العدد 361 -

السنة الواحدة والثلاثين – صفر 1438هـ – تشرين الثاني 2016م

حركاتُ السّلامِ اليهوديّةِ… وجهٌ آخرُ للصهيونية!!..

بسم الله الرحمن الرحيم

حركاتُ السّلامِ اليهوديّةِ… وجهٌ آخرُ للصهيونية!!..

حلقة- 1

 

حمد طبيب – بيت المقدس

لم ينجح الكفار في مواجهة هذه الأمة الكريمة ( أمة الإسلام) بشكل سافر صريح، ولا في مواجهة فكرها وعقيدتها، رغم تعدد أساليب الحرب التي اتبعوها وشدّتها؛ (المادية.. والفكرية.. والتشويه.. والكذب.. والصدّ.. والإبعاد…)، وغير ذلك من ألوان التصدّي والتحدّي لهذه الأمة الكريمة ولفكرها… والسبب في فشل الكفار وهزيمتهم في هذه الحرب السافرة الصريحة هو:

 السبب الأول: رعاية المولى عز وجل لهذه الأمة الكريمة، ودفاعه عنها، وفي نفس الوقت إعلانه الحرب على الكفر والكافرين في كل الميادين… قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) ، وقال:(  اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )، وقال: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ  )، وقال عليه السلام : إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا رواه الإمام مسلم في صحيحه.

السبب الثاني: هو قوة فكر الإسلام، وعدم وجود أي فكر آخر؛ قادر على مواجهته فكريًا… لأنه الفكر الوحيد الثابت يقينًا بأنه من عند الله عز وجل، وسواه من أديان ومبادئ، لا صلة لها يقينًا أنها من عند الله، ونقصد باليقين هنا (الدليل القاطع عن طريق البرهان العقلي)؛ بأن الإسلام هو من الله عز وجل؛ وقد ثبت ذلك عقلًا ونقلًا؛ نقلًا  بطريق السند المتواتر القطعي، وعقلًا بطريق البرهان العقلي اليقيني بالإعجاز بعد التحدي قال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا  )، وقال أيضًا: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ )، وقال: ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا )، وقال عليه الصلاة والسلام : تركتكم على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك رواه الترمذي.

 السبب الثالث: هو سقم وفساد ما يحمله الكفار، بكافة مللهم وأديانهم، من فكر ومبادئ وأديان؛قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )، وقال:( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

 السبب الرابع: هو شدة حب هذه الأمة الكريم لدينها، وكراهيتها للكفر والكافرين؛ على اختلاف مشاربهم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ، وقال في كراهية الأمة للكفر ، وكراهية الكفر لها:( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)،وقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ).

لقد هزم الكفار في كل ميادين القتال التي خاضوها مع المسلمين، ابتداءً من قيام الدولة الإسلامية في (المدينة المنورة)، وانتهاء بما جرى في أفغانستان والعراق، وما يجري اليوم على أرض الشام وغيرها…مرورًا بكل الحروب التاريخية؛ مع فارس والروم، والحروب الصليبية، وحرب المغول، وحروب البلقان، وأطراف ووسط أوروبا وروسيا .. وغير ذلك الكثير في تاريخ هذه الأمة العريقة..

 لذلك صار الكفار يلجؤون إلى ألوان أخرى من الحروب لإضعاف المسلمين، وصرفهم عن دينهم؛ كمقدمة لاحتلاهم، واغتصاب بلادهم ونهب خيراتها… ومن هذه الحروب المضللة الماكرة الخبيثة ما فعله الغرب من (الحرب التبشيرية، والغزو الفكري) لإبعاد الناس عن دينهم…  يقول الكاتب (عبد الرحمن حسن حبنّكة) ؛ في كتابه المشهور: (أجنحة المكر الثلاثة):  «لقد أدركوا أي – الكفار- بعد التجارب الطويلة أن الغزو المادي – قبل الغزو الفكري والنفسي والخلقي، يولّد في الشعوب رد فعل عنيف، يحمي أكثريتها من تقبّل الغزو بكل أنواعه، لما فيه من العداء السافر، والتسلط بالقهر والغلبة المكروه للنفوس، حتى إذا تحركت كوامن النهضة في الشعوب، وواتتها الفرصة، ردّت الغزاة على أعقابهم، وكان عمر الاحتلال في البلاد قصيرًا، في حساب تاريخ الشعوب، مهما عظمت فيها قلاعه، وتكاثرت فيها جيوشه.. .والغزو الجديد؛ (الفكري والنفسي والخلقي)؛ الذي خطّطوا له يحمل في ثناياه أفدح الأخطار على كيان الشعوب الإسلامية ووحدتها وأسس مجدها، ويجعلها طعمةً سائغةً يزدردها العدو، دون أن يجد من ذلك غصَّةً في حلقومه، كما يفقدها كل مقوم من مقوماتها الإنسانية الراقية، التي بها كانت خير أمة أخرجت للناس، ويجعلها كبقرة حلوب، تُعلفُ بمقدار ما تستثمر من لبن أو لحم أو حرث». ص24

وجاء في كتاب (العلمانية) للدكتور (سفر الحوالي): يقول المبشر الكبير(صمويل زويمر)؛ في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م: «إن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريمًا، وإنما مهمتكم هي: (أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله)، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق الحميدة التي تعتمد عليها الأمم في حياتها»…ويقول أيضًا: «إنكم أعددتم نشئًا لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقًا لما أراده الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهوة، وإذا تبوأ أسمى المراكز، ففي سبيل الشهوة يجود بكل شيء». ص 553

ويقول الدكتور (علي مـحمد جريشة) في كتاب (أساليب الغزو الفكري): «ولم يكن عمل المستشرقين منفصلًا عن عمل المبشرين، بل كانت مهمة كل من الطائفتين تدخل في الأخرى، وكان فشل الصليبيين في حملاتهم المتوالية على المشرق الإسلامي دافعًا للمزيد من الاهتمام بالثقافة الإسلامية، وقد ظهرت أخيرًا وثيقة خطيرة تلقي الضوء على تحول الصليبيين من الغزو العسكري إلى الغزو الفكري، وهذه الوثيقة تتضمن وصية القديس (لويس ملك فرنسا)، وقائد الحملة الصليبية الثامنة التي انتهت بالفشل والهزيمة، ووقوع ملك فرنسا لويس في أسر المصريين في مدينة المنصورة، وقد بذل الملك لويس فدية عظيمة للخلاص من الأسر، وبعد أن عاد إلى فرنسا، أيقن أنه لا سبيل للنصر والتغلب على المسلمين عن طريق القوة الحربية؛ لأن تدينهم بالإسلام يدفعهم للمقاومة والجهاد، وبذل النفس في سبيل الله لحماية ديار الإسلام، وصون الحرمات والأعراض. والمسلمون قادرون دومًا للانطلاق من عقيدتهم إلى الجهاد ودحر الغزاة، وأنه لا بد من سبيل آخر؛ وهو تحويل التفكير الإسلامي، وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري… وهكذا تحولت المعركة من ميدان السلاح إلى معركة في ميدان العقيدة والفكر؛ بهدف تزييف عقيدة المسلمين الراسخة التي تحمل طابع الجهاد وتدفع المؤمنين للاستشهاد». ص19.

  لذلك صار الكفار – بعد فشلهم في معركة المواجهة الصريحة –  يلجؤون إلى مثل هذه الأساليب والوسائل في حرب المسلمين، وإلحاق الأذى بفكرهم وعقيدتهم وسلوكهم العملي في الحياة، وذلك كمقدمات للحرب المادية والاستعمار السياسي والعسكري…

[يتبع..]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *