العدد 68 -

السنة السادسة، جمادى الآخرة 1413هـ، كانون الأول 1992م

الدعوة إلى الإسلام (15)

عالمية الحركة أو إقليمتها:

كذلك فإن من المسلمين من يطرح أن الحركة الإسلامية يجب أن تكون عالمية. وذلك لأن الإسلام هو دين عالمي، ولأن بعثه محمد صلى الله عليه وسلم كانت للناس كافة ولأنه من حيث الواقع تواجه الحركة الإسلامية حركات عالمية الانتشار، وكذلك ضخامة التكاليف التي يحتاجها التغيير الإسلامي تفرض العالمية. ويأتي أصحاب هذا الرأي بشواهد قرآنية: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…) و(قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) وكذلك (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) وها هو رسول الله قد وجه دعوته إلى العالم أجمع لكل القوى، ولكل المعسكرات، ولكل الملوك. فبعث إلى النجاشي (ملك الحبشة) وهرقل (عظيم الروم) وإلى المقوقس (عظيم القبط) وإلى كسرى (عظيم فارس). ولا يجوز أن يبقى العمل الإسلامي (دكاكين) و(مزارع) هنا وهناك، ويبقى الجهد الإسلام صحية في واد.

نعم إن الإسلام كدين هو عالمي في عقيدته وفي نظامه.

فالله هو خالق كل شيء، ومدبر الأمر، وهو العليم الخبير الذي يجب أن يلتجئ إليه الإنسان العاجز الضعيف المخلوق من ماء مهين. فالله خالق الإنسان، وهو رب كل إنسان. والإنسان مرتبط وجوده بالغاية من خلقه وهي العبادة. ومرتبط وجوده كذلك بما بعد الحياة من بعث ونشور، وجنة ونار، وجزاء على الإيمان والكفر، وعلى الطاعة والمعصية. وأن حقيقة العقيدة يجب أن تُنقل للناس جميعاً، وتبلغ لهم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).

والنظام الذي أنزله الله على رسوله وجعله منبثقاً عن هذه العقيدة هو نظام للإنسان كإنسان بغضِّ النظر عن لونه أو عرقه أو وضعه.

نعم إن الإسلام هو دين عالمي. وهو يفرض أن تكون بذرة إنشاء الدولة الإسلامية بذرة عالمية. وبالتالي فإن الإسلام يفرض على الجماعة أن تهيئ نفسها لتقوم بهذه المهمة. لذلك فهي من حيث الأصل يجب أن لا تنظر إلى عملها نظرة ضيقة، ولا تحجم نفسها بحجم البلد الذي تعمل فيه، ولا تقبل بالحق مجزأً. والتي تضيع على الحق جذريته. بل يجب عليها أن تنظر إلى أنها يجب أن تنقذ البشرية كلها من ترهات الكفر وأباطيل الشرك مهما اتخذ لنفسه من أشكال (كانوا قبلاً ينظرون إلى الصنم بأنه ينفع وبيده الخير والضر. والآن ينظرون إلى أفكار معينة أنها تنفع ومنها الخير ومن غيرها الضر) والعودة بهم إلى الحق الذي لا يتعدد. هذا ما يجب أن تكون نظرتها عليه وعلى أساسه تتبنى ثقافتها. وأن عملها وخط سيرها مرسوم لها حتى إذا سارت عليه من غير تنكب وصبرت على ما ستلاقيه من غير محاباة ولا مهادنة ولا مداهنة، يكون الله سبحانه وتعالى قد هيأها (عملياً ونظرياً) للقيام بهذا الأمر قياماً عالمياً وذلك بعد إقامة دولة الإسلام. فهي من حيث الفكر: فكرها عالمي، ومن حيث العمل لا تخرج عن كونها جماعة تعمل قبلاً لإقامة دولة الخلافة. وبالتالي فإن دولة الخلافة هي التي ستقوم بالمهمة العظيمة.

وتبقى نقطة في الموضوع لا بد من ذكرها. وهي أن بلاد المسلمين مقسمة إلى دول (وهذا مقصود) والمسلمون في هذه الدول يعيشون بشكل عام في أجواء متشابهة مع اختلاف في بعض الأمور الجزئية التي لا تغير طريقاً ولا تمنع انتشاراً للعمل المنظم الواحد في أكثر من بلد. وهذا الامتداد يعطي قوة للجماعة ويجعل توجهها أكبر وأفعل ويجعل إقامة دولة الخلافة في قطر من الأقطار فيه قابلية التوسع والانتشار وهذا ما يعين الجماعة للقيام بالمهمة التي ستلي قيام الدولة، ويهيئ الدولة لأن تدخل مرحلة الصراع العالمي وفي كلا الأمرين يعتمد على عون الله تعالى c

جزئية العمل أم تكامله وتوازنه:

وكذلك فإن هناك من المسلمين العاملين من يطرح فكرة التكامل والتوازن المطلوبين في العمل الإسلامي الحاضر ويطرح في مقابلة الطرح الجزئي، والغلو في الطرح.

ويعني بتكامل الطرح عدم جواز انحصاره في جانب دون الجوانب والجزئيات الأخرى. فمن خصائص المنهج الإسلامي أن فيه نظاماً عبادياً، ونظاماً اقتصادياً، ونظاماً اجتماعياً.. ونظاماً سياسياً ونظاماً عسكرياً.. ثم إن العمل الإسلامي الأول في عصر النبوة كان متكاملاً. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرعى ويتابع العمل الإسلامي من شتى جوانبه. ففي نطاق التربية كان مربياً، وفي نطاق التعليم كان معلماً، وفي نطاق الجهاد كان قائداً، وفي نظام التخطيط كان رائداً.. والعمل الإسلامي ملزَم بأن يقفو أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في أي زمان ومكان وليس له خيار بأن يتبع هذا الطريق أو ذاك.

وفي المقابل يرى أن الجزئية في العمل الإسلامية تكون بالاقتصار على جانب من جوانب العمل الإسلامي يلتزمه ولا يتعداه، ويؤمن به وحده ويرفض ما عداه. وأن الجزئية تسبب التعدد والتشرذم في العمل وتبدد الطاقات. والقرآن قد أنكر البعضيّة على بني إسرائيل فيقول: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ). ثم يذكر أن التحدي الجاهلي وكليته يفرض التكامل في العمل الإسلامي.

وعن التوازن يرى هذا الفريق من المسلمين العاملين أنه يكون بإعطاء كل جانب من جوانب العمل المتكامل وزنه ومعياره اللازمين وإلا أدى إلى الخلل وإلى الغلو. وأن من شأن التوازن اعتبار منطق الأولويات.

وخلاصة القول إن التكامل يتناول الإسلام ككل. وعليه يجب أن تتصف جماعة العمل بالطرح الشمولي. وإن التوازن يفرض الاهتمام بكل جانب بحسب مقادير ومعايير مناسبة له. فلا يزاد فيها وإلا أدت إلى الغلو ولا ينقص منها وإلا أدت إلى الخلل.

إن قانوني التكامل والتوازن هما قانونان يحكمان طبيعة الأشياء والأفعال. وهما قانونان يلاحظهما المسلم وغير المسلم. ويشعر بأهمية وجودهما في حياته ويعمل على تحقيقهما حتى تأتي النتائج حسبما يتوخى.

إلا أنه يجب أن يلاحظ أن الحكم على تكامل الأشياء وتحقيق توازنها يعتمد على العقل بخلاف الأفعال فإنه يعتمد على الشرع.

ذلك أن العقل يدرك واقع الأشياء وعناصرها المكونة منها، وبنسبها المحددة. وهذا هو مجال أهل التخصص وهذا ينطبق عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنتم أدرى بشؤون دنياكم».

فالفلاّح والطبيب والمهندس، والميكانيكي كل واحد منهم خبير بمادة عمله وقوانينها. ويراعي تحقيق هذا القانون في عمله.

أما الأفعال فتحديدها يكون من الله تعالى وينطبق عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد». وتنطبق عليه القاعدة الشرعية: «الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي». ذلك أن الحكم على الأفعال بالحسن أو بالقبح يخضع لاعتبار الإنسان لهذا الفعل ولا يأتي من ذات الفعل. فحسب ما يؤمن به المسلم من أفكار يحكم على أفعاله. فإن كان الفعل بحسب أوامر الله ونواهيه فهو حسن وإلا فهو قبيح. وكذلك فإن القاعدة الشرعية تقول: «الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع».

وعلى هذا فالمسلم حينما يريد تحقيق التكامل والتوازن في الأشياء يعتمد على عقله مثله مثل أي إنسان آخر. أما إذا أراد تحقيق ذلك في الأفعال فيجب أن يكون بحسب الحكم الشرعي.

وثمة أمر آخر: إن قانون التكامل والتوازن يأخذ حجم الفعل المطلوب شرعاً ولا يتعداه. وهذا يقتضينا التفصيل التالي:

إن الإسلام كامل، ويقوم بالإسلام كله كلُّ المسلمين أي الأمة الإسلامية.

والأمة الإسلامية فيها الأفراد والجماعات والخليفة.

وكل واحد منهم أناط الشرع به أحكاماً دون غيره.

فالفرد المسلم يقوم بما هو مطلوب منه شرعاً كفرد، والجماعة تقوم بما هو مطلوب منها كجماعة، والخليفة يقوم بما هو مطلوب منه كخليفة.

فإذا قام المسلمون كأفراد بكل ما هو مطلوب منهم، وكذلك الجماعة، وكذلك الخليفة تحققت ندها كلية العمل وشموليته. وأي تقصير أو اقتصار (للفرد أو للجماعة أو للخليفة) على فروض دون أخرى يخرج المقصر عن كلية ما هو مطلوب منه ويوقعه في الإثم.

والإسلام الكامل لا يكتمل وجوده من غير وجود الخليفة، وتعلق وجود كثير من أحكام الدين بوجوده يجعل وجوده واجباً شرعياً، ويجعل العمل لإيجاده واجباً شرعياً، وبالتالي يجعل وجود الجماعة التي تعمل لإيجاده واجباً شرعياً. فتقوم الجماعة بكل ما هو مطلوب منها لإقامة الدين عن طريق إقامة دولة الخلافة. وهذا ما يسمى بالعمل لاستئناف الحياة الإسلامية. فهذه هي الكلية المطلوبة منها شرعياً وليس كل الدين الذي لا يستطيعه وليس منوطاً بها. بل هي ممنوعة شرعاً من القيام بكثير من الأحكام كإقامة الحدود مثلاً. فهي لا تأخذ عمل الخليفة بل تعمل على إيجاده هو ليقوم بالمطلوب منه: «فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته» «… فإن الله سائلهم عما استرعاهم».

وهنا نلفت النظر إلى أن الفرد يؤمن بالإسلام كاملاً، ويدعو له كذلك بالإجمال. ولكنه يتبنى بالتفصيل الذي يلزمه لما هو مطلوب منه شرعاً، ولما هو مطلوب من الجماعة التي يعمل معها. وأي تقصير في أي منها يحاسبه الله عليه. وكذلك الخليفة فإنه يقوم بما هو مطلوب منه شرعاً كفرد، فهو يصلي، ويصوم، ويحج، ويزكي، ويبر والديه، ويمتنع عن الزنا والربا الكذب والغش.. ويقوم كذلك بما هو مطلوب منه شرعاً كخليفة، فهو يسن القوانين، ويعلن الجهاد، ويحمي بيضة المسلمين، ويحكم بما أنزل الله، ويقيم الحدود، وأي تقصير في أي منها يحاسبه الله عليه.

هذا هو الواقع الذي تنزل عليه الأحكام الشرعية، ولا بد من وضوحه عند الجماعة لكي تستطيع أن تفرق بين ما هو مطلوب منها، وبين ما هو ليس مطلوباً. فلا تعتبر بالتالي ما هو مطلوب من الخليفة مطلوباً منها. فهي إذا حددت واقعها تستطيع أن تحدد حجم المطلوب منها. وبالتالي تسأل عنه كله. هذا من ناحية التكامل.

وبعد أن تحدد الجماعة المطلوب منها، فإن هي اقتصرت على جانب من المطلوب دون جانب، أو ركزت على جانب فأعطته أكثر من حجمه على حساب غيره، أو لم تراع جانب الأولويات في عملها. فإنها تفقد التوازن المطلوب. هذا مع التذكير بأن الذي يحدد الأولوية هو الشرع وليس العقل. فالجماعة عملها سياسي، وتقوم على مبدأ تريد أن تجعله مطبقاً على الأمة الإسلامية، وتحتل العقيدة المركز الأول في الدعوة لأنها الأساس الذي يقوم عليه كل فرع والذي تتعلق به كل الأحكام الشرعية. والتركيز على إقامة الدولة يجب أن يأخذ حيزه الواسع لتعلق كثير من الأحكام بها ومن هنا جاءت تسميتها بتاج الفروض.

وعليه فإن كانت الجماعة تسعى لتحقيق تكاملها وتوازنها خارج هذه النظرة فإنها بذلك تكلف نفسها بما لم يكلفها به الله. وستبقى تشكو من النقص والاختلال كما هي تشكو من التعدد، وتتحول إلى جماعة شاكية باكية، ضاعت عن الطريق لأنها أضاعت بوصلة اهتدائها.

فإذا كان من خصائص المنهج الإسلامي أن فيه نظاماً عبادياً، ونظاماً اقتصادياً، أو نظاماً اجتماعياً، ونظاماً سياسياً ونظاما عسكرياً… فما هو تعلق الجماعة بهذه الأنظمة جميعها؟

لقد وجدت الجماعة لإيجاد حكم الله. فإذا قام حكم الله قامت الأنظمة الإسلامية المختلفة.

ففي النظام الاقتصادي هناك أحكام شرعية متعلقة بالأرض، وأحكام متعلقة بالملكيات، وأخرى بالاستصناع، وغيرها بالتجارة الداخلية والخارجية. وكل هذه الأحكام وغيرها أناطها الشارع بالخليفة ويقوم هو بالرعاية المتعلقة بها وليس الجماعة.

وفي النظام السياسي تقوم الدولة على قواعد وأركان حددها الشارع، من خليفة إلى معاونين، إلى ولاة وقضاة، وجهاز إداري ومجلس أمة، وللخليفة صلاحياته وكذلك للمعاونين والولاة، وللجيش مهماته، وللجهاز الإداري مجاله. فما دخل الجماعة في كل هذا؟

حتى الجيوش الإسلامية فإن إعدادها الذي من شأنه أن يحقق الغاية من وجودها وهو نشر الدعوة الإسلامية إلى العالم يقتضي الإعداد على المستوى العالمي وليس على المستوى الحركي الذي يتعلم فيه المسلم كيف يفكك رشاشه أو يستعمله أو كيف يضرب بالقاذف. ومن المعلوم أن هناك سلاحاً فردياً وسلاحاً لا تملكه إلا الدول. وهذا يقتضي أن يكون التدريب على مستوى التخصص العالي (مدفعية، مدرعات، طيران، نووية، فضاء…) وأن تنشأ المختبرات ومصانع الأسلحة والمطارات ومراكز التدريب. وهكذا… فما هو شأن الجماعة بكل هذا. فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يعد ويدرب صحابته لم يكن يفعل ذلك كمسؤول جماعة بل كحاكم دولة. والتأسي به في ذلك يجب أن لا يخرج عن هذه النظرة.

فليس على الجماعة أن تقوم هب برعاية هذه الأنظمة. بل عليها أن توجد الخليفة الذي يقوم هو بدوره بتحقيق هذه الأنظمة لأنها من مسؤوليته. وإذا أهملت الأمة إيجاد الخليفة وحاولت القيام بأعماله تكون قد حرّفت الشرع.

إن على الجماعة أن تتبنى فكرياً الأنظمة التي تريد حكم الناس بها حين يوفقها الله إلى ذلك. فتحدد الجماعة هيكلية النظام الإسلامي وتحدد دستور الدولة، وتعطي صورة إجمالية للناس عن أحكام الإسلام ليروا فيه القدرة على معالجة مشاكل الناس والسير بهم نحو تحقيق عبوديتهم بجعلهم يستظلون بنعمة تطبيق أحكام الشرع الحنيف عليهم.

وأما الجزئية التي ذكرها أصحاب هذا الرأي، فإن كانت جمعيات خيرية أو أخلاقية أو جمعيات تقوم على حكم شرعي واحد كتعاهد القرآن مثلاً فإن هذه الجمعيات لا شيء عليها طالما أن أعضاءها يتجمعون على حكم شرعي أما إذا ادعت هذه الجمعيات أنها بعملها هذا تريد إقامة الدين فهنا نقول لها أنها خرجت عن الطريق الشرعية المرسومة وأصبحت جزئيتها مرفوضة.

أما إذا قامت جماعة، ولم تأخذ عن الخليفة أحكامه، ولا عن الفرد أحكامه، ولم تعتبر نفسها جماعة المسلمين بل هي جماعة من المسلمين حددت هدفها وهو إقامة حكم الله واستئناف الحياة الإسلامية، ومن ثم تبنت كل ما يلزمها في العمل لتحقيق هدفها، فتبنت الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية، وما يتعلق بها من أفكار وأعدت شبابها إعداداً جيداً بالعقيدة التي تبنتها، وتبنت الطريق الذي يوصلها لتحقيق هدفها، وتبنت الدستور الذي ستحكم به الناس، وتبنت الأفكار التي تبين زيف الأفكار الباطلة المطروحة في ساحة المسلمين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وطلبت من الفرد الذي يعمل معها أن يحقق مقوماته الفردية حتى يكون فرداً مسلماً صالحاً: من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق، وصبت عملها لإقامة المجتمع الإسلامي الذي تقوم علاقاته على الإسلام والذي ترعاه دولة الخلافة، وراحت تراقب حركات الحكام وأسيادهم حتى تعرف ما يخطط للمسلمين، وتكشفه لهم، وتتبنى في مقابلة ما يصلح للأمة من الأحكام الشرعية، وتعمل لتسلم الحكم عملياً من هؤلاء الطواغيت الذين لا يرعون إلا ولا ذمة في المسلمين.

هذه الجماعة ثقافتها واسعة، ومجال عملها واسع، وبالتالي فإنها يجب أن تقوم بكل ما هو مطلوب منها وهو كثير، وبالتوازن المطلوب فلا تتحول إلى جمعية رياضية أو أخلاقية أو مؤسسة اقتصادية… بل تحافظ على طرحها السياسي وعملها السياسي. فأفكارها أفكار رعاية شؤون، وتبنٍ لمصالح الأمة.

وعليه فإن طرح الجزئية مرفوض بالشكل المذكور آنفاً. وكذلك فإن طرح الجماعة الواسع بحيث يشمل ما هو مطلوب منها، وما ليس مطلوباً هو أيضاًُ فهم خاطئ ومرفوض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *