العدد 365 -

السنة الواحدة والثلاثين، جمادى الآخرة 1438هـ، أذار 2017م

حربان كبيرتان قيد الإعداد لدى إدارة ترامب

حربان كبيرتان قيد الإعداد لدى إدارة ترامب

عصام الشيخ غانم

تتربع أميركا على عرش الدولة الأولى في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنها قد أصبحت بلا منافس منذ ربع قرن. فهي التي تقرر شؤون السياسة الدولية وحدها أو تشرك معها غيرها بإرادتها، ولا يوجد أي قوة دولية بين الدول الكبرى قادرة على فرض إرادتها دوليًا عليها، بل إن الدول الكبرى ينتابها الذعر من توجهات أي إدارة أميركية جديدة، فتتودد إليها، ولا تجرؤ الدول حتى تلك التي تقع في مرمى النار الأميركي على تحدي واشنطن.

ومع البداية الصاخبة لعهد جديد في واشنطن بقيادة دونالد ترامب منذ 20/1/2017م، فقد بدأت أميركا تبتز العالم دولة تلو الدولة، دون أن تجرؤ تلك الدولة على الرد المناسب للابتزازات الجديدة الصادرة عن ترامب. فقد طلب الرئيس الأميركي الجديد من «نظيره» المكسيكي إلغاء زيارته لواشنطن إن لم يوافق على دفع ثمن جدار ترامب على الحدود بينهما، فألغاها، وذكر بأن الجدران تفرقنا ولا توحدنا، مع أن أميركا لا تتكلم عن أي وحدة مع المكسيك ولا يهمها الفراق بينهما.

ومع إيران، فقد ذكر وزير دفاع ترامب بأن إيران تشكل تهديدًا خطيرًا بصواريخها البالستية، وأنها أكبر راعٍ للإرهاب، فردت عليه طهران بأنها لن تشعل حربًا مع أميركا، وأنها ستبقى ملتزمة بالاتفاق النووي رغم سيل الاتهامات من واشنطن بأن هذا الاتفاق هو من مساوئ إدارة أوباما الراحلة، وربما اتصلت إيران ببعض من فريق ترامب لتذكره بالخدمات الجليلة التي تقدمها لأميركا في سوريا واليمن ولبنان والعراق وغيرها، ولكن إدارة ترامب تريد من إيران أن تقدم خدماتها راكعةً ذليلة.

واستفزازات الرئيس الأميركي ترامب، رغم الفترة القصيرة لتوليه السلطة في واشنطن، ليست مقتصرة على هذه الدول كإيران والمكسيك التي لا وجود لهما في الموقف الدولي، بل لا تستثني الدول الكبرى، فدعوات ترامب لتفكيك الاتحاد الأوروبي وأن تحذو دوله حذو بريطانيا «بريكست» في الخروج منه، كلها دعوات علنية، وليست خفية على أوروبا، ودعوة بهذا الحجم من رئيس أميركا وفريقه تعتبر تهديدًا مباشرًا، ولكن الدول الكبرى في أوروبا كفرنسا قالت بأن هذه الدعوة تستحق الرد، دون أن نرى منها ردًا، وألمانيا وصفت ذلك بالأمر غير المقبول، وأكدت الدولتان فرنسا وألمانيا على أن أيًا من طرفي الأطلسي غير قادر على محاربة الإرهاب لوحده، ودعت إلى علاقات تجارية وثيقة مع أميركا. أي أنها قابلت تهديدات إدارة ترامب واستفزازاته برخاوة مثلها مثل المكسيك.

وأما روسيا فإن ترامب ومنذ حملته الانتخابية يعلن موقفًا إيجابيًا من رئيسها بوتين، ويظهر ترامب أنه يحترمه، ويود الاتفاق معها، وهذا يسيل لعاب الكرملين للاتفاق مع أميركا من أجل رفع العقوبات عنها. ولكن إدارة ترامب ماضية في خطط أوباما لإحاطة روسيا ما أمكن بالجيش الأميركي، فقد وصلت كتيبة دروع أميركية 5/2/2017م إلى دول البلطيق الصغيرة دون أن يوقفها ترامب، ولم يعلن ترامب عن رفع العقوبات عن روسيا، بل يدعوها للاتفاق وحرب «الإرهاب» وما هو أكبر من ذلك. وربما بسبب خطة كيسنجر بجر روسيا لجنبها ضد الإسلام وضد الصين، فإن البعض يظن أن روسيا خارج نطاق الاستفزازات الدولية لترامب، ولكن المدقق في الأفعال يجد أن أميركا ترامب ماضية في الضغط على روسيا حتى تخضعها للاتفاق معها على السير ضد الإسلام وضد الصين، تحت عنوان «الشراكة الدولية».

وأما الصين، فإنها تحت مرمى نار الإدارة الأميركية الحالية بشكل مباشر. والعناوين كثيرة من نصب المزيد من قواعد الدرع الصاروخية الأميركي في كوريا بذريعة تهديدات كوريا الشمالية حليفة الصين، أو فرض الضرائب على البضائع الصينية المصدرة لأميركا بنسبة 45%، أو دعوة الشركات الأميركية العاملة في الصين إلى العودة للولايات المتحدة بذريعة حاجة أميركا لفرص العمل، أو عدم الاعتراف بالجزر الصخرية والرملية التي بنتها الصين في بحر الصين الجنوبي، أو النزاع حول المناطق الاقتصادية البحرية في بحر الصين، وكثير من العناوين الأخرى. فبماذا ترد الصين؟ طالب الرئيس الصيني أثناء مؤتمر دافوس كانون الثاني 2017م بالحفاظ على حرية التجارة، وعدم اللجوء إلى السياسات الحمائية، وتطالب الصين أميركا بوقف استفزازاتها، دون أن ترد على تلك الاستفزازات بشكل يليق بدولة كبرى.

وفيما يخص المسلمين، فإن إدارة ترامب تعلن الحرب صراحة على الإسلام والمسلمين، فقد تبنت الحرب على «التطرف والإرهاب الإسلامي» بعد أن كان أوباما وإدارته يسمون هذه الحرب «الحرب على الإرهاب» من أجل التضليل السياسي، ولكن ترامب لا يأبه بأن يعلنها صراحة بأنها حرب على التطرف والتشدد الإسلامي، وتظهر عنصريته المقيتة وكرهه للإسلام وأهله بالقرار التنفيذي الذي وقعه بمنع المسلمين من سبع دول مسلمة بدخول أميركا، حتى حملة التأشيرات، قبل أن تنشب حرب قانونية بين إدارته وبين القضاء الأميركي، فتم بموجب القرار التنفيذي منع مسلمي تلك الدول من دخول أميركا، بما في ذلك عملاء أميركا من مترجمي جيشها والمتعاونين مع المخابرات الأميركية، ويبدو أن هذا الجانب هو الذي حمل القضاء الأميركي على نقض قرار ترامب، إذ رأى أن العنصرية الفظة التي يظهرها ترامب تجاه المسلمين، وبشكل علني، إذ استثنى المسيحيين والأقليات من القرار، هو وراء نقض القرار.

يضاف إلى ذلك أن ترامب يطالب الجيش الأميركي بوضع خطة عاجلة للقضاء على تنظيم الدولة بسبب «جرائمه» متناسيًا أن الحرب الأميركية في العراق وحدها قد خلفت مليوني قتيل، دون أن يعد ذلك إجرامًا، وعملية الجيش الأميركي الخاصة في اليمن 30/1/2017م بأمر من ترامب، وما خلفته من قتلى من شيوخ القبائل والمدنيين هي مؤشر آخر على الاستفزازات الأميركية للمسلمين في عهد ترامب دون انقطاع عن عهد من سبقه أوباما وبوش وكلينتون وبوش الأب. 

إن الناظر في هذه الاستفزازات الأميركية الشاملة للعالم ليرى بما لا يدع مجالًا للشك بأن أميركا تواجه مشكلة كبرى تتعلق بتفردها أو تفوقها الدولي، وأن هذا الواقع الأميركي قد أصبح مهددًا. إذ لو كان التفوق والتفرد الأميركي مستقرًا لما لجأت أميركا لاستفزاز العالم بهذا الشكل. فأميركا ترى في العالم تهديدات جدية لوجودها الدولي، لذلك تبحث في كيفية معالجة ذلك. ويستحيل أن تكون أميركا ووضعها الدولي مستقرًا وثابتًا وتقوم باستفزاز العالم بهذه العصبية. فما هو التهديد الكبير لأميركا؟ وكيف تخطط أميركا لازالته؟

يدرك السياسيون حول العالم بأن إيران بخدمتها لأميركا، وصغر حجمها، والمكسيك بمجاورتها لأميركا وحاجتها الماسة لها، لا تشكلان أي تهديد لأميركا. ويدرك هؤلاء كذلك أن دول الاتحاد الأوروبي الضعيفة عسكريًا هي تحت مظلة الحماية العسكرية الأميركية، صحيح أن اليورو يشكل تهديدًا للدولار، وصحيح أن الدول الكبرى في أوروبا لها مصالح في العالم منفصلة عن أميركا، وبينهما حالة صراع، ولكن ذلك قديم من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد ظل الصراع بينهما في إطارٍ ذي سقف محدد لا يتجاوزه، وفي معظم الأحيان فإن كفة أميركا هي الراجحة، وهي التي تطارد نفوذ الدول الأوروبية في ليبيا واليمن وقبرص وغيرها، والغلبة لها غالبًا؛ لذلك فالصراع الأوروبي الأميركي على النفوذ والمصالح في الشرق الأوسط وأفريقيا ليس عاملًا ضاغطًا على أميركا أبدًا، بل إنه يمثل أداة أميركية في الغالب الأعم للقضم من مصالح أوروبا لصالح أميركا. أي أنه ليس التهديد الكبير لأميركا ووجودها الدولي.

وأما روسيا، فهي دولة قوية عسكريًا، وضعيفة اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا. بل إن حجم ميزانيتها العسكرية هو حوالى واحد من عشرة من نظيرتها الأميركية، أي أن عمود روسيا الأوحد «القوة العسكرية» لا يرقى على منافسة العسكرية الأميركية أبدًا، ناهيك عن أن يشكل خطرًا جديًا عليها وعلى وجودها الدولي. وبنجاح أميركا في توريط روسيا بالمهمات الأميركية القذرة في سوريا، فإن أميركا تسعى للمزيد من توريط روسيا في المهمات الأميركية ضد الإسلام وضد الصين. لكل ذلك فليست روسيا هي التهديد الكبير الذي تراه أميركا.

ومن متابعة السياسات الأميركية السابقة في عهد أوباما والجديدة في عهد ترامب يتبين أن التهديد الكبير الذي تراه أميركا خطيرًا للغاية هو الصين و»التطرف» الإسلامي. وما يؤكد ذلك ما ذهب إليه ساعد ترامب الأيمن ستيف بانون، وكبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ توقع فيه نشوب حربين، واحدة في بحر الصين الجنوبي، وأخرى كبيرة في الشرق الأوسط. وهذان التهديدان حقيقيان وقائمان منذ الآن على الرغم من عدم وجود دولة للمسلمين، وأن أميركا تجهز نفسها وتحضر لمحاولة إزالة هذين التهديدين.

وهذان الخطران الصين والإسلام هما خطران سياسيان عسكريان، وليسا أبدًا من قبيل كلام المفكرين، وإنما من كلام السياسيين القادرين على الفعل، أي تجهيز أرضية للحرب ورصد الموازنات، وليس من باب إنذار مفكر؛ وذلك على النحو التالي:

أولًا: الصين: واجهت إدارة أوباما في فترتي حكمه 2008م-2016م صعود الصين الكبير، إذ لم يكن صعود الصين قبل ذلك قضية كبيرة لأميركا نظرًا لضعف الصين آنذاك وابتعاد اقتصادها عن منافسة أميركا قبل تلك الفترة. وفقط في الفترة الثانية لحكم أوباما تأكدت أميركا أن الصين ماضية في الصعود، وأن أميركا لا بد أن تضع سياسات لمواجهتها. فكان تركيز أميركا-أوباما على حوض الصين، وبناء شراكات أميركية حول الصين مع فيتنام والفلبين وكوريا الجنوبية واليابان، وإرسال ثلثي الجيش الأميركي لحوض الصين. والآن أميركا-ترامب صارت تقوم بمزيد من الاستفزاز للصين، وتضايقها في الكثير من المسائل مثل جزرها في بحر الصين. بل إن أميركا وهي تعلم تناقص قدراتها، فإنها تخطط لجر روسيا معها ضد الصين أيضًا. والحرب الأميركية على الصين قيد الإعداد في واشنطن، فقد نقلت صحيفة «The Guardian» البريطانية الخميس 2/2/2017م أن كبير مستشاري البيت الأبيض بانون قال في لقاء إذاعي في 2016م :»تنتظرنا حربًا في بحر الصين الجنوبي، وهي ستندلع بعد  5 أو 10 سنوات، ولكن ليس في وقت أبعد من ذلك. ولا يوجد أي شك في هذا الأمر. هم يقيمون جزرًا من الرمال ويحولونها إلى حاملات طائرات غير قابلة للغرق، وأيضًا ينصبون عليها صواريخهم. وبعد ذلك يأتون إلينا ويقولون مباشرة في وجوهنا – أتعرفون كم هو مهم أن تحفظوا وجوهكم: إن هذا البحر ملكهم منذ قديم الزمان». وقد نقلت الصحيفة أن القوات المسلحة الصينية حذرت يوم تنصيب ترامب من إمكانية نشوب حرب بين البلدين، وكتب أحد مسؤوليها على الموقع الإلكتروني للجيش الشعبي أن «حربًا ستنشب خلال فترة رئاسة ترامب، وأن اندلاع الحرب ليس مجرد شعار اليوم بل واقعًا فعليًا».

وأما ثانيًا على صعيد المسلمين فإن بانون يذكر حسب نفس الصحيفة: «لدينا مشكلة مع التوسع الإسلامي وتوسع الصينيين. هم مزودون بدوافع قوية، ووقحون ومتغطرسون. يسيرون إلى الأمام ويعتقدون أن اليهودية والمسيحية الغربية تتراجع»، مضيفًا: «قد لا يعجب الجميع ذلك، لكن من الجلي أننا نتحرك في اتجاه حرب كبيرة في الشرق الأوسط». وصاحب التصريح هذا، ستيف بانون كان قد عُين في منصب كبير مستشاري الرئيس الأميركي الاستراتيجيين في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016م، وفي 28 يناير/كانون الثاني ضم بأمر رئاسي إلى مجلس الأمن القومي الدائم.

ومن يسمع من تهديد الرئيس ترامب نفسه للمسلمين من ألفاظ عنصرية، وما يفعله كما في العملية العسكرية الخاصة في اليمن، وما طلب من الجيش الأميركي إعداده خلال 30 يومًا من حرب على الإرهاب في سوريا، وما تقوم به الطائرات الأميركية من قصف في سوريا، فإن هذه الأفعال متوافقة مع الأقوال، وتؤكد أن أميركا بصدد الإعداد لحرب كبيرة في المنطقة الإسلامية، هي أكبر من حربيها على العراق وأفغانستان، ولكن هذه المرة ضد الإسلام.

ربما لا تجد قوة معتبرة في الصين تنفي هذه التوجهات الأميركية، وأنها بصدد الإعداد لحرب لإخضاع الصين، ربما تكون نافذتها كوريا الشمالية، وربما تكون الجزر الصينية في بحر الصين؛ لأن تلك القوى الصينية ترى سياسات أميركية فعلية لتقوية اليابان، وزيادة عسكرية أميركية مباشرة في بحر الصين، وقواعد أميركية متنامية في تلك المنطقة.

ولكنك مع الأسف الشديد ترى من القوى الإسلامية في منطقتنا من يرى توجهات أميركا نحو الحرب الكبيرة ضد الإسلام، وسبب ذلك أن المنطقة الإسلامية قد خضعت للنفوذ الأميركي لفترة طويلة نبت فيها العملاء وأصبحوا ذوي سلطة ومال، ولهؤلاء دورهم في حرب أميركا ضد الإسلام؛ لذلك تراهم يجندون القوى الأخرى مع أميركا للحرب ضد الإسلام. والأمثلة في ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى، ونكتفي في بيانها بالمثال السوري.

وذلك أن أميركا والغرب قد تمكنت من التعامل مع القائمين على الثورات في عدة بلدان عربية كمصر وليبيا وتونس واليمن، ولكنها عجزت عن ذلك في سوريا. فكانت الحالة الإسلامية للثورة السورية كصعود الصين، أي هي التي فرضت على أميركا سريعًا التفكير في الحرب، مع أنها خرجت للتو من حرب العراق. فكانت القوى المنادية بالإسلام الصافي النقي في سوريا قوية لدرجة أعاقت كل الحلول الأميركية للأزمة السورية، فكشفت عن خطورة التحركات الإسلامية في المنطقة عمومًا، وأن المسلمين على وشك إقامة دولة الإسلام، دولة الخلافة. وأن يصبح هذا الحلم الإسلامي قريب التحليق بأجنحة ظاهرة للعيان، أي بوجود قوى مسلحة تناصر هذه الفكرة السياسية، وأنها تقوم بأفعال لإسقاط النظام ووضع تلك الفكرة مكانه، فهذا أمر بالغ الخطورة لأميركا، ويزيد عن تهديد الصين كثيرًا.

بذلت أميركا ما هو أكبر من الوسع لمنع ذلك، ودفعت بدول الخليج وتركيا لاحتواء الثورة السورية عن طريق الدعم المالي، دون الدعم العسكري الفعال، وانتقلت أميركا من المطالبة برحيل أسد، إلى رحيله و«الإرهاب»، ثم بقائه ورحيل «الإرهاب»، وهكذا أصبحت مواقف دول الخليج وتركيا، وهذه دول لا تملك من أمرها الكثير، خاصة أمام طلبات أميركا، وانخدعت بعض القوى الإسلامية في سوريا بهذه الدول نتيجة غياب الوعي السياسي، فقد ظنت أن هذه البلدان دولًا اسلامية، وهي تساعد الشعب السوري في محنته، وظلت تنجر وراء تلك الدول إلى جنيف ومفاوضة أسد، حتى وقعت الصدمة ووقع الترويع وحل الذهول، حين طلبت تركيا-أردوغان من هذه القوى تسليم حلب للنظام وروسيا، ومقاتلة «الإرهاب» بدل الأسد، وجرها تحت الضغط والتهديد بوقف الدعم إلى مفاوضات مع الروس في أنقرة وأستانة، وإلى جنيف مع التسليم ببقاء الأسد، وتشكيل حكومة مشتركة معه حسب سياسة أميركا.

وهنا، ومع حالة الذهول والصدمة، انساق بعض ضعاف النفوس مع تركيا، بعد أن صاروا في وضع لا يمكنهم فيه الاستغناء عن الدعم والرواتب، ونبتت لديهم أحلام من أمراء حرب إلى وزراء ومتنفذين في حكومة جديدة مع الأسد، وبهذه العملية فقد تمكنت أميركا عبر تركيا ودول الخليج من نقل هذه القوى في سوريا من فسطاط الإسلام الذي يقاتل لإسقاط النظام وإقامة الإسلام إلى فسطاط أميركا، أي جعلها إحدى القوى المتحالفة مع أميركا في حربها ضد الإسلام، وهي تطلب منهم اليوم عبر تركيا مقاتلة الجماعات المعارضة للمفاوضات والتسوية السلمية، وقد تنجح، رغم الانشقاقات الواسعة الحاصلة في جنب الفصائل التي نقلتها تركيا من فسطاط الإسلام إلى فسطاط أميركا. هذا ناهيك عن القوى العلمانية التي تدعمها أميركا في سوريا كقوات سوريا الديمقراطية، وتمدها بالسلاح، وكذلك قوى الأسد التي تدعمها أميركا عبر إيران وروسيا في خطة تحاول أميركا إحكامها للقضاء على الخطر الإسلامي الكبير. ورغم كل ذلك، فإن أميركا ليست واثقة من قدرة كل هذه القوى التي تشكل فسطاط أميركا (الأسد وإيران وحزبها ومليشياتها وروسيا، والفصائل المسلحة الموالية لتركيا والتي خضعت لها، وكذلك الدول المحيطة)، بل تريد أن ترسل، وهي ترسل فعلًا المزيد من قواتها المباشرة إلى سوريا وحول سوريا. وهذا يدل دلالة واضحة على قوة فسطاط الإسلام، وأن تلك القوى قد عجزت عن التغلب عليه، ولا بد من دفع المزيد من القوات الأميركية، والطلب من عملائها كحاكم مصر الاستعداد لإرسال قوات أخرى لساحة المعركة.

وإذا كنا قد ناقشنا هنا المثال السوري، فإن أميركا تعلم بأن كل بلد اسلامي يختزن من التهديد لأميركا ووجودها الدولي تمامًا كما ظهر في سوريا؛ لذلك فإن حرب أميركا على الإسلام قد صارت أكثر شمولًا، تقزمت معها القوى الموالية لأميركا، وجيش أميركا الموجود في القواعد التي ما تلبث أن تسمع عن جديدها، ففي سوريا وحدها ثلاث قواعد عسكرية لأميركا لم تعلنها، وكشفت عنها وسائل الإعلام مؤخرًا. وأميركا ترامب تنادي بروسيا لتظل بجانبها في حربها ضد الإسلام؛ لأن هذه الحرب قد صارت تأخذ طابعًا متصاعدًا حتى قبل ظهور دولة للإسلام، وأميركا تريد أن تكون جاهزة وفي وضع قتالي، بمجرد ظهور هذه الدولة، بل هي تحارب هنا وهناك، وتقتل من المسلمين وقياداتهم في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، ما تظن أنه يعيق ويؤخر ظهور الخطر الكبير، وهو دولة الإسلام.

والحرب الأميركية في الشرق الأوسط، ليست فقط بصدد تجهيز القوى الذاتية والتحالفات الدولية كما مع روسيا، والتحالفات المحلية كما تقوم وكيلتها تركيا بوضع قوى سورية كانت إسلامية وتنادي بتحكيم الإسلام، وصارت تحارب ضد فسطاط الإسلام في سوريا، وإنما هي بصدد الحرب الفعلية المشتعلة في بؤر كثيرة، وتدفع بكل قوة تصطادها أو يصطادها عملاؤها للحرب مباشرة، فالمسألة عند إدارة ترامب فورية ومجابهة الآن مع الأخطار المباشرة، تلك الأخطار التي تنذر بالخطر الأكبر، وهو ظهور دولة الخلافة.

وإذا كانت حرب أميركا في محيط الصين قيد الإعداد، وأميركا تقدر نشوبها من 5 إلى 10 سنوات لا أكثر، فإن حرب أميركا لاستنزاف الإسلام قائمة فعلًا، وأعمال القتل الأميركي في المسلمين هي أعمال يومية، وتقوم إدارتها بمتابعتها، سواء تقييم غاراتها الجوية، أو غارات عملائها وحربهم معها ضد الإسلام، كما مع إيران وأسد وأشياعهم في سوريا، وكما مع تركيا في درع الفرات، وغيرها كثير. وكذلك الزج بكل جديد كالفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا والقادمة حديثًا إلى فسطاط أميركا ضد فسطاط الإسلام، فهي حرب قائمة، وأميركا تجهز نفسها لها لنقطة الاشتعال الكبرى عندما تظهر دولة الخلافة، ويكون لها جيش يباشر العمل ضد فسطاط أميركا، وأميركا لا تستثني أن تكون نقطة الاشتعال الكبرى قريبة للغاية، لذلك تجدها تهيم على وجهها تطلب مساعدة روسيا، وأن تبقى روسيا معها في الحرب ضد الإسلام. ويزيد من خشية أميركا أن تشتعل حربها في الشرق الأقصى مع زيادة الاشتعال في المنطقة الإسلامية؛ لذلك تقوم بالتجنيد تحت الضغط كما فعلت تركيا مع الفصائل السورية الموالية لها، فهي- أي أميركا- تريد أن تكون مطمئنة إلى حجم القوى التي تقف في فسطاطها لمواجهة الإسلام.

ولكنها خائبة بإذن الله، فكل ما جندته من قوى سياسية وعسكرية، علنية تظهرها وسائل الإعلام، وسرية لا يعلمها إلا قليل، كمشاركة بعض الجيوش العربية بدعم الأسد، لم تتمكن خلال ست سنوات من القضاء على التهديد في سوريا وحدها، وذلك أن قوة الله فوق قواها، وأنه مع عباده المخلصين، وإن أجل النصر إلى حين. وفي هذا انذار شديد اللهجة إلى القوى الإسلامية التي تتذرع بفتاوى شرعييها الباطلة للخروج من فسطاط الإسلام والالتحاق بفسطاط أميركا، أن مشاركتهم في حرب الإسلام مهما غطوها بستار «الإرهاب» ومسايرة الأطراف الإقليمية والدولية، أي أدوات فسطاط أميركا، هذه المشاركة هي الخسران المبين في الدنيا؛ لأن الإسلام منتصر حتمًا، وفي الآخرة. فإذا كانت المخابرات التركية والعربية ترقب أعمالكم في سوريا مثلًا، لوضعها في فسطاط أميركا، فإن ربكم وخالقكم يرقب أعمالكم أيضًا، وإنه لقريب منكم دائمًا، وخاصة في فترة هذا المخاض الصعب الدامي لولادة الخلافة الإسلامية.

فلتكونوا مع الله؛ فذلك أنفع لكم في الدنيا والآخرة، وقفوا في فسطاط المؤمنين، وتوكلوا عليه وهو الأقوى من كل ما ترون، والأغنى من كل من يوفر لكم بعض الأموال، وهو صاحب الملك الذي يؤتي الملك من يشاء، ويمنعه عن من يشاء، ولا تخشوا في وقوفكم العلني والصريح ضد فسطاط أميركا وأزلامها. ألستم تتعظون، فماذا صنعت القوة الجبارة لأميركا في حرب المقاومة العراقية؟ ألم ينكشف ظهر أميركا التي صارت تبحث عن أي طريق ينجيها من المحرقة العراقية؟ أم ماذا صنعت مئات الألوف من جيش أسد وإيران وأشياعها، مقابل بضعة آلاف من المقاتلين المؤمنين؟ ألم تلمسوا بأن قوة الله تعالى كانت خلف أولئك المؤمنين؟ فاتعظوا، واعلموا أن كل منافع الدنيا التي كانت قد صارت تاريخًا، وأن ما هو قائم منها سيصبح عما قريب تاريخًا، وما يبقى من كل ذلك هو الثابت الأكيد الذي سيسجل إلى يوم الدين، يوم نعرض جميعًا على الله، فيكون أهل فسطاط الإسلام في عيشة راضية، ويقول من رضي بنقل تركيا-أردوغان له إلى فسطاط أميركا، ( يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٢٥ وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ ٢٦ يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ ٢٧ مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ ٢٨ هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ ٢٩ )

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *