العدد 108 -

السنة العاشرة – المحرم 1417هـ – أيار 1996م

قضايا سياسية: الوحدة العربية خرافة لم تكن ولن تكون

الوحدة العربية، لطالما ردد حكامنا وأبواقهم على اختلاف أذواقهم وانتماءاتهم هذه العبارة طوال سبعة عقود من الزمن ولم يتوصلوا حتى الآن إلى صياغة واضحة لمعالم تلك الوحدة رغم عشرات مؤتمرات القمة، فهل ينقصهم من يزين لهم تلك الوحدة في كتاب ولو صغير مثلا ويقدمها لهم جاهزة على طبق من ذهب، خاصة وأن قصورهم تعج بعشرات بل بمئات من المفكرين والمثقفين ممن هم رهن الإشارة.

في القديم توصل ملك التتار جنكيز خان إلى دستور يحكم به بلاده وشعبه سماه (الياسق) ومشت أمورهم بناء على ما جاء فيه من بنود وأحكام وصاروا أمة واحدة لها مبادئ وأهداف سعوا لتحقيقها فزحفوا بجيوشهم حتى أصابوا قلب الأمة الإسلامية فاستولوا على بغداد وبلاد الشام. واليوم يعجز حوالي أربعة وعشرين حاكما عن وضع ميثاق أو دستور لما ينادون به من دعاوى ربما تلذ لها أسماع السوقة والعامة.

ترى ما السبب؟ أليس في الأمة مقومات تلك الوحدة كما يدرس طلبة المدارس، وربما الجامعات في مناهجهم من وجود تلك المقومات من مثل اللغة الواحدة والدين والتاريخ المشترك؟ أليس في الأمة قابلية للانضواء تحت لواء تلك الوحدة؟ ألم يناد بها الشعراء ردحا من الزمن؟ قال أحدهم:

في طريق الشمس عودي وأعيدي                       عزة الشرق على وجه الوجود

وقال آخر:

بلاد العرب أوطاني                        من الشام لبغداد              و…الخ

ولكن ما زالت البلاد متفرقة والأمة ممزقة. إن هذا أمر يثير العجب وحيرة تبعث الشك وعبرة لابد أن يعتبر بها من لا يقبل لعقله وتفكيره أن يدور في حلقة مفرغة يعود منها من حيث بدأ دون أن يصل إلى شيء له معنى متصور. إن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من تفسير واحد لذلك الإخفاق كي نضع الكي على الجرح والنقاط على الحروف مباشرة. نقول: إن تلك الوحدة المزعومة لا أصل لها ولا فصل وليس لها معان وحقائق ثابتة أو حتى ممكنة الحصول، بل إنها خالية من أي فكر مبدئي صحيح أو غير صحيح. ويكفيها صدقا أنه لم ترسم حتى الآن لها صورة واضحة ممن ينادي بها. إنها ثوب خرق لم يستر عورة صاحبه، ولا حتى تحت شعار القومية العربية الواحدة فكيف سيركب هذا الثوب على أمة خلعته ونبذته مدة أربعة عشر قرنا من الزمن وأبدلها رب العزة بما هو خير – بثوب الإسلام – أنها محاولة صعبة بل ليس لها قانون ينفذها معادلة تلك الوحدة رغم وجود ما يسمى بالجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي فكلها مؤسسات صورية لا ترقى إلى العمل مطلقا فرغم وجود معاهدة دفاع مشترك إلا أنها ميتة في حقيقتها بل لا وجود لها أصلا ولم يكن لها دور في أي نزاع “داخلي أو خارجي وقع على أمة تلك المعاهدة، ومثلها السوق العربية الموحدة فأين هي وأين دورها على غرار السوق الأوروبية المشتركة. أنى يكون ذلك والقوى الأجنبية هي التي أوجدتها صورياً حتى تلهي الأمة عن التفكير في قضيتها المصيرية إن العاقل من يتعظ بغيره، قديما حاول العرب قبل الإسلام  في جاهليتهم أن يتحدوا دون أن يضعوا أساسا لذلك الاتحاد فرغم أن ديانتهم كانت واحدة وهي عبادة الأصنام التي كانت موضوعة في الكعبة وكانوا يحجون إليها كل عام ويطوفون حولها ويعظمونها إلا أنهم بعد الحج يذهب كل إلى سبيله بل وكانت تقوم بينهم الحروب الطويلة من مثل داحس والغبراء والبسوس والتي كانت تأكل الأخضر واليابس لأتفه الأسباب. ولم يعرف عن العرب أنهم اتحدوا إلا جزئيا ومؤقتا في يوم ذي قار ضد الفرس فثاروا بدافع الغيرة والتخوف، وبعد دحر الفرس عادوا من جديد يصارع بعضهم بعضا السيادة والسلطان حتى أنعم الله عليهم بالإسلام. فعجبا لتلك الوحدة، أنها لم تقو على العمل حتى في أوقات النصر ولم تدم رغم بشائر الأمل ولو لوقت قصير يسير. فأي وحدة تلك؟ لقد جربت أمتنا في هذا القرن مثل تلك الوحدة المجردة من الإسلام بين مصر وسوريا بقيادة عبد الناصر ولم تستمر إلا ثلاث سنوات ثم عدنا كما كنا، إذا لماذا نلبس ثوبا قد عجز عن ستر صاحبه في الماضي والحاضر في صورته المجردة؟ لماذا نجري وراء رابطة ضعيفة مؤقتة ليس لها نظام ولا عقيدة تحمل فكرة كلية عن هذا الوجود بل ليس لها فكر أصلا. قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) لماذا نستبدل بالذي هو خير الذي هو أدنى؟ لماذا نساق حيث يريد الأعداء. الأعداء عرفوا سر قوتنا فعملوا على تمزيقنا أشلاء، إذا نامت وإذا قامت رداها الخزي والعار ما دامت تلتحف برادء رث غطاها بها الاستعمار ونصب عليها من يبقى لهم ذلك الرداء يضمرون به كل مريد للنهضة. لماذا نجري وراء سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يحده شيئا بل وجد حتفه عنده فغاب كما غاب غيره ممن سبقه على درب الخسة والدناءة.

أيتها الأمة الكريمة: إنه لم يثبت أن العرب قد توحدوا ودامت وحدتهم إلا تحت لواء الإسلام  فإذا انسلخوا عنه صاروا كشياه تائهة في ليلة مطيرة ليس لها مأوى يؤويها ولا راع يرعاها. قال الشاعر:

كالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ

                               والماء فوق ظهورها محمول

نقول: لو كانت القومية العربية شعار أسلافنا ممن حملوا الإسلام لما دخل في الدين أحد ولما أصبح المسلمون أكثر من مليار في العالم. فماذا نقول لهؤلاء المسلمين ممن هم خارج القومية العربية؟ أنتركهم أم يتركوننا؟ إننا وإياهم أمة واحدة ذات عقيدة واحدة من مشرقها إلى مغربها ولن تلبس أمتنا الإسلامية في نهاية المطاف إلا ثوب الإسلام رداء لها يسترها ويحميها وتتباهى به ثم تنطلق نحو الآفاق الموعودة بها رغم كيد الكائدين وحقد الخونة والمتآمرين. قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ).

فهلموا أيها المسلمون، إلى إقامة دولة الخلافة – دولة العز والمجد والمنعة- دولة الوحدة الإسلامية  على أساس الإسلام  وحده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *