العدد 109 -

السنة العاشرة – صفر 1417هـ – حزيران 1996م

افتتاحية العدد: مؤتمرات القمة العربية

اختتمت يوم السبت 8/6/1996م أعمال القمة الثلاثية التي عقدت في دمشق، واستمرت يومين بين الرئيس المصري حسني مبارك ، والرئيس السوري حافظ الأسد، وولي العهد السعودي عبدالله بن عبد العزيز نيابة عن أخيه الملك فهد. وصدر بيان عن هذه القمة دعا إلى قمة موسعة تعقد في القاهرة في الفترة من 12-23 حزيران الحالي. وجاء في البيان : ” إن هذه القمة تأتي في إطار السعي الحثيث من أجل لم الشمل ، وإعادة بناء التضامن العربي وفقا للشرعية الدولية”.

وقمة دمشق هذه هي ثالث قمة عربية تعقد خلال أسبوع، وحيث سبقتها قمة ثنائية عقدت في القاهرة في 3/6 بين الرئيس المصري والرئيس السوري، وقمة ثلاثية عقدت في 5/6 في مدينة العقبة بين الرئيس المصري والملك حسين ملك الأردن، وياسر عرفات رئيس ما تسمى بالسلطة الفلسطينية. ويأتي هذا النشاط المحموم بعد ظهر نتائج الانتخابات في دولة اليهود ، وفوز بنيامين نتنياهو زعيم تكتل الليكود بمنصب رئيس الوزراء لأربعة أعوام قادمة.

وكان فوز نبنياهو وسقوط بيرز- الذي وصفه حكام العرب بحمامة السلام، وسخروا إعلامهم ليصفه بكل الأوصاف الحميدة، وحاولوا إيجاد رأي عام يرى في نجاح بيرز نجاحا للعرب، بل وأن مستقبل العرب مرتبط ببقائه في الحكم ، وكأنه زعيم العرب الذي سيعمل لرفع شأنهم ونصرتهم – لطمة شديدة لهم ولكل الذين راهنوا على نجاح بيرز واستمرار عملية السلام، سواء كانوا من اليهود أو المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكية.

ذلك أن نجاح نتنياهو كشف عن أن الشعب اليهودي في غالبيته ليس مع عملية الصلح القائم على أساس ” الأرض مقابل السلام” والمبني على قراري الأمن (242 و 338 ). إذ صوت 58% من اليهود المقترعين لنتنياهو وبرنامجه، بينما صوت 42% منهم لبيرز وبرنامجه. فلم يقنع يهود بتذلل حكام العرب لهم، ولا بسياسة الأرض مقابل السلام، بل هم يريدون كل شيء: الأرض والأمان والسيادة على المسلمين ونهب خيرات المنطقة.

إن سياسة الأرض مقابل السلام تعني التنازل لليهود عن أرض فلسطين التي بارك الله فيها أول القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي جبلت أرضها بدماء الصحابة والتابعين الزكية، والتي خرج عمربن الخطاب رضي الله عنه بنفسه لأخذها وأعطى النصارى عهدا باسم المسلمين أن لا يسمح لليهود بسكنى القدس ومع ذلك يأتي العملاء حكام المسلمين ويتنازلون عنها لليهود لا للسكنى ولكن للسيطرة عليها وتهويدها فهل بعد ذلك من خيانة وتضييع وتفريط؟

الدافع الحقيقي لموتمر القاهرة

اميركا حضت حسني مبارك على الدعوة لهذه القمة لأقناع حكام العرب الموالين للإنكليز كي يوقفوا هرولتهم نحو تطبيع علاقاتهم مع اسرائيل حتى تقر اسرائيل بالانسحاب من الجولان ذلك للضغط على إسرائيل لتسير في عملية السلام التي تريدها أمريكا، فأمريكا منذ خرجت من عزلتها وتبنت إسرائيل بعد بريطانيا أرادت أن تكون إسرائيل قاعدة لها وخنجرا في قلب الأمة الإسلامية وكلب حراسة تحركه كلما أرادت وأينما أرادت ، وتبنت خطة مفادها إيجاد كيانين في فلسطين وجعل القدس دولية أي أنه لا بد من تحجيم دولة اليهود ووجود كيان فلسطيني هزيل إلى جانب كيان اليهود ، ولذلك عملت جاهدة حتى أدخلت منظمة التحرير الجامعة العربية وسلمتها أمر أهل فلسطين حتى وصلت إلى إيجاد اتفاقات بين منظمة عرفات ودولة إسرائيل فكان ذلك نجاحا لها . وقبل ذلك نجحت في حرب 1973 التي أطلق عليها حرب أكتوبر في جعل السادات يفاوض اليهود ويعقد معهم اتفاقية سلام، أخذت أمريكا بموجبها سيناء، حددت حدود إسرائيل من جهة الجنوب والآن تريد من إسرائيل الانسحاب من الجولان لأخذها لها لا أن تأخذها سورية إذا انسحبت إسرائيل منها وإنما ستأخذها أمريكا بحجة فصل القوات عن بعضها البعض، وإسرائيل سارت في عملية السلام مضطرة تحت الضغط الأمريكي. ولذلك أخذت تتفلت من عملية السلام، فقربت موعد الانتخابات الإسرائيلية رغم معارضة أمريكا لذلك، وأخذ بيرز يردد أمام العالم بأنه لا بد من إجراء استفتاء شعبي على عملية السلام وخاصة الجولان حتى زيارته لعُمان وقطر.

ومعروف أن عملاء الإنجليز فتحوا الأبواب أمام إسرائيل وساروا في عملية التطبيع شوطا كبيرا شجعهم عليه ملك الأردن. وهذا أمر يزعج أمريكا ولذلك لا بد من عملية أو عمليات للضغط على اليهود ومنع عملاء الإنجليز من الإسراع في عملية التطبيع فكانت الدعوة لهذه القمة،  والمشكلة عند أمريكا ليس العرب وإنما هي إسرائيل، فاليهود يعلمون واقع المنطقة وإن حكامها عملاء للدول الكافرة، همهم إذلال الأمة وتمزيقها وإبعادها عن النهوض والتحرر و الانعتاق ، وأنهم جميعا يطلبون ود اليهود، واليهود يعلمون كذلك حاجة الدول الغربية لهم ولذلك فإنهم يتصرفون كالولد المدلل ويريدون هم استعمار المنطقة وأن يكونوا ندا لأمريكا وحليفا لها لا قاعدة لها كما تريد أمريكا، ومن هنا يأتي الصراع وتأتي الضغوط الأمريكية. وأمريكا تعلم أن بريطانيا لا زالت موجودة بوجود عملائها من أمثال حسين ملك الأردن وحكام الخليج الذين أشربت قلوبهم حب الإنجليز والولاء لهم. ولذلك لا بد من القيام بأعمال تمنعهم من السير ضد رغبتها، فكان لا بد من مؤتمر القمة هذا لوضعهم أمام امر واقع تحرجهم وتمنعهم به من التمادي في عملية التطبيع قبل أن ترضخ إسرائيل لمطالبها، ولذلك وجدنا عدم الرضا من عملاء الإنجليز لعقد مثل هذا المؤتمر، فقد صرح ملك المغرب عن معارضته لعقد هذا المؤتمر. وحين سئل وزير خارجية عُمان عن أبحاث المؤتمر قال بأن إسرائيل سائرة في عملية السلام ولن تتراجع عن ذلك ، قال ذلك دفاعا عن إخوانه وقد أستبعد حسين عن مؤتمر دمشق لمعرفة المؤتمرين بأن الأردن هي قاعدة الإنجليز الحصينة في المنطقة وأنه يعمل جاذا لتركيز نفوذ الإنجليز واليهود في المنطقة وكذلك بأن دولته الكرتونية أوجدها الإنجليز أصلا لتكون مخفر حراسة لليهود في فلسطين، فأجداده فيصل وعبدالله هم الذين أعطوا فلسطين لليهود ، ففيصل وقع اتفاقية مع ويزمان في مؤتمر السلام في فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى تنازل فيها لليهود باسم العرب بوصفه زعيما للعرب آنذاك عن فلسطن ، ثم بعد ذلك أعطى الإنجليز جده عبدالله إمارة شرق الأردن مقابل حراسة اليهود في فلسطين . وعلاقة عبدالله مع اليهود أشهر من نار على علم. وقد سار مع اليهود وعمل لليهود أكثر مما أراد أسياده الإنجليز، حيث أنه أراد إدخال اليهود إلى شرق الأردن لولا معارضة الإنجليز. وعلاقة حسين باليهود لا تحتاج إلى برهان. وجده الأكبر حسين هو الذي ابتدأ الخيانة في سيره مع الإنجليز وطعن المسلمين من الخلف سنة 1916 فأدت خيانته إلى زوال سلطان المسلمين ، وسيطرة الكفار على بلاد المسلمين واقتطاع فلسطين وإعطائها لليهود. وحسين هذا يسير سيرا حثيثا لدفع الدول العربية الأخرى لتطبيع العلاقة مع إخوته اليهود.

أما آن لهذه الأمة الكريمة أ، تصحو من سباتها وأن تدرك أن الجامعة العربية هي مفرقة للعرب وليست جامعة لهم، هكذا أراد لها الإنجليز الذين أوجدوها سنة 1945. فإنه بعد المصائب التي أصابت الأمة كان لا بد لها أن تصحو وأن ترجع إلى وحدتها فأراد الإنجليز إبعاد الأمة عن الوحدة فأوجدوا هذه المنظمة وأطلقوا عليها زورا وبهتانا اسم الجامعة العربة وكل بنودها تدعو إلى الفرقة. وها هي قد مضى عليها أكثر من خمسين سنة والفرقة تزداد بين هذه الدويلات والحدود تزداد، وتزداد الأمة من ذلك ذلا وهوانا وانقساما ويزداد بها الفقر والجهل ويزداد الحكام تسلطا وظلما وجبروتا، ولذلك فإن هذه الجامعة الممزقة لا يمكن أن تعمل لخير الأمة، كيف يمكن أن تفعل ذلك وحكامها عملاء لدول الكفر الذين هم رغم اختلاف سياساتهم فإنهم يتفقون على أمر واحد وهو تفريق الأمة وإذلالها ، وقبل ذلك وبعده إبعادها عن دينها ومبدئها وسر حياتها والعمل على عودتها كما كانت وكما يجب أن تكون خير أمة أخرجت للناس تحمل النور والضياء والرحمة للعالمين.

هؤلاء الحكام وضعهم الكفار نواطير لأنظمة الكفر جلادين وجلاوزة أذاقوا ولا زالوا يذيقون الأمة صنوف الذل والهوان ويمنعونها من النهوض والانعتاق وتحرير أرضها ونفسها والعودة أمة قوية عزيزة مرهوبة الجانب كما أراد لها المولى. ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وإننا نهيب بهذه الأمة الكريمة أن تفيق وتصحو وتنفض غبار الذل عنها وتعمل جادة وجاهدة للعودة إلى دينها وتحرير نفسها وأن تفرق بين الصديق والعدو فلا توالي العدو. كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ).

فيا أيها المسلمون: كيف تقبلون بالاستسلام لليهود ومن وراءهم من الكفار ؟ وكيف تقبلون بإعطائهم فلسطين ، الأرض التي بارك الله فيها؟

إن الله عز وجل ينهاكم عن ذلك : قال تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون )، أما آن لكم أن تستجيبوا لأمر الله؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *