العدد 362 -

السنة الواحدة والثلاثون – ربيع الأول 1438هـ – كانون الأول 2016م

مَسْأَلَةُ النَّاسِ آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ

بسم الله الرحمن الرحيم

مَسْأَلَةُ النَّاسِ آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ

 

عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِالْمَالِ فَيَقْبَلُهُ، وَيَقُولُ: لا أَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا، وَلا أَرُدُّ مَا رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى.

عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ، قَالَ: مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلا مَسْأَلَةٍ فَكُلْهُ وَتَمَوَّلْهُ».

عَنْ حَكِيمِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَوْصَى بَنِيهِ، قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ وَاصْطِنَاعِهِ، فَإِنَّهُ مَنْبَهَةٌ لِلْكَرِيمِ، وَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ، وَإِيَّاكُمْ وَمَسْأَلَةَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ آخِرُ كَسْبِ الرَّجُلِ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «مَا فَتَحَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ فَاسْتَعِفُّوا».

عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَسَأَلَهُمَا، فَقَالا لَهُ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَصْلُحُ إِلا لِثَلاثَةٍ: لِحَاجَةٍ مُجْحِفَةٍ، أَوْ لِحِمَالَةٍ شَاقَّةٍ، أَوْ دَيْنٍ فَادِحٍ» وَأَعْطَيَاهُ، ثُمَّ أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَأَعْطَاهُ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: أَتَيْتُ ابْنَيْ عَلِيٍّ، وَهُمَا أَصْغَرُ مِنْكَ سِنًّا فَسَأَلانِي، وَقَالا لِي، وَأَنْتَ لَمْ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ؟! ، فَقَالَ: جَدُّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنَّمَا كَانَا يَغُرَّانِ الْعِلْمَ غَرًّا.

أنشد أحدهم:

لا تَحْسَبَنَّ الْمَوْتَ مَوْتَ الْبِلَى

فَإِنَّمَا الْمَوْتُ سُؤَالُ الرِّجَالِ

كِلاهُمَا مَوْتٌ وَلَكِنَّ ذَا

أَشَدُّ مِنْ ذَاكَ لِذُلِّ السُّؤَالِ

كَانَ سَلَمُ بْنُ قَانِعٍ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا رِزْقًا حَلالًا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ، وَلا كِبْرٍ، وَلا مَنٍّ مِنْ أَحَدٍ، وَلا عَارٍ فِي الدُّنْيَا، وَلا مَنْقَصَةٍ فِي الآخِرَةِ».

وَأَنْشَد آخر:

لَبُوسُ ثَوْبَيْنِ بَالِيَيْنِ

وَطَيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَتَيْنِ

أَهْوَنُ مِنْ مِنَّةٍ لِقَوْمٍ

أَغُضُّ مِنْهَا جُفُونَ عَيْنِي

وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ ذَا عِيَالٍ

قَلِيلَ مَالٍ كَثِيرَ دَيْنِ

لَمُسْتَعِفٌّ بِرِزْقِ رَبِّي

حَوَائِجِي بَيْنَهُ وَبَيْنِي

نَقْلُ الصُّخُورِ مِنَ الْجِبَال

أَخَفُّ إليَّ مِنَ السُّؤَالِ

وأَنْشَدَ غَيْرُهُ:

وَنَقْلُ الصَّخْرِ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ

أَخَفُّ عَلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرِّجَالِ

يَقُولُ النَّاسُ كَسْبٌ فِيهِ عَارٌ

فَقُلْتُ: الْعَارُ فِي ذُلِّ السُّؤَالِ

 

وأَنْشَدَ غَيْرُهُ:

إِذَا لَمْ يَأْتِكَ الْمَعْرُوفُ عَفْوًا

فَدَعْهُ فَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ مَالُ

وَكَيْفَ يَلَذُّ ذُو أَدَبٍ نَوَالا

وَمِنْهُ لِوَجْهِهِ فِيهِ ابْتِذَالُ

إِذَا كَانَ السُّؤَالُ بِذُلِّ وَجْهٍ

وَإِلْحَاحٍ فَلا كَانَ النَّوَالُ

وَقَالَ أَبُو الْجَلْدِ: كَانَ لَنَا جَارٌ، وَكَانَ أَثَرُ الْفَاقَةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ عَالَجْتَ شَيْئًا، لَوْ طَلَبْتَ شَيْئًا؟ قَالَ: يَا أَبَا الْجَلْدِ، وَأَنْتَ تَقُولُ هَذَا؟ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ فَلَمْ يَسْتَغْنِ فَلا أَغْنَاهُ اللَّهُ-

وأَنْشَدَ غَيْرُهُ:

لا تَخْضَعَنَّ لِمَخْلُوقٍ عَلَى طَمَعٍ

فَإِنَّ ذَاكَ مُضِرٌّ مِنْكَ بِالدِّينِ

وَاسْتَرْزِقِ اللَّهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ

فَإِنَّمَا هِيَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ

كَتَبَ بَعْضُ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَى أَبِي حَازِمٍ يَعْزِمُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ حَوَائِجَهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَاءَنِي كِتَابُكَ تَعْزِمُ عَلَى إِلا رَفَعْتُ حَوَائِجِي إِلَيْكَ، وَهَيْهَاتَ! رَفَعْتُ حَوَائِجِي لِمَنْ لا تُنْصَرُ الْحَوَائِجُ دُونَهُ، فَمَا أَعْطَانِي مِنْهَا قَبِلْتُ، وَمَا أَمْسَكَ عَنِّي مِنْهَا رَضِيتُ.

وَقَالَ ابْنُ سِمَاكٍ: كَتَبَ إِلَيَّ أَخٌ لِي: أَمَّا بَعْدُ، فَلا تَكُنْ لأَحَدٍ غَيْرَ اللَّهِ عَبْدًا مَا وَجَدْتَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ بُدًّا.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَخَذَ بِالتَّقْوَى، وَرُزِقَ الْوَرَعَ، أَنْ يَذِلَّ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا.

وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: أَدْرَكْتُ نَفَرًا يَقُولُونَ: زِينَةُ الْمُؤْمِنِ طُولُ صَمْتِهِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ.

وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَيْفَ أَخَافُ الْفَقْرَ، وَلِمَوْلايَ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِمَا، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى؟!.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ضَاعَتْ نَفَقَتِي مَرَّةً وَأَنَا فِي بَعْضِ الثُّغُورِ، وَأَصَابَتْنِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ؛ فَإِنِّي فِي بَعْضِ أَيَّامِي أُفَكِّرُ فِي جَهْدِ مَا أَنَا فِيهِ؛ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ وَجْهًا، وَهُوَ يَقُولُ:

تَبَارَكَ اللَّهُ وَسُبْحَانَهُ

مَنْ جَهِلَ اللَّهَ فَذَاكَ الْفَقِيرُ

مَنْ ذَا الَّذِي تَلْزَمُهُ فَاقَةٌ

وَذُخْرُهُ اللَّهُ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ

قَالَ: فَكَأَنَّمَا مُلِئْتُ غِنًى، وَذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُهُ

وَقَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ، خَفْ مِمَّا خَوَّفَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَكْفِيكَ مَا خَوَّفَكَ النَّاسُ، وَإِنَّ مِنْ ضَعْفِ يَقِينِكَ أَنْ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ تَعَالَى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *