أيْنَ الغِناءُ يَزِفُّ ألحاناً من الذكرى بأحلاها، وأغلاها يُعَادْ
|
أيْنَ الضياءُ يُعيدُ لَيْلَ الشِّعر وَمْضأ في الخيال وفي الدماء وفي الفؤادُ
|
من أينَ أَقْبِسُهُ ولا زهرٌ يضوع شداً، ولا نغمٌ لشادْ
|
جَفَّ السَّنَا، ومحابرُ الشعراء جَفَّ بها المِدادْ
|
أيْنَ الخلافةُ تَزْدَهي في ظلها الراياتُ خافقةً تتوقُ إلى الجهادْ
|
أين اللواءُ الفاتحُ المنصورُ والساحاتُ ماجتْ بالكتائب والعتادْ
|
وبشارةُ الهادي الأمين عزيمةٌ تَسْرِي فتستبقُ الفوارسُ والجيادْ
|
وأميرُها نِعْمَ الأميرُ، وجيشها، والرومُ قد ألقتْ لفاتحها القيادْ
|
والعرشُ مضطربٌ بقِسْطَنْطينَ، والأسوارُ تَهوِي كالهشيم وكالرمادْ
|
قد كان يزهو بالمليك، فحينَ جاء الفَتْحُ مَزْهُوّاً تجلَّلَ بالسوادْ
|
وَانْدَكَّ لما جاء نَصْرُ الله يَهْوي خائرَ الجبروت مُنْهاراً، ومادْ
|
وتهاوت الصلْبانُ تحت سنابكِ الخيلِ المغيرةِ والمُهَنَّدة الحدادْ
|
وبمسجد الفرقان سَبَّحَت الوجوه الساجداتُ لوجه خَلاَّق العبادْ
|
بالفاتح الغازي وسيفِ جهاده الميمون عَزَّ الدينُ منتصراً وسادْ
|
واليوم قد سقط اللواءُ وفارسُ الميدان قد فَقَدَ المُهَنَّد والجوادْ
|
وَتَهدَّم الصرحُ الذي قد كان فوق قواعد الإيمان مرفوعَ العِمادْ
|
تِشْكو بذُلِّ القيد عاصمةُ الخلافة وهي في ثوب الحدادْ
|
وعلى المنابر دمعةٌ، فاليومَ ماتَ الفاتحُ الغازي ووالده مرادْ
|
ويعود جنكيزٌ يُعَرْبِدُ والمغولُ بها كأسراب البعوض والجرادْ
|
نشروا المظالم فليس فوق الأرض من نورٍ يضيء لأفق هادْ
|
زحف الظلامُ فليس فوق الأرض من نورٍ يضيء لأفق هادْ
|
حُبِسَ الغَمامُ فليس من غَيْثٍ يَبُلُّ ظَمَأَ البلادْ
|
فُقِدَ الأمانُ فليس من طفلٍ تُهدهِدُ جَفْنَهُ سِنَةُ الرُّقادْ
|
خَفَتَ الأَذانُ وراحَ صوتُ الإفْكِ يَنْعَبُ بالضلال بكلّ نَادْ
|
*****
|
شُلَّتْ يمينُك أيها الجاني، لقد خُنْتَ البلادَ وجئتَ نُكْراً
|
صَنَعوكَ تِمثالاً وأنت أَحَطُّ منه مكانةً وأَقَلُّ طُهْراً
|
ودَعَوْكَ زوراً بالكمالِ، وأنتَ أحقرُ من عبيد الأرض طُرّاً
|
ملأوا إِهابَك من سُموم الغَدْرِ فاتكةً، فَفُقْتَ الحَيَّة الرقطاءَ غَدْراً
|
بمعاهد الماسون تلميذاً نَشَاْتَ، فَزِدْتَ إلحاداً وكُفْراً
|
ضَمَّتْكَ أحضانُ الدَّعارةِ مُذْ دَرَجْتَ، فكنتَ في الأوطان ماخوراً وعُهْراً
|
وسَقَوْكَ من خمر الفجور، فكنتَ للساقين في الحاناتِ خمراً
|
وأرادَكَ الأعداءُ عَيْراً للركوب، فكنتَ للأعداء عَيْراً
|
وحَمِلْتَ جُثْمانَ الخِلافةِ عندما حَفَروا له في موطن الإسلام قبراً
|
ووأدْتَ أسفاراً من الأمجاد، ما أَبقيتَ للأمجاد سِفْراً
|
ومحوْتَ ما قد خَطَّهُ التاريخُ، ما أبقيت في الصفحات سطراً
|
وهَدَمْتَ ما قد شاده الماضون من عزٍّ، فما أبقيتَ للماضين ذِكْراً
|
ونَحَرْتَ كُلَّ مَفاخِرِ الإسلام سَفّاحاً بسيفِ البطش نَحْراً
|
وجلسْتَ فوق العرش عبداً، والبلادُ أسيرةٌ والناسُ في الأوطان أَسْرى
|
*****
|
والخيلُ تقْتحمُ الثُغورَ فَتَنْثَني، وبشائرٌ للفتحِ تَتْرى
|
وضياءُ هدْيٍ قد مَلأْنا الأرض من نُعْماهُ آلاءً وخَيْراً
|
وظلامُ ليلٍ قد طَلَعْنا في دجاه الحالكِ المُرْبَدِّ فَجْراً
|
لم يَبْقَ في أرضٍ غَزَتْها خَيْلُنا عرشٌ لِقَيْصَرِها ولا عرش لكِسرى
|
حتى أَحَلْنا تُرْبَها للشُّهْبِ مزرعةً، ورَمْلَ البيد تِبْراً
|
والدولةُ الكبرى بنيناها فكان بظلها البنيانُ أمجاداً ونصراً
|
حتى هَوَى صرحُ الخلافة، فاستحالَ الفَجْرُ ليلاً واستحال النَّصْرُ خُسْراً
|
ورياضُ جَنّاتٍ تَفَيَّأْنا الظلال بها فعادَ الظِلُّ قَفْراً
|
وكنوزُ أمجادٍ من التاريخ قد أضحتْ من الأمجاد صَفْراً
|
وهناءةٌ مبسوطةُ النَّعماءِ، عاد نعيمُها الريَّانُ في الأجفان جَمْراً
|
ونَميرُ نبعٍ دافقُ السَّلْسالِ، عادَ شرابُه المعسولُ في الأفواهِ مُرّاً
|
وحُصونُ أَمْنٍ شادَها الإسلامُ، صارَ الأمنُ في أكنافها سجناً وقَهْراً
|
*****
|
يا أمةً نامتْ على ذُلٍّ مُخدَّرةً، وطال بها الرُّقودْ
|
واسْتَسْلَمتْ للقيد خانعةً، وما ثارتْ على ذُلِّ القيودْ
|
تستعذب الأحلامَ لاهيةً، فيغرِقُها رخيصُ اللهو في ليلٍ مديدْ
|
وتسير واهية الخُطى، والأرض تحت مسيرها المكدود مائجةٌ تَميدْ
|
وتظن أن العيش جَنّاتٌ تُزَخْرَفُ، وهي تُدْفَنُ في اللُّحودْ
|
ضاعت أمانيها هباءً، واستكانت للقعود وللركود وللجمودْ
|
وسلاحُها فقد المضاءً، ولم يَعُدْ في ساحة الميدان ذا بأسٍ شديدْ
|
والمبدأُ الأعلى، يكاد الكفرُ أن يغتال سُؤْدَدَهُ المجيدْ
|
وكتابُها كانت كتائبه بآي الذِّكر تجتازُ الحواجزَ والسدودْ
|
بِمَحَجَّةٍ بيضاءَ ساطعة الهُدى، كالنور تكتسح الضلالةَ والجحودْ
|
أضحتْ مُعَطَّلةً وقد عَصفَ الظلامُ بنورها الهادي ومَنْهجها الرشيدْ
|
حكامُها العملاءُ أصنامٌ تُقَدَّسُ في القيام وفي الركوع وفي السجودْ
|
مستأسدون وهم على سُرُرِ الملوك أرانبٌ تطغى وأقزامٌ تسودْ
|
من كل وغْدٍ للعدوِّ مُذَلَّلٍ ولشعبه الخَصْمُ اللدودْ
|
يرنو إلى نَزْفِ الدماء لجرح أُمّته الذبيحة وهو مُبْتَسِمٌ سعيدُ
|
ويَتِيهُ فوق العرش وهو مُتَوَّجٌ بالذلِّ لا مجدٌ ولا رأيٌ سديدْ
|
وكآلة التسجيل يُلْقي القولَ ترديداً ويَجْهلُ ما يقول وما يريدْ
|
يزهو برأسٍ شامخ الخُيلاءِ كالفرعون جبارٍ عنيدْ
|
لكنه أعْشى البصيرة مظلمُ التفكير مضطربُ الحِجا نَخِرٌ بليدْ
|
يُلْوي غروراً عن جميع الناس كالجليد أو الحديدْ
|
وهو الذليلُ المستكينُ أمام من مَلّكوه كالجمل المقودْ
|
كم خَرَّ تعظيماً لأَميركا وكم وطِئَتْه بالأقدام أحذيةُ اليهودْ
|
يا رايةَ التحرير تاهَ الركبُ في ظلماءَ حالكةٍ وطال به الشرودْ
|
والأعينُ الظمأى تحنُّ إلى الضياء وترقبُ الفجر الجديدْ
|
وكتائبُ التحرير دائبةُ الجهادِ الظافرِ المنصورِ في درب الخلودْ
|
لا، لَنْ يظلَّ بأرضه الإسلامُ تحت سياط جَلاَّديه كالصَّيْدِ الطَّريدْ
|
سَتَبيدُ آلهةُ الضلالِ ودولةُ الأصنام، في وطني تبيدْ
|
وتعود راياتُ الخلافة والجهاد ودولةُ الإسلام شامخةً، تعودْ
|