العدد 70-71 -

العددان 70-71، السنة السادسة، شعبان ورمضان 1413هـ، الموافق شباط وآذار 1993م

في 3 آذار 1924 هُدِمْت الخلافة

تمرّ الآن الذكرى 69 لهدم الخلافة الإسلامية. ونحن الآن لسنا في صدد الرثاء أو البكاء. إننا في صدد بناء ما هدم ليكون أمنع وأروع وأحصن وأحسن مما كان. الخلافة الإسلامية فكرة وخليفة:

فكرة تؤمن بها القلوب، وتتفهما العقول، وتهفو إليها الأفئدة. فكرة تتجسد في النفوس وتعيش في القناعات والضمائر، وتصبح الملجأ والملاذ ومحط الأمل للإنقاذ.

ثم تتحول من كيان في النفوس إلى كيانٍ تنفيذي يقوم على الأرض يتشكل من الخليفة ومِنْ معه من أجهزة التنفيذ.

حين هدم الكفارُ الخلافة في 3 آذار إنما هدموا هذا الكيان الخارجي القائم على الأرض. أما الكيان الداخلي القائم في النفوس، أما فكرة الدولة التي تتركز في العقول والقلوب فإن الكفار كانوا قد سلبوها وهدموها قبل ذلك بكثير.

كانوا يُسمّون الدولة العثمانية الرجل المريض، ذلك لأنها أصبحت مجرد شبح، أو مجرد جسد خالٍ من الروح بعد أن أفرغوها من فكرتها بواسطة الاستعمار الفكري والتبشير.

كانت الأمة الإسلامية في حالة انحطاط فكرين وكانت دولة الخلافة هيكلاً شكلياً أو جسداً بلا روح، كما بقي سيدنا سليمان عليه السلام مدة من الزمن جالساً على كرسيّه جسداً بلا روح. فكانت أقل هزة كافية لإسقاطها.

الذين يظنون أن إقامة الخلافة هي عبارة عن انقلاب عسكري، وإذاعة البلاغ رقم 1، واستلام الحكم هم مخطئون.

إقامة الخلافة هي عبارة عن نفخ الروح في الجسد أولاً. أي غرس فكرة الدولة الإسلامية، الحكم بما أنزل الله، الحكم بالشريعة الإسلامية، شعور المسلمين بأنهم خير أمة أخرجت للناس، إدراكهم أن العالم كله في ضلال وأنهم وحدهم في الهداية، إحساسهم أن عليهم واجب حمل الدعوة لإنقاذ البشرية وليس إنقاذ أنفسهم فقط…

وهذا قد حصل الآن إلى حد جيّد بحمد الله وتوفيقه.

الدعوة الإسلامية التي انطلقت منذ بضعة عقود لإقامة الدولة الإسلامية لم تفشل، ولم تتجمّد في مكانها، بل لقد نجحت نجاحاً باهراً. نجحت في غرس فكرة الدولة الإسلامية في أفراد فقط، وليس في كتلة فقط، بل في الأمة كلها عربها وعجمها في مشارق الأرض ومغاربها. انظروا إلى الشعب (وليس إلى الحكام) في الجرائر ومصر والسودان وإيران وباكستان وبلاد الشام و…

أحد رواد الدعوة الإسلامية قال في أوائل السبعينات: «لقد أصبحت الدولة الإسلامية قائمة بالفعل ولا تحتاج إلا إلى الإعلان» وهو قول حق وصدق، وهو يعني أن فكرة الدولة الإسلامية قد تجسدت في الأمة. وما كان يراه هذا الرائد بمرهف حسه وثاقب بصره صار واضحاً اليوم يراه كل الناس. وصارت دول الكفر لا ترى بعبعاً إلا الإسلام و(الأصولية) الإسلامية.

هذه الفكرة، فكرة إعادة الخلافة الراشدة، التي تعمر بها صدور المسلمين اليوم وتجيش بها نفوسهم من المحتم ـ بإذن الله ـ أن تتحول إلى كيان على الأرض.

إن طبيعة الأشياء وسنن الكون تحتم أن زخم الفكرة الإسلامية لا يمكن وقفه ولا تنفيسه. ومهما حول الكفار وعملاؤهم فسيفشلون، وسيبقى هذا الزخم في تصاعد حتى يعبّر عن نفسه في إقامة دولة إسلامية على الأرض بعد أن قامت في النفوس. (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *