العدد 96 - 97 -

السنة الثامنة – ذو القعدة وذو الحجة 1415هـ -نيسان وأيار 1995م

افتتاحية العدد: متى يحج المسلمون مع أمير المؤمنين؟

عما قريب يطل علينا يوم الحج الأكبر حيث يقف حجاج بيت الله الحرام على عرفات الله ملبين داعين الله طالبين منه الرحمة والمغفرة، وقد قدموا إليها من جميع بقاع الأرض ملبين النداء مصداقاً لقوله تعالى إخباراً منه لأبي الأنبياء ابراهيم عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ).

إن الكعبة المشرفة – هي أول بيت وضع للناس، وقد جعله الله مثابة للناس وأمناً، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً)، وقد عظم الله البيت الحرام وحرم دخوله على غير المسلمين وحرم على غير المسلمين سكنى البلاد التي تحويه أي جزيرة العرب.

وقد جعل الله حجة فرضاً وركناً من أركان الاسلام (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وقبل ذلك جعله قبلة للناس في صلاتهم (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ)، وبذلك تعلق بالبيت من أركان الاسلام عبادتان، وقد أعد الله للحاج الذي يذهب امتثالاً لأمره تائباً عن ذنبه، قد ترك المال والولد ملبياً النداء، ولم يرفث ولم يفسق، أعد الله له مغفرة واسعة وثواباً وجنة عرضها السموات الأرض أعدت للمتقين.

قال صلى الله عليه وآله وسلم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه» أي مطهراً من الذنوب والمعاصي. وقال صلى الله عليه وسلم: «الحج يجب ما قبله» وذلك إذا كان خ الصاً لوجهه تعالى، بعيداً عن مطامع الدنيا، بعيداً عن السمعة والرياء.

وللأهمية البالغة التي جعلها الله للحج فقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة هذا الفرض، فذهب بنفسه لإمرة الحج في حجة الوداع، وأرسل أبا بكر أميراً في السنة التاسعة عندما تعذر عليه صلى الله عليه وسلم بنفسه وذلك لحضور الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، معلنين إسلام قبائل العرب، فأرسل أبا بكر أميراً وأرسل علياً رضي الله عنه يقرأ على الكفار سورة التوبة نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد سار الخلفاء من بعده على ذلك أيام الخلفاء الراشدين وبني أمية وبني العباس وآل عثمان، فكان إما أن يذهب الخليفة أو يعين أمراً للحج. وقد أفرد الماوردي رحمه الله باباً سماه باب الولاياة على الحج، فقال رحمه الله [الولاية على الحج ضربان: أحدهما أن تكون على تسيير الحجيج، والثانية على إقامة الحج].

ولذلك فالأمر أن يكون للمسلمين إمام يحرسهم وينوب عنهم في تطبيق أحكام الشرع، ويؤمهم في صلاتهم وحجهم أو يعين غيره ليقوم بذلك.

 واليوم وقد عمت أحكام الفر ديار المسلمين وحل مكان أمير المؤمنين إمعات متسلطون نصبهم الكافر نيابة عنه على رقاب المسلمين فأهلكوا الحرث والنسل وضيعو الأمة وأوردوها موارد الهلاك فخانوا الله ورسوله والمؤمنين، وجب علينا ونحن نعيش هذه الأيام المباركة أن نعاهد الله على ربى جبل الرحمة وفي كل بقعة من الأرض المقدسة وبل وأينما وجد مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أن نقلع عن السكوت على الباطل وتجاهل الحق، ووجب علينا أن نتوب إلى الله من الركون إلى الذين ظلموا، ووجب علينا وآن لنا أن نبادر إلى العمل الجاد والدؤوب لاسترجاع السيادة لشرع الله في ديارنا فنجعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المصدرين الوحيدين لكل تشريع وقانون وحكم، ووجب علينا وآن لنا أن نضحي بالأرواح والأموال والأولاد في سبيل استرجاع سلطان الأمة من يد المتسلطين حتى يسنى لها اختيار خليفة واحد يجمع شملها ويحمي بيضتها فيصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الإمام جنة يقال من ورائه ويتقى به».

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل من حجاج بيته صالح أعمالهم ويجعل حجهم حجاً مبروراً وذنبهم ذنباً مغفوراً، ويلهم الأمة الرشاد والثبات وحسن التوكل عليه والاستجابة لأمره، ويمدنا بعون منه ورحمة حتى تنهض تلك الأمة الكريمة من كبوتها وتعود خير أمة أخرجت للناس.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل من حجاج بيته صالح أعمالهم ويجعل حجهم حجاً مبروراً وذنبهم ذنباً مغفورا، ويلهم الأمة الرشاد والثبات وحسن التوكل عليه والاستجابة لأمره، ويمدنا بعون منه ورحمة حتى تنهض تلك الأمة الكريمة من كبوتها وتعود خير أمة أخرجت للناس.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *