العدد 314 -

السنة السابعة والعشرون ربيع الأول 1434هـ – كانون الثاني / شباط 2013م

القُنُوتُ في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

القُنُوتُ في الصلاة

جاء في كتاب «الجامع لأحكام الصلاة» لأبي إياس محمود بن عبد اللطيف بن محمود (عويضة): أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء، ومن هذا المعنى تفرعت معانٍ عدة. وأما في الشرع فهو دوام الطاعة لله عزَّ وجلَّ، ومنه قوله عزَّ وجلَّ: ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)  ). وقوله تعالى: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) ). وقوله سبحانه ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)  ). وكثير غيرها، وكلها تعني دوام الطاعة لله عزَّ وجلَّ وما تستلزمه الطاعة من تذلل وخضوع

إلا أن هذه اللفظة قد استُعملت لمعانٍ أخرى في الشرع، فربما أُطلقت وأُريد بها الدعاء، ومنه ما رُوي عن البراء بن عازب رضي الله عنه «أن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب» رواه الترمذي. وما رُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال «قنت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  شهراً بعد الركوع يدعو على أحياءٍ من العرب ثم تركه» رواه ابن حِبَّان.

وربما أُطلقت وأُريد بها طول القيام، ومنه ما ورد عن جابر رضي الله عنه أنه قال «سُئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أي الصلاة أفضل ؟ قال: طول القنوت» رواه أحمد والترمذي وابن حِبَّان وابن ماجة. قوله طول القنوت: أي طول القيام.

وتطلق لفظة القنوت ويُراد بها السكوت والامتناع عن الكلام، ومنه ما ورد عن زيد ابن أرقم رضي الله عنه أنه قال «كنا نتكلم في الصلاة، يُكلِّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )، فأُمِرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام. رواه مسلم وأبو داود والترمذي. فكلمة قانتين في هذه الآية تعني ساكتين مُمْسِكين عن كلام الناس.

فالقنوت مدار البحث إذن هو الامتناع عن الكلام مع الناس وعدم مخاطبة الآدميين، والاقتصار في الصلاة على مخاطبة الله سبحانه دون سواه، لتبقى الصلاة كلُّها لله، ولتبقى الطاعة كلها له، ولتبقى العبادة كلها خالصة لله رب العالمين. فأيُّ كلام مع غير الله هو قطعٌ لطاعة الله، وهو وقفٌ للقنوت، وبالتالي هو إنقاص للصلاة. فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول: «إن الرجل لينصرف وما كُتِب له إلا عُشْرُ صلاته تُسُعُها ثُمُنُها سُبُعُها سُدُسُها خُمُسُها رُبُعُها ثُلُثُها نِصْفُها» رواه أبو داود. فإذا صلى المسلم فأدى واجبات الصلاة كلَّها ولم يرتكب حراماً حصَّل صلاة تامة، وإن انتقص من واجباتها شيئاً أو ارتكب حراماً حصَّل صلاة ناقصة بقدر ما انتقص من واجباتها أو فعل فيها من حرام، حتى يصلي فلا يحصِّل إلا عُشْر صلاةٍ أو ربعَ صلاة أو نصفَ صلاة، وروى أبو يعلى وعبد بن حميد وفيه «… وإذا كنتم في الصلاة فاقْنُتُوا ولا تَكَلَّموا». قوله فاقنتوا ولا تكلَّموا صريحُ الدلالة على أن القنوت يعني السكوت والامتناع عن الكلام.

ورد عند الشعراوي في تفسير قوله تعالى ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( ويريد الحق سبحانه أن نقوم لكل صلاة ونحن قانتون، وأصل القنوت في اللغة هو المداومة على الشيء، وقد حث القرآن الكريم على ديمومة طاعة الله ولزوم الخشوع والخضوع، ونرى ذلك في قول الحق الكريم:( أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)).»

وجاء عند ابن كثير (رحمه الله) في تفسير قَوْلُهُ تَعَالَى( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ): “أَيْ خَاشِعِينَ ذَلِيلِينَ مُسْتَكِينِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مُسْتَلْزِمٌ تَرْكَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ لِمُنَافَاتِهِ إِيَّاهَا، وَلِهَذَا لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى (ابْنِ مَسْعُودٍ) حِينَ سَلَّمَ عليه وهو في الصلاة قال: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا»، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وذكر الله»”.

وجاء في كتاب «التيسير في أصول التفسير» لمؤلفه عطاء أبو الرشتة (أمير حزب التحرير) حفظه الله تعالى عند تفسيره قوله تعالى: ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) “أي خاشعين بدون كلام من غير الصلاة. أخرج البخاري ومسلم عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم على عهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حتى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )    فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «أتيت النبي  صلى الله عليه وسلم  وهو يصلي، فسلمت عليه، فلم يردَّ عليَّ، فلما قضى الصلاة قال: إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك السلام إلا أنه أمرنا أن نقوم لله قانتين لا نتكلم في الصلاة»”q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *