العدد 63 -

السنة السادسة، محرم 1413هـ، تموز 1992م

سؤال وجواب

السؤال:هل يَحِلُ شرعاً لحامل الدعوة الإسلامية أن يطلب العون (أي النُّصْرة) في دعوته من كافرٍ أو من فاسق؟

الجواب:

الأمر الطبيعي أن الكافر لا ينصر الإسلام ولا يساعد في نشره. وكذلك الحال عند المسلم الفاسق فإن الأمر الطبيعي أنه لا يهتم بأمر الإسلام ونصرته. والأمر الطبيعي أن يبحث حامل الدعوة الإسلامية عن النصر لدعوته بين المؤمنين بهذه الدعوة المهتمين بها.

لكنّ هناك حالات قد تجعل الكفار أو الفاسق يقدّم عوناً (صغيراً أو كبيراً) للدعوة الإسلامية ولحامليها. قد يكون الدافع هو القرابة، وقد يكون لقاء مبلغ من المال أو منفعة ما، وقد يكون النخوة أو ما شاكل ذلك.

فهل يجوز شرعاً استخدام هذه العوامل للاستعانة بالكافر أو الفاسق؟

إن قدوتنا في حمل الدعوة إلى الإسلام هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رأينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمّه أبو طالب يؤمّن له الحماية بدافع العصبية أو القرابة وكان أبو طالب كافراً.

ولما اجتمعت قريش على مقاطعة النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا صحيفة المقاطعة فإن بني هاشم وبني المطلب (مسلمهم وكافرهم ما عدا أبا لهب) انحازوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا في شعب أبي طالب، وقد استمرت المقاطعة سنتين أو ثلاث سنوات. على (اختلاف في الرواية)، حتى أصابهم الجهد، مسلمهم يدافع عن الدين وكافرهم يدافع عن الأصل (أي العشيرة).

ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب النصرة من ثقيف وردّته بشرِّ رد صَعُبَ عليه أن يعود على مكة بجواز المطعم بن عَديّ (وكان كافراً). وكان الدافع عند المطعم هو النخوة، وكان الجوار عرفاً عند العرب في ذلك الوقت.

وقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الذين ليس لهم حماية من عشائرهم في مكة أن يهاجروا إلى الحبشة فإن فيها ملكاً رحيماً لا يُظلم الناسُ عنده، وهو لجوء سياسي حسب اصطلاح هذه الأيام. ولم يكن النجاشي وقتها قد أسلم بعد.

من هذه الأعمال نفهم أنه يجوز شرعاً لحامل الدعوة الإسلامية أن يطلب الحماية أو العون أو النصرة من الكافر. وإذا جازت من الكافر فهي من الفاسق أولى.

والنصرة نوعان: الأول هو حماية لحامل الدعوة كي يتمكن أن يبلّغ دعوته للناس والأمثلة السابقة تدل على ذلك بوضوح.

والثاني: هو مساعدة حامل الدعوة على الظهور على الناس، أي أخذ السلطة والدولة. والأمثلة السابقة تتضمّن هذا المعنى. ولكن إذا أردنا أمثلة أوضح وأصرح نأخذ الكلام الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني عامر بن صعصعة، في سيرة ابن هشام: «فقال له رجل منهم، يقال له: بَيْحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال: أرأيت، إن نحن بايعناك على أمرك ثم ظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأمر لله يضعه حيث يشاء. قال: أفَتُهدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك».

ولم يكن هذا الكلام من بين عامر بن صعصعة وحدهم بل كان مع جميع القبائل التي كان يطلب النصرة منها كما قال ابن إسحاق: «فكان رسول اللهصلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره كلما اجتمع له الناس».

ومن الطبيعي أنه يطلب منهم أولاً أن يؤمنوا برسالته وثانياً أن ينصروه، فإذا حصلت الثانية دون الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرفضها، بل هو يطلبها كما طلب جوار مطعم بن عدي وغيرها.

قد يقول قائل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسعى للسلطة أو الدولة بل كان يسعى لتبليغ دعوته فقط، ويستدلون على ذلك برفضه صلى الله عليه وسلم الإمارة والسلطان والجاه والمال حيث عرضه عليه أهل مكة أمام عمه أبي طالب.

وهذا القول مردود ولا يقول به ذو علم. فهم عرضوا عليه ذلك مقابل أن يتخلّى عن دعوته وعن تسفيه آلهتهم وديانتهم.

وقد استأجر صلى الله عليه وسلم رجلاً كافراً (عبدالله بن أرقط) ليكون دليلاً على الطريق أثناء هجرته من مكة إلى المدينة، مع أن أمر هجرته كان سراً. وقد جعلت قريش مائة جمل لمن يرشد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان مختفياً في الغر. وهذا يشير إلى أن بعض الكفار يمكن أن يحفظوا السر ويمكن الاعتماد عليهم في بعض الأعمال. وهذا يعود تقديره لمن يقوم بالعمل£

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *