العدد 96 - 97 -

السنة الثامنة – ذو القعدة وذو الحجة 1415هـ -نيسان وأيار 1995م

أميركا والدولار

بقلم: م. حمادي

خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية بأقوى اقتصاد في العالم وتراكم لديهم معظم احتياطي الذهب العالمي، واستغلت الولايات المتحدة هذا الوضع القوي في صياغة نظام بريون وودز وفق مصالحها حيث جعلت الدولار بجانب الذهب أساساً لتحديد قيمة عملات الدول الأخرى، وقد التزمت الولايات المتحدة بأن تحول إلى ذهب وعند الطلب أي دولار يقدم إلى البنك الاحتياطي الفيدرالي بسعر ثابت قدره 35 دولاراً للأوقية، مما أدى إلى أن أصبح وضع الدولار مثل وضع الذهب، بل وأفضل حيث أن الودائع الدولارية يمكن التحكم في سعر فائدتها أكثر من الذهب، كما أن الدولار أكثر ملاءمة من الذهب كوسيط في التبادل للعملات الدولية. كل ذلك قاد إلى إقبال الجميع على الدولار حتى فترة الخمسينات معروفة كفترة نقص الدولار. إلا أنه منذ عام 1958 أصبحت عجوزات ميزان المدفوعات للولايات المتحدة كبيرة، وانخفاض مخزون الذهب مستمر حيث أصبحت الاحتياطات الأجنبية للدولار مساوية لاحتياطات الذهب، وبات واضحاً للجميع أن أميركا لن تكون قادرة على الوفاء بالتزامها مبادلة الذهب مقابل الدولار. وقامت أميركا بعدة إجراءات لتعديل ميزان مدفوعاتها وإيجاد الثقة بالدولار، إلا أن عجوزات ميزان المدفوعات سارت دائماً في اتجاه تصاعدي مما أوجد عام 1970 شعوراً قوياً بأن الولايات المتحدة قادمة على خفض قيمة الدولار فقاد ذلك إلى هروب جماعي لرأس المال السائل من الولايات المتحدة وأدى بالبنوك المركزية لبلجيكا وهولندا وسويسرا إلى طلب تحويل الدولار إلى ذهب فكان الرد الأميركي الذي قضى على نظام بريتون وودز في 15 أغسطس 1971 حيث أوقفت أميركا تحويل الدولار إلى ذهب. مما وضع نهاية لآخر نظام صرف قائم على قاعدة الذهب، وأصبح معيار الدولار الخالص هو الأساس لتبادل العملات الدولية.

والمكسب الرئيس الذي حصلت عليه أميركا نتيجة لحقيقة أن الدولار استخدم كأصل احتياطي دولي كالذهب يكمن في قدرتها في الحصول على سلع وخدمات وأصول إنتاجية من العالم الخارجي الذي يجعل الدولار عملة احتياطية له مقابل أوراق مزخرفة تسمى الدولار لا يكلف إصدارها الولايات المتحدة شيئاً ذا بال، وذلك يعني أيضاً تمويل عجوزاتها باستخدام عملتها أما لو واجهت الولايات المتحدة المشكلة مثل باقي الأقطار التي تمول عجوزاتها فقط من احتياطيات الذهب لديها، ومن العملات الأخرى القابلة للتحويل المتراكمة خلال الفوائض، فربما تكون قد استنفذت احتياطياتها من الذهب قبل منتصف الستينات، إذ في نهاية عام 1970 كان في حوزة الأجانب أكثر من 52 بليون دولار مقابل 11 بليون دولار احتياطيات الذهب للولايات المتحدة.

وبانتهاء نظام الذهب أصبحت أسعار الصرف تتذبذب أحياناً بعنف، وأصبح تدخل السلطات النقدية في أسواق الصرف الأجنبي لمنع التقلبات الواسعة في أسعار صرفها أمراً شبه دائمي، وفتح نظام سعر الصرف الذي لا يستند إلى الذهب الباب واسعاً لممارسات تعتمد المصلحة النقدية الوطنية البحتة، وأصبح النقد وسيلة للصراع الاقتصادي حتى أصبح من السياسات المعروفة ما يطلق عليه اسم سياسة إفقار الجار.

واليوم يواجه الدولار انخفاضاً كبيراً في قيمته مقابل العملات الرئيسية، وعلى وجد التحديد مقابل الين الياباني والمارك الأجنبي الألماني، مما أحدث اضطراباً كبيراً في الأسواق المالية لم تسلم من نتائجه العملات الأخرى كالليرة الايطالية والفرنك الفرنسي وإنه إن كانت الأزمات النقدية لتقلبات سعر الصرف في ظل نظام لا يستند إلى قاعدة الذهب أمراً طبيعياً إلا أنه مع كل أزمة لا بد أن توجد بعض الأسباب المباشرة للتدهور في أسعار عملة دولة ما أو حدوث اضطراب شامل في السوق الدولية. والمتتبع للاقتصاد الأميركي يجد أنه منذ عام 1992م يشهد تحسناً ملحوظاً، وقد استطاعت إدارة كلينتون أن تحقق في عام 1994 نمواً في الدخل القومي بمقدار 4% وهذا المعدل لم يحدث منذ أوساط الثمانينات، إلا أنه مع مطلع عام 1995 بدت في الأفق علامات غير مرضية كالنزاع بين الكونجرس والرئيس حول ا لضرائب والميزانية، بوادر أزمة المكسيك، انخفاض سعر الدولار بشكل دائم منذ بداية العام، وساد الأوساط السياسية في “الوول ستريت” حديث عن كساد اقتصادي ينتظر في أميركا في عام 1996، حتى وصل الأمر أن توقع خبراء الاقتصاد لمؤسسة J.P Morgan بأن حالة من الركود ستصيب الاقتصاد الأميركي برمته.

وفي ظل هذه الأجواء أقدمت أميركا على المساهمة في  المشروع الدولي (أميركي) لعلاج أزمة المكسيك والبالغ حجمه 50 بليون دولار منها 20 بليون دولار تكفلت بها الولايات المتحدة بمفردها.

إضافة إلى ما سبق ذكره من أجواء غير مريحة للاقتصاد الأميركي كان واقع مشروع المكسيك دافعاً إلى هجرة رأس المال من الدولار في اتجاه المارك إيماناً من المستثمرين الأميركيين والأجانب بأن معدل الفائدة (الربا) سينخفض في أميركا، وكذلك فإن المستثمرين عمدوا لتنويع ممتلكاتهم من الأسهم والسندات والأوراق التجارية والأوراق المالية نظراً لاعتقادهم بأن الدولار سيكون ضحية كونه العملة الاحتياطية.

هذه هي الأسباب المباشرة لأزمة الدولار الحالية والتي تمثلت في انخفاضه انخفاضاً حاداً أمام الين الياباني والمارك الألماني. ويبرز في هذا المقام السؤال حول ما إذا كانت إدارة كلينتون تقدر هذه النتائج وعلى علم مسبق بتطور وضع عملتها بل وبرد فعل الأسواق المالية على مشروع المكسيك؟

انه لمن الطبيعي أن يكون خبراء الاحتياط الفيدرالي إلى [البنك المركزي الأميركي] إلى إدراك تام لمثل هذا التطور، بل إن رد الفعل الأميركي حتى الآن يوضح بأن قضية خفض الدولار أمر مرغوب فيه بل وخطوة تم التفكير فيها جيداً.

ولبيان ذلك وإظهار الغاية التي من أجلها تترك أميركا قيمة الدولار تتدهور بشك لدائم أمام الين الياباني وإلى حد كبير أما المارك الألماني لا بد لنا من استعراض بعض أفكار الاقتصاد الرأسمالي المتعلقة بالنقد، ثم ذكر بعض الحقائق التي تتعلق بعلاقات أميركا في التجارة الخارجية.

1- سعر الصرف الأجنبي:

عندما يقوم مواطن في مصر بشراء كتاب، فإن قيمته تقدر بالعملة المحلية والتي هي الجنيه، فيقال مثلاً سعره 35 جنيهاً، ولكن عندما يكون هذا الكتاب غير متوفر السوق المحلية يتم استيراده من دولة خارجية، وعندنا يلزم الدفع بعملة الدولة المصدرة (الدولار مثلاً)، وهذا يمكن أن يتم في حالة مبادلة العملة الأجنبية (الدولار) مقابل العملة الوطنية (الجنيه). هذا الواقع المبسط ينطبق على مجمل التجارة الدولية حيث أنها تتضمن مبادلة العملة الأجنبية مقابل العملة الوطنية، وهذا ما قاد إلى نشوء ما يسمى بسوق الصرف الأجنبية، وهي عبارة عن إطار تنظيمي يقوم فيه الأفراد والشركات والبنوك بشراء وبيع العملات الأجنبية أو الصرف الأجنبي. وتتكون سوق الصرف الأجنبية لأي عملة (الدولار مثلاً) من جميع المواقع (نيويورك – زيورخ – فرانكفورت- طوكيو …) التي تباع وتشتري فيها تلك العملة مقابل عملات أجنبية أخرى. أما سعر الوحدة الواحدة من العملة الأجنبية بدلالة العملة المحلية فيطلق عليه اسم سعر الصرف الأجنبي.

وواقع العمل الرئيس لسوق الصرف هو تحويل قوة شرائية من قطر وعملة إلى قطر آخر وعملة أخرى. ولقد كان هناك معياراً طبيعياً لتقييم العملات بتعريف وحدة النقد الرسمية بها في شكل وزن معين تعييناً دقيقاً من الذهب وكذلك درجة محددة من درجات نقائه. وقد تميزت أسعار الصرف في ظل هذا المعيار بالثبات ولم تتقلب أسعار صرف العملات على مدى سنوات عديدة إلا في حدود ضئيلة للغاية. وارتبط مقدار النقد (كمية النقود) المُصدرة من قبل الدولة بما توفر لديها من كميات ذهب.

إلا أنه بانتهاء آخر صورة من صور نظام الصرف الثابت، والذي عرف في ظل معيار الذهب في 15 أغسطس 1970م، أصبح نظام حرية الصرف أو نظام ا لرقابة السياسية على الصرف هو النظام السائد الذي تمليه المصلحة القومية البحتة وقوة الدولة السياسية قبل الاقتصادية، ولم يعد النقد معبراً بحق عن الوضع الاقتصادي، ولا حتى كما ادعى جوستاف كاسل في نظرية تعادل القوة الشرائية، والقائلة بأن النقود إنما تطلب نظراً لما تمثله من قوة شرائية، أي بسبب ما تتيحه لمن يمتلكها من قدرة على شراء مختلف السلع والخدمات في السوق، ونظرة واضحة على التقلبات اليومية في أسعار العملات توضح خطأ ذلك. فلم يعد هناك مقياس موضوعي لأسعار الصرف، وأصبح العرض والطلب أساساً وإن لم يكن الوحيد حيث تتدخل الدولة عادة في أسعار عملاتها وكذلك المضاربون جعلوا من أسواق الصرف أندية للقمار.

2- ميزان المدفوعات وتعديله:

ميزان المدفوعات لقطر ما هو سجل منتظم لجميع معاملاته الاقتصادية مع العالم الخارجي في سنة معينة، وتدخل كل معاملة في ميزان المدفوعات كدائنة أو مدينة. والمعاملة الدائنة هي تلك التي تؤدي إلى الحصول على مدفوعات من الأجانب، والمعاملة المدينة هي تلك التي تؤدي إلى مدفوعات للأجانب. وإذا زاد مجموع مدفوعات الأجانب لقطر ما على مجموع مدفوعات قطر ما لهم، فإن ذلك القطر يكون لديه عجز، وإذا حدث العكس يكون هناك فائضاً لدى هذا القطر. ولا بد في حالة عدم تساوي المدفوعات من الطرفين إلى العمل على تسوية الفرق وهو ما يسمى بتعديل ميزان المدفوعات.

كان التعديل للعجز في ميزان المدفوعات لقطر ما في ظل معيار الذهب يتم بشكل طبيعي حيث أن العجز في ميزان المدفوعات يؤدي إلى تدفق خارجي للذهب وانخفاض حاد في عرض النقود في القطر يؤدي إلى تخفيض في المستوى العام للأسعار للقطر ذي العجز، مع باق القطر عند التوظيف الكامل (عدم وجود بطالة) وهذا بدوره يحفز صادرات القطر ذي العجز ويؤدي إلى تخفيض في وارداته، ويحدث العكس تماماً في القطر ذي الفائض. وهذا بدوره يكون تعبيراً حقيقياً عن العلاقات الإنتاجية وكذلك التجارة الدولية، ولم يكن لمجرد اتخاذ قرار سياسة نقدية معينة تؤدي إلى تغيرات في أسعار العملة أو أسعار السلع والخدمات. وبانتهاء نظام الذهب فتح الباب لتعديل عجز ميزان المدفوعات بطرق أخرى مثل فرض قيود على الواردات وتدفقات رأس المال، ودفع إعانات ومحفزات لصادرات الدولة صاحبة العجز وكذلك تشجيع التدفقات الداخلية لرأس المال. أو اتخاذ سعر الصرف كوسيلة لتعديل عجز ميزان المدفوعات حيث أن تخفيض سعر الصرف للعملة (الدولار مثلاً) يؤدي إلى حصول الأجانب (اليابانيين والألمان) على مقدار أكبر من عملة الدولة المخفضة مقابل نفس السعر الذي كانوا يدفعونه سابقاً مما يعني عملياً انخفاض سعر السلع في الدولة المخفضة لعملتها بالنسبة لهؤلاء الأجانب، مما يؤدي إلى زيادة في صادرات الدولة المخفضة (أميركا) وكذلك فإن المقيمين في الدولة سيضطرون لدفع مقدار أكبر من عملتهم في سبيل الحصول على مقدار معين من عملات الدول الأخرى مما يترتب عليه أن ترتفع أسعار هذه الدول بالنسبة لهم مما يؤدي إلى نقص وارداتهم حيث أنهم إما أن يعجزوا عن شراء السلع من الخارج أو يفضلوا السلع المنتجة في بلدهم. وبالتالي يعود التوازن بين الصادرات والواردات، أي يعدل العجز في ميزان المدفوعات.

3- النظرية الكمية للنقود:

تقرر النظرية الكمية للنقود أن مستوى الأسعار في قطر ما يتغير مباشرة تبعاً لعرضه من النقود، وتستجيب الصادرات والواردات فوراً لتغيرات الأسعار.

وفي النظام الرأسمالي يعتبر النقد والتحكم في كمية المطروح منه للتداول إحدى الوسائل التي تعالج بها العديد من المشاكل الاقتصادية الرئيسة كالتضخم والبطالة والركود الاقتصادي، كما وأنه كما أسلفنا يعتبر أداة لتعديل ميزان المدفوعات ولذا فإن ما يعرف بالسياسة النقدية -وهي تمثل مجموع الإجراءات التي تتخذ لتنظيم عملية النقد اللازمة في الدولة مع مراعاة الأهداف الاقتصادية العامة للدولة وفي مقدمتها ثبات مستوى الأسعار- وهي عادة تكون مهمة البنك المركزي للدولة –هو أمر هام وأساسي يؤثر تأثيراً كبيراً في اقتصاديات الدول الرأسمالية.

حقائق عن الوضع الاقتصادي الأميركي:

1- لم تستطع الولايات المتحدة على مدى الثلاثين عاماً الماضية معالجة ميزان مدفوعاتها الخارجي، بل وحتى داخلياً من المنتظر أن يبلغ عجز الميزانية لعام 1996 قرابة 200 مليار دولار أي ما يعادل تقريباً 2,7 من مجموع الدخل القومي.

2- الولايات المتحدة وصلت إلى مرحلة تحتم عليها إجراء إصلاحات اقتصادية داخلية على نطاق واسع وهو ما بدأت به بالفعل منذ مجئ كلينتون وهذا يقتضي اتخاذ سياسة نقدية تضع حالة الاقتصاد القومي أساساً لها، وعلى رأس أولوياتها الحفاظ على مستوى ثابت للأسعار أي منع التضخم أو حفظه في أدنى مستوى ممكن له. وبالطبع لكون الدولار يلعب دور العملة الاحتياطية للعالم فإن قيوداً كبيرة على السياسة النقدية الأميركية- مثلاً تحديد كمية النقود، بسط الائتمان أو قبضه، أسعار الفائدة- تؤثر تأثيراً مباشراً في حركات رؤوس الأموال الدولية السائلة. كذلك فإن ميزة تخفيض العملة الوطنية التي تستخدم لإعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات يعتبر بالنسبة للدولار باعتباره عملة الاحتياطي الدولي أمراً عسيراً حيث أن الدولار ما زال أكبر عملة احتياطية دولية حيث أن 60% من الاحتياطيات العالمية عبارة عن دولارات أميركية، ولذا فإن خفض السعر بنسبة كبيرة وبصفة متكررة لا يمكن قبوله من دول العالم حيث أن كل خفض في قيمة الدولار يؤدي إلى خفض قيمة احتياطي الدول الأخرى فعلى سبيل المثال عندما ينخفض الدولار بنسبة 10% من قيمته مقابل الين الياباني تنخفض قيمة الاحتياطي الياباني من الدولارات بنفس القيمة، وعندما تريد أن تشتري دولة مثل السعودية أو مصر سلعة من اليابان أو ألمانية فإنها تمولها من احتياطيها من الدولارات، وعندها عليها أن تدفع قدراً أكبر من الدولارات عما كانت تدفعه سابقاً وهو يوازي نسبة خفض الدولار مقابل المارك والين، ولذا فإنه يتحتم على الولايات المتحدة عندما تقرر سياستها النقدية أن تراعي هذا الواقع.

وبناء سياسة نقدية سليمة على أساس الاقتصاد القومي وفي نفس الوقت أيضا على أساس التجارة الدولية هو أمر شبه مستحيل في ظل نظام لا يعتمد على الذهب كمعيار للنقد، خاصة وأن الولايات المتحدة لم تعد وحدها كما في الخمسينيات القوة الاقتصادية المتفردة في العالم.

ولذا فإن أميركا وجدت نفسها الآن في مرحلة عليها أن تقرر فيها بين الاحتفاظ بميزات كون عملتها هي عملة الاحتياط الدولي وبين القيود التي يفرضها عليها هذا الواقع. والذي يبدو أن أميركا وجدت طريقاً آخر ودوراً جديداً لعملتها يمتعها بميزات كون الدولار احتياطياً دولياً، ويطلق يديها في إتباع السياسة النقدية الملائمة لاقتصادها القومي. وهذا الذي يفسر موقف أميركا الغير قلق من تطور سعر الدولار بل وإنها لم تقم حتى الآن بتدخل ذي شأن لوقف تدهوره، وقد رفضت كل النداءات التي طالبتها بزيادة معدل الربا.

وأما الدور الجديد للدولار فهو كما يترجح لدي:

1- تقليص دور الدولار باعتباره عملة الاحتياطي الدولي إلى الحد الذي يرفع عنها قيود حرية تبني سياسة نقدية تلاءم اقتصادها القومي.

2- إنشاء كتلة نقدية دولارية واسعة النطاق أي جعل عدد من الدول ذات العلاقات التجارية الواسعة تتخذ من الدولار أساساً لعملتها بشكل يجعل الارتباط دائمياً وحتمياً- فذلك مثل الكتلة النقدية القائمة بين ألمانيا والنمسا وهولندا حيث أن المارك هو الأساس للعملتين النمساوية والهولندية- تتمتع فيها أميركا بالتالي بميزات تفوق ميزات عملة الاحتياطي الدولي وترفع عنها أي قيد تقريباً.

وهذا واقع موجود يمكن لمسه خاصة في كندا والمكسيك اللتين يمثل حجم تجارة الولايات المتحدة معهما 30% من حجم تجارتها الخارجية، وقد حدث بالفعل أن زاد سعر الدولار ليدهما في نفس الفترة التي يتدهور سعره مقابل المارك والين.

3- استخدام البنك الدولي والمنظمات التي تتحكم فيها أميركا كالأوبك في جعل الدولار أساساً لاحتياطي عدد كبير من الدول التي تأمن أميركا جانبها سواء لكونها دول تدور في فلكها أو ضعيفة وليس لها وزن سياسي. وبالتالي تحقق أميركا ميزات كون الدولار عملة الاحتياطي الدولي، وتتخلص في كل قيد في اختيار السياسة النقدية الملائمة لها وكذلك في استخدام خفض الدولار لموازنة ميزان مدفوعاتها وهو ما تقوم به الآن تجاه اليابان من حيث أن الانخفاض الحاد في سعر الدولار مقابل الين ما زال مستمراً دون تدخل لوقفه. هذه هي أزمة الدولار وحقيقتها أما ما هو التأثير على بلاد المسلمين فالواقع أن الغالبية من الدويلات القائمة في العالم الإسلامي مرتبطة بالدولار، إما عن طريق اتفاقيات مباشرة مثل تثبيت سعر الدولار مقابل الريال السعودي 1 إلى 3.75 بمحض اتفاقية ثنائية، أو عن طريق البنك الدولي مثل ربط الجنيه المصري بالدولار، أو عن طريق عائدات المواد الخام والصادرات التي أساسها الدولار كالبترول في منظمة الأوبك.

وعملياً يعني ذلك أن عملات الدويلات القائمة في العالم الإسلامي تتأثر سلبياً بانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الأوروبية أو الين الياباني، فكل تدهور يصيب الدولار بالأسواق العالمية ينعكس على شكل زيادة تكلفة الواردات لهذه الدويلات من هذه الدول أي اليابان وأوروبا بالإضافة إلى تناقص القيمة الفعلية لحصيلة الصادرات والتحويلات والمدفوعة بالدولار، وهو يعني ضياع جهودهم وهدر أموالهم.

فهل آن للمسلمين أن يعودوا إلى نظام الذهب والفضة الذي فرضه الله عليهم، وحدد نقدهم به وربط العديد من الأحكام به، فيفوزا بطاعة الله والاستجابة لأمره وثوابه في الآخرة، ويحفظوا ثرواتهم وجهودهم في الدنيا؟

[[[النقد في الإسلام هو الذهب والفضة، لأن جميع الأحكام التي لها ارتباط بالنقود، ربطت بالذهب والفضة باعتبارهما ثمناً لجميع السلع والجهود، ونقداً للتداول]]].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *