العدد 15 -

السنة الثانية – العدد الثالث – ذو الحجة 1408هـ، الموافق آب 1988م

طريق العزة

الكتاب: طريق العزّة

المؤلف: يوسف أحمد السباتين

تاريخ النشر: 1403 هـ ـ 1983(1)

“لقد آن الأوان لأمة جعلها الله أمة وسطاً بين الأمم، وأوجب عليها حمل الدعوة الإسلامية للعالم، أن تؤوب إلى إسلامها فتتخذه عقيدة عقلية لها، ونظاماً كاملاً شاملاً، فتتبناه طريقة لها في العيش، فتجعل من عقيدته قاعدة لأفكارها، ومن أحكامه حلولاً لمشكلاتها، ومن مجموع مفاهيمه حضارة لها، ومن أفكاره رسالة إلى العالم وقيادة فكرية له. فبالإسلام وحده اقتعدت مكان الصدارة بين الشعوب والأمم، فهو وحده سبب انتصارها وطريق عزتها، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون”.

توطئة:

هذا الكتاب جامع يتناول واقع الأمة الإسلامية اليوم، والواقع الذي أراد لها الله تعالى أن تكون عليه ، ويبين الطريق العملي للانتهاء من الواقع الفاسد إلى الواقع الصحيح.

وقد تناول هذا الموضوع كثير من الكتاب، وظهرت منشورات عديدة تبحث في أسباب تخلف الأمة الإسلامية وانحطاطها إلى دركات الذل والهوان بين أمم العالم. لكن جميع تلك الكتب والمنشورات التي صدرت لم تكن إلا أحد نوعين:

الأول: سطحي لا يتوصل إلى الأسباب الحقيقية لتخلف الأمة، وبالتالي يعجز ن تقديم الحل الشافي لواقعها.

الثاني: تناول الموضوع عن خبث، وصرف الأنظار عن عمد مكشوف إلى غير الأسباب الحقيقية. وقد انبرى لذلك فئة من الكتاب المعاصرين، ادعوا الحرص على الإسلام وأهله، وحاولوا استيعاب يقظة الأمة الإسلامية وإقبالها على الإسلام ليحرفوا المسيرة. وقد دعا هؤلاء فيما دعوا إلى اتباع الغرب وتقليده، التماساً ـ فيما يزعمون ـ للوصول إلى ما وصل إليه من أسباب المدنية والتقدم. لكن فات هؤلاء ـ ولعلهم تجاوزوه عن عمد ـ أن أسباب المدنية شيء، والتخلف والانحطاط شيء آخر، حتى لتعد أكثر البلاد مدنية أشدها انحطاطاً.

المقدمة:

بعد بيان الكيفية التي استطاع بها الغرب الكافر تحطيم الأمة الإسلامية، حيث عمل على إضعاف العقيدة الإسلامية في النفوس، وإقصاء أحكام الشرع الإسلامي عن الدولة والحكم، وأوجد الأحزاب التي تدعو إلى الكفر كالاشتراكية والقومية لإثارة التناقضات في المجتمع. بعد بيان ذلك، يدعو الكاتب متبوئي المراكز القيادية في الأمة: “أرأيتم معشر القادرين على تصحيح الأوضاع لو كنتم على علم بحال هؤلاء الناس وأنتم قادرون على إنقاذهم، فتركتموهم يهلكون، أيكون ذنب أكبر من ذنبكم، وإثم أعظم من إثمكم؟ إنكم بعملكم هذا تنقذون أمة من الهلاك، وتخلصون شعوباً من الدمار. فهل هناك عمل يثيب الله عليه أعظم من العمل لإعادة سلطان الإسلام بعد أن دثر؟ وإحياء القرآن بعد هجر؟ فهلموا أيها المؤمنون لعمل أوجبه الله عليكم، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وقد وعدكم الله ليستخلفنكم في الأرض وليمكنن لكم دينكم الذي ارتضى لكم“.

طريق النهضة:

“إن السبيل الوحيد الذي تتقدم به الأمم هو النهضة، والنهضة هذه هي الارتفاع الفكري، وليست كما يظن البعض أنها الارتفاع الاقتصادي وإلا لكانت الكويت في مقدمة الدول الناهضة، وليست هي الارتفاع الخلقي أيضاً لأنه لو كان الأمر كذلك لكانت المدينة المنورة أرقى مدن العالم”.

وهذا الارتفاع الفكري هو في وجهة النظر في الحياة وما يتعلق بها لأنه الفكر الأساسي في الحياة الذي يتحكم في كل فكر آخر. فإذا ارتفعت الأمة في تفكيرها، وصارت تنزل الفكر على الواقع بناء على وجهة نظرها في الحياة، فإنها تصبح في مأمن من التخلف والانحطاط، وتصبح على درب الارتفاع والسمو.

وهذا يتطلب ـ كما يقول الكاتب ـ أن تكون الأفكار حيّة في الأمة، تعطى وتناقش ويلمس واقعها في الحياة، وذلك فردياً وجماهيرياً. وإذن “لا تحصل النهضة ولا تتقدم الأمة بكثر طباعة الكتب وتوزيع النشرات ولكن الكتب والنشرات تسهل على الناس الإطلاع على ما فيها من معلومات… أما تنـزيل ما فيها من أفكار على الوقائع الجارية فيهتم ويرسخ في الذهن وتحصل به القناعات بالمناقشة وتبادل الآراء“. وهذا يتطلب وجود جماعة من الناس يعطون هذه الأفكار حية، وهذه الجماعة هي حزب سياسي يكون في مجموعة كياناً مؤثراً في المجتمع.

وبعد مناقضة المبادئ المختلفة (وهي الاشتراكية والرأسمالية والإسلام)، نتوصل إلى حقيقة لا لبس فيها: (الإسلام وحده طريق النهضة)

المسؤوليات العامة

وهي أمور خوطب بالتكليف فيها كل المسلمين أو جماعة منهم، “بحيث لا يتأتى الأمر المطلوب إلا من قبلها أو من قبل من ينوب عنها“. وهي بشكل عام أمور يصح وصفها بأنها مصيرية، لأنها هي التي تعطي المجتمع الإسلامي سمته وتميزه عن غيره. ومثل هذه المسؤوليات تضمن استمرار المجتمع وبقاؤه وتحفظ حياته، وقد ذكر المؤلف أهمها، وهي التالية.

حمل الدعوة الإسلامية:

وتقوم به الدولة الإسلامية لدعوة الكفار من الشعوب والأمم، وطريقته الشرعية هي الجهاد. وهناك أيضاً الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية وذلك بإقامة دولة الإسلام وتطبيق نظامه، حين يَزول سلطان الإسلام وينعدم وجود دار إسلام.

أما الدولة فيتطلب حملها للدعوة إعداداً وقوة. وأما دعوة المسلمين لإعادة حكم الإسلام فتتولاها جماعة من الناس تشكل حزباً أو كتلة. وكلتا الدعوتين لها طريقة شرعية.

وتطرق المؤلف إلى ما يتوقع أن يلاقي العاملون لاستئناف الحياة الإسلامية من إعراض من الناس، وتصد وملاحقة من أصحاب السلطان في النظام القائم، وفي ذلك بيّن ضرورة الكفاح والنضال والصبر على الأذى والتضحية وتقديم طاعة الله على كل الأمور الأخرى.

إقامة الخلافة وتطبيق نظام الإسلام:

بعد بيان الأدلة الشرعية التفصيلية الدالة على وجوب إقامة الخلافة، ومبايعة خليفة على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، يتطرق الكاتب إلى بعض الأسس العملية لضمان استمرار تطبيق الإسلام دون غيره في المجتمع الإسلامي:

1- ضرورة التزام الحاكم بالإسلام وضرورة محاسبة الأمة له.

2- ضرورة التصدي للحاكم فيما لو أراد تطبيق قانون ليس من الإسلام.

3- إشارة إلى الحكام القائمين اليوم على المسلمين، ودعائم حكمهم.

4- تطرق المؤلف إلى أولئك النفر من الحكام الذين يتحايلون على الأمة بإعلان تطبيق الشريعة الإسلامية، بينما لا يعدو الأمر تطبيق بعض الحدود في ظل قوانين كفر. ودعا إلى تحري صدق هؤلاء الحكام في الأمور التي لا يستطيعون المراوغة فيها، كالعلاقات الدولية والنظام الاقتصادي والملكية العامة…الخ

5- وحدة الدولة ووحدة الأمة، وذلك في مواجهة تكتل الكفار. وقد جاءت نصوص القرآن والحديث تأمر الأمة بالتماسك، وتحرم تفرقها في أكثر من كيان.

الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وفي ذلك يبين الكاتب سبب الجهاد وهدفه، وفرضيته وأنواعه، ويرد على الشبهات التي أوردها المستشرقون.

كما يبين أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهمها محاسبة الحكام.

مسؤوليات الحكام:

1- نصح الأمة وبث الوعي فيها.

2- رعاية شؤونها وعدم التقصير في ذلك.

3- الحفاظ على الأموال العامة.

4- الحكم بما أنزل الله ضماناً للطاعة والقبول من جانب الأمة.

وبيّن الكاتب أن في هذه الأمور ما يضمن استمرار المجتمع وبقاءه. وواجب الأمة تجاه الحكام حين يقصرون في تأدية واجباتهم محاسبتهم، وذلك بالوسائل التالية:

1- عن طريق مجلس الشورى.

2- عن طريق الأحزاب السياسية القائمة على العقيدة الإسلامية.

3- عن طريق أفراد الأمة.

4- محكمة المظالم التي لها صلاحية عزل الحاكم.

ويرى المؤلف أن العلاج الجذري في حال انتشر الفساد بين الناس، وبعد الناس عن الإسلام ورفضوا الانصياع لأحكام شريعته هو وجود الحزب السياسي الذي يقوم على الإسلام. فوجود مثل هذا الكيان الفكري عاملاً في الأمة داعياً للإسلام ناشطاً في بث الوعي في الأمة هو الضمانة لاستمرار حرص الأمة على الإسلام وقيامها على تطبيقه.

نشوء الدولة وطريق إقامتها:

يتطرق المؤلف إلى مضمون الدولة الإسلامية وشكل أجهزتها، ويبحث في كيفية استمرارها وبقائها وتعاملها مع أنظمة الكفر الأخرى، ويؤكد على ضرورة وجود التقوى في الأمة، متجسداً في الأحزاب المسلمة التي تعبر عن رأيها وتقوم على حماية حدود الدين وصونه.

أما كيف تنشأ الدولة، فيبين الكاتب أن الدولة تقوم حين تجتمع مجموعة من الناس على مصالح معينة لرعاية هذه المصالح. وحين يكون هناك مجموعة فاعلة في المجتمع (هي الحزب)، فإن مثل هذه المجموعة يمكنها أن تحمل الناس على قبول أفكارها إذا كانت صحيحة. وبذلك، فإن الطريقة العلمية لإقامة الدولة الإسلامية، كما بينها عمل الرسول تكون بما يلي:

1- تأسيس كتلة وبناؤها على العقيدة الإسلامية.

2- انطلاق هذه الكتلة في الصراع الفكري والسياسي، حتى تتغلب الفكرة الإسلامية على غيرها من الأفكار.

3- طلب النصرة والمنعة لحماية بيضة الإسلام، وبالتالي تأسيس الدولة في منعة وقوة.

وأخيراً، يبحث الكاتب فيما يتطلبه واقع الأمة اليوم من تضحيات جسام، وصبر على أذى الحكام، وثبات أمام الخطوب والشدائد على الحق، وإيثار العقيدة على الحياة، دون التفات إلى قلة المؤيدين أو كثرتهم، أو إقبال الناس أو إعراضهم.

اللهم مكن العاملين من إقامة دولة الخلافة لتنفيذ أحكامك وحمل دعوتك، إنك على ما تشاء قدير. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين“.

(1) طبع من هذا الكتاب ثلاث طبعات، كان آخرها العام 1403 هـ. وهناك محاولة حديثة لإعادة نشرة تقوم بها دار النهضة الإسلامية ـ بيروت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *