العدد 368 -

السنة الثانية والثلاثين – رمضان 1438هـ – أيار / حزيران 2017م

فبهداهم اقتده

فبهداهم اقتده

الأحنف بن قيس: أحلم العرب

 

– الأحنف بن قيس أبو بحر البصري، والأحنف لقب، واسمه الضحاك، وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة، وقال: كان ثقة مأمونًا قليل الحديث، وهو من أهل البصرة، وقدم إلى المدينة في عهد عمر بن الخطاب. أسلم الأحنف في حياة رسول اللهصلى الله عليه وسلم  ولم يره، إلا أن الرسول دعا له، يقول الأحنف بن قيس: بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ جاء رجل من بني ليث فأخذ بيدي فقال: ألا أبشرك؟ فقلت: بلى قال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعد؟ فجعلت أعرض عليهم الإسلام وأدعوهم إليه، فقلت أنت: إنه ليدعوكم إلى خير، وما حسَّن إلا حسنًا، فبلغت ذلك إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلمفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للأحنف». فقال الأحنف: هذا من أرجى عملي عندي. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والطبراني

– قدم الأحنف المدينة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، مما أتاح له مقابلة عدد كبير من كبار الصحابة ليتعلم منهم ويأخذ عنهم، مما كان له من كبير الأثر في حياته. يقول الأحنف: قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف، إني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم.

ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه للأحنف مربيًا: يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.

وممن ربى الأحنف على الحلم ما قاله لأصحابه يومًا: أتعجبون من حلمي وخُلقي؟ إنما هذا شيء استفدته من عمي صعصعة بن معاوية، شكوت إليه وجعًا في بطني فأسكتني مرتين ثم قال لي: بابن أخي لا تشكُ الذي نزل بك إلى أحد؛ فإن الناس رجلان: إما صديق فيسوءه، وإما عدو فيسره، ولكن اشكُ الذي نزل بك إلى الذي ابتلاك، ولا تشكُ قط إلى مخلوق مثلك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه مثل الذي نزل بك، بابن أخي إن لي عشرين سنة لا أرى بعيني هذه سهلاً ولا جبلاً، فما شكوت ذلك لزوجتي ولا غيرها.

وممن رباه أيضًا على الحلم قيس بن عاصم المنقري، وقد سئل الأحنف بن قيس يومًا: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري، لقد اختلفنا إليه فى الحلم كما يختلف إلى الفقهاء، فبينا نحن عنده يومًا وهو قاعدٌ بفنائه محتبٍ بكسائه، أتته جماعة فيهم مقتول ومكتوف فقالوا: هذا ابنك قتله ابن أخيك قال: فواللهِ ما حلَّ حبوته حتى فرغ من كلامه، ثم التفت إلى ابنٍ له في المسجد فقال: أطلق ابن عمك، ووارِ أخاك، واحمل إلى أمه مائة من الإبل، فإنها غريبة.

– ومن مواقف الأحنف بن قيس موقفه مع معاوية أنه وفد عليه فقال له: أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفين، والمخذِّل عن عائشة أم المؤمنين! قال: لا تؤنبنا بما مضى منا، ولا ترد الأمور على أدبارها، فإن القلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، فلما خرج قالت أخت معاوية: من هذا الذي يتهدد؟ قال: هذا الذي إن غضب؛ غضب لغضبه مائة ألف من تميم، لا يدرون فيما غضب.

 وقد قيل للأحنف بن قيس: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك، فقال: إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه.

 وكان يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل ذاك، وإن تعذبني فأنا أهل ذاك.

– شجاعة الأحنف بن قيس عرف عن الأحنف بن قيس أنه كان من الشجعان، فيرُوى أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بعثه على جيش قِبَل خراسان، فبيتهم العدو ليلًا، ففرقوا جيوشهم أربعة جيوش، وأقبلوا معهم الطبول، ففزع الناس وكان أول من ركب الأحنف فأخذ سيفه فتقلده، ثم مضى نحو الصوت وهو يقول:

إن على كل رئيس حقًا        أن يخضب القناة أو تندقا

 ثم حمل على صاحب الطبل فقتله، فلما فقد أصحابه الصوت انهزموا ثم حمل على الكردوس الآخر ففعل مثل ذلك، ثم حمل على الآخر ففعل، ثم حمل على الآخر ففعل مثل ذلك وهو وحده، ثم جاء الناس وقد انهزم العدو فاتبعهم الناس يقتلون، ثم مضوا حتى فتحوا مدينة يقال لها: مرو الروذ.

– حلم الأحنف بن قيس: اشتهر الأحنف بحلمه، ولقد عاشت بنو تميم بحلم الأحنف أربعين سنة، وقيل إن رجلًا خاصم الأحنف وقال: لئن قلت واحدة لتسمعن عشرًا فقال: لكنك إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة.

– من أقوال الأحنف بن قيس: الكامل من عدت هفواته، ولا تعد إلا من قلة، وقال: ليس فضل الحلم أن تُظلم فتحلم حتى إذا قدرت انتقمت، ولكنه إذا ظُلِمت فحلمت ثم قدرت فعفوت. وسُئل الأحنف بن قيس عن الحلم فقال: أن تصبر على ما تكره قليلًا. وقال رجل للأحنف بن قيس: بم سدتَ قومك وأنت أحنف أعور؟ قال: بتركي مالا يعنيني، كما عناك من أمري ما لا يعنيك. وقال: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الآتي طعامًا لم يدع إليه، والمتآمر على رب البيت في بيته، وطالب الفضل من أعدائه، وراجي الخير من اللئام، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه، والجالس في المجلس الذي لا يستأهله، والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه، والمتقدم بالدالة على السلطان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *