العدد 58 -

السنة الخامسة – العدد 58 – (رجب – شعبان) 1412هـ الموافق شباط 1992م

نماذج الذعر الفرنسي من «الطاعون الإسلامي»!

باريس ـ د. غسان رفاعي (عن جريدة السفير 15/01/92)

  • أوروبا ترتجف وتجاهر بذعرها. لا لأن «الديمقراطية» قد نالت مصرعها، ولا لأن «الشرعية الدولية» قد ثقبت في مكان ما على أيدي «مغمر مهووس». وإنما لأن الديمقراطية قد أفرزت «الطاعون الإسلامي» لأن الشرعية الدولية. قد وجدت من يسقط ورقة التوت عن عورتها.

– ماذا حدث؟ بعد سقوط جدار برلين، وبيعت شقفة بالمزاد العلني، اشرأبت مآذن على طول الساحل الجزائري. كان الجدار يحول دون تسرب «الالحاد المادي»، وها هي المآذن تحول دون تسرب «التجربة الليبرالية».

– مفكرو الغرب شمروا عن سواعدهم. ونزلوا إلى الساحة، إنهم حريصون على الديمقراطية، شريطة أن يختاروا «المؤهلين لممارستها وقيادتها»،ومتمسكون بالشرعية الدولية شريطة أن تفتح الأبواب أمام «اقتصاد السوق».

– المطلوب أمران وبصفة الاستعجال: اكتشاف ايديولوجية جديدة تبرر الاضطهاد. وآلية تبقي على سيادة الاستقطاب الأحادي، وفي ما عدا هذين، تفاصيل تقبل المناقشة والاجتهاد.

– أهناك حاجة للنماذج؟ إنها متوفرة بافراط مذهل! وهذه بعض منها قبل أن يستقيل(؟) الرئيس الشاذلي بن جديد.

الجزائر، منطقة التوتر الأقصى

«إن كوليرا الأصولية السوداء، مرض معد من ذات فصيلة الطاعون الرمادي للفاشية، ويتوالد هذا المرض في الأوكار الخبيثة، التي تتفشى فيها البطالة، والبؤس واليأس، ولكي يزدهر، يعتمد على حسد الجار، وكراهية الآخر المغاير، وقد تستحيل محاصرته إذا كانت الجسيمات المضادة قد أصابها الفساد والذبول والتجرثم».

«أن الأصولية الدينية التي تزحف على الجزائر، لا يجوز أن تقيّم إلا من خلال الأذى الذي تلحقه بالجزائر أولاً، التي تربطها بالغرب روابط الجغرافية والتاريخ، وبدول المغرب ثانياً، التي لا يمكن للغرب أن يفسخ علاقاته بها. وبفرنسا ثالثاً التي يعيش على أراضيها ما لا يقل عن ثمانماية ألف جزائري إنها تحرك مضاد للتاريخ يعزف على وترين: المازوشية والخوف، وهما سلاحان ثقيلان فتاكان».

«الجزائر ارتكبت اثمين لا يغتفران حينما نالت استقلالها اختارت الحزب الويحد، وحينما انفتحت على الديمقراطية اختارت الأصولية وفي الخيارين كانت مع الحزن ضد الفرح، ومع القومية ضد الهوية ومع القمع ضد الحرية…».

ـ السيد ميشيل كولوس كتب في مجلة «لوبوان» ذات يوم «الكنيسة الكاثوليكية في بولونيا هي صِمَام الأمان لعدم الوقوع في الخطيئة، والأجراس التي تقرع كل يوم تذكير بأن الحضارة الغربية حية متوهجة». وخصص السيد كولوس عدداً خاصاً من مجلته للطقوس الأرثوذكسية في الاتحاد السوفياتي المرحوم. وكان عنوان الغلاف مثيراً: «الايقونة تجسيد للأصالة الروسية»، وعنوان التحقيق الكبير المنشور أكثر اثارة: «الأصولية الارثوذكسية انتصار للانسان على الوثن!».

ميشيل كولوس رئيس تحرير «لوبوان» هذا الرعب الذي تصدره الجزائر

حينما يردد المؤذن في مآذن الجزائر أن الأرض سترتعد من جديد، فإنه يعرف ماذا يقول، الإسلام دين ولكن الإسلامية ايديولوجية. إنها سلاح بيد الفقراء ضد الأغنياء، الضعفاء ضد الأقوياء، المتفوقين ضد المتخلفين. وعلينا جميعاً أن ندفع ضريبة هذا الصراع الجديد الذي سيشطر العالم شطرين.

اخطأ الرئيس ميتران ثلاث مرات. مرة أولى حينما ناصر الاشتراكية الجزائرية المنشودة ضد تطلعات الشعب الجزائري المشروعة. ومرة ثانية حينما اعتقد أن الرئيس الشاذلي بن جديد هو ممثل البيروسترويكا الجزائرية وأن نجاحه مضمون داخل المؤسسة التي ينتمي إليها، ومرة ثالثة، حينما أعلن أن هجرة الجزائريين إلى فرنسا تشابه كل الهجرات السابقة، وأنه يمكن امتصاصها والتكيف معها.

نجاح الأصوليين في الجزائر، ليس هدفاً معزولاً، إنه يتمحور حول ثلاثة خلافات جذرية بين الشمال الجنوب. أولها أن الجنوب يتفجر ديموغرافيا، في حين يحتضر الشمال ديموغرافيا. وثانيها أن الشمال يثرى وزداد ثراء، في حين الجنوب يفقر ويزداد يؤساً. وثالثها أن الشمال يتقارب ويندعم تحت راية القيم الغربية التقليدية، في حين يتجمع الجنوب تحت راية قيم الإسلام الثابتة. ومعروف أن الغرب قام على فصل الدين عن الدولة في حين تحمس الشرق دوماً لدمج الدين بالدولة.

الوضع في الجزائر يمثل ثلاثة أخطار لفرنسا:

– الأول: أنه قنبلة في خاصرة فرنسا، نقل عن علي بن الحاج قوله: «إذا كان أبي واخوته قد طردوا من فرنسا المعتدية مادياً من الجزائر، فإنني واخوتي سنكرس كل جهدنا لطرد فرنسا ثقافياً وأيديولوجياً من الجزائر. لا بد من أن تستعيد الجزائر هويتها الإسلامية لكي تكون متحكمة في حوض البحر الأبيض المتوسط».

– الثاني: أنه قنبلة في قلب فرنسا. نقل عن مراسل «اللوموند» في الجزائر «أن تسلم الاسلاميين الحكم، سيؤدي لا محالة إلى هجرة عدد كبير من الجزائريين إلى فرنسا، وستشمل الهجرة الأصناف الآتية: الملاك الكبار، والمثقفين المتأثرين بالغرب، النساء اللواتي ترفضن الانصياع للشريعة، الموظفين الكبار الذين حصلوا على مناصبهم بالتملق وعدم الكفاءة، الديمقراطيين الحريصين على حرياتهم، الوزراء السابقين وكبار القياديين في جبهة التحرير الذين يخشون الافتضاح».

– الثالث: أنه قنبلة على فرنسا: نقل عن مجلة «تايم» الأميركية «أن الأقمار الصناعية الأميركية قد صورت مركزاً نووياً محاطاً بمزارع خضراء في قلب الجزائر، ومن المؤكد أن الاسلاميين سيسعدهم أن يحصلوا على قنبلة ذرية، سيكونون أقدر على التأثير على الساحة الدولية، ويقدر الجنزال كلارك أن نصب منصات الصواريخ على الأرض الجزائرية، سيهدد مدينة كمرسيليا بالدمار الكامل في ثوان.

ويتقدم السيد فيليب بالاقتراحات العاجلة الآتية، لاحتواء المخاطر الجزائرية:

– إقامة جدار أوروبي شبيه بجدار برلين، لحجز النظام الإسلامي المرتقب في الجزائر، تشارك فيه كل دول المجموعة الأوروبية، على أن يتعهد الجميع بعدم فتح نوافد أو منافذ فيه.

– إعادة النظر في كل الاتفاقيات التي عقدتها فرنسا مع دول المعرب، ورفض السماح لرعايا هذه الدول بالتنقل في أوروبا.

– الطلب من كل مهاجر مغربي في فرنسا، أن يوقع على تعهد بتأييد العلمانية، وعدم اللجوء إلى «الجهاد» كأسلوب في النضال.

– اجراء تغيير شامل في الدبلوماسية الفرنسية تجاه أفريقيا، على اعتبار أن شعار «يا أصولي أفريقيا اتحدوا!» سيلتهم معظم الأنظمة بعد سقوط شعار «يا عمال العالم اتحدوا!».

فيليب دوميلييه (الفيغارو ماغازين)

المنطلق الأممي للأصولية

– س: بالغت في إظهار تخوفك من نجاح الاسلاميين في الجزائر، ما المبرر؟

– ج: هذا يذكرني بقضية الحجاب، ظهور بعض الفتيات المحجبات في المدارس لا يشكل خطراً، ولكن الأمر المخيف، هو المشروع السياسي وراء الحجاب.

– س: الخطر حقيقي إذاً؟

– ج: إن الحركة الأصولية تتابع منطقاً أممياً، له محوران جغرافيان: في الشمال، من إيران إلى أوروبا غبر أفغانستان وتركيا. وفي أفريقيا عبر السودان ومالي والنيجر والسنغال وموريتانيا ويطبق هذان المحوران على المغرب. لقد قال الخميني ذات مرة: «إذا شئنا أن نحقق الحلم الكبير في إقامة مجموعة إسلامية، فعلينا أن نسوي قضية المغرب، وهذا يتطلب تسييس الاسلام، لاشاعة الاستقرار في المغرب».

– س: هل تحقق عدم الاستقرار في المغرب؟

– ج: إن اتحاد المغرب العربي يشمل الجزائر، تونس، مراكش، ليبيا، وموريتانيا، الدولتان الأولى والأخيرة في هذا الاتجاد أصحبتا جمهوريتين إسلاميتين تقريباً، فكيف يمكن أن يقوم تعاون اقتصادي وسياسي واجتماعي بين دول هذا الاتحاد.

– س: ما الذي تخشاه في الجزائر؟

– ج: الجبهة الإسلامية، ستقر قوانين مستوحاة من الشريعة والينة، ولكن بعض الولايات في الجزائر سترفض تطبيقها، وهنا يمكن تصور أحد سيناريوين: أما أن تلجأ الجبهة إلى استخدام القوة عن طريق ميليشياتها، وهذا سيؤدي إلى الحرب الأهلية، وإلى تدخل الجيش وبالتالي إلى قيام ديكتاتورية عسكرية. وإما أن يتعايش الطرفان في جو من التوتر، وهذا سيؤدي إلى حركة تنقل سكان كبيرة. وإلى لبننة الجزائر.

– س: … ولكن هذه سيناريوهات مفجعة..؟

– ج: لا يوجد ما يبرر التفاؤل. الجزائر ليست بمنأى عن التفسخ على الطريقة اليوغسلافية، الأمر الذي يوحي بالتفاؤل هو أن الجزائر ليست إيران، إذ لا يمكن دفع الجزائريين إلى القبول بأي حل، وعلينا ألا ننسى أن الجبهة الإسلامية لم تحصل إلا على ثلاثة ملايين صوت في الانتخابات وما زال هناك ثلاثة عشر مليون ناخب. وسكان الجزائر يربون على ستة وعشرين مليون نسمة.

– س: وهل هناك خطر أصولي في فرنسا؟

– ج: بين الملايين الثلاثة من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا لا يوجد إلا عشرة في المئة يمارسون الطقوس الدينية بانتظام ولكن هؤلاء لا يطالبون بمساجد، ويفضلون أن يمارسوا شعائرهم الدينية في بيوتهم، ولكن هناك واحد في المئة أي ما يقارب الثلاثين ألفاً يطالبون بالمساجد لتحويلها إلى منابر للوعظ السياسي، وهؤلاء يشكلون الخطر الأصولي الحقيقي.

– س: … والنتيجة؟

– ج: الشعب الجزائري هو الذي سيدفع الثمن، عليه اليوم، أن يختار بين ديكتاتورية المسجد وديكتاتورية الثكنة. إن الجبهة الإسلامية استفادت من العملية الديمقراطية، وستقتل هذه الديمقراطية حين وصولها إلى الحكم. فهل نحن مطالبون بأن نقدم لها الحبال لشنقنا؟

اريزيكي دهماني رئيس حركة «فرنسا زائد» الأصولية تشقق الأمة

السؤال المأساوي الذي يطرح الآن، لا يخلو من مفارقة وسخرية: «هل ينبغي إلغاء الانتخابات الديمقراطية لإنقاذ الديمقراطية؟».

إن أول انتخابات ديمقراطية تعددية حرة تجري في الجزائر، أسفرت عن نجاح حزب يرفض الديمقراطية والتعددية أو الحرية الفردية لماذا لا نعترف بأن الجوع والبطالة واليؤس قد انتصرت على الديمقراطية. الرغيف انتصر على الحرية وهناك سؤال آخر يستتبع السؤال الأول: «هل ستنجح الأصولية في توزيع الخبز إذا لم تقدم تنازلات لأباطرة اقتصاد السوق؟».

على أن الخطر المقبل لا يستهدف الحرية أو الخبز فحسب، إنه يستهدف الأمة الجزائرية بالذات، أليس من المستغرب أن يصوت البربر من دون استثناء للعلمانية التي يمثلها آية أحمد، وأن لا تنجح الأصولية في اقتناص نائب واحد بين صفوفهم؟ هل اندغم الإسلام بالعروبة وتم الطلاق بين الإسلام والبربر؟ وهل نحن مقبلون على تشقق الأمة الجزائرية التي وحدها الحزب الواحد ومزقها الاسلاميون؟.

جان فرنسوا كان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *