خطبة جمعة من سوريا الشام (2)
2013/01/29م
المقالات
2,459 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة من سوريا الشام (2)
هذه خطبة جمعة ألقاها أحد شباب حزب التحرير في سوريا تناول فيها موضوع الولاء لله وحده، وما يقتضيه من استمداد العون منه وحده، منزلاً ذلك على واقع ما يحدث في سوريا، مبيناً كيف كانت السيرة المضيئة للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب ليستنير بها الثوار المؤمنون المخلصون، وحتى لا ينخدعوا ببهرجة الباطل. ومما جاء في الخطبة مع بعض التصرف الخفيف، بعد الاستهلال بذكر الله تعالى وحمده والثناء على رسوله الكريم:
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة المسلمون، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) )
أيها المسلمون: متى كانت الذئاب راعية الغنم؟! ومتى كان السارق أميناً على أموال المسلمين وعوراتهم؟! ومنذ متى كان الغرب رؤوفاً بالمسلمين؟!.
لقد بيـَّن الله تعالى في الآية السابقة حقيقة أعدائه وأعدائنا، وحقيقة المعركة والصراع، إنه الصراع حول الدين ولا شيء غيره، وها هو وزير العدل الأميركي يصرح بذلك فيقول: «إن المشكلة إنما تكمن في الإسلام ذاته وليس في بعض من يعتنقونه… وإن الله يحض في القرآن على البغض».
إن الواجب على المسلم مما سبق وبان له أن يلتزم مبدأ المفارقة التامة بينه وبين جميع المعسكرات التي لا تعتقد معتقده، ولا تنهج نهجه، ولا ترفع رايته.
إنه من المقطوع به أن كشف مخططات العدو وما يضمره هو من أهم أسباب النصر المبين، فالله سبحانه كشف لنا خططاً سرية فضح لنا من خلالها حقيقة العدو وما يضمره ويخفيه، وحذرنا من أن نناصرهم أو نلتمس النصر منهم أو أن نستغيث بهم في حربنا ضد أي كان، فلماذا كل هذا التحذير للمسلمين من الله سبحانه؟ لقد بيَّن ذلك سبحانه بقوله: (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) لا يألونكم خبالاً أي لا يقصرون في إفساد وضياع دينكم، فكيف تأمنونهم على دينكم وقد رأيتم كيف اتخذوا دينكم هزواً ولعباً فسخروا من نبيكم الأعظم في المجلات والأفلام والمسرحيات؟! كيف تأمنونهم على دينكم وقد سخروا من حجاب نسائكم ومن المؤمنات الطاهرات؟! هذا ما بدا من أفواههم وما يضمرونه لهو أشد وأكبر وأعظم مما بدا وظهر، فهذا بيان واضح من الله سبحانه لتحددوا من خلاله موقفكم منهم ونظرتكم إليهم.
لكن لربما يسأل سائل: إنهم يعطون القروض ويرعون حقوق الإنسان ويغيثون المنكوبين واللاجئين، فلماذا لا نستجير بهم؟ فما هو الرد الإلهي؟ يقول الله تعالى عن ذلك : ( هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)). فهذه الآية تبرهن وبشكل واضح ومستنير أن هؤلاء الكفار مهما بدت منهم الابتسامات وأظهروا المودات فإنها لا تعدوا أن تكون تضليلاً و تمويهاً عن أهدافهم اللعينة الخبيثة؛ لأنهم يدركون تماماً أن من كان له السبق في تقديم المساعدات والقروض المالية فإنه سيعود بأحقية استثمار الشركات وبالشروط التي يراها ويتحكم بها بمصير البلاد والعباد،كما هو الحال المشاهد في بلاد المسلمين التي تكالب الغرب عليها برمته. وها هو وزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز يصف برنامج المعونات الأميركية في مقدمة تقريرٍ خاص صدر عن الخارجية الأميركية عام 1983م على أنه «أداة أساسية من أدوات سياسة أميركا الخارجية، وأنه يرتبط ارتباطًا مباشرًا بأمن أميركا القومي وازدهارها الاقتصادي”. هذا وقد علق كثير من المراقبين المسلمين وغير المسلمين على أن هذه القروض والمنح هي نقمة وليست نعمة، وأنها مصالح وليست منح… فهل أنتم تنتظرون من عدوكم من أميركا وبريطانيا وفرنسا ومن لفَّ لفَّهم ودار في فلكهم، هل تنتظرون منهم الانتصار لكم؟ وهل تجدون بعد ذلك كله أن تضعوا أيديكم في أيديهم التي مازالت ملطخة بدماء إخوانكم في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها.
إن التحالف قبل الإسلام كان موجوداً بين أهل المدينة وأهل الكتاب؛ وذلك بسبب تقاطع المصالح بينهم، لكن لما جاء الإسلام نزلت آياته بتحريم ذلك على المؤمنين، وتحريم كل ولاء لغير المسلمين، فقد روى البيهقي أن قبيلة بني قينقاع جاءت لتقاتل إلى جانب المسلمين، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أوتسلموا؟ قالوا : لا. فأمرهم أن يرجعوا وقال: نحن لا نستعين بالمشركين، فأسلموا.
لقد جعل الإسلام بلاد الكفار دار حرب، وأمر المسلمين بجهادهم، وحرم عليهم الاستعانة بهم، أو موالاتهم ومناصرتهم، منذراً سبحانه من يفعل ذلك من الذي آمنوا أنه منهم، مبيناً أن في قلوب هؤلاء مرض، قال تعالى: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)). لقد ظهر أيها المسلمون وبان، من هذا البيان أن الذي يتولى أعداء الله والمشركين ويضع يده في يدهم ويطلب منهم النصر والعون والنجدة في ما يحدث في بلاد الشام عقر دار الإسلام، فإنه يناصف طاغية الشام في سفك دماء المسلمين.
أيها المسلمون تنبهوا و استفيقوا من غفلتكم فلا يخدعنَّكم أعداء الله ببريق السلاح وكثرة الأموال، فهم الذين مدُّوا طاغية الشام بالسلاح والغطاء السياسي والمهل الدموية تلو المهل الدموية ليسحقكم عن بكرة أبيكم ريثما ينتهون من تهيئة البديل الجديد الذي يقتفي أثرهم وينهج نهجهم ويسير سيرهم في محاربة الله ورسوله والمخلصين من هذه الأمة. إن أشد مايكرهه حاكم الشام ودول الغرب الكافر الذين يدعمونه بالسر هو الإسلام فيكم، فهل نسيتم ما ذكره القرآن الكريم وسطرته السنة النبوية المشرفة عن أفعالهم الدنيئة ضد الإسلام والمسلمين؟! أنسيتم أنهم هم الذين شنوا الحروب الصليبية التي دامت ما يقارب 200 عام؟! وهل نسيتم دعمهم لثورة الشريف حسين ذاك الخائن الذي دعموا ثورته ضد دولة الخلافة ووعدوه أجراً له بإقامة دولة قومية عربية، وهو من حماقته وضآلة أحلامه صدق وعودهم الكاذبة؟! وهل نسيتم في هذه الأيام مجازرهم بحق إخوانكم في الصومال وأريتيريا و الجزائر وأفغانستان والشيشان وتركستان والبوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين… فأهل الكتاب موقفهم واحد منذ فجر الإسلام حتى اليوم؛ والموقف الرباني منهم واحد، ولذلك يجب أن يكون موقف المسلمين منهم واحداً لا يتغيَّر ولا يتبدَّل.
أيها المسلمون، إن كل ما نراه اليوم من مآسٍ نمر بها في سوريا من قتل وذبح وتدمير وتشريد وانتهاك للأعراض والحرمات… إنما يصدر من حقد الغرب الرأسمالي المتوحش الكافر على الإسلام والمسلمين، والذي ذكر أكثر من مسؤول منهم أن حربهم ضدالمسلمين هي حرب صليبية، وما طاغية الشام إلا واحداً من عملائهم المجرمين، هو يبطش بكم، وهم يغطون عليه، فلا تنخدعوا بهم كما ينخدع غيركم، فالانخداع هنا فيه تفريط في الدين، وتسليم رقاب المسلمين للغرب الكافر اللعين…
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إن الله سبحانه وتعالى فرض علينا أن نستنصر بالمسلمين فقط، بأبناء جلدتنا الذين نحبهم ويحبوننا ويرأفون بحالنا، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا)
فالفعل المضارع ( يَجْعَلَ ) جاء بعد ( وَلَنْ ) فدل على التأبيد، فالله تعالى أمرنا بعدم الاستنصار بأعدائه الذين هم أعداؤنا إلى يوم الدين، مهما كانت النتائج مريرة والأعطيات سخية، فلا مناصفة في الإسلام، ولاالتقاء في منتصف الطريق، ولا أنصاف حلول في الإسلام، هذا بيان الله للناس، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) ) جعلنا الله و إياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ثم كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . فالدعاء.
2013-01-29