العدد 62 -

السنة السادسة، ذو الحجة 1412هـ، حزيران 1992م

(وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ )

الصرب في يوغوسلافيا يقاتلون المسلمين في جمهورية (البوسنة – الهرسك) ويحتلون أقاليمهم ومدنهم وقراهم بتواطؤ ودعم من روسيا وبعض دول أوروبا الغربية لضمها إلى جمهورية الصرب.

والأرمن بمساعدة الجيش الروسي الاتحادي يجتاحون القرى الإسلامية في أذربيجان ليضموا إقليم ناغورنوقره باخ وإقليم ناختشفان الأذربيجانيين إلى أرمينيا.

وإسرائيل تضرب في جنوب لبنان بشكل مستمر وتقتل وتجرح وتدمّر القرى وتهجّر السكان. وفي الضفة والقطاع تصادر الأرض والبيوت وتقيم المستوطنات وتهجّر وتقتل وتجرح وتعتقل السكان كل يوم وتنسف البيوت.

والمسلمون يُحاصرون ويضايقون في ليبيا والعراق، ويُعتدى عليهم ويُظلمون ويُهجّرون في بورما وبلغاريا وكشمير والفلبين وفي كل مكان.

فماذا فعل حكام المسلمين لحماية هؤلاء المسلمين المعتدى عليهم من أعدائهم الكفار ومساعدهم؟ وماذا فعل المسلمون لنجدة إخوانهم المسلمين هؤلاء؟

إن كون المسلمين مجزئين إلى دويلات بهويات مختلفة لا يعفيهم شرعاً من واجب النجدة بعضهم بعضاً، خاصة إذا استنصروا. قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). والمسلمون يظلون أمة واحدة حتى لو فرقهم الكفار إلى دويلات وكيانات متنافرة. قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله» وقال: «المسلم تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم» وقال: «المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدُ بعضه بعضاً» وقال: «وأن سِلمَ المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله».

والواجب شرعاً هو أن يكون المسلمون في العالم دولة واحدة تحت راية خليفة واحد، وأن تكون لهم هوية واحدة وتابعية واحدة مما ييسر تعاونهم ورعاية شؤونهم، ويساعد على حفظ بلادهم ودمائهم وأعراضهم ويصون كرامتهم ودينهم ويعود عليهم بسعادة الدنيا والآخرة.

ولكن إذا فرّط المسلمون في وقت من الأوقات بوحدتهم ووحدة دولتهم، فإنه مع ذلك لا يحلّ لهم أن يضيفوا إلى هذه المعصية معصية أخرى فيفرّطوا في نجدة بعضهم حين يقعون في الكرب والشدة والبلاء، بل يجب عليهم أن يبادروا بالنصرة والنجدة بما يرفع الاعتداء ويزيل الظلم دون تأخير.

لو كان عند حكام المسلمين نخوة إسلامية ولم يكونوا عملاء لدول الكفر لكان بإمكانهم أن يعملوا الكثير لنصرة إخوانهم في الدين.

كان بإمكانهم أن يحذّروا مسلمي أذربيجان سلفاً مما تدبّره أرمينيا وتؤيده روسيا في شأن سلخ إقليم ناغورنوقره باخ وإقليم ناختشفان عن أذربيجان وإلحاقهما بأرمينيا. وكان بإمكانهم أن يحذروا مسلمي يوغوسلافيا سلفاً مما تدبره وتؤيده روسيا في شأن الاستيلاء على ارض المسلمين في جمهورية (البوسنة – الهرسك).

وكان بإمكان حكام المسلمين أن يرسلوا سلفاً. وما زال، بطريقة سرّية أو بأي أسلوب مناسب، أسلحة وخبراء تدريب ومتطوعين لدعم قوة المسلمين كي لا يقعوا لقمة سهلة في فم الطامعين.

وكان وما زال بإمكان حكام المسلمين أن يقاطعوا الدولة التي تعتدي على المسلمين، وبإمكانهم أن يقاطعوا الدول التي تتعاطف مع المعتدي، وبإمكانهم السعي دولياً لجعل كثير من الدول تقاطع المعتدي وتضغط عليه لردعه عن عدوانه.

وبإمكانهم أن يستخدموا وسائل إعلامهم لدعم المسلمين ودعم حقهم وكشف المعتدين وكشف زيفهم، وتحريض المسلمين ليهبّوا لنجدة إخوانهم وليشدّ بعضهم أزر بعض.

وبإمكانهم أن يمدُّوهم بالمال ليشتروا ما يحتاجون إليه من سلاح وخبرات وأدوات صمود ومواد تموينية.

وهذه تركيا وإيران على حدود أرمينيا وأذربيجان فتستطيعان دعم أذربيجان وردع أرمينيا مباشرة عن عدوانها دون أن تخافا من التحذيرات الروسية ما دام العالم كله يقرّ أن الأرمن معتدون.

وهذه جمهورية البوسنة – الهرسك شواطئها مفتوحة على البحر الادرياتي ويمكن دعمها بالسلاح والخبراء والمتطوعين لردّ عدوان الصرب عنها ومنعهم من إكمال اجتياحها، خاصة وأن العالم كله الآن يقرّ بأن الصرب معتدون، ولكن العالم لا يفعل شيئاً جدياً لردعهم عن عدوانهم.

ولا يجوز أن يكون ما يسمى بالنظام العالمي الجديد مانعاً للمسلمين من نصرة إخوانهم المسلمين في البوسنة -الهرسك وفي أذربيجان وغيرهما من الأماكن التي يُعتدى فيها عليهم. فالصرب يقاتلون المسلمين في البوسنة متحدّين للنظام العالمي، والأرمن يقاتلون المسلمين في أذربيجان متحدّين للنظام العالمي الجديد، واليهود في فلسطين يعتدون على أهلها ويقتلونهم ويعتقلونهم ويدمّرون بيوتهم ويستولون على أراضيهم ومساكنهم ويطردونهم منها ليقيموا عليها المستوطنات، ويقومون بالاعتداء على جنوب لبنان: على أرضه وسمائه ومياهه فيقتلون ويدمّرون ويهجّرون متحدّين في كل ذلك النظام العالمي الجديد وحقوق الإنسان. ولهذا فلا يجوز أن يكون ما يسمى بالنظام العالمي الجديد مانعاً للمسلمين من القيام بواجب فرضه الله عليهم.

لماذا يُكتفى في جنوب لبنان بوضع المقاومة الشعبية وحدها في مواجهة دولة اليهود، ما وظيفة الجيوش إذا لم تكن لرد العدوان وطرد المعتدين، هل هي للزينة والعرض العسكري في يوم الاستقلال (المزيف)؟ أو هي لقمع الشعب وإسكاته؟ والواقع أن الجيوش العربية موضوعة على حدود فلسطين ليس لحماية البلاد العربية من اليهود بل لحماية اليهود من أي عمل جهادي ينطلق من البلاد العربية.

وإلا فلماذا رمت هذه الجيوش العربية سيف القتال ضد اليهود، ولماذا لا تنطلق هذه الجيوش لقتال اليهود وهدم الكيان الصهيوني واستئصال شأفته وإزالته كل أثرٍ له من بلاد المسلمين؟

ولماذا لا تفتح الحدود لمقاومة الغاصب اليهودي من جميع الجبهات، ولماذا الاقتصار على الجبهة من لبنان فقط؟

أيها المسلمون:

نحن نعلم أن هؤلاء الحكام لن يعملوا شيئاً ضد إسرائيل – وهم الذين يتهافتون للتفاوض المذل معها – ولن يعملوا شيئاً لنصرة المسلمين في يوغوسلافيا أو أذربيجان (إلا بمقدار ما تسمح به أميركا) ليس لأنهم غير قادرين بل لأنهم عملاء مأمورون.

وما دام هؤلاء الحكام يبعدون شريعة الإسلام ويحكمون بأنظمة الكفر إرضاء للكفار، ومحاربة لله ولرسوله ولدينه. وما داموا يمنعون وحدة بلاد المسلمين ويحافظون على التجزئة والتمزيق، وما داموا يسخّرون ثروات البلاد لشهواتهم ولمصالح أسيادهم المستعمرين الكفار، وما داموا عملاء ينفذون ما يرسم لهم من سياسات ومخططا، وما داموا قد فقدوا النخوة الإسلامية ونخوة الرجال، فلا ينجدون مستصرخ ولا يلبّون مستغيث، فلماذا يبقون متربعين على رقاب المسلمين؟!

أيها المسلمون:

إنكم بسكوتكم على هؤلاء الحكام تكونون شركاء لهم في الإثم. والإسلام يوجب عليكم أن تضغطوا عليهم لترغموهم على نصرة المسلمين في البوسنة وفي أذربيجان وفي فلسطين ولبنان، وفي أي مكان يحتاج فيه المسلمون إلى حماية ومساعدة ونصرة.

كما أن الإسلام يوجب عليكم العمل على تغييرهم، والتخلص منهم، ومن أنظمة الكفر وقوانينه التي يطبقونها عليكم، وأن تعملوا لتُقيموا عليكم بدلاً منهم حاكماً واحداً تبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله حتى يحكم فيكم بما أنزل الله.

23 من ذي القعدة 1412هـ

23/05/1992م.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *