نشعر بأن ليس هناك من شعب ـ سواء كان الشعب اليهودي أم الشعب الفلسطيني ـ يستحق الظلم وحرمان الحقوق وسوء المعاملة، وهي الأمور التي تدفع به حتماً إلى اليأس. إننا نؤمن بأن لكل الشعوب ـ بما فيها اليهودي والفلسطيني ـ الحق في إدارة قضاياها الخاصة، وأن تتوقع من الشعوب المجاورة لها ليس فقط عدم التدخل في هذه الشؤون، بل أن تتوقع منها نوعاً من التعاون السياسي والاقتصادي الذي من دونه لا يمكن لأية دولة أن تضمن أمنها. مهما كانت قوة آلتها الحربية والذي من دونه أيضاً لا يمكن لأية دولة أن تزدهر حقاً مهما تكرم عليها أصدقاؤها البعيدون.

– إن الفلسطينيين يريدون هذا النوع من السلام والأمن الثابتين لأنفسهم وللإسرائيليين أيضاً، لأنه لا يمكن أحد أن يبني مستقبله الخاص على أنقاض الآخر. إننا واثقون بأن هذه رغبة وهدف كل الإسرائيليين باستثناء أقلية ضئيلة منهم.

l إن الوسائل التي تريد إسرائيل من خلالها إنجاز سلام وأمن دائمين هي المفاوضات المباشرة، من دون أية محاولة من جانب أي طرف خارجي لفرض أو نقض التسوية.

– إن الفلسطينيين يوافقون على هذا الأمر، وإننا لا نرى أن هناك إمكانية لحل أي خلاف من دون مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية بهذا الخلاف، ونعتبر أن أية تسوية تفرض من قبل قوة خارجية، هي تسوية غير مقبولة من الطرفين، وبالتالي تسوية لن تستطيع مواجهة اختبار الزمن. إن مفتاح التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية يكمن في مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين إن الفلسطينيين يخدعون أنفسهم إذا ما اعتبروا أن مشكلتهم مع الإسرائيليين.

– إن وزير الخارجية الأميركية جورج شولتس سيعود قريباً إلى الشرق الأوسط لإجراء المزيد من المحادثات حول اقتراحاته بشأن السلام في المنطقة ـ والإسرائيليون سيخدعون أنفسهم إذا ما اعتبروا أن مشكلتهم مع الفلسطينيين يمكن أن تحل من خلال مفاوضات مع غير الفلسطينيين بمن فيه الأردن.

– إن الفلسطينيين يرغبون في اختبار محاوريهم الإسرائيليين، وإننا لا نشك على الإطلاق بإمكانية التوصل في غضون شهر إلى تسوية مرضية مع (حركة السلام الآن) على الرغم من أن مثل هذا الاتفاق لن يكون اتفاقاً مع إسرائيل، وبما أن ما نعمل لأجله هو التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، فإننا مستعدون للتحدث مع (حزب العمل) الذي يتزعمه شمعون بيريز ومع (تكتل الليكود) الذي يتزعمه إسحاق شامير، أو مع أي طرف آخر يختاره الإسرائيليون لتمثيلهم.

– إن الإسرائيليين وشولتس يفضلون أيضاً التعامل مع فلسطينيين يختارونهم بأنفسهم، إلا أنه سيكون من العبث بالنسبة لهم كما لنا، التحدث إلى أشخاص غير مكلفين بالتفاوض، وإذا كان ما يسعون لأجله هو التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين كما نفترض نحن فإنه ينبغي عليهم لذلك التفاوض مع ممثلي هذا الشعب، والشعب الفلسطيني اختار بالوسائل المتوفرة لديه ممثلين عنه. إن كل فلسطيني سئل من قبل دبلوماسيين أو صحافيين أجانب عن ممثليه، أكد بما لا يترك مجالاً للشك بأن ممثله هو منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا ما نظر لهذا الأمر على أنه تعبير عن الإرادة الفلسطينية الحرة، ينبغي بالتالي منح الفلسطينيين إمكانية التعبير عن إرادتهم الحرة بطريقة تقنع جميع المشككين، وإن من شأن استفتاء يطرح على فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة بإشراف دولي، أن يسمح للشعب الفلسطيني الاختيار بين منظمة التحرير الفلسطينية وأية مجموعة أخرى من الفلسطينيين تقترحها إسرائيل أو الولايات المتحدة أو المجموعة الدولية. إن منظمة التحرير مستعدة للالتزام بنتيجة مثل هذا الاستفتاء وبإفساح المجال أمام أية قيادة بديلة قد يجري اختيارها من قبل الشعب الفلسطيني، إن منظمة التحرير ستفعل ذلك، لأن سبب وجودها ليس خراب إسرائيل بل إنقاذ الشعب الفلسطيني وحقوقه بما فيها حقه في تحديد مصيره والتعبير عن رأيه بشكل ديمقراطي.

– وبمعزل عن الصورة الشيطانية التي ينظر بها في الولايات المتحدة وإسرائيل إلى نضال منظمة التحرير الفلسطينية، فالواقع أن هذه المنظمة تبقى قائمة على مبادئ ديمقراطية تعمل لأجل أهداف ديمقراطية، وإذا أدركت إسرائيل ومؤيدوها في الإدارة الأميركية هذا الواقع فستزول المخاوف التي تمنعهم من القبول بالمنظمة كالمحاور الوحيد الممكن للتوصل إلى تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية.

هذه المخاوف كما تبدو من خلال ما كتب وقيل في إسرائيل والولايات المتحدة تركز على فشل منظمة التحرير في الموافقة غير المشروطة على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338، وعلى خطر قيام دولة فلسطينية في القطاع وغزة تكون متطرفة وتوتاليتارية فلسطينية ـ إسرائيلية.

بأي حال فإن منظمة التحرير تقبل بالقرارين 242 و338، لكن ما يمنعها من البوح بذلك بصورة غير مشروطة ليس مضمون القرارين بل ما لم يرد فيهما، لأنهما مل يشيراً إلى الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير المصير والتعبير بحرية عن آرائه. ولهذا السبب وحده أكدنا مراراً أننا نقبل بالقرارين 242 و338 في إطار قرار يصدر عن الأمم المتحدة ويعترف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

أما في ما يتعلق بخطر قيام دولة فلسطينية تكون مصدر تهديد لجيرانها، فإن الطابع الديمقراطي لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التشريعية والتنفيذية والجماهيرية تدحض مثل هذا الاحتمال. وإذا كان ذلك لا يشكل ضمانة قوية كفاية لقيام دولة فلسطينية ديمقراطية، فإن الفلسطينيين يتقبلون فكرة تحديد فترة انتقالية تخضع فيها الأراضي العربية المحتلة لوصاية دولية توجهها نحو الدولة الفلسطينية الديمقراطية.

بعد ذلك، فإن الفلسطينيين سيوافقون ـ بل سيصرون، على ضمانات دولية لأمن جميع دولة المنطقة بما فيها فلسطين وإسرائيل. وإن رغبتنا في الحصول على مثل هذه الضمانات هي الحافز لمطالبتنا بمفاوضات سلام ثنائية مع إسرائيل تتم في إطار مؤتمر دولي تشرف عليه الأمم المتحدة.

– إن الفلسطينيين يشعرون بأن لديهم مبررات للخوف من إسرائيل بسبب آلتها الحربية وترسانتها النووية، أكثر من المبررات التي يشعر بها الإسرائيليون تجاههم. ومع ذلك، فإنهم سيرحبون بأي إجراء منطقي عقلاني من شأنه أن يطور أمن دولتهم والدول المجاورة، بما فيه نشر قوة عزل دولية على الجانب الفلسطيني من الحدود الإسرائيلية ـ الفلسطينية.

– إن الزمن ـ الذي هو أحياناً أفضل بلسم للجراح ـ هو غالباً المفسد الأكبر. ومما لا شك فيه أن العديد من الإسرائيليين يدركون ذلك وينقلون شعورهم هذا إلى باقي شعبهم. أما في ما يتعلق بنا، فإننا مستعدون الآن للسلام وقادرون على تحقيق ذلك، وأملنا أن لا تفوت الفرصة المتاحة حالياً للوصول إلى هذا الأمر.

– وفي حال فوتت هذه الفرصة فسيكون علينا الاختيار بين الاستمرار في ممارسة حقنا في مقاومة الاحتلال لأن هدفنا النهائي هو أن نكون أحرار نعيش بكرامة، وأن تكون لنا حياة آمنة ليس لأطفالنا فقط بل لأطفال إسرائيل أيضاً”q

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *