العدد 70-71 -

العددان 70-71، السنة السادسة، شعبان ورمضان 1413هـ، الموافق شباط وآذار 1993م

مذكّرة النصيحة (2)

في أواخر السنة الهجرية 1413 قام أكثر علماء المملكة السعودية بتقديم مذكرة (النصيحة) إلى الملك فهد. وقد وقعها أكثر من مائة من العلماء، وأيدها الباقون الذين خافوا وضع توقيعهم عليها.

وقد قامت «هيئة كبار العلماء» وهي هيئة رسمية شكلتها الدولة سنة 1970م، بإصدار بيان يشجب هذه المذكرة ويتهم الذين قدموها بسوء النية. وقام من بين مقدمي النصيحة من فنّد بيان «هيئة كبار العلماء».

وكان حوالي نصف أعضاء «هيئة كبار العلماء» أيدوا المذكرة (النصيحة) دون أن يوقعوها، ولم يوافقوا على البيان الذي أصدرته «هيئة كبار العلماء». فأرسل الملك فهد رسائل خاصة إلى سبعة منهم في 02/12/92 يبلغهم فيها الإعفاء من عضوية الهيئة. وهؤلاء السبعة هم: الشيخ إبراهيم بن محمد آل شيخ، والشيخ سليمان بن عبيد، والشيخ عبد العزيز بن صالح، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الله خياط، والشيخ عبد المجيد حسن، والشيخ صالح بن غصون. وأعلن الإعلام السعودي أن سبب الإعفاء هو حالتهم الصحية. وقبل إعفاء هؤلاء رسمياً كان الملك قد عين في 30/11/92 عشرة أعضاء جدد في الهيئة ليحلوا محل السبعة المقالين، فصارت الهيئة تضم 21 عضواً برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز.

وقد نشرت وسائل الإعلام الدولية في الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول (ديسمبر) 92 أن هناك خلافات بين العلماء من جهة وحكومة السعودية من جهة أخرى، مما دعا الملك فهد إلى عقد مؤتمر في قصره في المدينة المنورة في 19/12/92 حاول أن يظهر فيه أنه لا خلاف بينه وبين العلماء وأنه متمسك بالدين. وحذّر من توجيه نصائح بشكل علني. وحذر من استخدام المنابر في بث الآراء (التي لا توافق سياسة الدولة) وقال الملك فهد «بدأنا نرى من بضع سنوات أو من سنتين أموراً ما كنا نعرفها ولا كانت موجودة عندنا نهائيا».

والذي بدأ يراه الملك من سنتين هو النقمة العارمة على سياسته وسياسة حكومته، خاصة بعد حرب الخليج وظهور السعودية على أنها ملك للأميركان وليس للمسلمين. ومن المستبعد أن يستطيع الملك وحكومته وأميركا من فوقه أن يحولوا دون أن يجرفهم التيار الإسلامي المتعاظم.

والمذكرة (النصيحة) مؤشر واضح على الوجهة التي يسير نحوها شعب الحجاز ونجد وبقية شعوب الأمة الإسلامية. وقد رأت «الوعي» أن تنشر نص المذكرة ـ النصيحة على حلقات لأن فيها شيئاً جيداً من الفقه ينفع الأمة، ولأنها تكشف لبعض المخدوعين أن السعودية تحكم بالطاغوت وليس بالإسلام، ولأنها تسلّط الضوء على ساحة من ساحات الصراع بين الأمة الإسلامية وحكامها العملاء.

و«الوعي» بدورها توجه النصيحة لأصحاب المذكرة ـ النصيحة أنفسهم بأن نصيحتهم كان خجولة وناقصة: نصيحتهم لم تتطرق إلى الحل الجذري وهو إلغاء النظام الملكي وإقامة الخلافة الإسلامية الراشدة. النظام الملكي هو نظام كفر وليس من الإسلام في شيء.

نصيحتهم لم تتطرق أيضاً إلى الهيمنة الأميركية على البلاد في كل شيء. فالنظام ملكي ولكنه ليس بيد الملك ولا الحكومة ولا أهل البلاد، إنه بيدهم شكلاً فقط أما الحقيقة فهو بيد أميركا. ومهما حصل من ترقيعات أو إصلاحات جزئية وبقي الأمر بيد أميركا فالأمر يبقى ضياعاً وإلهاءاً.

نحن متأكدون والذين قدّموا النصية متأكدون أن من وُجهتْ إليهم النصيحة لا يأخذون بها، وفائدة النصيحة هذه أنها تفتح عيون الأمة على التضليل الإعلامي وعلى بعض مكامن الخطر. أملنا أن هؤلاء العلماء الذين قدّموا النصيحة يعرفون أنهم ما زالوا في أول الطريق وأنهم سيتابعون جهادهم هذا، وانهم سيصبرون على ما يلاقون من شدة لأن الأجر عند الله عظيم.

نحن نلتمس لهم العذر في عدم ذكرهم الصريح للنظام الملكي أو للهيمنة الأميركية لأنهم يعيشون تحت سطوة هذا النظام وهذه الهيمنة. ولكن لا عذر لهم إن اكتفوا بتقديم هذه النصيحة وقبعوا في بيوتهم.

الواجب واقع عليهم وعلينا وعلى جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، واجب إعادة الإسلام إلى المسلمين والعالم: عقيدةً وشريعةً وخلافة ودعوة وجهاداً، وإعادة المسلمين والعالم إلى الإسلام بعقيدته وشريعته وخلافته وحضارته. وفيما يلي نص المذكرة ـ النصيحة:

القضاء والمحاكم

مقدمة:

لقد عظّمت الشريعة الإسلامية شأن القضاء الشرعي، حيث جعلت الشرع والقضاء صنوان، فالدين الإسلام كما جعل الشرع هو الحاكم على أفعال البشر وهو مصدر أنظمة الحياة، جعل القضاء جهة الإلزام بأحكام التشريع في إزالة التنازع، ورفع المظالم، ومنع التجاوزات. ولذا لا يمكن إقامة أحكام الشرع في واقع الحياة إلا بوجود القضاء الشرعي في واقع الحياة إلا بوجود القضاء الشرعي المهيمن والفصل لكل نزاع بين الأفراد والأمة والدولة. قال تعالى: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، وإنفاذ مقتضى هذه الآية تحتّم وجود القضاء الشرعي المخبِر عن حكم الله ورسوله بما يقطع النزاع. وقد جعل تعالى الخضوع والامتثال والقبول لحكم الله تعالى ورسوله حال المؤمنين قال تعالى: ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ @ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ @ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ). ولذا فإن العناية بالقضاء في الدولة، وحصر الحكم في القضاء بشرع الله من أعظم واجبات الدولة، حيث من خلاله يبسط عدل الشرع وحكمه، وتحفظ حقوق العباد، ويسود الأمن… وقد أكد النظام الأساسي هذه الأهمية للقضاء حيث جعل «القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم إلا للشريعة الإسلامية».

وقبل بيان واقع القضاء والمحاكم في هذه البلاد، نريد أن نذكر مسلّمات مقررة شرعاً تتعلق بالقضاء، لكي تكون أساساً لكثير من القضايا المتعلقة بالقضاء وسبل الإصلاح المقترحة في ذلك:

أولاً: إن ثمة فرقاً جوهرياً بين أمرين أولهما: توزيع عمل القضاء الشرعي بين مجلس قضائية متخصصة، وهو ما يسمى في كتب الفقه الشرعي «التولية على خصوص العمل»، والأمر الثاني توزيع العمل القضائي بين المحاكم الشرعية واللجان النظامية التي تلتزم بالحكم وَفق الأنظمة والمبادئ المقننة لها. فأما الأمر الأول فجائز قطعاً لأن جميع القضايا في المجلس القضائية الشرعية يفصل فيها بحكم الشرع وإنما أجاز الشارع الإسلامي تخصيص القاضي الشرعي بحسب نوع القضية أي تخصيص نوعي للقضاة. وأما الأمر الثاني والذي هو توزيع القضايا بين المحاكم الشرعية وبين اللجان النظامية والقانونية فإن هذا التوزيع مقتضاه عزل الشرع المطهر عن الفصل في القضايا التي تختصّ بها تلك اللجان، ولقد اختلط هذان الأمران على الكثير، حيث ساد لدى الكثير مفهوم أن اختصاص القاضي الشرعي عند توليته بقضايا معينة يسوّغ ويبيح إيجاد جهات أخرى لا تقضي وفق النظر الشرعي كاللجان والهيئات النظامية أو القانونية. وهذا المفهوم يخالف الكتاب والسنة والإجماع، حيث أن الأدلة الشرعية فصلت في أن الكتاب والسنة حاكمة على كل شيء، وأن ولاية القضاء الشرعي عامة في جميع الأمور وأنه لا يجوز إخراج أي نزاع عن الرد إليها، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ) وقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، فالعموم بهذه الآية لجميع النزاعات جنساً ومقداراً يقطع ويدل على أنه لا أمر مطلقاً يخرج عن النظر الشرعي، فضلاً عن أن عزل الشرع عن بعض القضايا مخالفة عظيمة لقواعد الإسلام الذي حرّم التحاكم إلى غير شرعه، وجعل الرجوع إلى الشرع هو مقتضى الإيمان بالله ورسوله، ومقتضى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. أما مفهوم تخصيص القاضي الشرعي بأنواع القضايا فهذا أمر مبسوط في كتب الفقه الإسلامي، وغايتُه ومقصودُه حسنُ اختيار القاضي الشرعي بما يناسب القضية، حيث أن أنواع أحكام القضايا التي ينظر فيها القاضي الشرعي تتعدد إلى قضاء للزجر عن الحدود والجنايات، أو للحسبة في منع المخالفات والجرائم المضرّة بحق الجماعة، أو لإزالة النزاع في العقود والمعاملات، أو لرفع المظالم عموماً سواء الواقعة من ذوي السطوة والهيبة كالدولة والحكام أو من غيرهم. وكل نوع من هذه القضايا يتطلّب صفات معينة في القاضي الشرعي إضافة إلى الشروط الضرورية من إسلام وفقه وعدالة، فقضاء المظالم مثلاً يتطلب أن يكون القاضي متّصفاً بالهيبة والقوة لأنه يُجري الأحكام على ذوي الشوكة الذين يجرؤون على الظلم والتعدّي، وأن يكون مجتهداً لأنه يفصل في القضايا المعضلة. وقضاء الحسبة يتطلب أن يكون القاضي متصفاً بالفطنة والقدرة على البحث والتقصيّ لأن عمله إزالة المخالفات العامة بالمجتمع وهكذا، ولهذا يجب أن يدرك الفرق العظيم بين عزل الشرع عن بعض القضايا وبين تخصيص القاضي الشرعي في أنواع من القضايا، حيث أن تخصيص القاضي الشرعي إنما يقصد به حسن الاختيار للقاضي، ولكن لا يجوز أن يجعل ذلك ذريعة لعزل القضاء الشرعي عن أي قضية لما في ذلك من زلزلة ومخالفة عظيمة لقواعد الإسلام.

ثانياً: إن كون القضاء شرعياً في كافة القضايا والنزاعات لا ينافي الاستعانة بأهل الخبرة في معرفة الواقع، حيث أن الإخبار عن حكم الشرع يتطلب أمرين: الأول منهما هو معرفة الواقع ـ والذي يطلق عليه لدى الأصوليين تحقيق المناط ـ، ومعرفة الواقع هذا تتطلب رأي أهل الخبرة بحسب القضية، فإن كان هندسياً يرجع فيه إلى أهل الهندسة، وإن كان طبياً روجع فيه أهل الطب. والأمر الشرعي هو بيان حكم الشرع في هذا الواقع. وهذا البيان لا يجوز أن يصدر إلا عن فقيه بأحكام الشرع، ذي معرفة بأدلته الشرعية، متأهل للحكم بالشرع، وإلا كان حكماً مستنداً إلى جهل. ولهذا لا يجوز أن يعارض وجوب جعل القضاء شرعياً، الحاجة إلى معرفة الواقع من أهل الخبرة، حيث أن دور الخبرة محدد ببيان واقع الحال وليس له تجاوز ذلك إلى الحكم على أفعال العباد بالإلزام أو المنع أو الإبطال أو غير ذلك. إن هذا قصر على الشرع وحده.

ثالثاً: إن تولّي عمل القضاء أمر في غاية الخطورة لأثره البالغ على حياة الناس وإنفاذ أحكام الإسلام، ولهذا وضعت الشريعة ضوابط وشروطاً لازمة في كل من يتولى هذا المنصب، حيث شرطت في القاضي فضلاً عن الإسلام والبلوغ والعقل توفر الفقه والعلم الشرعي وإدراك تنزيل الأحكام على الوقائع، لأن عمل القاضي هو الإخبار عن حكم الله على وجه الإلزام، وغير الفقيه سيقضي عن جهل، ويكون حكمه لذلك حكماً بغير ما نزّل تعالى، كما أن العدالة شرط أساسي في القاضي حيث اشترطت الشريعة ذلك في الشاهد فلزومها في القاضي المؤتمن على إجراء الأحكام التي تحفظ بها الحقوق ويفصل بها النزاع أولى وأعظم.ولهذا فإن تولي أي عمل ذي اختصاص قضائي سواء للحسبة أو لفصل النزاع في المعاملات والعقود، أو للزجر عن الجرائم في الحدود والتعزيرات، أو لرد المظالم يحرم شرعاً أن يتولى القيام به من لا يكون فقيهاً بالشرع عالماً بأحكامه عَدْلاً تتوفر فيه كافة شروط القاضي الشرعي.

واقع القضاء والمحاكم:

وبعد عرض هذه المسلمات المقرّرة بالشرع نبيّن مشاهدات عن الواقع القضائي على ضوء ما ذكر في القضاء والمحاكم والتي يتلخص أهمها في ما يلي:

1) وجود ازدواجية في القضاء باختلاف الجهات المنوط بها صلاحية الحكم أو فصل النزاع أو التعزير، حيث بالإضافة إلى المحاكم الشرعية يوجد في أجهزة الدولة ما يزيد على ثلاثين لجنة ذات اختصاص قضائي تستند في أحكامها إلى الأنظمة التي تشكلت بموجبها تلك اللجان. وقد نجم عن ذلك مخالفات شرعية خطيرة نذكر منها:

أ- عزل القضاء الشرعي عن النظر في كثير من القضايا المالية وفصل النزاع في المعاملات، وقضايا التعزير والمخالفات.

ب- إلزام الناس بالإعراض عن التحاكم إلى القضاء الشرعي المتمثل بالمحاكم الشرعية واللجوء إلى اللجان النظامية ودفعهم لطلب ما لا يحل لهم شرعاً أو الامتناع عن ما يجب عليهم شرعاً أداوه والأمثلة على ذلك كثيرة في القضايا العمالية، والقضايا المصرفية والتجارية.

ج- تناقض الأحكام الصادرة في القضية الواحدة بسبب اختلاف جهة القضاء فيها، وضياع حقوق الناس وإطالة أمد النزاع في كثير من القضايا للالتباس الحاصل في تحديد جهة الاختصاص بين المحاكم الشرعية واللجان.

د- امتناع بعض اللجان المنوط بها صلاحيات قضائية في كثير من الأحيان أو مسؤولي المراجع التي ترتبط بها هذه اللجان، عن قبول دعاوى تعدّ من اختصاصها ورفضها دون حكم قضائي.

هـ- ظهور الحاجة إلى تعلم القوانين الوضعية والتفقه فيها بدلاً من الفقه الشرعي، وإقرار تعلّم هذه القوانين الوضعية رسمياً في معهد الإدارة وأقسام الأنظمة بالجامعات، بل واصبح المختصّون بالقوانين الوضعية يتمتعون بالمزايا الوظيفية التي تمنح لأهل الاختصاصات النادرة.

ز- ظهور أحكام قضائية مخالفة للشرع صراحة، نحو كثير من أحكام لجنة الأوراق المصرفية وبعض أحكام لجنة الأوراق التجارية ولجان التعزير على سبيل المثال.

ح- إنشاء لجان قضائية في بعض الجهات للتظلمات التي تقدم ضد الجهات نفسها نحو لجان التظلّم من تعريضات شركات الكهرباء في هذه الشركات، ووجود لجان يكون القاضي هو المدّعى العام في نفس الوقت أو يرتبطان بمرجع واحد، مما ترتّب عليه تحكيم الخصم وأن يكون ممثل المتظلم منه أو أجيره هو القاضي المختصّ بفصل النزاع.

2) إلزام القضاء الشرعي بأنظمة وتعليمات تضعف من استقلال القضاء وسريان أحكامه على الجميع وتخالف بذلك مبدأ سياسة الشرع على الجميع ومن أمثلة ذلك:

أ- القيود التي تصدر من جهات تنفيذية كالإمارات والداخلية والبلديات بعدم نظر المحكمة الشرعية في أنواع من القضايا أو اشتراط الإذن المسبق أو الإحالة إلى القضاء من تلك الجهات قبل النظر فيها. والأمثلة في ذلك عديدة نحو إلزام القضاء الشرعي بعدم قبول قضايا الديات في مواجهة بيت المال إذا كان المتسبب أجنبياً ونحو عدم توثيق العقارات التي لم تخطط لمن كانت بحوزتهم بناءاً على طلب وزارة الشؤون البلدية والقروية، أو منع النظر في إثبات الإعسار التجاري، أو منع النظر في إثبات إعسار الأفراد إلا بد طلب الإمارات ذلك. إلى غير هذا من أمثلة.

ب- الدفع من بعض جهات الدولة بعدم اختصاص القضاء الشرعي لمنع القضاء الشرعي من النظر في القضية أو لإلغاء الحكم الصادر فيها، أو تبرير عدم الإحالة إليه، وامتناع بعضها عن المثول أمام المحاكم الشرعية ومطالبتها بإلغاء الأحكام الصادرة عنها بعد صدورها وهذا كثيراً ما يقع في أحكام التعزير حيث تُرَدّ أحكام القضاء الشرعي على أفراد متهمين بالرشوة والتزوير بحجة عدم الاختصاص.

ج- إلزام وزارة العدل والمحاكم الشرعية بكثير من التعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية مما أفقد القضاء استقلاليته وحاكميته في القضايا التي تتعلق بتلك التعاميم نحو التعميم الصادر بمنع المحاكم الشرعية من إثبات اعتبار المطالب بدين تجاري إنفاذاً لنظام المحكمة التجارية.

د- المنع للمحاكم الشرعية من نظر الدعاوى المقامة على جهات حكومية إلا بعد الإذن بذلك، ومنع النظر في قضايا ترفع لدى المحاكم أو ديوان المظالم بحجة أنها من قضايا السيادة كالدعاوى التي تقدم ضد أجهزة الجوازات أو المباحث أو غيرها.

3) افتقار المحاكم الشرعية في كثير من المناطق للإمكانات التي ترفع من مستوى أدائها وكفاءتها مقارنة بغيرها من القطاعات، والأمثلة على ذلك عديدة منها: عدم توفر المباني اللائقة بهذا المرفق العظيم فمعظم مباني المحاكم الحالية سيئة التصميم والإنشاء والتأثيث، والنقص الشديد في تدريب وعدد الموظفين والكتاب السكرتارية المساندة لأعمال القضاء، وعدم توفر مراكز لتدريب موظفي المحاكم أو الأجهزة الحديثة التي ترفع من كفاءة إدارات المحاكم كأجهزة الحاسب الآلي وأجهزة التخزين والاتصالات الحديثة.

4) التأخير الملحوظ في إنفاذ الأحكام القضائية التي اكتسبت صفة قطعية والصادرة من ديوان المظالم ضد بعض أجهزة الدولة أو وزاراتها، وكذلك الصادرة من المحاكم بإعادة الحقوق لأهلها إذا ما تعلّقت هذه الأحكام بأجهزة الدولة أو بعض كبار المتنفذين فيها.

سبيل الإصلاح:

وإصلاحاً لهذه الأحوال التي لا يسوغ قبولها في دولة الإسلامُ عقيدتُها وشريعتُها والقرانُ والسنة دستورُها، ننصح بما يلي:

أولاً: للانقياد لما أوجب تعالى ولمنع الازدواجية وتوحيد جهة التقاضي وإزالة المخالفات الشرعية الناجمة عن ذلك والمبينة فيما سبق ننصح بالتالي:

  • إلغاء كافة اللجان ذات الاختصاص القضائي بأجهزة الدولة وإحالة صلاحياتها إلى المحاكم الشرعية لبسط هيمنة الشرع على كافة الأقضية في الدولة.

  • الإنفاذ الفوري لما جاء بالنظام الأساسي بجعل المحاكم الشرعية مختصّة بكافة أنواع النزاع والجرائم ـ سواء كانت النزاعات عمالية أو تجارية أو مصرفية أو غير ذلك ـ وسواء كانت أنواع الجرائم من الحدود والجنايات أو من الجرائم السياسية أو من جرائم التعزير كالرشوة والتزوير، أو من المخالفات كالمرور أو مخالفات الموظفين.

  • قصر اختصاص ديوان المظالم بحسب الفقه الشرعي على القضايا التي ترفع ضد الدولة أو الموظفين فيها الناجمة عن صلاحياتهم وولايتهم بالدولة، وإحالة كافة اختصاصاته الجزائية والتأديبية إلى المحاكم الشرعية، وتعديل نظامه بحيث يوافق ما جاء في النظام الأساسي بأن لا يكون على قضاته سلطان إلا للشريعة الإسلامية.

ثانياً: لتحقيق وضمان استقلال القضاء وضمان سرعة إنفاذ أحكامه وحماية الحقوق نقدّم الاقتراحات التالية:

  • رفع جميع القيود التي تحول دون تقديم كافة أنواع القضايا والدعاوى إلى المحاكم الشرعية مباشرة دون وساطة أو اشتراط إحالة أي جهة كانت، سواء كان المدّعى عليه الدولة أو غيرها، وسواء كانت الدعوة خاصة أو دعوى حسبة وسواء كان موضوع النزاع معروضاً على أجهزة حكومية أو عدم ذلك.

  • مراجعة الأنظمة والتعليمات المبلغة للقضاة حالياً من قبل لجنة تشكل من هيئة كبار العلماء أو مجلس القضاء الأعلى بهدف إلغاء جميع التعليمات التي تخالف الشرع، أو تحدّ من صلاحية القضاء الشرعي في نظر بعض أنواع القضايا.

  • مراجعة نظام القضاء، والنظام الإداري للقضاء وإعادة صياغته بما يتفق مع ما جاء في النظام الأساسي من استقلالية القضاة وعدم وجود سلطان عليهم إلا للشريعة، وبما يحقق سرعة إنجاز القضايا ومعاملات الناس.

  • حصر إصدار التعليمات الموجّهة للقضاة بمجلس القضاء الأعلى فقط وتوجيه أجهزة الدولة من إمارات ووزارات بالتزام بذلك.

  • تعزيز صلاحيات مجلس القضاء الأعلى بما يمكن المجلس من حفظ استقلال القضاء وحمايته من كل ما يخالف الشرع أو قرض غير سلطة الشريعة الإسلامية عليه، وبما يضمن تنفيذ الأحكام القضائية وسريانها على الكافة، وذلك بما يلي:

  • أ‌- أن يعرض على مجلس القضاء الأعلى الأنظمة واللوائح التي تتعلق بمرفق القضاء قبل إقرارها وأن يراعى فيها توصية المجلس، أو أن يخول المجلس صلاحية إصدار الأنظمة ذات العلاقة بأعمال القضاء.

  • ب‌- أن يكون الترشيح لعضوية المجلس من قبل المجلس نفسه أو هيئة كبار العلماء وأن يقتصر ذلك على القضاة الذين حازوا على درجة عالية من الفقه والاجتهاد الشرعي والقوة، وأن لا يعفى من جرى تعيينه إلا لسبب شرعي أو بلوغ سن التقاعد.

  • ج‌- أن يخول المجلس صلاحية مخاطبة جهات الدولة بشأن إنفاذ الأحكام القضائية القطعية ومساءلة من يتسبّب في عدم إنفاذها وإحالته إلى القضاء للنظر في زجره، وإبداء الملاحظات عن التصرفات التي قد تؤيد إلى عرقلة أعمال القضاء أو التعدي على استقلال القضاء والمتابعة في ذلك، والكتابة عن كل تقصير في ذلك. ولتحقيق ما ذكر يمكن تكوين جهاز خاص يرتبط بمجلس القضاء الأعلى يتولى أعمال المتابعة لتنفيذ الأحكام القضائية وقبول التظلمات من عدم إنفاذ الأحكام القضائية القطعية ويرفع تقاريره وتوصياته دورياً إلى المجلس لكي يقوم المجلس باتخاذ الإجراء المناسب.

  • د‌- تشكيل مجلس علمي قضائي يرتبط بمجلس القضاء الأعلى ويتولى مهمة دراسة الأنظمة القضائية ودراسة القضايا والنوازل المعاصرة التي تحتاج إلى نظر واجتهاد وإعداد بحوث شرعية تفصيلية لها يستعين بها القضاة في أحكامهم.

ثالثاً: لضمان قيام القضاة بواجبهم نحو تحقيق العدل والتجرّد، ورفع مستوى أداء أعمالهم، ننصح بما يلي:

  • تعديل نظام القضاء بأن ينص على عدم عزل أي قاض لم يبلغ سن التقاعد إلا لسبب شرعي موجب، ويكون قرار العزل من جهة قضائية وبإجماع القضاة الذين يناط بهم صلاحية الإعفاء أو العزل، ويكون القرار مسبباً ومبيّناً للأدلة الشرعية الموجبة للعزل.

  • إيجاد دورات شرعية للقضاة دورية يقدمها علماء شرعيون ذوو أصالة واجتهاد شرعي وأهل تجربة وأهلية من القضاة، وتتولى وزارة العدل بالتعاون مع الكليات الشرعية الإشراف عليها، وتعرض فيها أحكام الفقه ذات العلاقة وآداب القضاء وتبيّن فيها قواعد الأحكام وأصول تنزيلها وأدلة الأحكام الشرعية لدى المذاهب الفقهية الإسلامية المختلفة ومقارنة أدلتها وذلك بهدف رفع المستوى الفقهي للقضاة.

  • لضمان حسن اختيار القاضي بما يناسب القضية، يمكن أن يشكل ضمن المحاكم الشرعية مجالس قضائية تختص بأنواع القضايا جنائية، أو تجارية، أو عمالية، أو إدارية، أو قضايا الحسبة كالمرور ومخالفات الغش التجاري أو غير ذلك، ويكون قضاة هذه المجالس من القضاة الشرعيين بالمحاكم الشرعية والذين تتوافر فيهم القدرات والاطلاع بما يناسب أنواع هذه القضايا.

  • لضمان حسن معرفة القضاة بالواقع، يتم تدعيم المحاكم الشرعية بعدد من المستشارين ذوي الاختصاص بالمعارف الفنية والعلمية والهندسية والإدارية لتقديم الخبرة بشأن تحقيق المناط وبيان الواقع، وأن يخصص ضمن ميزانية كل محكمة مبالغ للاستعانة بذوي الخبرة لتقديم الاستشارات العلمية والفنية والإدارية والطبية أو غير ذلك إلى القضاة إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.

  • عقد اجتماعات دورية للقضاة بكل منطقة تعرض فيها القضايا المشكلة التي واجهتهم ويتم من خلالها تبادل الرأي الشرعي بشأنها لزيادة الاطلاع والإحاطة وتمحيص الاجتهاد.

  • جمع الأحكام القضائية الصادرة من محاكم المملكة ومحاكم التمييز في القضايا المختلفة كل عام وطباعتها في كتب ـ بعد استبعاد أسماء الأعيان منها ـ وتكون معروضة للقضاة وطلبة العلم لاطلاعهم واستفادتهم.

  • تزويد كل قاض بأمهات الكتب الفقهية الإسلامية وكتب الأحاديث والتفسير عند تعيينه، وتخصيص ميزانية لذلك ضمن ميزانية المحاكم لتوفير ما يستجدّ من كتب وبحوث في ذلك لتسهيل اطلاع القضاة عند الحاجة إليها. وإنشاء مجلة خاصة بالقضاء في وزارة العدل تقدم ما يحقق تطوير إمكانيات القضاء.

  • تدعم المحاكم الشرعية بالعدد الكافي من القضاة والموظفين، والحرص على حسن اختيار المسؤولين في الجهات التي ترتبط بها المحاكم ووزارة العدل، وتدعيم المحاكم بما تحتاجه من مبان لائقة وتجهيزات وأجهزة ومستلزمات حديثة تسهل إجراء الأعمال.

رابعاً: لبسط هيمنة الشرع على الكافة وضمان حقوق العباد وفق النظر الشرعي تظهر الحاجة إلى إنفاذ ما يلي:

  • إنشاء محكمة شرعية عليا ويكون قضاتها من علماء الشرع المتميّزين بالفقه والقوة والاجتهاد، تكون بمثابة محكمة دستورية شرعية يرجع إليها في القضايا الكلية وكل ما يضمن هيمنة الشرع وسيادته على الأمة والدولة،ن بحيث يكون من صلاحياتها: النظر في الدعاوى بشأن المخالفات الشرعية في الأنظمة واللوائح والتعليمات والتجاوزات والتعديات المخالفة للشرع في أعمال أجهزة الدولة وتفسير مواد النظام الأساسي ونصوص الأنظمة والنظر في أمور الضرائب والرسوم وفق أحكام الشرع ونحو ذلك مما يعد من أعمال القضاء الدستوري. ويكون التقدم بالدعوى وحق إقامتها لكل مسلم بالدولة سواء كانت دعوى حسبة أو دعوى خاصة.

  • أيضاً لأهمية قضاء الحسبة في منع وإزالة ما يضر بحق الجماعة، يجب أن تخصص مجالس قضائية ضمن المحاكم الشرعية كما ذكرنا سابقاً لقضايا الحسبة كالمرور ومخالفات الغش التجاري، ونحو مخالفات ترك الواجبات الشرعية كالتقصير في أداء الصلاة أو كشف العورات المحرّمة أو غير ذلك، ويجعل له عدد كاف من القضاة الشرعيين المتميزين بالفقه الشرعي، وبالمعرفة والإحاطة بالواقع، وأن يرتبط بهم نواب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الناحية التنفيذية ـ إلا الإدارية ـ بحيث ترفع القضايا مباشرة من الهيئة إلى قضاة المحكمة الشرعية المختصّين بقضايا الحسبة للحكم فيها، ويتولى هؤلاء القضاة توجيه نواب الحسبة بحسب الآداب الشرعية في الاحتساب. كما يمكن أن يرتبط بقضاة الحسبة مركز خاص للشرطة لتنفيذ أوامر قاضي الحسبة وأحكامه في المخالفات التي يتم الحكم فيها فورياً في مكان حصول المخالفة.

  • لضمان وتمكين القضاء الشرعي من حراسة وحفظ حقوق الناس ومنع التجاوزات على حقوق الإنسان الشرعية، يجب أن تبسط هيمنة القضاء الشرعي على رجال الشرطة والأمن ونواب الهيئات ومن في حكمهم، وذلك بأن تحصر قرارات إصدار أحكام السجن أو التوقيف لمدة تجاوز يوماً وليلة وكذلك دخول المنازل أو القيام بعمل يترتب عليه إهداء حق من حقوق الإنسان المقررة شرعاً من قبل أجهزة الضبط الجنائي أو رجال الهيئة أو غيرهم من المتنفذين على صدور حكم بها من قاض شرعي بذلك، وأن يمنع مطلقاً كل ذلك إلا بحكم القضاء الشرعي.

الكرامة والحقوق الإنسانية

مقدمة:

لقد أكدت الشريعة الإسلامية على كرامة الإنسان وعلى حفظ حقوقه الشرعية في مبادئها العامة وتوجيهاتها الأخلاقية، كما جاءت كذلك بأرقى النظم والأحكام العملية التفصيلية لضمان هذه الحقوق وإقامتها في المجتمعات الإنسانية ومنع كل تعدٍ عليها. ونعرض فيما يلي أصولاً وقواعد مقرّرة بالشرع تتعلق بحقوق العباد للاستهداء بها في إصلاح الأحوال وبيان الحق وتطبيق الشرع في ذلك.

الأصل الأول: مصدر حقوق العباد هو الشرع وحده:

لقد كفلت الشريعة الإسلامية حقوق العباد بأن قصرت الحكم بالإباحة والتحريم والتشريع لأفعال البشر على حكم الله تعالى لا غير، ولم تجعل لأحد الحق في أن يحل أو يحرم أو يمنح حقوقاً أو أن يسلبها إلا بإذن الله تعالى وفي حدود شرعه وبالاجتهاد والاستنباط الصحيح من أدلة شريعته قال عز وجل: (إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ ألاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) وقال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ أَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) وقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).

وبتقرير هذا الأصل من جعل أدلة الشرع وحده مصدر الحقوق، وجعل سن الأحكام للناس بناء على أدلة الشرع وليس ابتداءاً، ضماناً لحقوق العباد من أن تكون الحقوق خاضعة للقوة المادية ممن بيدهم الحكم والسلطان، ومنعاً لأن يكون منح الحقوق أو سلبها تبعاً للمصالح الآنيّة ورغبات النفوس وأهوائها. ويجعل الحقوق منوطة بالتحديد الشرعي منعاً لتسلط فئة على أخرى أو طبقة اجتماعية على غيرها أو الحكام على المحكومين، كما أن ذلك يجعل الاحتكام عند تضارب المصالح والرغبات لهذا المرجع الثابت وهو الشرع الإسلامي الذي لا يتبدل ولا يتغير باختلاف العصور والحكام، والذي لا يختص بالرجوع إليه أحد من المسلمين دون أحد.

وبتقرير هذا الأصل يتبيّن كمال دين الإسلام الذي حدّد للعباد مصدراً نهائياً لحقوقهم ذا سيادة عليا عليهم جميعاً هو شريعة الله تعالى وأحكامه، وجعل استنباط الأحكام الحقوقية إنما يكون ابتناء على ما جاء بالأدلة الشرعية وليس ابتداءاً. وهذا بخلاف ما وقع في التشريع الوضعي من ربط مصدر الحقوق بجمعية تأسيسية لوضع الدستور أو هيئة تشريعية لوضع القوانين ابتداءاً، مما يجعل الدستور والقانون من وضع السلطة الحاكمة وتكون النتيجة الحتمية لذلك هي قيد الحقوق بحسب ما تراه السلطة المهيمنة مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتهاك كرامة الأفراد باسم القانون وسلبهم حقوقهم بالقواعد الاستثنائية وقواعد الطوارئ والقوانين العرفية ثم فقدان حقوقهم الإنسانية بنهاية المطاف.

ويترتب على هذا الأصل كذلك أمر في غاية الأهمية هو أن الدولة التي ترفع لواء العقيدة الإسلامية وتطبيق شريعة الإسلام يلزمها الرجوع إلى شرع الله وحده لإقرار حقوق الناس فلا يسعها أن تقرر حقوقاً للمواطنين أو للوافدين إليها استنباطاً من التشريعات الوضعية، ولا أن تجعل حقوق العمّال نابعة عن قواعد اشتراكية، ولا أن تقرر وتمنع حقوق المرأة أو الأسرة اتباعاً للفكر الرأسمالي الليبرالي أو العادات والتقاليد الجائزة المخالفة للشرع، بل الواجب في كل ذلك الرجوع إلى شرع الإسلام وحده وتحكيمه وإنفاذ كل ما قرره من حقوق العباد.

الأصل الثاني: كل ما أقر الشرع فعله يعد حقاً ثابتاً للإنسان:

إن جعل الشريعة وحدها مصدر حقوق العباد يحتم جعل كل فعل مباح أو مندوب أو واجب بالشرع حقاً ثابتاً للإنسان، فإذا قرر الشرع مثلاً وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إبداء الرأي والنصيحة في حدود الشرع، أو إذا أباح الشرع للفرد ممارسة فعل أو قول أو تصرّف من بيع أو شراء، فإن هذا الإقرار من الشرع يجعل كل هذه الأفعال حقاً ثابتاً أبدياً لمن تعلق بهم ذلك، فليس للدولة أو ذوي السلطان منعه أو تعطيله أو تقييده بإذنها وترخيصها ولا أن تلزم بغير ما أوجب الله ورسوله إلا وفق الدليل الشرعي. فالمباح ما أباحه الله ورسوله والممنوع ما حرّم الله ورسوله ولا يسع أحداً كائناً من كان الخروج عليه ولا أن يتعدى حدود الله في ذلك. قال عز وجل: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) وقال: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) إلى غير ذلك من آيات تلزم بالوقوف عند حدود الله التي شرّعها لعباده.

الأصل الثالث: كل انتهاك للحقوق المشروعة محرّم شرعاً:

أكّدت الشريعة الإسلامية أيضاً على صيانة حقوق الإنسان حيث حرّم الشرع انتهاك حقوق الإنسان المشروعة وكفل حرمة دمه وماله وعرضه ومنع كل اعتداء على ذلك. كما جاءت كذلك بالتشريعات الأخلاقية الراقية التي تضمن إقامة هذه الحقوق بتحريم الظلم والحسد والغيبة وغمط الناس والحض على مكارم الأخلاق، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) ويقول عليه الصلاة والسلام: «كل المسلم حرام دمه وماله وعرضه» وقال عليه السلام: «من اقتطع أرضاً ظالماً لقي الله وهو عليه غضبان».

وحرم الشرع التجسّس على المسلمين مطلقاً قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا) وأكدت السنّة المطهرة على منع تجسّس الدولة على الرعية قال عليه السلام: «إذا ابتغى الأمير الريبة في الناس أفسدهم».

لقد أكدت الشريعة على ضمان خصوصيات الفرد بأن جعلت للبيوت حرمة ومنعت الاطلاع عليها أو دخولها بغير إذن أهلها قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ويقول عليه السلام: « لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأتَ عينه لم يكن عليك جُناح» ولهذا يجمع الفقهاء على حرمة التجسّس وحرمة دخول البيوت بغير إذن أهلها ولم يستثنوا في ذلك إلا حالة واحدة فُصّلِت في كتب الفقه الشرعي وهي منع وقوع جُرم يؤدي إلى هلاك حرمة يفوت استدراكها واستنقاذها كانتهاك عرض أو قتل نفس أو إتلاف مال، ذلك لتعارض حرمة الفرد والبيت مع حرمة النفس والعرض والمال، وأما ما عدا ذلك فالأصل حرمة بيوت المسلمين وخصوصياتهم ووجوب إنفاذ النصوص القطعية التي جاءت بتحريم التجسّس على الناس ومنع دخول البيوت إلا بإذن.

أيضاً حرمت الشريعة التعذيب مطلقاً قال عليه السلام: «أن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» وقال: «من جلد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان». وحفظ الإسلام كذلك حقوق الفرد بأن أسقط كل ما ينجم عن الإكراه للمسلم صوناً له من ضياع حقه عن طريق الاعتداء والإكراه له، قال عليه السلام: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرِهوا عليه» ومنعت الشريعة كذلك من إنزال العقاب على جرم إلا بعد ثبوته بالبيّنة الشرعية ووفق الدليل الشرعي، كما حرصت على قاعدة براءة الذمة حتى تثبت إدانته شرعاً، بأن جعلت الأصل براءة الذمة وعدالة المسلم، وأكّدت على درء الحدود بالشبهات وعلى أن خطأ الإمام في العفو خير من خطئه في العقوبة.

فكل هذه الأحكام العملية تصون حقوق العباد وتحرّم كل انتهاك وسلب لها من غير وجه شرعي.

الأصل الرابع: الدولة الشرعية مسؤولة في الجملة عن إيصال الحقوق إلى أهلها ورعايتها:

أوجبت الأدلة الشرعية كذلك تأمين حقوق الإنسان بأن جعلت الدولة مسؤولة تجاه رعاية شؤون كافة من يحلم تابعية الدولة وحمايتهم وإيصال الحقوق إليهم والعدل بينهم وحرّمت على الدولة الشرعية كل حيف أو جوز بين أفراد رعيتها بسبب الطائفة أو الجنس أو اللون أو القبيلة أو غير ذلك.

فالإسلام لم ينصّب الدولة لحفظ الحريات للأغنياء وذوي الثروات من المرابين والمحتكرين كما في الأنظمة الرأسمالية، أو للحكم نيابة عن طبقة أو فئة كالأنظمة الماركسية المستبدة، إنما نصبها لإقامة أحكام الشريعة الإسلامية، ويقتضي ذلك مسؤولية الدولة المباشرة عن رعاية شؤون أفراد الرعية وإيصال حقوقهم إليهم والعدل ومنع التظالم والجور بينهم في ذلك. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأََمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ويقول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) وثبت كل ذلك أيضاً بالسنّة العملية والقولية حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته» وقال: «ما من عبد يسترعيه الله رعية ثم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة» وأكّد الشرع على تحريم الجور والحيف بين المسلمين، قال عليه السلام: «من وَلَيَ من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين فقد خان الله ورسوله» وقال: «إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف منهم أقاموا عليه الحد» وكل هذه الأحكام الشرعية تدل قطعاً على مسؤولية الدولة تجاه رعيتها وواجبها في إيصال الحقوق لأهلها والعدل بينهم في ذلك.

وبناء على هذا العرض للأصول والقواعد الشرعية المتعلقة بحقوق العباد يظهر جلياً أن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة تؤكد على كرامة الفرد وتضمن حقوقه بالعيش الكريم وتحمي وتصون هذه الحقوق على أكمل مثال وأحسن وجه. والواقع المشاهد المحسوس الذي يلمسه الناس أن تسلط الدولة على رعاياها بالإيذاء أو التعذيب أو الغش أو التجسّس وانتهاك حقوقهم والتقصير في إيصالها إليهم يؤدي إلى تمزيق المجتمع ومنع الأتقياء وأهل الصلاح من العمل على حفظه وصيانته مما قد يؤدي بالنهاية إلى انهيار الدولة أن خضوعها لأعدائها أو زوال آثارها بالكلية ولهذا يقرر علماء الاجتماع كابن خلدون رحمه الله هذا الأمر العظيم بأن يقول: «إن الحاكم إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة فتخلّقوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم وربما خذلوه في مواطن الحروب والمدافعات ففسدت الحماية بفساد النيات فتفسد الدولة ويخرب السياج».

واقع الكرامة والحقوق الإنسانية:

بعد هذا التأصيل الشرعي لحقوق الإنسان الشرعية والاعتبار بحال الأمم، يوجب تقرير القواعد الشرعية المنظمة لحقوق الإنسان وإنفاذ أحكامها الشرعية بهذه البلاد التي أكرمها الله تعالى بنزول وحيه وإرسال خاتم رسله عليه أفضل الصلاة والسلام. ولتحقيق هذا المطلب العظيم نعرض في ما يلي المشاهدات لواقع الحال وعدد من النماذج التي يلمسها الجميع بشأن حقوق العباد بهذه البلاد بهدف إصلاح ما فسد من أحوال وإزالة كل تقصير أو مخالفة للشرع المطهر في ذلك:

  • تعرض البعض من موظفي الدولة القضاة وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات للعزل أو كف اليد أو التجميد في مراتبهم أو التجميد في مراتبهم أو نقلهم إلى مناطق بعيدة دون محاكمة عادلة لقيامهم بحقهم الشرعي من دعوة أو نصيحة أو تعبير مشروع أو أمر بمعروف أو نهي عن المنكر. وكذلك تعرض العديد من الدعاة والخطباء وطلاّب العلم والمفكّرين للمنع من الخطابة والتدريس وكف اليد والمنع من السفر، بل حدث أن اعتقل بعضهم وتم احتجازهم بلا تهمة ظاهرة أو محاكمة شرعية عادلة.

  • قيام الأجهزة الأمنية بالتجسس والتنصّت وتفتيش المنازل وفتح الرسائل والتعدّي أحياناً بالضرب والعدوان وتعذيب المتهم مخالفة في ذلك النصوص الشرعية القطعية من الكتاب والسنة المحرّمة لهذه الأفعال.

  • وجود بعض الأنظمة والتعليمات التي تحد من سلطان القضاء في نظر دعاوى معينة، أو طلب من تتعلق بهم الدعوى المثول أمام القضاء أو إنفاذ الأحكام عليهم إلا بإذن، مما يفقد المساواة أمام القضاء ويؤدي إلى تعطيل حق القضاء الذي كفلته الشريعة.

  • افتقار الأجهزة الحكومية ومؤسساتها إلى المتابعة الدقيقة وإلى المراقبة والمحاسبة المستمرة لضمان قيام المسؤولين والموظفين فيها بواجبهم تجاه إيصال الحقوق إلى أهلها وإنجاز معاملات الناس والانضباط بأحكام الشرع في قيامهم بعملهم.

  • وجود العديد من الأنظمة والتعليمات التي تمنع رعية الدولة من القيام بأعمال جائزة شرعاً في العقود والتصرفات كالاستيراد أو الزواج لغير حملة التابعية ونحو ذلك مما هو حقوق مقررة لهم شرعاً، أو تشترك ترخيص الدولة وإذنها لهم نحو المنع من تكوين الجمعيات الدعوية أو النشر أو التأليف أو الخطابة إلا بترخيص… أو تلزم الناس بما لا يلزمهم شرعاً من حقوق، مخالفة بذلك ما تقرر في الإسلام بأن الإيجاب للحقوق أو المنع منها لا يكون إلا وفق الدليل الشرعي.

سبيل الإصلاح:

ولإصلاح كل ما ذكر وإقامة أحكام الشرع المطهر التي تحقق العدل وضمان الحقوق للكافة ننصح بما يلي:

  • إلغاء كافة التعليمات والأوامر، والأحكام في الأنظمة في لائحة الادعاء والتحقيق ولائحة التوقيف على الأخص، التي تجيز التعدّي على حقوق الأفراد من منع من سفر، ومن تنصّت أو تجسّس على الرسائل والمكالمات أو تفتيش البيوت بهدف إفادة التحقيق، والحظر التام لارتكاب هذه الأعمال إلا في الأحوال المخصوصة التي أجازها الشرع بالدليل الصحيح وبعد صدور حكم قضائي شرعي بذلك.

  • المنع المطلق لكل تصرّف ينجم عنه تعذيب المتهمين أو استخدام وسائل محرّمة تنتهك فيها كرامة الإنسان لانتزاع المعلومات منهم قسراً أو إجبارهم على الاعتراف من قبل أفراد الشرطة والأمن أو الضبط الجنائي.

  • التعميم على كافة الإدارات الحكومية والأجهزة الأمنية وأجهزة الضبط الجنائي المتعددة بالامتناع عن سجن وإيقاف أي شخص مدة فوق يوم وليلة، أو تفتيشه أو دخول بيته أو منعه من السفر إلا بناء على أمر إذن قاض شرعي في ذلك.

  • تكوين لجنة عليا مستقلة عن الأجهزة الحكومية للحقوق الشرعية ترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة يكون أعضاؤها من عدد من القضاة، والعلماء والمفكّرين المتميّزين في دراسات وفقه الحقوق الشرعية. ويناط بهذه اللجنة الإشراف على ضمان عدم انتهاك حقوق الأفراد الشرعية من قبل الأجهزة الأمنية أو الحكومية، المراجعة الشاملة للتعليمات والأنظمة أو التصرفات التي نجم عنها انتهاك للحقوق المشروعة، والرفع عن كل مخالفة شرعية في ذلك لإلغائها أو إحالتها إلى القضاء الشرعي المختص.

  • إلغاء كافة اللجان التي تقوم بأعمال ذات اختصاص قضائي، وبخاصة القضايا الجنائية والجزائية والتعزيرات وإحالة صلاحياتها إلى المحاكم الشرعية.

  • وضع تنظيم يتيح لكل فرد انتهكت حقوقه الشرعية بدون صدور حكم قضاء شرعي، الحق في التعويض المادي والمعنوي عن كل ضرر لحقه ومساءلة وتجريم وطلب عقوبة أي مسؤول في أجهزة الدولة مارس انتهاك الحقوق الشرعية.

  • ضمان حقوق المتهم بالاتصال بمحام يتولى الدفاع عنه عند التحقيق معه إن طلب ذلك وإعلامه بحقه المشروع في ذلك.

  • الحرص على تطبيق القواعد الشرعية المقرّرة بأن الأصل براءة الذمة ودرء الحدود بالشبهات وأن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة في كافة القضايا الجزائية، والتعميم على كافة من يختص بهم بذلك. وكذلك إلغاء كل تعليمات لا تتفق مع ذلك نحو أحكام لوائح التوقيف ولائحة التحقيق والادعاء التي تبيح أو تعطي الحق له لاستئناف أحكام البراءة الصادرة للمتهم ونحو ذلك من أحكام وتعليمات نظامية.

  • ضمان حق الموقوفين والممنوعين من السفر في محاكمة شرعية عادلة، وسرعة إحالتهم إليها أو إطلاق سراحهم بعد يوم وليلة من بدء احتجازهم إذا لم يصدر حكا قاض شرعي باستمرار ذلك للتحقيق، وإعطائهم كامل الحق في الدفاع عن أنفسهم والاطلاع على ما يحتاجونه من معلومات ووثائق تتعلق بقضاياهم.

  • إزالة الأنظمة والتعليمات التي تمنع الأفراد أو تشترط الترخيص لهم قبل ممارسة حقوقهم المشروعة التي أباحها الشرع من نكاح أو سفر أو تعبير عن رأي، أو تكوين الجمعيات الدعوية، أو نشاط النشر والتأليف والتوزيع وقصر المنع من ممارسة هذه الحقوق أو العقوبة عليها عند الاقتضاء على حكم القضاء الشرعي.

  • وضع تنظيم قضائي وتعديل الأنظمة بما يضمن تحقيق العدل وعدم التمييز غير المشروع بين أفراد الرعية وفق الشريعة (كما نص النظام الأساسي في مادته الثامنة) وقبول التظلّمات في الحصول على الحقوق المقرّرة شرعاً من تعيين أو ترقية أو خدمات أو فرص ومنع المحاباة غير المشروعة في ذلك.

  • إنشاء إدارات في كل وزارة أو مؤسسة حكومية ترتبط بهيئة الرقابة والتحقيق لتلقي شكاوي المواطنين وتظلماتهم من تقصير الموظفين في أداء حقوقهم أو إنجاز معاملاتهم وتقوم بمساءلة الموظفين المقصرّين وإحالة من يستوجب مجازاته إلى القضاء.

  • الاقتصار في تعيين أعمال الضبط الجنائي ومسؤولي الأمن على الأفراد الذين تتوافر فيهم شروط العدالة والحد الأدنى من فقد الأحكام الشرعية اللازمة لعملهم واشتراط التزكية الشرعية لتعيينهم.

  • تقديم دورات شرعية لرجال الأمن والمحقّقين والمباشرة لأعمال الاحتجاز لتعليمهم الأحكام الرعية في مسائل التحقيق والأدلة والبيّنات وحقوق المسلم وأصول التعاون مع المتهمين.

الوضع الإداري

مقدمة:

لقد أوجب الله على من يتولى أمر المسلمين أن يجعل أولى مهماته حسن تصريف أحوال الناس وحسن إدارة شئونهم وإيصال الحقوق إليهم. وحيث أن الدولة في هذا العصر لا يستقيم أمرها ولا يمكن أداء الأفراد حقوقهم وواجباتهم لبعضهم البعض إلا وفق تنظيم إداري ييسر الأساليب والإجراءات التي يتوصل بها إلى تلك الحقوق والواجبات، ولهذا فإن العناية بالتنظيم الإداري والأجهزة الإدارية أمر حيوي لتحقيق نهضة المجتمع وتيسير سبل العيش لأفراده. والدولة المسلمة لا تستغني عن تنظيم إداري يستمد أصوله وأسس تكوينه من شرع الله الذي هو الحاكم المهيمن على كل شيء في الدولة. ولذا نبيّن في ما يلي بعض الأصول التي شهدت لها الشريعة المطهرة في ما يتعلق بالتنظيم الإداري كي تكون مرجعاً يُستهدى به في الإصلاح بهذا الخصوص.

الأصل الأول: الأمانة والقوة والعمل هي معيار أحقية تولي الوظيفة:

دلت آيات القرآن الكريم والأحاديث العديدة على أن مقياس الجدارة ي تولّي الوظائف هي القوة والأمانة قال تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأََمِينُ)، (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأََرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وقد كان عليه الصلاة والسلام يعيّن لتولي المهام من يجد فيه القدرة والكفاءة حيث ولّى أسامة بن زيد على جيش الشام مع صغر سنة، وولى معاذاً على اليمن وجعل له الصلاة والصدقة وأرسل علياً رضي الله عنه إلى اليمن وكان يفاضل بين أصحابه رضي الله عنهم في القيام بالمهام بحسب قدراتهم فكان يقول فيما رواه الترمذي وغيره «أقضاهم علي، وافرضهم زيد بن ثابت واقرؤهم أُبَيّ وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل» وولى خالد بن الوليد رضي الله عنه قيادة جيش المسلمين وجعله قائداً على من هو أسبق منه إسلاماً. ولم يعيّن أبا ذر رضي الله عنه مع سبقه في الإسلام على الإمارة وبيّن له أن السبب هو ضعفه عن ذلك. فهذه الأدلة تبيّن أن الأمانة والقوة والعلم بمهام العمل هي معيار تولية المنصب. فضلاً عن أن الإسلام حرم تولية المنصب لمن لا يستحقه محاباة له ففي الحديث: «من قلّد رجلاً على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من ÷و أرضى منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين».

الأصل الثاني: سياسة الإدارة تقوم على بساطة الإجراءات وسرعة الإنجاز والإتقان:

إن واقع الإدارة يبيّن أن هدفها تحقيق مصالح ولذا يجب أن تتميز السياسة الإدارية بما يؤدي إلى تحقيق ذلك بأيسر سبيل وأقصر وقت. وقد أكّد عليه الصلاة والسلام على الإحسان في كل شيء فقال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» ولذا فإن الإحسان في أداء العمل مطلوب شرعاً، وهذا يقتضي بساطة الإجراءات لأن ذلك يؤدي إلى التيسير على الناس وكذلك الإسراع في الإنجاز لضمان عدم تعطل حقوق الناس. وكذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بإتقان العمل بقوله: «إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه». ولذا فغن سياسة الإدارة في الدولة الشرعية يجب ن تقوم على بساطة الإجراءات وسرعة الإنجاز والإتقان في العمل.

الأصل الثالث: وجوب محاسبة ومراقبة أداء الموظفين لأعمالهم:

ثبت بالسنة وإجماع الصحابة أهمية قيام من يتولى الأمر بمتابعة وتفقد أحوال عمّاله وولاته ومن يعيّنهم للمهام فقد قام عليه السلام بالإنكار على عامله ابن اللتبية على قبوله الهدية أثناء عمله حيث قال: «ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي إليّ فهلاّ جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أيُهْدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة» وكان عمر رضي الله عنه شديد المراقبة للولاة وقد عيّن محمد بن مسلمة للكشف عن أحوال ولاته وكان يجمع الولاة في موسم الحج لينظر في ما عملوه ويصغي إلى شكاوي الرعية منهم وبلغ من شدّة مساءلته لهم رضي الله عنه أنه كان يعزل كل من يتذمر منه رعيته حتى لو كان من خيار الصحابة رضي الله عنهم ويقول: «هان شيء أُصْلِح به قوماً أن أبدلهم رجلاً مكان رجل»، كما فعل مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حيث عزله من كفاءته، ولهذا يجب على ولي الأمر تفقد أحوال ولاته وعملهم ومحاسبتهم على كل تصرّف يسخط المسلمين منهم.

الواقع الإداري:

عند إنعام النظر في واقع الأوضاع الإدارية في هذه البلاد نلاحظ الأمور التالية:

  • إن التنظيم الإداري في كثير من جوانبه لم يتطور بما تتطلبه حاجات الناس، فالنظام المالي ونظام الميزانية ونظام الخدمة المدنية ونظام التقاعد مثلاً لم تطرأ عليها تعديلات (منذ أو وضعت) تتناسب مع متطلبات التطور والنمو الذي حدث في كثير من المرافق والخدمات مما تسبّب في تعطيل كثير من المصالح والحاجات، فضلاً عما تحتوي من بعض المخالفات الشرعية، وهي في أساسها قد اقتبست من بلاد أخرى تختلف ظروفها وإمكانياتها عما تطورت إليه الظروف والأحوال في هذه البلاد.

  • إن أكثر النظم الإدارية مركزيةٌ وفرديةٌ، والمرجع في أكثر القرارات يكون لقرار رئيس المؤسسة أو المصلحة الحكومية الفردي، بل وفي كثير من الأمور البسيطة والخاصة بأفراد يتطلب القرار فيها رفعها إلى مقام ولي الأمر (مثل الإذن بسفر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات إلى مؤتمرات عملية أو إرسال الدعاة إلى الخارج أو عقد الندوات واللقاءات العملية… الخ) ولا يخفى ما في من اشغال لولي الأمر والمسؤولين عما هو أهم من مصالح المسلمين.

  • لا يوجد تنظيم لتغيير كبار الموظفين في الدولة حسب القدرة والكفاءة ومراجعة إنجازاتهم واستبدالهم عند الحاجة والضرورة، فمن الملاحظ أن في الدولة وزراء ومسؤولين كباراً يشغلون مناصبهم منذ عشرات السنين، ومنهم من أصابه الكبر والهرم وانتابه الملل والسأم والنظام لا يسمح له بأن يعبر عن رغبته في ترك العمل، مع أن في البلاد كثيراً من ذوي الخبرة والكفاءة، ولديهم من العلم والخبرة والتجربة والأهلية ما يمكنهم من القيام بهذه الأعمال على الوجه المطلوب.

  • إطلاق ألقاب التفخيم على كبار المسؤولين والموظفين وأصحاب الجاه، والتداول الرسمي لها في المعاملات، مثل صاحب السمو وصاحب المعالي وصاحب السعادة… إلخ مما لا يوجد له أساس شرعي أو استحقاق علمي، بل أخذت من أمم أخرى اضطرت إلى تركها وإسقاطها، وهذا ولي الأمر الذي هو أكبر مسؤول في الدولة قد أصدر توجيهه بأن يكتفي بلقب ذي شرف ديني وهذا ينبغي أن يمثل قدوة حسنة لغيره من المسؤولين في الدولة.

  • يلاحظ التوجه الإقليمي والفئوي في بعض الجهات والمصالح الحكومية، فعندما يكون رئيس لا جهة من منطقة أو مدينة أو إقليم معين، فإنه يحرص على أن يكون مساعدوه والموظفون المهمون لديه من المنطقة أو الإقليم أو المدينة أو القرية التي ينتمي إليها، وهذا فيه تكريس للإقليمية والعنصرية وإضاعة لمبدأ تكافؤ الفرس للناس الذي هو حق من الحقوق الأساسية التي كفلها الإسلام لهم، مع ما في ذلك من مفسدة وخطر على مستقبل الأمة ووحدتها.

  • استفاضة الأخبار والمعلومات عن حالات للرشوة والفساد المالي والعمولات بين عدد من كبار المسؤولين لم تتم المعاقبة عليها أو اتخاذ الإجراءات التي يوجبها الشرع في حق هؤلاء المرتشين بينما تنشر الصحف يومياً أسماء وصور الذين يصدر ديوان المظالم أحكاماً بحقهم بسبب ارتكابهم لأعمال الرشوة والتزوير من عامة وضعفاء الناس وخاصة من الوافدين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد». ومن المفارقات أنه في البلاد الكافرة إذا تبيّن أن أحداً من كبار المسؤولين ارتكب مخالفة ولو بسيطة فإن يعرض للتساؤلات والمحاكمات والعقاب والإقالة، لأن الأمر في شأنه يعتبر أكبر منه لدى الموظف العادي، أما في بلادنا بلاد الإسلام فإننا نادراً ما علمنا أو سمعنا أن مسؤولاً عرض للتساؤل أو التحقيق والعقاب لأنه ارتكب مخالفة مالية أو إدارية وكأنهم معصومون من الخطأ ومبرؤون منه لأنهم من كبار رجال الدولة، بل عن الجهات التي أنشئت بهدف مراقبة هذه الأمور تكفّ يدها عندما يتعلق الأمر بمسؤول كبير، وتعطى لها الحرية عندما يكون موضع التهمة موظف صغير، بل تم التأكيد على ذلك في لائحة الادعاء والتحقيق بالنص على أنه (يجوز لوزير الداخلية حفظ التحقيق…).

  • انتشار المحسوبية والواسطة، فإنه يكاد يكون من المسلّم به بين أغلب الناس أنك لا تستطيع أن تنجز معاملة ولا تحصل على حق ولا تتمكن من الحصول على وظيفة إلا بواسطة أو صديق أو قريب يسهل لك ذلك، وأصبحت حقوق كثير من الناس تبادل مصالح وواسطات لدى بعض المسؤولين في الدوائر الحكومية، فهو يقبل وساطة مسؤول آخر لكي يقبل ذاك وساطته على سبيل المقايضة، أما من ليس له واسطة فإن مصالحهم تتعطل وحقوقهم تضيع في أحيان كثيرة.

  • انتشار التسيب الإداري بشكل ملحوظ في أداء الأعمال وإنجاز حاجات الناس، ولعل أهم أسباب ذلك غياب النموذج والقدوة في رؤسائهم وفقدان المراقبة والمتابعة لهم فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

  • وجود تكدّس للموظفين في بعض المناطق وبعض الإدارات ونقص في عددهم في أماكن وجهات أخرى مع الحاجة الماسة لهم فيها مما يؤثر سلباً على إنجاز معاملات الناس وخدمة احتياجاتهم.

سبيل الإصلاح:

إن مثل هذه الظواهر تمثل في عوامل وَهَنٍ وتعطيل لمصالح الناس وإعاقة لنمو البلاد وتقدمها، وإن سبل إصلاح مثل هذه الأمور متيسر وممكن إذا صدقت النية وصحّت العزيمة، ومن أجل ذك ننصح بما يلي:

  • مراجعة جميع الأنظمة المالية والإدارية الحالية من قبل أشخاص يوثق بعلمهم وإخلاصهم وخبرتهم، وتطويرها بما تتطلبه احتياجات النمو والتطور السريع وتبسيطها ليكون الهدف الأساسي منها هو تيسير شؤون الناس وضمان حقوقهم وواجباتهم، وأن ترتكز هذه الأنظمة على الأساس الشرعي الذي هو مصدر السلطة والحاكمية في هذه البلاد، وأن تحقق السياسة الإدارية البساطة في الإجراءات والسرعة في الإنجاز والإتقان في الأداء.

  • أن تتّسم الأنظمة بالمرونة وأن تعطى الصلاحيات لكل مسؤول من أصغر موظف إلى الأكبر في تدرّج المسؤولية، بحيث يؤدي كل منهم واجبه ويمارس صلاحياته وفق النظام، كما يحرص على اختصار خطوات اتخاذ القرارات وإجراءاتها حسب أهمية القرار وعموميته ومساسه بمصالح الناس حتى لا تكون القرارات وفقاً لرغبات وأهواء الأفراد.

  • اختيار الكفاءات والقادرين من أبناء الأمة وخاصة في المناصب الكبيرة وتوزيعها توزيعاً منصفاً بين المناطق حتى لا يكون هناك شعور بالظلم والغبن لا سيما أن انتشار التعليم في كافة أنحاء المملكة يسر إمكانية الحصول على المؤهلين منهم فيها، ولتحقيق ذلك يمكن أن يترك الترشيح للمناصب ذات العلاقة المباشرة بجمهور الناس وقضايا المنطقة ومشاكلها لأهل المنطقة، وذلك نحو مناصب وكلاء الإمارات، ورؤساء البلديات ومديري ووكلاء الجامعات ونحوهم.

  • معاقبة من يثبت استغلاله لسلطة الوظيفية وحصوله على دخل غير شرعي، سواء بالرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو المحاباة والمحسوبية بعد محاكمته محاكمة شرعية، وذلك بصرف النظر عن وظيفته ومكانته، بل إن العقاب ينبغي أن يكون أشد كلما كبرت الوظيفة والمسؤولية المترتبة عليها لأن المفسدة في ذلك أعظم.

  • أن يوجد تنظيم لتغيير الوزراء وكبار الموظفين واستبدالهم دورياً، وكذلك استبدالهم إذا ظهر عليهم الوهن وضعف الأداء، وتشجيع التبادل في المناصب والوظائف لتجديد النشاط وتبادل الخبرات وإعطاء الفرصة لظهور كفاءات جديدة من وقت لآخر تسهم في مسيرة النمو والعطاء.

  • إزالة المظاهر الجاهلية في التعصب الإقليمي والفئوي في وظائف الدولة إذ إن الوظيفة العامة ليست ملكاً للموظف الكبير يحابي بها أقرباءه وبني قريته ومدينته ومنطقته وإنما هي أمانة في عنقه يعين عليها من تتوفر فيه الكفاءة والأمانة والخبرة، وينبغي لتحقيق ذلك تشكيل هيئة قضائية شريعة مستقلة بديوان المظالم يمكن تقديم دعاوى التظلم إليها مباشرة من كل فرد جرى التمييز ضده أو منع من نيل حقه المشروع بسبب الفئة أو الإقليم أو العصبية.

  • حذف ألقاب التفخيم التي ما أنزل الله بها من سلطان وليس لها أساس شرعي ولا استحقاق علمي والاكتفاء بالمخاطبة بأحب لقب وأحسنه وهو أخوة الإسلام أو المسمى الوظيفي للفرد.

المال الاقتصاد

مقدمة:

إن المال أمانة بيد الأمة، فأصل ملكه لله تعالى وليس للعباد فيه إلا التصرف على النحو الذي يرضي الله، فقد قال الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ). وتقريراً لأهمية المال سماه الله قياماً وهو ما يقيم الإنسان وذلك في قوله تعالى: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا)، وذكر بعض أهل العلم أن من السفه الجهل بالأحكام المتعلقة بالمال.

والدولة ليست مالكة لمال، بل هي نائب ووكيل وأمين. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: «إني والله لا أعطي أحداً ولا أمنع أحداً، وإنما أنا قاسم أضع حيث أُمِرت». وقال رجل لعمر بن الخطّاب: «يا أمير المؤمنين لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى»، قال له عمر: «أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ كمثل قوم كانوا في سفر فجمعوا منهم مالاً وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم؟» [السياسة الشرعية 51 ـ 52]

وصيانة للمال حرم الشارع الإسراف والتبذير، قال تعالى: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا @ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)، والتبذير هو الإسراف في الإنفاق في غير حق. كما أن الكتاب والسنة بيّنا الأحكام المتعلقة بالولاة وبالمال العام كي لا يستغل هؤلاء الولاة نفوذهم في الوصول إلى الكسب المحرّم وظلم الناس، ولئلا يُعبث بالمال العام. ومن ذلك تحريم الله الغلول: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «هدايا العمّال غلول» والعمّال هم ولاة الأمور من الحكام والسلاطين والمسؤولين. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بال الرجل نستعمله على العمل مما ولانا الله فيقول هذا لكم وهذا أُهدي إليّ، فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟! والذي نفسي بيده لا يأخذ منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته…» رواه البخاري. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم محذراً: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار» (رواه البخاري)، فقوله: «يتخوضون في مال الله» أي يتصرفون فيه بالباطل. وقال عليه الصلاة والسلام: «من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (حديث صحيح)، وقال: «من كان لنا عاملاً فلمي كن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، ومن اتّخذ غير ذلك فهو غال أو سارق» (حديث صحيح).

ومن الواجب على الدولة المسلمة أن تصون مواردها لتنال الأجيال القادمة منها حظاً، وهذا عمر رضي الله عنه يقول: «لولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر» (رواه البخاري)، وحينما طلب منه أن يقسم سواد العراق أبى وقال: «فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟» (رواه أبو عبيد في كتاب الأموال).

وحيث أن مقصود الولاية سياسة الدنيا بالدين صار من الواجب على من تولّى أمور المسلمين تحقيق ما أمر به الله تعالى في كتابه وسنّة رسوله من الأحكام، ومن ذلك ما يتعلق بالأموال اكتساباً وصرفاً، منع كل ما حرّم الله من المعاملات المالية، ومن أعظم ذلك الربا الذي قال اله فيه: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)، وقال: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ @ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ…).

ولا ريب أن الاقتصاد ركيزة أساسية من ركائز التنمية، ودعامة من دعائم المجتمع والدولة. وقد أولى الإسلام هذه الحقيقة أهمية قصوى فحدد نظام بيت المال لضبط أموال الدولة، وحدد الحلال والحرام في المعاملات.

واقع المال والاقتصاد:

إن المتأمل للواقع الاقتصادي والمالي لهذه البلاد يلاحظ ما يأتي:

1) كثرة وقوع المخالفات الشرعية في موارد بيت المال، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

  • شراء السندات الربوية من البنوك العالمية والخزينة الأميركية، ويمثل ذلك معظم استثمارات المملكة من الاحتياطي.

  • بيع السندات الربوية على البنوك العالمية التي تجاوز عددها حتى الآن ثلاثين مصرفاً بينما تجاوز حجم الدينون عشرات البلايين من الدولارات خصوصاً إبان أزمة الخليج.

  • الاقتراض بالربا الصريح من البنوك العالمية التي تجاوز عددها حتى الآن ثلاثين مصرفاً بينما تجاوز حجم الديون عشرات البلايين من الدولارات خصوصاً إبان أزمة الخليج.

  • فرض الرسوم والجمارك، وهي المكوس المحرمة شرعاً.

هـ- إضافة الزكاة إلى دخل الدولة العالم، وعدم فصلها عن أموال الدولة مما يؤدّي إلى عدم صرفها في الأصناف المنصوص عليها شرعاً.

2) المخالفات الشرعية في الصرف من بيت المال، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

  • صرف الأموال الطائلة بآلاف الملايين على الدول الكافرة أو النظم التي تحكم بغير ما أنزل الله على شكل هبات أو قروض لا يصل منها شيء يذكر للمسلمين المستحقين في تلك البلاد، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

  • الأموال الطائلة التي قدمت إلى نظام البعثي في العراق خلال حربه مع إيران وبعد ذلك بحجة إعمار العراق، وتقدر هذه بستة وعشرين بليون دولار على الأقل.

  • الأموال الطائلة التي قدمت إلى النظام الأردني قبل فترة بحجة دعم الاقتصاد الأردني المنهار، وذكر أنها تزيد عن ستة بلايين دولار سوى ما يقدم لذلك النظام منذ سنوات.

  • آلاف الملايين التي أعلن أنها قدمت إلى الاتحاد السوفييتي قبل تفككه، ومئات الملايين التي أعلن عن تقديمها إلى روسيا بعد.

هـ – مئات الملايين التي قدمت إلى النظم الحاكمة في شمال أفريقيا بحجة مساعدتها على تحمّل الكوارث كالمغرب وتونس، ولم يصل منها شيء يذكر إلى المستحقين.

و-  تقديم ما يزيد عن ملياري دولار لقادة الانقلاب في الجزائر بحجة دعم اقتصاده المنهار على الرغم من قمعهم للشعب وإصرارهم على تحكيم غير شرع الله.

ز- التعهّد بتقديم آلاف الملايين إلى النظام البعثي في سوريا والنظام المصري العلماني، إضافة إلى المساعدات المنتظمة.

ح- تغطية تكاليف مؤتمر السلام العربي الإسرائيلي.

ط- تقديم المبالغ الطائلة لهيئات وأحزاب ومنظمات لا مصلحة للبلد في دعمها أصلاً.

3) التقتير في الصرف على الخدمات الضرورية مثل:

أ- التعليم: حيث لا تزال توجد مناطق بلا مدارس، ومدارس بلا مرافق ولا أثاث، ومدارس في مبان مستأجرة، غير لائقة، فضلاً عن النقص في الوسائل التعليمية. أما الجامعات فتعاني من تدنّي المستوى العام وبالأخص دعم البحث العلمي. ويضاف إلى ذلك قلة الدورات والبرامج التي تعنى بتطوير مهارات المدرّسين والمديرين في التعليم وترفع كفاءاتهم.

ب- الصحة: حيث تواجه المستشفيات والمراكز الصحية الآن صعوبة في توفير الكوادر الفنية والأجهزة والأدوات. وتعاني بعض المناطق من عدم وجود خدمات صحية في الوقت الذي يصرف فيه بسخاء على مستشفيات تقدم خدمات لفئة محدودة في المجتمع.

ج- الطرق: حيث لا تزال بعض المناطق النائية تفتقر إلى طريق مناسبة، والطريق بين المدن الكبرى بعضها لا يزال غير مزدوج مما أهلك أنفساً كثيرة، إضافة إلى انعدام الخدمات أو تدنّي مستواها في كثير من الطرق.

د- الضمان الاجتماعي: فما يصرف منه الآن للأسر المحتاجة ضئيل جداً لا يكاد يكفي قوتهم الضروري.

4) استنزاف الموارد العامة والثروات الاستراتيجية لهذا البلد، وذلك بالزيادة الهائلة في ضخ البترول وتصديره بكميات ضخمة، والحرص على تدنّي سعره بحجة دعم استقرار الاقتصاد العالمي، ووجود اتجاه نحو تخزين البترول في أميركا وكوريا بزعم أنها أكثر أماناً كما صرّح بذلك وزير البترول السعودي.

5) غياب الرقابة الشرعية المستقلة على تحصيل أموال الدولة وصرفها.

6) ضياع جزء كبير من أحوال الدولة بسبب الاختلاسات والعمولات الكبيرة، إضافة إلى المنح المالية والأراضي والشركات التي لا توجبها مصلحة شرعية.

7) دعم وتشجيع التعامل المالي المحرّم بأشكال متعددة، منها:

أ-  تشجيع إنشاء المؤسسات الربوية المؤذنة بحرب الله ورسوله، والسماح بانتشارها حتى غزت القرى فضلاً عن المدن.

ب- اعتبار البنوك الربوية مؤسسات نظامية، وحمايتها بلوائح وأنظمة.

ج- الاعتراف بالعقود الربوية الباطلة شرعاً، والإلزام بها عن طريق لجان خاصة لها صلاحيات الحكم والقضاء مثل «لجنة فض المنازعات المصرفية» في مؤسسة النقد.

د- ضمان استمرار تلك المؤسسات عن طريق مؤسسة النقد، ودعم المصارف التي أوشكت على الإفلاس ـ كبنك القاهرة ـ بتحويل رؤوس أموال ورواتب إليها.

هـ- إجبار المواطنين على التعامل مع البنوك الربوية عن طريق صرف المرتبات والقروض من خلالها.

و- منع نشر فتاوى العلماء وأقوالهم في حكم البنوك في وسائل الإعلام بينما تتمتع البنوك الربوية بحرية النشر فيها.

ز- منع قيام المصارف الإسلامية التي تقدم بديلاً شرعياً مما أوقع الأمة في الحرج والمشقّة.

8) احتكار بعض أصحاب النفوذ أنواعاً من التعامل التجاري والمهن، وسن الدولة أنظمة ولوائح وأوامر تعزز ذلك. يضاف إلى ذلك محاباتهم من قبل أجهزة الدولة وحرمان التجّار الآخرين من المنافسة المتكافئة. ومن أمثلة ذلك:

أ- حصول بعض المتنفذين على النصيب الأكبر من مناقصات الدولة.

ب- هيمنتهم على وكالات الشركات الأجنبية.

ج- الامتيازات التي تعطى لبعض الشركات.

د- قصر بعض النشاطات التجارية على تراخيص يصعب الحصول عليها لغير أهل النفوذ كاستيراد الماشية وأجهزة الاتصال ومكاتب الخدمات العامة.

سبيل الإصلاح:

إننا ـ استشعاراً للمسؤولية ـ ننصح بما يأتي:

1) إيقاف جميع المساعدات والقروض والهبات الخارجية عن الدول والأنظمة الكافرة، وقصر المساعدات على إغاثة المسلمين وإعانتهم وفق هدف نصرتهم وتقويتهم، ووفقاً لأحقيتهم في المساعدة مما أفاء الله على هذه البلاد من ثروات.

2) إيقاف جميع أشكال الصرف على المجالات التي تعد شكلاً من أشكال الإسراف والتبذير كملاعب الرياضة ومعارض الأمس واليوم والقصور الفخمة ونحوها.

3) التوقف الفوري عن الاقتراض لأن في ذلك أثقالاً لكواهل الأجيال القادمة، والتساهل في هذا الباب قد يصيب هذه البلاد بما أصاب بعض البلدان من أزمات اقتصادية طاحنة وانتهاك لسيادتها. وربما لن تكفي موارد الدولة من النفط وغيره لسداد تلك الديون مع فوائدها المركبة.

4) إيقاف استثمار الدولة لمالها عن طريق الربا واستبداله بالاستثمار عن طريق وسائل الاستثمار المشروعة، خاصة في الدول الإسلامية أو في الداخل.

5) المحافظة على الثروة النفطية وغيرها من الثروات الاستراتيجية وتقليل الإنتاج والسعي إلى رفع سعر النفط بما تسمح به أوضاع السوق العالمية، وإيقاف أي شكل من أشكال التلاعب بهذه الثروة.

6) إعطاء الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والطرق ما تستحقه من أولوية وزيادة الإنفاق عليها بما يضمن الارتقاء بها.

7) إخضاع جميع أوجه التحصيل والصرف للمال العام وغيرها من الثروات للرقابة الدقيقة. ويمكن أن يتأتى ذلك بتوسعة صلاحيات ديوان المراقبة العامة ومنحه استقلالية تشبه استقلالية القضاء، واستقلاله بمراجعة إيرادات الدولة ومصارفها وربطه بمجلس الشورى.

8) إيجاد برنامج عملي للقضاء على ظاهرة الربا بالترتيب الآتي:

أ- الإذن بإنشاء المصارف الإسلامية وتأمينها ودعمها.

ب- تبيين حرمة الربا والتحذير منه، ومنع البنوك الربوية من استعمال لوسائل الإعلام لنشر الإعلانات الربوية.

ج- إيقاف أي شكل من أشكال الدعم للبنوك الربوية.

د- عدم الترخيص لأي بنك ربوي جديد وتصفية المعاملات الربوية القائمة.

هـ- وضع موعد نهائي للبنوك لتعديل أوضاعها أو تصفيتها.

9) منع جميع أشكال الاحتكار، وإلغاء جميع الامتيازات، وضمان التكافؤ في التنافس بين الناس، وعدم تقييد التراخيص إلا بمعايير موضوعية منضبطة يتكافأ أمامها كل الناس، والرقابة على ذلك منعاً لحصول محاباة لأهل النفوذ.

10) منع جميع أنواع التلاعب بأموال الأمة وإيجاد الضوابط اللازمة لمنع الاختلاسات والهبات والعمولات، وإحالة المتهمين إلى القضاء الشرعي.

11) فصل أموال الزكاة عن بقية أموال الدولة، والاجتهاد في صرفها في مصارفها المحددة شرعاً.

المرافق الاجتماعية

مقدمة:

لقد جاء الدين الإسلامي بالرحمة والعدل وقصد إلى تكريم الإنسان، وهدف إلى محاربة الفقر وألا يكون المال دُولة بين الأغنياء، كما هدف إلى تحقيق الحاجات الأساسية للعيش بمستوى لائق لجميع أهل الإسلام. ونبني فيم يلي قضايا شرعية في هذا الباب:

أولاً: وجوب قيام الدولة الإسلامية بكفاية الحاجات الأساسية للرعية

فقد أمر الدين بالعمل وحض عليه وأعلى مكانته، أما من يحتاجون إلى الرعاية من الكبار والصغار والنساء وغيرهم فقد شرع نظاماً للنفقة عليهم، وواجب على الأمة الالتفات إلى أهل الحاجات وتفقدهم ورفع حاجاتهم، قال تعالى: (كَلاَّ بَل لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ @ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) وقال صلى الله عليه وسلم: «وأيما أهل عرصة اصبح فيهم امرئ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى» رواه الإمام أحمد في المسند وصححه أحمد شاكر.

ومن الواجب على الدولة المسلمة السعي لتحقيق حاجات الناس الأساسية. فترى الفقراء والمساكين وأهل الحاجات بالزكاة التي تجمعها من المسلمين قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

ويعطي الفقير والمسكين ما يخرجهما من الحاجة إلى الغني. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إذا أعطيتم فأغنوا» [الأموال لأبي عبيدة]. وكان عمر يحلف على أيمان ثلاثة: «والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد وما أنا أحق به من أحد والله لئن بقيت لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانة» رواه أحمد في المسند. والحاجات الأساسية هي المأكل واللباس والسكن، قال صلى الله عليه وسلم: «من توفي من المؤمنين فترك ديناً أو كَلاً أو ضَياعاً فعليّ وإليّ» متفق عليه، والكَلّ والضِّياع: العيال. وقال ابن حجر «من مات ولم يترك شيئاً فإن نفقتهم تجب في بيت مال المسلمين والله وأعلم». كما أنه من الحاجات الأساسية الزواج للمحتاجين إليه، ولذا فقد قال بعض أهل العلم: «إن من تمام الكفاية ما يأخذه الفقير ليتزوج إذا لم تكن له زوجة واحتاج للنكاح».

وفي بيان بعض أهل الحاجات قال رسول صلى الله عليه وسلم: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تَحَمّل حَمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجلٍ أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ـ أو قال سداداً من عيش ـ ورجلٍ أصابته فاقه حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقه فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش ـ فما سواها من المسألة سُحت، يأكلها صاحبها سحتاً» رواه مسلم وأبو داود والنسائي، وروى أبو عبيد في كتاب الأموال في باب الفرض للذُّرية من الفيء وإجراء الأرزاق عليهم عن ابن عمر قال كان عمر لا يفرض للمولود حتى يفطم. قال ثم أمر منادياً ينادي: لا تعجلوا أولادكم الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. قال: وكتبنا بذلك في الآفاق، بالفرض لكل مولود في الإسلام»، ولذا يجب على الدولة شرعاً القيام بكفاية أصحاب الحاجات.

ثانياً: وجوب مراعاة المصالح الشرعية وتحري العدل في توزيع المال العام

لقد تقدم عند الحديث عن المال والاقتصاد أن المال العام أمانة لا يجوز صرفها إلا في الأوجه الشرعية، ومن ذلك أنه تجب المساواة بين المسلمين في العطاء من بيت المال وعدم محاباة أحد للونه أو جنسه أو قبيلته أو أسرته لأن ذلك من الظلم ومن صرف المال في غير حقه مما يؤدي إلى وجود الضغائن في قلوب المعدمين المحرومين حينما يرون فئة تختص بالعطاء وتثري بلا جهد ولا مشقة. وإن كانت هناك أولوية في العطاء فهي لأصحاب الحاجات قبل غيرهم كما تجلّى ذلك من خلال آيات سورة الحشر. بل لقد خص الفقراء بحق من خمس الغنائم في قوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأََغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)، بل لقد خصّص الفقراء والمساكين بحق من خمس الغنائم كما قال تعالى في سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).

ثالثاً: وجوب عناية الدولة الإسلامية بالمرافق العامة للمسلمين

ومن الحاجات الأساسية التي يجب على الدولة الإسلامية رعايتها التعليم الأساسي الذي يخرج الناس من عماية الجهل إلى نور العلم ويعلمهم أساسيات دينهم. فلقد تظافرت الأدلة من القرآن والسنّة على وجوب طلب العلم، واستفاضت الأخبار في السيرة النبوية بإرسال القرّاء والفقهاء لتعليم الناس الدين بل لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة عوضاً عن فداء أسارى بدر.

ومن المرافق التي لا بد أن ترعاها الدولة وتأخذ الأولوية في زيادة الإنفاق المرافق الصحية وتوفير الأمن وتسهيل سبل المواصلات. وقولة عمر رضي الله عنه: «لو عثرت بغلة في سواد العراق لخشيت أن أسأل عنها يوم القيامة» من الشواهد العظيمة على ذلك. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة قصور وتدن في مستوى الإنفاق على هذه المرافق الأساسية.

واقع المرافق الاجتماعية:

إن المتأمل لأحوال الناس في مجتمعنا يدرك ما يأتي:

1) عدم الإنفاق على أصناف كثيرة من أهل الحاجة ممن يجب سدُّ حاجتهم من بيت مال المسلمين، ومن أمثلة         ذلك:

أ- أسر كثيرة في المدن الكبرى والقرى لا تجد ما يسد حاجتها من المطعم والملبس والمسكن حتى بلغت حالتهم حداً قريباً من حال رعايا بلاد العالم الفقيرة، إذ تجمع لهم الملابس من المساجد ومن المحسنين.

ب- هناك مناطق كثيرة في المملكة تعيش دون حد الفقر، فمساكن أهلها ملاجئ حقيرة كالصناديق والعشش، ولا تسأل عن معاشهم وتعليمهم وصحتهم!

ج- هناك أعداد كبيرة من السجناء يمكثون في السجون شهوراً طويلة بسبب ديون لا تزيد في معظم الحالات عن بضعة آلاف من الريالات… أما حال نسائهم وذراريهم من بعدهم فلا يعلم بها إلا الله.

د- هناك أعداد من أهل العاهات والعاجزين عن العمل ولهم ذرارٍ، ومرتباتهم ـ إن وجدت ـ تعجز عن توفير ضروريات أسرهم. ولقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن أكبر أسباب انحراف الأحداث وتعاطي المخدرات هو عجز الأسرة عن الوفاء بحاجات الصغار الضرورية.

هـ- هناك شباب كثير يعجزون عن الزواج بسبب قلة ذات اليد، وهذا مما يعرضهم للفتن أو يدفعهم إلى طرق أبواب المحسنين.

و- شخ ما تقدمه دوائر الضمان الاجتماعي، فلا يكفي ذلك للوفاء بضرورات الحياة، بالإضافة إلى أنه ليس كل مستحق يمكنه الحصول عليه.

2) قلة العناية في احتياجات المرافق العامة الحيوية للمجتمع كالتعليم والصحة والطرق والمساجد في البناء والتأثيث والكوادر، فأكثر المساجد ـ مثلاً ـ شيّدها الأهالي ويقومون على رعايتها، وتفتقر كثير من القرى والهجر إلى المساجد ذات المستوى المعماري اللائق، فلا دورات مياه فيها ولا مساكن للأئمة والمؤذنين.

3) هناك مظاهر تدل على خلل في بناء الحياة الاجتماعية تتمثل فيما يأتي:

4) وضع مخصص مالي شهري أو دوري لكل طفل حتى يستطيع العمل أو يحصل على وظيفة.

5) تيسير السلف والمعونات لراغبين في الزواج بمبالغ مناسبة.

6) التأكيد على أولوية المرافق الأساسية كالتعليم والصحة والطرق والسكن والمساجد حتى لا تتعرض المخصصات المالية السنوية للتخفيض بأي حال من الأحوال.

7) إيقاف ما يأتي:

أ- بناء القصور الفخمة من بيت مال المسلمين.

ب- المنح العقارية إلا للمحتاجين من ذوي الدخل المحدود.

ج- المخصصات المالية للأسر الغنية، وعدم صرف أي استهلاك شخصي من بيت مال المسلمين.

الجيش

مقدمة:

لا شك أن الإسلام يوجب على الدولة أن تكون قوية مهيبة الجانب عزيزة بعزة الله لها حامية ثغورها وأمنها بنفسها دون الاعتماد على أحد، قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) وقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فضلاً عن أن الشرع يوجب على الدولة القيام بواجب الجهاد وجعله ذروة سنام الإسلام. وهذا يتطلب أن يكون الجيش قادراً على تحقيق ذلك.

واقع الجيش:

لقد جاءت أزمة الخليج لتكشف أن هناك عدداً من الملاحظات تتعلق بواقع الجيش والقوات المسلحة نبيّن أهمها فيما يلي:

أولاً: عدم تناسب ضخامة ميزانية القطاعات العسكرية مع عدد أفراد القوات المسلحة وإمكاناتها، فميزانية القطاعات العسكرية لا تكاد تضاهيها ميزانية عسكرية أخرى في المنطقة بل ربما فاقت ميزانية عدد من الدول المتقدمة في العالم في الوقت الذي لا تتوافر أعداد الأفراد أو التجهيزات التي تتوافر لتلك الدول من الناحية الكمية.

ثانياً: إن عدد أفراد القوات المسلحة قليل جداً إذا ما قورن بسعة المملكة العربية السعودية وطول امتداد حدودها، الأمر الذي لا يمكن لجيشنا بعدده القليل من القيام بحماية الحدود الطويلة والدفاع عن المرافق الحيوية المستهدفة فضلاً عن القيام بواجب الجهاد الشرعي.

ثالثاً: جرى بعد أزمة الخليج توقيع معاهدات أمن وحماية مع دول لا يوثق بها، كما قامت الحاجة إلى إبقاء كثير من عتاد دول أجنبية وقواتها في أرض المملكة مما قد يؤثر على سيادتها.

رابعاً: ظهر جلياً للطامعين والحاقدين الذين يعملون الآن على تقوية جيوشهم وتكثير عددها بكل ما يستطيعون ضعف قدرات المملكة العسكرية وعدم قدرتها على حماية أمنها بنفسها مما يغري الأعداء والطامعين بالعدوان متى أتيحت لهم الفرصة لذلك.

خامساً: عدم وجود تغيير ملموس في واقع التسليح والتجنيد على الرغم من الأحداث العظيمة التي عصفت بالبلاد والأمة مع زيادة الإنفاق على أمور ليست بذات أولوية ملحة أو ليست بخطورة إعداد جيش ذي قوة وشوكة يضمن حماية أمن الأمة ومرافقها.

سادساً: منذ الانتهاء من توحيد البلاد وتوطيد أمنها الداخلي لم يظهر للجيش أي دور جهادي لنشر دعوة التوحيد ونصرة المظلومين من المسلمين عدا فترة قصيرة رابطت فيها قواتنا في الأردن أمام العدو اليهودي، مع أن القيام بهذا من أعظم الواجبات التي تناط بالجيش الإسلامي.

سابعاً: غياب التربية الجهادية في الأمة بحيث تكون الأمة بأجمعها جيشاً جهادياً وقت الحاجة.

ثامناً: جرى التركيز في تطوير القوات المسلحة على استيراد التقنية المتقدمة والاهتمام بالنوعية دون التوسّع في تطوير القوات المسلحة من حيث الكمية وإيجاد صناعة عسكرية متقدمة محلياً في كافة احتياجات القوات المسلحة من طائرات مقاتلة وصواريخ ودبابات ومدرعات وما تحتاجه هذه التجهيزات من قطع للغيار أو بدائل.

تاسعاً: عدم تخصيص موارد كافية من ميزانية القطاعات العسكرية لإجراء البحوث العلمية والتطبيقية اللازمة لاستيعاب التقنية العسكرية الحديثة أو تطويرها بما يلائم احتياجات البلاد وعدم الاستفادة الكافية من خيرات العلماء والمختصّين من أبناء هذه البلاد في تحقيق ذلك.

عاشراً: ضعف استيعاب الكليات العسكرية للأعداء المتقدمة للالتحاق بها.

حادي عشر: إحالة عدد من منسوبي القوات المسلحة على التقاعد في سن مبكرة أو في مرحلة بلوغ الأشُدّ في التجربة والخبرة رغم الحاجة الشديدة إلى خبرتهم العسكرية وإنفاق الدولة الكثير على تدريبهم وإعدادهم وصعوبة توفير البديل عنهم.

سبيل الإصلاح:

وبعد أن سقنا هذه الملاحظات نرى لزاماً علينا أن ننصح بسبل الإصلاح الآتية:

أولاً: امتثالاً لقول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) وهذا عام في كل ما يُتقوى به على حرب العدو مما هو آلة للغزو والجهاد، وأداء للمسؤولية التي أناطها الله تعالى بالراعي تجاه الرعية من حفظ أمنها وسد تغورها والسهر على مصالحها وحفظ أموالها فإنه يجب أن ينشأ جيش قوي يليق بهذه البلاد المقدّسة من حيث عدده وعدته حتى يتناسب مع سعة هذه المملكة وطول حدودها ومع الواجبات الشرعية المنوطة بالقوات المسلحة لهذه البلاد بحيث لا يقل عدده عن نصف مليون جندي على أقل تقدير.

ثانياً: أن يفرض التدريب العسكري فرضاً على كل قادر على حمل السلاح، وتترك تفاصيل الإعداد لذلك لأهل الخبرة والمشورة والاختصاص.

ثالثاً: أن يُعتنى بالجيش الاحتياطي المكون من كل قادر على حمل السلاح. شأننا في ذلك شأن دول كثيرة، وذلك بأن يطلب من جميع أفراده حضور دورات عسكرية سنوية لزيادة تأهيلهم عسكرياً والتدريب على ما يستحدث من أسلحة وخطط.

رابعاً: تنويع مصادر السلاح وعدم الاعتماد على دولة معينة في شراء الأسلحة منها.. تعطينا متى تشاء وتمنعنا متى تشاء وتستغلنا وقت المحن وتساومنا عند الشدائد، وتجارب غيرنا معروفة في ذلك.

خامساً: بناء صناعة عسكرية وطنية متقدمة لتدعيم الجيش بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً وتقنية وأن يحرص على تطبيق المواصفات المطلوبة في هذا التصنيع.

سادساً: الاستفادة من خبرة علماء هذه البلاد واستقطاب الكفاءات والعلماء من سائر البلاد الإسلامية الأخرى في بناء الصناعات العسكرية المتقدمة ونقل التنقية الحديثة وتوظيفها في بناء القوات المسلحة.

سابعاً: أن تعهد إلى أهل الكفاءة والأمانة والشجاعة إدارة هذا المرفق الحيوي الهام والتخطيط له، فحماية الثغور وتحقيق أمن البلاد والعباد يجب ألا يجامل فيه.

ثامناً: إذكاء روح الجهاد والإيثار وحب التضحية في أبناء هذه الأمة وذلك عن طريق مناهجها التعليمية والإعلامية ومن خلال دورات تُعد لهذه التربية بين الحين والآخر.

تاسعاً: المحاسبة الدقيقة عن كل تقصير في هذا المرفق الحيوي الهام ووضع تنظيم يضمن مراقبة الصرف وحسن الإنفاق على قطاعاته المختلفة.

عاشراً: إلغاء كافة الارتباطات والمعاهدات العسكرية التي تُخِلُّ بسيادة الدولة واستقلالها في إدارة شؤون القوات المسلحة وتسليحها.

حادي عشر: عدم الاعتماد على أية قوة عسكرية خارجية مهما كانت في الدفاع عن البلاد وحماية أمنها.

الإعلام

مقدمة:

لما كان إبلاغ رسالة الإسلام إلى الناس كافة ودعوتهم إليه من أعظم الواجبات في الدولة الإسلامية التي تقوم على أساس عقيدة الإسلام فإنه من الضروري أن يكون للإعلام دور حيوي في المجتمع الإسلامي وأن يعنى به العناية البالغة لتحقيق أهداف رسالة الإسلام من تعبيد الناس لربهم واتباعهم للدين الذي ارتضاه عز وجل لهم. ولهذا دلت آيات القرآن الكريم والسيرة العملية والقولية لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أحكام شرعية عديدة تبيّن مقاصد الإعلام الشرعية في مجتمع المسلمين ودولتهم وتحدد الوسائل العملية لتحقيق هذه المقاصد كما تبيّن ما يحرم من مقاصد إعلامية ووسائل في هذا المجتمع. ونعرض ذلك في ما يلي كي نستهدي به عند تقييم واقع الإعلام بهذه البلاد وما يتوخّى من إصلاح وتطوير له على هدى الشرع الحنيف.

مقاصد الإعلام الإسلامي:

إن المطلع على الأدلة الشرعية من الكتاب وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم يجد جلياً أن من أعظم مقاصد الإعلام في الشرع:

أ) إبلاغ الرسالة وهدي الناس إلى أحكام دينهم إبلاغاً مبيناً تقوم به الحجة وترتفع به ظلمة الجهل كما قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) وقال تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)وقال عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ) إلى غير ذلك من الآيات. وأخرج أحمد عن ابن عباس قال: لما أنزل الله (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد ثم نادى فاجتمع الناس إليه من رجل يجيء ومن رجل يبعث رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوافي الموسم يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي مجاز يدعوهم» وأخرج ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف على منازل القبائل من العرب فيقول: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم أمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً». كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إرساله الرسل للملوك والوفود من القراء خارج المدينة. فهذه الأدلة من السيرة العملية تبيّن أن من أعظم مقاصد الإعلام الشرعية إبلاغ الرسالة ودعوة الناس إلى دين الحق وتعليمهم أمور دينهم.

ب) بناء الشخصية الإسلامية وتزكيتها حيث تجلّى ذلك في خطبه عليه السلام في الأعياد والجمع والحج التي اشتملت على الحث على القيام بالواجبات الشرعية والتذكير بها والبشارة للمطيع والإنذار للمخالف للشرع ومن أعظم ما نقبل في ذلك خطبه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وما اشتملت عليه من التعاليم الشاملة العظيمة.

ج) إصلاح الرأي العام وتوجيهه كما ثبت في قصة كسوف الشمس، روى النسائي قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجري فزعاً حتى أتى المسجد فلم يزل يصلي حتى انجلت قال: «إن الناس يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك، إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد أو حياته ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل» وفي رواية أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث منادياً «الصلاة جامعة» فاجتمعوا… الحديث». وقد كان هذا ديدنه عليه الصلاة والسلام أن يجمع الناس ويخطب فيهم مبيّناً وموجهاً لهم كلما دهمهم خطب أو عرضت لهم معضلة والدليل ما ثبت عنه في غزوة بدر وأُحد والخندق وبعد عزوة حنين.

د) كشف الحقائق وفضح دعاوى أعداء الإسلام والبيان لسبيل المجرمين لتحذير الناس من سلوك طريقهم أو اتباعهم، نحو الآيات الكثيرة التي نزلت في شأن أبي لهب والوليد بن المغيرة وغيره من أعداء الدعوة وفي الرد على شبهات المنافقين واليهود، ونحو أمر الرسول عليه السلام لحسان بن ثابت رضي الله عنه بهجر كفار قريش ـ لمحاربتهم الدعوة ـ والذود عن الإسلام.

هـ) نصرة قضايا المسلمين والحثّ على التكاتف والتناصر بينهم روى مسلم عن جرير بن عبد الله قال: «كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء متقلّدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعّر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال: (يَاَأيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلى آخر الآية (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) والآية الأخرى التي في آخر الحشر (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) والآية الأخرى التي في آخر الحشر (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُرّة من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة» فهذا الحديث يبيّن إعلام النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخير الذي يحث على التعاون وسد خلة الفقر فيهم والتكاتف والتناصر على البر والتقوى.

و) وأخيراً لا ينافي مقاصد الإعلام الشرعية الترويح المباح بما يتفق مع القيم الإسلامية والأحكام الشرعية حيث كان عليه السلام يقرّ اجتماع الصحابة وتناشدهم الشعر في الأماكن العامة، وأذن لعائشة الاطلاع على وفد الحبشة عند إنشادهم ولعبهم، قالت عائشة: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد» وكذلك ما جاء في الأحاديث الشريفة من قصص وأخبار مما يدل على إباحة الترويح المباح كمقصد إعلامي.

المقاصد الإعلامية الممنوعة شرعاً:

لا يستريب أحد من المسلمين أن كل ما يخالف الشرع لا يجوز اعتباره أو عمله فضلاً عن أن يكون مقصوداً لذاته ولذا حصرت الشريعة الإسلامية الكاملة على بيان ما لا يجوز أن يقصد من مقاصد إعلامية فمن ذلك:

أ) تحريم كل دعوة إلى المحرّم أو الرذيلة أو الإفساد في الأرض أو المعاصي أو الطعن في دين الإسلام وأهله قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) وكذلك ما ثبت من الوعيد الشديد في حق الدعاة للفتن والذين يقودون الناس إلى جهنم.

ب) كل ما ينجم عنه الفرقة وإضعاف وحدة الصف والإرجاف قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأََمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).

ج) تحريم نقل الخبر الذي يضر بالمسلمين إلى أعداء المسلمين كما جاء في سبب نزول آيات سورة الممتحنة.

د) تحريم كل ما يؤدي إلى الإساءة إلى المسلم في عرضه بغير حق نحو ما نزل من آيات بالوعيد الشديد لمن افترى حديث الإفك قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

هـ) ومن الإعلام المحرّم الدعوة إلى العصبية أو الجاهلية أو الدعوات الباطلة قال عليه السلام: «ليس منّا من دعا بدعاء الجاهلية» ومما يحرم في الإعلام المدح المذموم وهو ما يدعو إلى فتنة الممدوح وما يكون مشتملاً على ما يتّصف به الممدوح وما ليس من كسبه حيث جاء في الحديث «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب» لعظيم الفتنة بأقوالهم.

الرسائل العلمية للإعلام الإسلامي:

إن الشريعة مثلما بيّنت المقاصد المشروعة والممنوعة فلقد بيّنت كذلك أحكاماً تتعلق بالعديد من الوسائل التي تتحقق من خلالها المقاصد الشرعية والوسائل التي تمنع بها ظهور المقاصد المخالفة للشرع فمن الوسائل التي شرعها الإسلام لتحقيق مقاصده المطلوبة مشروعية الخطبة في صلاة الجمعة وفي العيدين ويوم عرفة وغيرها من مناسبات الاجتماع المشروعة مثل صلاة الاستسقاء والكسوف فما من فرضه اجتماع الناس إلا ويشرع فيها التذكير والتوجيه. ومن الوسائل المشروعة الأذان الذي هو بمثابة إعلام دخول وقت الصلاة وإعلام الدعوة إليها. فضلاً عن العديد من الوسائل الإعلامية التي أباحها الشرع نحو الشعر والخطابة وكتابة الرسائل وبعث المنادين الذين يتلون على الملأ الأحكام والقضايا العامة ومن البديهي أن الوسائل الإعلامية المباحة لا تقتصر على ما ذكر من وسائل بل أن مقتضيات الرسالة أن يستخدم المسلمون أحدث وأرقى وأجود ما توصلت إليه التقنية الحديثة في ذلك من وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية الواسعة الانتشار وفقاً للقاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، وقاعدة «للوسائل حكم المقاصد».

أما من حيث الوسائل التي تمنع بها المقاصد الإعلامية المخالفة للشرع فعديدة جداً منها ما ثبت من وجوب قيام الإنسان بالرقابة الذاتية على ما يتلفظه ويعلنه قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وفي الحديث المتفق عليه: «إن العبد ليتكلم بالكلمة يستهين فيها يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب». ومن وسائل وجوب التثبت في خبر الفاسق قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ومنها وجود الرد إلى الله والرسول وأولي العلم والاختصاص قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). كما أن الشريعة عنيت بزجر كل ما يقوم بالإعلام المخالف لمقاصد الشرع زجراً بالغاً حيث شرعت حداً للقذف في العرض، وأهدر الرسول عليه الصلاة والسلام دم من كان من المشركين ينشد في هجوه محارباً لدعوته، كما عاقب عمر رضي الله عنه الحطيئة عند هجائه للزبرقان.

ومما سبق من تأصيل شرعي يظهر جلياً أنه يجب على المجتمع الإسلامي أن تكون كل صور الخطاب الإعلامي من حديث أو خبر أو قصة أو أقصوصة أو برنامج إعلامي مستمدة من الإسلام تصوراتها وقيمها ومثلها وموازينها وأن تسعى لتحقيق مقاصد الإعلام الإسلام المصون شرعاً بأن تعمل على دعوة الناس إلى دين ربهم وإبلاغه إليهم وتكوين الشخصية الإسلام في أفرادهم وإصلاح الرأي العام في مجتمعهم وكشف الحقائق وفضح السبيل المجرمين وتوجهاتهم وبيان تهافت سياستهم وأقوالهم بالإضافة إلى تحقيق المقصد المباح من ترويح أو تسلية للنفوس. كما يجب أن تكون كل تلك الصور الإعلامية بعيدة كل البعد ومجانبة كل مقصد محرم للإعلام من نشر الرذيلة والفحش أو إيذاء المؤمنين أو بث الفرقة وتمزيق الوحدة، وأن يسعى في الإعلام المطلوب لدولة الإسلام من الاستفادة من الوسائل التي شرعها الإسلام لإعلام الناس من خطب ولقاءات في العبادات والمساجد والحج وأن يستفاد بأقصى ما يمكن مما يستجد من وسائل وأساليب مادية حديثة لتحقيق المقاصد الشرعية للإعلام.

الواقع الإعلامي:

بهد هذا التأصيل الشرعي نستعرض فيما يلي واقع الحال لإعلامنا:

1) تقديس الأشخاص والذوات مما يرسخ النفاق والكذب في المجتمع، والمبالغة في المدح المذموم شرعاً وأن يكون التقديس والتعظيم لله تعالى وحده.

2) إعطاء تصور زائف وغير صحيح في فهم حقيقة الدين وأحكامه الشاملة عن طريق التعامل الانتقائي مع الأحكام الإسلامية، بحصر الخطاب الإعلامي فيما يتعلّق بالدين في جوانب العبادات والسلوكيات الفردية دون الأحكام التي تعالج قضايا الأمة والمجتمع، ودون ربط كافة أعمال الحياة بالتصور الإسلامي والعقيدة الإسلامية وكليات الدين.

3) تحجيم المنابر التي جاءت بها الشريعة كخطب الجمع والأعياد، ووسائل الإعلام والمحاضرات والندوات العامة، وذلك بمنع الخطباء ذوي الوعي الشرعي والعلم بالواقع، وأصحاب النصيحة والرأي الشجاع من تسنم هذه المنابر، ومحاولة حصر هذه المنابر على من لا يحسن القيام بحقها، ولا أداء أمانة الكلمة وواجب البلاغ المبين.

4) يظهر للمتابع لوسائل الإعلام الرسمية أن المحور الذي تدور عليه البرامج الإعلامية المقدمة، هو تغطية زمن البث بالحشر ببرامج فارغة من المحتوى السليم، تغيب فيها الأهداف الصحيحة، وتعجز عن تحقيق المقاصد الإعلامية الشرعية، كإصلاح الرأي العام أو بناء الشخصية الإسلامية في الناس، أو كشف الحقائق للامة وتوعيتها.

5) شل فعالية الوسائل الإعلامية القائمة، وتعطيل القدرات الإبداعية في كل من يتولى خطاب الأمة من خلالها، وذلك بسلسلة من القيود والتعليمات الثقيلة التي تحجر على إبداء الرأي المشروع، أو الصدع بكلمة الحق وتبليغ رسالة الإسلام في القضايا الكبرى للأمة إذا خالفت توجهات أصحاب القرار في هذه المؤسسات، مما أدى إلى أن يكون التمكين في هذه الوسائل ليس مبنياً على الجدارة والقدرة والكفاءة في أداء الواجب.

6) الإقلال من البرامج الدينية في وسائل الإعلام، حيث لا تعطى هذه البرامج إلا نسبة قليلة من زمن البث.

7) احتكار كافة وسائل البث الإعلامي من صحافة وإذاعة وتلفزة لأجهزة ومؤسسات عامة أو شبة عامة، ومنع أفراد المجتمع من حقهم الشرعي في إصدار وامتلاك وسائل البث الإعلامي المختلفة.

8) حجب الخبر الصادق في وسائل الإعلام الرسمية، وتبديل الحقائق أو عرضها بطريقة منتقاة مبتورة مما أفقد الثقة بكل الوسائل الإعلامية، حتى شاع بين الناس أنه لتكذيب خبر ما فيكفي وصفه بأنه رسمي غير صادر من جهات محايدة تملك قرارها بنفسها. كما أدّى إلى اتجاه الناس لوسائل الإعلام المعادية في الدول الكافرة للحصول على الأخبار والحقائق التي يرغبون في معرفتها والاطلاع عليها.

9) التركيز المستمر في البرامج الإعلامية، على استمراء القيم والأخلاقيات والعادات الغربية الباطلة المخالفة للشرع، وتقديمها باعتبارها نموذجاً يحتذى به والإشادة برموز وقيادات ونجوم هذه المجتمعات، واعتبارهم قدوات ومثل عليا، مما يؤدي ـ عياذاً بالله ـ إلى كسر الحاجز الاعتقادي بين هذه الأمة وبين الكفر والنفاق والشرك وأهله.

10) إبراز الشرائح الاجتماعية ذات الدور الهامشي في المجتمع والحياة، حيث يحتل الرياضيون والفنانون، والمغنون وأشباههم الذين جعلوا اللهو هماً مركزياً لهم، يحتل هؤلاء مساحات واسعة في كل وسائل الإعلام المحلي، ويتناول الحديث عنهم كافة أعمالهم ونشاطاتهم بما في ذلك أدق التفاصيل عن حياتهم اليومية، وأنشطتهم الاجتماعية، حتى تمكّن هؤلاء من أذهان الشاب، وصار حلم الشاب في المستقبل أن يكون رياضياً أو فناناً، بينما تغيب عن هذه الوسائل شرائح أكثر أهمية وأعظم دوراً كالعلماء والمفكّرين والدعاة والمصلحين.

11) إعطاء البرامج الترفيهية، وموضوعات اللهو والعبث الغالبية العظمة من أوقات البث، مع كثرة كاثرة من البرامج التي تفسد السلوك والعقائد والأخلاقيات، أو تعد في أحسن الأحوال تافهة مضيعة للوقت والمال والجهد وتصنع الاهتمامات الهامشية والزائفة.

12) التضييق الشديد على المؤسسات الإعلامية والتسجيلات الإسلامية بمنع إصدار التصاريح أو تحويلها، والرقابة المتشددة عليها.. في الوقت الذي يسمح فيه لكثير من مجلات التبرّج والسفور بدخول البلاد وتسهيل فتح وانتشار محلات التسجيل والفيديو الهابطة والمنافية للقيم الإسلامية والتي تحبذ الفحش والرذيلة ونزع الحياء عن المرأة والأسرة المسلمة.

13) الإكثار من برامج الأطفال التي تعتمد على التصديق بالمستحيل والسحر والأساطير والتمرّد، الأمر الذي من شأنه أن يزرع قيماً خطيرة في نفوس الأطفال في سن مبكرة مما يكون له اكبر الأثر في تنشئتهم.

14) غياب البرامج الهادفة للأسرة والمرأة المسلمة.

15) تركيز وسائل الإعلام والصحافة على مجاراة وسائل الإعلام الغربية في الطعن والقدح في الدعاة المسلمين والحركات والمؤسسات الإسلامية والتشكيك فيها ورميها بالأصولية والتطرّف للتنفير منها والإساءة إليها حتى وصل الحال بهذه الأجهزة ـ والعياذ بالله ـ إلى الفرح بانتصار العلمانيين والمرتدين على هذه الحركات والشماتة بالمصائب والمآسي التي تصيب المسلمين.

16) قصور وسائل الإعلام المحلية عن مخاطبة المسلمين في العالم وإيصال الصوت الإسلامي لكل مكان وخصوصاً المناطق الشديدة الاحتياج كالأقليات الإسلامية والجمهوريات الإسلامية حديثة الاستقلال.

17) الاعتماد الكلي في المادة الإعلامية المقدمة على إصدارات أعداء الأمة ووكالات أنبائهم وتحليلاتهم وغياب الرقابة والمراجعة والتدقيق لهذه البرامج.

سبيل الإصلاح:

من أجل إصلاح الإعلام ننصح بما يلي:

1) وضع سياسة إعلامية جديدة تركز على تحقيق المقاصد الشرعية الإعلامية التي تتضمن إبلاغ الدعوة الإسلامية وإصلاح الرأي العام وبناء الشخصية الإسلامية وكشف الحقائق وبيان سبيل المجرمين مع الاهتمام بقدر معقول من الترويح البريء المباح شرعاً بحيث تدور جميع البرامج الإعلامية في هذا الإطار ولا تتعدّاه.

2) تعيين ذوي الأمانة والقوة والعلم الشرعي لتحمل هذه المسؤولية العظيمة والقيام على هذا الثغر.

3) إقامة مجلس استشاري للإعلام أعضاؤه من أهل الاستقامة والتخصص في الإعلام والتربية والسياسة والاقتصاد وتمكينهم من صياغة سياسات الإعلام والإشراف على تنفيذها وضبط كافة مؤسساتها بما يحقق مصلحة الأمة وفق الضوابط الشرعية.

4) فسح المجال للأمة للتعبير المشروع عبر كافة وسائل الإعلام عن رأيها في شتى القضايا وتشجيع الرأي الصادق والنصيحة الغيور.

5) تمكين الدعاة والمصلحين وأهل الرأي من المساهمة في برامج الإعلام وتمكينهم من نفع الناس وتعليمهم.

6) منع كل ما يفسد العقائد والسلوك من الظهور في برامج الإعلام وإيجاد الوسائل التي تحقق ذلك بشكل دائم على أن يتضمن ذلك التسجيلات الصوتية ومحلات الفيديو.

7) الإكثار من البرامج التربوية التي تحقق إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع على أساس إسلامي وللاستفادة مما أنتج من برامج ومسرحيات ومواد إعلامية صالحة والسعي الحثيث لاستمرار إنتاجها حتى يستفيد الناس منها.

8) إيقاف مظاهر التبرج والسفور في التلفاز وأصوات الميوعة والتغنّج في المذياع خاصة الأصوات النسائية.

9) تبنّي برنامج جاد وفعّال يحقق نشر الخبر الصادق بدقة وشمول وموضوعية وتشجيع التحليل الإسلامي للأحداث من خلال تطوير المؤسسات الإعلامية ودعمها بالكوادر المؤهلة والمخلصة.

10) تخصيص حيّز مناسب في وسائل الإعلام لبرامج الأطفال والنساء ينطلق من قيم الإسلام الأصيلة ويبذر العفاف والحشمة وينشئ الأطفال على امتصاص القيم المنشودة في رجل المستقبل كالنخوة والشجاعة والمروءة والعدل والإحسان والرحمة والتكافل والغيرة والتضحية والإيثار والاعتداد بمقدراته الإسلامية.

11) إخضاع المادة الإعلامية الخارجية لرقابة شرعية والمنع الفوري للجرائد والمجلات التي تروّج أفكار الكفر والعلمنة والسفور والخلافة والصور الفاضحة.

12) توظيف الإعلام لخدمة قضايا الأمة والحرص على الطرح الشمولي المتوازن والابتعاد عن معالجة القضايا الفردية والهامشية والتحيّز للغير.

13) إقامة المؤسسات الإعلامية الخاصة من صحف وإذاعة وتلفزة وإزالة القيود التي تحد من مصداقيتها وقدرتها على الإبداع وجعل القيد الوحيد عليها هو القضاء الشرعي فقط.

14) الاهتمام بقضايا المسلمين في جميع أنحاء العالم وتغطيتها تغطية مكثّفة وتوزيع أخبارها على مختلف وكالات الأنباء العالمية.

15) تخصيص بث إعلامي يستهدف التبشير بالإسلام وتعريف الناس كافة بالإسلام وتعريف الناس كافة به بمختلف لغاتهم ما أمكن.

العلاقات الخارجية

مقدمة:

مند أن أقام النبي صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية الأولى تبيّنت القواعد الراسخة التي تسير عليها الدولة الشرعية في علاقاتها الخارجية. وقد صار على نهج هذه القواعد والأسس خلفاؤه الراشدون من بعده رضي الله عنهم. ولهذا فإن الدولة التي تقوم على عقيدة الإسلام ملزمة بحكم مسؤوليتها عن إقامة شرع الله على السير على هذه القواعد والالتزام بها في كل علاقاتها. ونبيّن فيما يلي هذه الأسس والقواعد الكبرى التي شرعها الإسلام لتنظيم علاقات الدولة المسلمة بغيرها كلي يكون بياناً يرجع إليه في معالجة وإصلاح واقع الحال.

الأساس الأول: نشر دعوة الإسلام في العالم:

جاءت الأدلة الشرعية من كتاب وسنّة تبيّن أن الواجب على الدولة الشرعية أن تكون علاقاتها هادفة ابتداءاً إلى نشرد دين الإسلام ودعوة الأمم والناس إليه قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) وقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) وقال: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ). وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خير قيام حيث دعا قومه قريشاً ثم سائر العرب ودعا ملوك العرب والعجم والروم إلى هذا الدين حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً وسار صحابته رضي الله عنهم على ذلك بعده والتابعون بإحسان. ولذا فإن الأساس الأول لعلاقات الدولة الإسلامية بغيرها هو السعي لنشر الدعوة الإسلامية وهداية الناس إلى دين الله وهذا في الحقيقة هو العمل الأصلي والأساسي للدولة الشرعي.

الأساس الثاني: توحيد المسلمين وجمع كلمتهم:

لقد بيّنت الآيات العديدة من كتاب الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وحدة الأمة وأن المسلمين أمة من دون الناس قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد…». الحديث وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأمرائه: «وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين» فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب وحدة المسلمين والسعي إلى جمع كلمتهم وأن ذلك من أسس تنظيم علاقات الدولة الشرعية بغيرها.

الأساس الثالث: نصرة قضايا المسلمين:

جاءت الآيات والأحاديث تبيّن أن الدولة الشرعية مسئولة عن نصرة المسلمين المظلومين والذود عنهم والدفاع عن حقوقهم قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ). الآية وقال صلى الله عليه وسلم: «أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» وقال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه» فهذه الأدلة تبيّن وجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضاً ولهذا فإنه من المتعين على الدولة الشرعية أن تكون قائمة بهذا الواجب العظيم ومسئولة أمام الأمة عن إقامته وتحقيقه وبناء على هذا التأصيل فإن تنظيم علاقات المسلمين في دولتهم مع غيرهم من الدول والشعوب يجب أن يبنى على هذه القواعد وأن يستهدي بها في رسم كافة العلاقات.

واقع العلاقات الخارجية:

إن المتأمل في علاقاتنا الخارجية يلاحظ ما يلي:

1) تتسم علاقات المملكة بالتوجهات الإسلامية ـ دولاً وحركات وأفراداً ـ بالفتور والتجاهل والخذلان أحياناً والتشويه الإعلامي كما كان موقف المملكة من دولة السودان التي تبنت الشريعة الإسلامية في الجملة منهجاً وتطبيقاً، والموقف من الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، كما يلاحظ أن هناك تقصيراً في دعم حركات الدعوة الملتزمة بمنهج أهل السنة، وخاصة في بلاد أفريقيا وآسيا التي تتعرض لنشاط مكثف من الحركات البدعية المدعومة والنشاط التنصيري العالمي.

2) تقديم الدعم المادي والمعنوي للدول التي تحارب الدعاة وتمنع نشر الدعوة إلى الله على بصيرة مثل سوريا والصومال والسلطة الجديدة في الجرائر، أو لجهات أخرى لا تربطها مصالح ظاهرة بالمملكة.

3) الحرص الشديد على أن لا تتعارض سياسة المملكة مع مصالح الأنظمة الغربية التي تقود العداء للإسلام، ويتضح ذلك مجاراة الولايات المتحدة الأميركية في غالب المواقف والعلاقات والقرارات مثل الاندفاع نحو عملية السلام مع اليهود.

4) عدم ثبات سياسة المملكة تجاه بضع الدول الإسلامية وغيرها والتي تظهر كأنها رد فعل مباشر وآني للحوادث المباشرة والآنية، دون الالتزام بالثوابت أو بعد النظر، مثل العلاقات مع إيران والسودان مما ينم عن عدم بناء العلاقات على الثوابت الشرعية والتخطيط الاستراتيجي.

5) سفاراتنا في الخارج يكاد ينعدم نشاطها الإسلامي كما أن بعضها تقوم بممارسات تنبئ عن أن المسؤولين فيها لا يمثلون المملكة وتوجهاتها الإسلامية، بل ربما أعطت صورة غير حقيقة عن بلد الحرمين وتصوراً مشوهاً عن مجتمعنا المتمسك بتعاليم الإسلام السمحة.

6) انتشار ظاهرة توظيف النساء السافرات في سفاراتنا مما يزري بواقع سفارتنا التي تمثل بلاد الحرمين الشريفين التي تحرص على صيانة المرأة وعدم ابتذالها، ومما لا يضمن تسرب بعض أسرارها.

7) عدم قيام هذه السفارات بما يفترض عليها من القيام بحمل واجب الدعوة وإبلاغ رسالة الله إلى المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها خصوصاً وأن أغلبها في بلاد كافرة.

8) صرف الأموال الطائلة على شراء ذمم أو إسكات بعض رجال الصحافة والإعلام والسياسيين والأحزاب مما أطمعهم فينا ابتزازاً ومساومة.

سبيل الإصلاح:

وبعد أن عرضنا واقع الحال لعلاقتنا الخارجية فإننا ننصح بما يلي:

1) تبني سياسة الوحدة الإسلامية ودعم قضايا المسلمين في جميع المحافل الدولية في أنحاء العالم، ونقل صورة صحيحة ودقيقة عنها للأمة، ومن ثم مناصرتهم والدفاع عنهم ومواصلة الجهد لحل مشكلاتهم.

2) توثيق العلاقات مع التوجهات الإسلامية من دول وحركات وأفراد والعمل بجد لما يؤدي لتحقيق الوحدة بين المسلمين على الكتاب والسنّة.

3) التعامل بحكمة مع الدول والتكتلات والتوجهات المعادية للإسلام وعلى رأسها الأنظمة الغربية، وتجنب أي نوع من الأحلاف أو أشكال التعاون التي تخدم الأهداف الاستعمارية وتؤثر على القرار السياسي لهذا البلد.

4) إعادة النظر جذرياً في وزارة وأوضاع السفارات والسلك السياسي بحيث لا يعين إلا المؤتمنون في هذا المنصب الخطير لكي تؤدي السفارات رسالتها الإسلامية المنوطة بها.

5) العمل فوراً على إزالة جميع المظاهر التي تخالف تعاليم الإسلام وقيمه الصحيحة من سفاراتنا.

6) استقطاب الطاقات الإسلامية من جميع أنحاء العالم وتوظيفها في خدمة الإسلام وتوفير العيش الكريم لهم. وكذلك إيواء المضطهدين من الدعاة والمصلحين وتوفير الحماية لهم.

7) زيادة المنح للدراسة في جامعات المملكة ومعاهد اللغة العربية للطلاب المسلمين من كافة الجنسيات والأقطار وإعدادهم للقيام بواجب الدعوة.

8) عرض الإسلام في المحافل الدولية والدعوة إليه على أنه دين شامل يحمل الحلول الناجعة لأزمات البشرية ويقودها إلى ما فيه سعادتها في دنياها وآخرتها c

ملاحظة: تواقيع العلماء الذين قدّموا هذه النصيحة أثبتناها في العدد السابق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *