العدد 365 -

السنة الواحدة والثلاثين، جمادى الآخرة 1438هـ، أذار 2017م

سنن الله في تغيير الأمم والمجتمعات

سنن الله في تغيير الأمم والمجتمعات

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ)

 

 فيصل كعكو – حلب

1-أهمية التفكير بالتغيير السياسي:

إن التفكير بالتغيير السياسي للأمم والمجتمعات، هو من أهم أنواع التفكير، بل هو أرقى أنواع التفكير؛ لأنه تفكير إنساني يشمل جميع البشر، والإسلام جعل التفكير بالتغيير فرضًا، قال تعالى: (الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ١). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح وهمه غير الله فليس من الله ، ومن أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» صحيح فيض القدير. وقال الله تعالى: (قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا).

وبما أن السياسة هي رعاية شؤون الناس داخليًا وخارجيًا على أساس الإسلام، وتخليصهم من الكفر والظلم، ومن عبادة الطواغيت، ومن حكم الجاهلية، ومن تشريع البشر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ولا نبي بعدي، ولكن أمراء وخلفاء، ففوا ببيعة الأول فالأول» رواه مسلم. وبما أن السياسة هي الاهتمام برعاية شؤون الناس؛ لذلك أصبح الاشتغال بالسياسة والعمل السياسي فرض لابد منه في الأمة، فكان التفكير بالتغيير السياسي هو أرقى أنواع التفكير. وهذا التفكير بالتغيير السياسي مسؤولية ضخمة، وحمل ثقيل يحتاج إلى قوة وصلابة وجدية وتصميم من صاحبه، قال تعالى: (إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا ٥)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمره الله بتبليغ الدعوة للناس: «لقد مضى عهد النوم يا خديجة»؛ لذلك:

– فإن التفكير السياسي لا يستسيغه الخاملون والكسالى، ويحتاج إلى أناس نشيطين حيويين حركيين لايعرفون الكسل ولا الملل، إلى أناس يفكرون ليلًا نهارًا في شؤون الأمة، وفي العمل على نهضتها، والعمل على تحريرها من شتى أنواع الاستعمار الفكري والسياسي والاقتصادي والعسكري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس شيء خيرًا من ألف مثله إلا الإنسان» صحيح فيض القدير.

فحامل الدعوة الواعي على حملها، والمخلص إخلاصًا لها، هو خير من ألف إنسان آخر لايعرف فكرته وطريقته، ولا يعرف الغاية التي يسعى إليها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة» صحيح فيض القدير.

فحملة الدعوة هؤلاء هم الذين يعتمد عليهم، وعليهم الحمل والعبء الثقيل في إيجاد الرأي العام الواعي في الأمة، وإيجاد الوعي السياسي في الأمة، حتى تصبح الأمة على استعداد للتضحية بالنفس والمال من أجل التغيير، ويصبح الإسلام قضيتها المصيرية، وأغلى شيء في حياتها.

– وهذا التفكير السياسي لايستسيغه الطغاة والحكام ومن بيدهم الأمور لأنه خطر على مراكزهم ومصالحهم وشهواتهم؛ لذلك فهم يحاربونه، ويحاربون من يفكر به حفاظًا على الواقع الذي يعيشونه؛ لذلك قال أحدهم (من العرب) عندما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله: «هذا أمر تكرهه الملوك» وقال آخر منهم: «إذن تحاربك العرب والعجم»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله يا عم، كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم»، فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه» سيرة ابن هشام.

– وهذا التفكير بالتغيير السياسي هو خطر على صاحبه، فهو محفوف بالأشواك والمكاره والابتلاء، محفوف بالتعذيب والسجون والإخراج من الأرض والوطن والقتل والخوف والجوع وشتى أنواع الابتلاء، لأنه ليس مجرد كلام وادعاء، بل هو حياة وصراع مع الأنظمة والطواغيت، صراع فكري مع كل الأفكار والمعتقدات الفاسدة، وكل الأنظمة والدساتير الجاهلية، وكفاح سياسي مع كل أعداء الإسلام من الحكام والطواغيت والدول الاستعمارية المتكالبة على الأمة، للعمل على قلع جذورها الفكرية والسياسية ونواطيرها من الحكام والخونة، قال تعالى: (الٓمٓ ١ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ٢)، وقال تعالى: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥)، وقال تعالى: (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤)، وقال الله تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ). وقال تعالى: (وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ ٢٦). وقال تعالى: (قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَٰهًا غَيۡرِي لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ٢٩). وقال تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ١٤١).

هذا بالنسبة لأهمية التفكير بالتغيير السياسي وخطره على القائمين عليه، ولكن عندما نتحدث عن التفكير بالتغيير السياسي لدى الأمة، لابد أن ندرك الواقع الذي وصلت إليه الأمة، والأمراض التي أنهكتها، حتى نعمل على معالجتها وشفائها من أمراضها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم على بينة من ربكم ما لم تظهر فيكم سكرتان، سكرة الجهل، وسكرة حب العيش، فإذا ظهر فيكم حب الدنيا؛ فلا تأمرون بمعروف، ولاتنهون عن منكر، ولا تجاهدون في سبيل الله، القائلون منكم يومئذ بالكتاب والسنة كالسابقين من المهاجرين والأنصار» رواه البزار. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له (إنك ظالم) فقد تُودِّع منهم» رواه الحاكم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» صحيح -فيض القدير. فواقع الأمة اليوم أنها تعيش سكرة الجهل وسكرة حب الدنيا:

1- أما سكرة الجهل فجعلت الأمة لا تميز بين الحق والباطل، بين الإسلام وغير الإسلام، بين الحرام والحلال، بين الرابطة الصحيحة والروابط الفاسدة كالقومية والوطنية والرابطة الرأسمالية والاشتراكية والمصلحية، وبين فصل الدين عن الدولة وعن الحياة، بين الإسلام وبين الديمقراطية الفاسدة الكافرة التي تجعل السيادة للشعب والتشريع للبشر مع أن الإسلام يقوم على قاعدة أساسية وهي السيادة للشرع.

2- وأما سكرة حب الدنيا فجعلت الأمة تركض وراء منافعها ووراء مصالحها المؤقتة المنحطة بغض النظر عن الحلال والحرام، وصارت القاعدة فيها: (أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله) فلا تسأل عن الحلال والحرام، بينما القاعدة الشرعية تقول عكس ذلك تمامًا (حيثما وجد الشرع فثم المصلحة) فأصبحت الأمة تركن إلى الدنيا، وإلى حب الشهوات، وإلى الراحة والكسل، وأصبحت السعادة عندها حب الشهوات والمتع الجسدية.

ويضاف إلى هاتين السكرتين عاملان مؤثران ساهما في إبقاء الأمة في الحضيض، وهما:

1- الغزو الفكري التبشيري للأمة: وهناك الغزو الفكري للأمة الذي جعل الأمة لا تفكر، بل الغرب  والاستعمار وأعداء الأمة هم يفكرون عنها، وأصبحت الأمة تنفذ ما يخطط لها أعداؤها، بل تركن اليهم لأنها أعجبت بتطورهم المادي، ونسيت أن الإسلام هو النور وهو المنقذ لها من الجهل والتخلف والغزو الفكري الذي جعلها أحط الأمم، فكان لابد من معرفة واقع الأمة حتى نعرف واقعها وأمراضها ثم نسعى لمعالجتها، وأن نجعل الواقع موضع التفكير، لامصدر التفكير، وأن نعد العدة التي تتناسب مع واقع المجتمع، ومع واقع قوته.

     2-سيطرة الحكام والعملاء والخونة الرويبضات على الحكم والسلطة، الذين أصبحوا حراسًا أمناء لفكر الغرب الفاسد، ومحاربة أفكار الإسلام لتركيز الجهل وحب الدنيا والفكر الاستعماري في الأمة، حتى أصبحت طريقة التفكير في الأمة طريقة فاسدة، طريقة متخلفة ومنحطة وسطحية لا ترقى بها ولا تنهضها ولاتخلصها من أمراضها الخبيثة الخطيرة، بل أصبحت أمة عالة على الأمم الأخرى، قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا ٥٩).

   هذه أمراض الأمة، ولابد من علاجها والعمل على تخليص الأمة منها وذلك بالعمل على تركيز الأمور التالية:

  أولًا: تغيير طريقة التفكير في الأمة، من طريقة فاسدة مبنية على فصل الدين عن الحياة وعن الدولة، ومبنية على النفعية والمصلحية والعصبية، ومبنية على المفهوم الفاسد للسعادة وهو الحصول على المتع الجسدية والشهوات والملذات، إلى طريقة تفكير صحيحة منتجة. أما طريقة التفكير الصحيحة المنتجة فتقوم على أسس واضحة لابد منها، وذلك بتحديد الفكرة الكلية الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة وعما قبلها وعما بعدها، وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها. هذه هي العقيدة، وهي القاعدة الفكرية للتفكير وللتغيير الصحيح فهي تحدد:

 أ- الجهة الخالقة والمنظمة، التي يعود إليها الإنسان، وتعود إليها الأمة في تفكيرها وأخذ حلول مشاكلها منها، وهي محددة في الكتاب والسنة، في قوله تعالى: (وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ). وفي مقتضى مفهوم (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

ب- تحديد وجهة النظر في الحياة والمقياس الصحيح للأفعال والأعمال: وهو (الحلال والحرام). قال الله تعالى: (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيِّن والحرام بيِّن» متفق عليه. واستخدام هذا المقياس في الحياة سلوكيًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدًاحبشيًا، فإن المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد» صحيح-فيض القدير. وتحديد مفهوم الطاعة الواعية للقيادة، والتزامها وعدم الخروج عنها.

     ج- تحديد مفهوم السعادة في الإسلام: وهو نيل رضوان الله والفوز بالجنة، وليس الركض وراء الشهوات والمتع الجسدية، قال تعالى: (وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلۡجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۖ عَطَآءً غَيۡرَ مَجۡذُوذٖ ١٠٨ ) والعمل على تركيزه في سلوك كل مسلم.

   د- الحث على العلم والتخلص من الجهل، والتعمق في البحث المستنير في الوصول إلى أخذ العقيدة والحقائق الصادقة حتى يكون الإنسان على بينة من أمره قال تعالى: (وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡ‍ُٔولٗا ٣٦) ودراسة عملية تعالج الواقع علاجًا صحيحًا، لحملها والدعوة إليها، والعيش من أجلها في واقع الأمة والمجتمع .قال تعالى: (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ كَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم ١٤). وقال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيۡتٗا فَأَحۡيَيۡنَٰهُ وَجَعَلۡنَا لَهُۥ نُورٗا يَمۡشِي بِهِۦ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُۥ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيۡسَ بِخَارِجٖ مِّنۡهَاۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ١٢٢). أي يكون المسلم حاملًا نورًا يدعو الناس إليه ليخلصهم من الظلاميين والمضبوعين من الغرب، ويخلصهم من الجهل ومن الكفر ومن كل الأفكار الفاسدة، ويخرجهم إلى نور الإسلام الساطع.

      ثانيًا: تحديد مفهوم الفكرة والطريقة ومصادرهما الشرعية وهي الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس الشرعي، وليس العقل والأهواء والتجارب، قال تعالى: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ).

      ثالثًا: التمييز بين مفاهيم الحضارة وبين ما يسمى المدنية العامة: فمفاهيم الحضارة الإسلامية هي وحدها المفاهيم الصحيحة لأنها منبثقة عن العقيدة الإسلامية الصحيحة، فلا يجوز أخذ أي مفهوم عن الحياة من الحضارات الأخرى الفاسدة كالحضارة الرأسمالية، أو الحضارة الشيوعية الاشتراكية، حتى ولو وافقت الإسلام في بعض الأمور، ولو لم تخالف الإسلام؛ لأن الإسلام ومناهجه خاصة بالمسلمين، والحضارة الإسلامية كاملة؛ ولا يجوز أخذ غيرها لأنها حكم الله وحكم الشرع. أما ما يسمى الديمقراطية والعلمانية فهي حكم البشر وما ينتج عنها، فهي كفر وتشريع البشر؛ فلا يجوز أخذها ولو وافقت الإسلام، حتى هذا المصطلح الفاسد لا يجوز استخدامه. أما المدنية العامة، والتي هي مجموعة الأشكال والوسائل المدنية الناتجة عن العلم التجريبي، فهي عامة ويجوز أخذها والاستفادة منها من أي جهة ومن أي مصدر، وهذه ينطبق عليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنتم أدرى  بأمور دنياكم» أو  «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها» لأنها عامة ولا تمثل وجهة نظر خاصة. أما المدنية الخاصة وهي الأشكال والوسائل التي تمثل وجهة نظر خاصة كالصليب والقبعة الخاصةبهم كدين ولباس الرهبان والراهبات  والتماثيل والصور العارية، فهي تمثل وجهة نظر غير إسلامية؛ فلا يجوز استخدامها قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٢٠٨)، فأخذ أي شيء من الديمقراطية والعلمانية بحجة أنها لا تخالف الإسلام بحجة أنه لا مشاحة في الاصطلاح فهذا اتباع لخطوات الشيطان؛ لأن المصطلحات الخاصة التي تمثل وجهة نظر كافرة تناقض الإسلام لا يجوز استخدامها بحجة لا مشاحة في الاصطلاح، قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ)، وقوله تعالى: (وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٨٥). وقال تعالى: (لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ). فلا عبودية ولا تنظيم ولا تشريع إلا لله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ياأيها الناس ادخلوا الصراط جميعًا ولا تتعوجوا- الصراط الإسلام» رواه الشيخان. هذه الأسس الهامة في طريقة التفكير الصحيحة المنتجة، لابد أن تكون واضحة متبلورة في الأمة، وأن يكون الحزب والجماعة التي تقود عملية التغيير مثقفة ثقافة مركزة عليها، متمثلة ذلك منهجًا وسلوكًا ودعوة بحيث تخوض الصراع الفكري والكفاح السياسي في واقع الأمة، وتدرك أهمية التغيير، وتدرك مدى سخونة المجتمع ودرجة السخونة فيه بشكل دقيق من خلال تغيير الأفكار والمشاعر والأنظمة في المجتمع على هذه الطريقة الواضحة المتبلورة، لا على العاطفة والحماس. أما التغيير السياسي للأمة والمجتمع، بعد أن تتخلص الأمة من أمراضها وتكون معافاة منها: من الجهل، وحب الدنيا، والتحرر الفكري، وإيجاد الرأي العام الواعي عن الإسلام، وجعله قضية مصيرية للأمة تسترخص كل شيء في  سبيله؛ فقد بينه الله سبحانه وتعالى ووضحه .

       إن شرط التغيير السياسي الصحيح شرط واحد قال فيه الله تعالى: (وَعَدَ للَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ٥٥). وقال تعالى: (وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ١٠٥). وقال تعالى: (مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٧ ). وقال تعالى (وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَ‍َٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٢٦ ).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشِّر هذه الأمة بالسنا والرفعة والنصر والتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» رواه أحمد.

     وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما غُلب قومٌ يبلغون اثني عشر ألفًا إذا اجتمعت كلمتهم». من خلال الآيات والأحاديث الكثيرة يتبين أن التغيير له شرط واحد، وهو الإيمان الصحيح الصادق الجازم والعمل الصالح الكامل الذي يجسد الإسلام كاملًا في الحياة، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ). فاذا تحقق هذا الشرط تحقق الوعد، ولن يخلف الله وعده وهو:

الاستخلاف في الأرض: وهو استخلاف المؤمنين الصادقين المخلصين الأمناء على حمل الإسلام وتطبيقه في دولة إسلامية، وتوحيد الأمة على كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ونشره في العالم.

التمكين في الأرض وتثبيت الدين وإقامة العدل بين جميع الناس لا فرق بين مسلم وغير مسلم.

تحقيق الأمن الداخلي والخارجي للأمة، وتبديل الخوف أمنًا والحياة الطيبة والحياة السعيدة  والمطمئنة في الدنيا، والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، والفوز بمرضاة الله سبحانه وتعالى في الآخرة، قال تعالى: (يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ١٢ وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ١٣).

      وهنا يخطر في البال سؤال: هل تحقق هذا الوعد للمؤمنين على مر التاريخ؟ نعم لقد تحقق هذا الوعد على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال ثلاثة عشر عامًا، وذلك بإقامة الدولة الإسلامية في المدينة، وخلال عشر سنوات في المدينة مكن الله لهذه الدولة، ووحَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزيرة العربية، وأصبحت هذه الدولة دولة قوية تفكر بغزو الروم وغزو فارس. ثم تتابع الصحابة والخلفاء الراشدون بنشر الإسلام في العالم، وانتصر المسلمون في جميع معاركهم ما كانوا ملتزمين بإسلامهم، ولم يخسروا معركة إلا نتيجة خلل في التزامهم كما في غزوة أحد وغزوة حنين.

     فثلاثة عشر عامًا، أو ثلاثة وعشرون عامًا لتمكين الدولة وتثبيتها، ليست طويلة في حياة الأمة، ولا في حياة الأفراد، مع أن الله لم يحدد مدة زمنية، ولا عقودًا ولا عشرات العقود، بل حدد شرطًا واحدًا لا غير، وهو الإيمان والعمل الصالح.

      هذا هو الشرط الذي حدده الله سبحانه وتعالى، ولم يذكر في آيات الاستخلاف وآيات النصر المبين في كل عصر ومكان مدة معينة، سواء مجيء المهدي، أو مجيء عيسى عليه السلام، بل قال تعالى (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ) وقال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ) وقال تعالى: (أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ). فهل حققت الأمة هذا الشرط الواضح كما يرضي الله وتخلف الاستخلاف والنصر لها؟!، أم أن الأمة لم تحقق الشرط، فكان لابد للأمة، ولكل جماعة وحزب، بل ولكل مسلم أن يفكر هل تمثَّل هذا الإسلام تمثُّلًا صحيحًا يؤهله ذلك لنصر الله ولاستخلافه في الأرض وتمكينه، أم كان مجرد كلام وادعاء، أم كان مجرد عبادات وشعائر مفصولة عن الحياة. قال المقداد بن عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «اِمض لأمر الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: (فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ ) ولكن، اِذهب أنت وربك فقاتلا إنا معك مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا». وقال سعد بن معاذ: «لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل، وإنا لصُبُرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك منا بعض ما تقرُّ به عينك».

   بهذه النفسية انتصر المؤمنون، وبهذه النفسية استحق المؤمنون التمكين في الأرض، فهذا الوعد لكل جماعة، ولكل حزب، ولكل أمة تستقيم على (لا إله إلا الله محمدًا رسول الله) ليس محددًا بزمن ولا مكان. فالإسلام لا بد من تجسيده في القائمين على حمله والعمل على إيجاده في واقع الحياة، والعمل على إيجاد الرأي العام المنبثق عن الوعي العام على الحياة الإسلامية؛ حتى يأتي الاستخلاف والتمكين في الأرض. والرسول صلى الله عليه وسلم حدد سنن التغيير وطريقة التغيير السياسي، ولم يتركه عامًا وغامضًا، ووضحه في سيرته كي لا يظل مجالًا للخلاف، وذلك في الأمور التالية:

    1-العمل الجماعي والحزبي: قال تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤). على أن يكون عملًا جماعيًا وحزبيًا منظمًا، له قيادة واعية مخلصة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في قيادة الصحابة وتربيتهم.

   2-الصراع الفكري والكفاح السياسي مع المجتمع الجاهلي، وتبيان فساد أفكاره وأنظمته، وفضح العملاء والخونة، ومكافحة الدول الكافرة والمستعمرة، ومكافحة الاستعمار بجميع أشكاله الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وكشف خططه ومؤامراته على الأمة.

    3-طلب النصرة للوصول إلى الحكم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب النصرة من أهل المدينة وعقد بيعة العقبة الثانية معهم، وقيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة.

     هذه سنن الله في تغيير الأمم والمجتمعات الصحيحة، حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذه الطريقة تم التغيير الصحيح، قال تعالى: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ٢١). وقال تعالى: (فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

    ثانيًا: طريق التغيير الخاطئ الفاسد: هو طريق الإعراض عن الله، وعن طاعة الله، وعن منهج الله، قال تعالى: (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦). هذا مصير كل من أعرض عن الله، الحياة التعيسة والضنكة التي لاراحة فيها ولا طمأنينة في الدنيا، والعمى والعذاب الشديد والأليم في الآخرة.

وقال تعالى (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا قَرۡيَةٗ كَانَتۡ ءَامِنَةٗ مُّطۡمَئِنَّةٗ يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدٗا مِّن
كُلِّ مَكَانٖ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ ١١٢).

وقال تعالى: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ ٤٢ فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٤٣ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِمۡ أَبۡوَٰبَ كُلِّ شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ ٤٤ فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٥).

     فهذه سنة الله في أخذ الظالمين بعد أن ينذرهم، وبعد أن يعطيهم من الدنيا حتى إذا فرحوا بما هو زائل ومتاع قليل، أخذهم عن آخرهم؛ لأنهم لم يتوبوا ولم يعودوا إلى طاعة الله، وإلى شرع الله. وهذا جزاء الظالمين والعصاة في كل عصر وفي كل مكان.

     قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ٤٠).

    فسنة الله لا تتغير ولا تتبدل في أخذه للطغاة والظالمين والمتعالين كل حسب ذنبه وكفره، وصده عن طريق الاٍسلام وإعراضهم عن طاعة الله، وعن الالتزام بأوامره .

    وقال تعالى: (لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ ١٥ فَأَعۡرَضُواْ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ سَيۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ ١٦ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِمَا كَفَرُواْۖ وَهَلۡ نُجَٰزِيٓ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ ١٧ ).

فسنة الله جارية في الذين كفروا، لا تحابي أحدًا، ولا تنسى أحدًا، ولا تتجاهل أحدًا: العذاب في الدنيا، والعذاب الشديد والأليم في الآخرة. قال تعالى: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٥٣).

      فسنة الله تعالى أنه لا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وينكروا نعمة الله ولا يشكرونها؛ فعند ذلك يبدلهم الله هذه النعمة بأسوأ منها ويحرمهم منها. فالتغيير إلى الأسوأ هو نتيجة سلوك الناس الأسوأ والإعراض عن طاعة الله، وعن شرع الله، والكفر بنعم الله. قال تعالى: (سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِيلًا ٧٧ ). وقال تعالى: (وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا ١٦).

   قال تعالى: (وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣ ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *