العدد 313 -

السنة السابعة والعشرون صفر الخير 1434هـ – كانون الثاني 2013م

الخــشــــوع

بسم الله الرحمن الرحيم

الخــشــــوع

الخشوع هو الانكسار والذل بين يدي ملك الملوك، مالك الملك، جل وعلا… هو تذلل القلوب لعلّام الغيوب… هو أول ما يرفع من الناس كما جاء من حديث شداد بن أوس عن النبي  صلى الله عليه وسلم .

وصدق حذيفة بن اليمان رضى الله عنه حين قال: “أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبَّ مصلّ لا خير فيه ، ويوشَك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعاً”

قال تعالى 🙁 إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )

ومدح  الله جل وعلا الخاشعين الخائفين المنكسرين لعظمته فقال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)

ومدح الله الخاشعين في أشرف العبادات وهي الصلاة فقال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)   )

أول أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة الخشوع في الصلاة، فالصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح .

وكان يقول النبي  صلى الله عليه وسلم  في ركوعه “اللهم لك ركعت وبك أ منت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري”

وكان النبي  صلى الله عليه وسلم  أيضاً يدعو ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا تسمع.» رواه مسلم.

قال  صلى الله عليه وسلم  كما في الصحيحين: «من صلى لله ركعتين لم يحدث نفسه فيهما بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه»

وصدق النبي  صلى الله عليه وسلم  حين قال «وجعلت قرة عيني في الصلاة»

قال  صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل لينصرف ، وما كتب له إلا عُشر صلاته ، تُسعها ، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، ربُعها، ثُلثها، نُصفها»  [رواه أبو داود والنسائي]

وها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تخبرنا عن النبي  صلى الله عليه وسلم  سيد الخاشعين وإمام المخبتين وتقول: كان النبي محمد  صلى الله عليه وسلم  يحدثنا ونحدثه ويلاعبنا ونلاعبه، فاذا حضرت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه.

جاء في حديث أبو أيوب أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: «إذا قمت إلى صلاتك فصلِّ صلاة مودع»

 وقال  صلى الله عليه وسلم : «أذكر الموت في صلاتك، وصلِّ صلاة رجل لا يظن أنه سيصلي صلاة غيرها» صحيح الجامع

ويقول حذيفة بن اليمان : «إياكم وخشوع النفاق» قالوا : وما خشوع النفاق؟ قال: «أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع».

من الناس من يصلي وله خمس الأجر من صلاته، ومنهم السدس، ومنهم العشر، بل إن منهم من يصلي ولا تقبل منه صلاته، بل تلف في خرقة بالية وتقول: ضيعك الله كما ضعيتني

سئل حاتم الأصم عن صلاته فقال:

“أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن يساري، وملك الموت على رأسي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أكبِّر تكبيراً بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بتواضع، وأسجد سجوداً بخشوع، ثم أسلم ولا أدري: أقبلت صلاتي أم لا.

وها هو علي بن أبي طالب كان إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلوّن، فقيل له: مالك؟ فيقول: «جاء وقت أمانة عرضت على السماوات والأرض فأبينَ أن يحملنَها، وحملتُها أنا».

وها هي أم المؤمنين عائشة تقوم في ساعةٍ من الليل، فتبحث عن النبي فلا تجده في فراشه، وتتلمسه بيدها فتصل يديها إلى قدم النبي  صلى الله عليه وسلم  وهو ساجد، فتسمعه وهو يدعو الله في سجوده ويقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك»

فالخاشعون هم أهل التعظيم عرفوا عظمة الله فعظموا هذه الصلاة وعظموا من يقفون بين يديه… هم الذين يوقنون أنهم ضعفاء واقفون أمام الرب القوي العزيز أذلاء بين يديه… هم الذين يوقنون أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي… هم الذين يحضرون قلوبهم في الصلاة ويجعلون الهموم هماً واحداً للصلاة… الخاشعون هم أهل الفهم يقرأون، ويفهمون ما يقرأون، ويسبحون ويعرفون من يسبحون… هم الذين يتلذذون بصلاتهم ويستأنسون بمناجاتهم فسرعان ما تنقضي دون أن يشعروا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *