العدد 111 -

السنة العاشرة – ربيع الآخر 1417هـ – أيلول 1996م

الحملة الأمريكيّة للقضاء على الإسلام (3)

الحملة الأمريكيّة للقضاء على الإسلام (3)

الديمقراطيّة

أما الديمقراطية فإنها الإطار السياسي للفكر الرأسمالي، أي نظام الحكم الذي تطبقه الدول الرأسمالية، والدول التي تسير على شاكلتها. وهي تعني عند معتنقيها أن يَحكم الشعب نفسه بنفسه بالنظام الذي يضعه لنفسه. وكثيراً ما يُسمّي الرأسماليون نظامهم بأنه ((النظام الديمقراطي)). غير أن هذه التسمية ليست صحيحة لأكثر من سبب. فالديمقراطية ليست من ابتكار الرأسماليين وإنما سبقهم إليها الإغريق. كما أنهم ليسوا الوحيدين الذين طبّقوها، فالاشتراكيون الماركسيون قالوا أيضاً إنهم ديمقراطيون، وظلوا حتى النهاية يدّعون أنهم يطبقونها.

وأهم ما في الديمقراطية أنها تجعل المشرِّع الإنسان وليس الخالق. وهذا منطقي عند من يقول بفصل الدين عن الحياة، لأن معنى هذا الفصل جَعل حق التشريع للإنسان وليس للخالق.

فالرأسماليون في هذا لم يبحثوا فيما إذا كان الخالق قد ألزَم الإنسان باتّباع شريعة معينة وتطبيقها في حياته، بل لم يناقشوا هذه المسألة مطلقاً، وإنما جعلوا الإنسان هو المشرِّع دون أي بحث.

وبالنسبة للمسلمين، فإن هذا يعني أن يَكفروا – والعياذ بالله – بكل الأدلة القطعية الثبوت والدلالة، وبيْنها الكثير من الآيات القرآنية، التي تُلزِمهم باتّباع شرع الله ونبْذ أي شرع غيره، بل وتَعتبر من لا يَتَّبع شرع الله منهم أو يطبّقه كافراً أو ظالماً أو فاسقاً (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون). فكل من لا يَحكم بما أنزل الله منكِراً حق الله في التشريع، كما هو حال المؤمنين بالديمقراطية، كافر بصريح القرآن لأنه بذلك ينكِر آيات قطعية الدلالة، ومنكر القطعي كافر بإجماع فقهاء المسلمين.

والكفار وعملاؤهم من حكام بلاد المسلمين، وكل المنادين بالديمقراطية من المحسوبين على المسلمين، سواء كانوا أفراداً أو حركات، يدرِكون أن الديمقراطية أساسها نبذ شرع الله، وإحلال الإنسان محل الخالق، ولذلك فهم لا يطرحونها على هذا الوجه، بل يقولون إنها تعني أن يَحكم الشعب نفسه بنفسه، وأن تَعُمّ المساواة بين الناس، ويشيع العدل، ويحاسَب الحاكم، ويتعمّدون عدم التطرق لنبذ شرع الله، مع أن الديمقراطية هي أولاً وأخيراً ليست سوى نبذ شرع الله وإتباع شرع مخلوقاته.

أما باقي ما يقال عن الديمقراطية فليس له واقع فعلي. فالقول بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه مغالطة كبرى. ففي كل المجتمعات الرأسمالية الديمقراطية لا يَحكم الشعب نفسه بنفسه، لأن هذه الفكرة خيالية، وإنما تَحكمه فئة متنفِّذة، كما هو حال كبار الرأسماليين في الولايات المتحدة، والنبلاء في إنكلترا، وهما دولتان من أعرق الدول الرأسمالية الديمقراطية. وهذه الفئات النافذة في الدول الرأسمالية لديها الوسائل الكفيلة بإيصال من تشاء لسدّة الحكم وللمجالس التشريعية، حتى تكون القوانين التي تُسَنّ والقائمون على تنفيذها في خدمة مصالحهم.

وأما ما يقال عن المساواة، وعن العدل، وعن المحاسبة، فإنه كله نظري ولا واقع له. ويكفي أن يَنظر المرء لأميركا زعيمة العالم الديمقراطي، ليجد أن المساواة والعدل والمحاسبة كلها انتقائية، يتمتع بها ويمارسها من لهم لون معيَّن، أو دين معيَّن، أو منابت معيَّنة، أو قدرة مالية معيَّنة. وما عاناه ويعانيه السود والهنود الحمر، ومَن هم من أصول لاتينية أو آسيوية ومَن هم من غير البروتستانت، أو ليسوا منحدرين من أصول أوروبية غربية، يكفي وحده للدلالة على أن ما يقال عن الديمقراطية نظري فقط، حتى وإنْ حصلت حالات شاذة بخلاف ذلك.

ولهذا لا يجوز لمسلم أن يَقبل بالديمقراطية لأنها كفر وتجعل للإنسان ما هو مِن شأن الخالق ويجب على كل مسلم نبذها والتصدي لكل مَن يروِّج لها.

التعدّديّة

أما التعددية، فإنها نشأت عند الرأسماليين من نظرتهم للمجتمع، وأن هذا المجتمع يتألف من أفراد، وهؤلاء الأفراد لهم معتقدات وآراء ومصالح ومنابت متنوعة، وحاجات متعددة. ولذلك فهم يَرَوْنَ أنه لا بد أن يكون في المجتمع فئات مختلفة، لكل فئة منها أهدافها الخاصة، التي ينبغي أن يمثلها حزب أو حركة أو تنظيم، والتي ينبغي الاعتراف بوجودها، والسماح لها بالمشاركة السياسية.

فالتعددية عندهم نقيض لفكرة الفئة الواحدة والحزب الواحد. ولكن هذه التعددية تعددية ضمن النظام الرأسمالي، فلا مكان في المجتمعات الرأسمالية لفئة لا تؤمن بالمبدأ الرأسمالي، أو تعمل لتقويض النظام الرأسمالي القائم.  وبهذا المنطق، أيْ منطق تعدد الأحزاب ضمن عقيدة واحدة، وفي إطار نظام واحد، فإن الإسلام له تعدديته، ولكنها غير التعددية التي ينادي بها الرأسماليون.

فالإسلام يسمح بتعدد الأحزاب والحركات التي تقوم على عقيدته، ولا تعمل لتقويض نظامه، ما دامت آراؤها إسلامية، أي منبثقة عن العقيدة الإسلامية أو مبنيّة عليها.

غير أن هذا لا يعني قبول التعددية على إطلاقها أو بمفهومها الرأسمالي، والتي تدعو لها أميركا والغرب عموماً. فالتعددية الرأسمالية منبثقة عن العقيدة الرأسمالية، أي عقيدة فصل الدين عن الحياة.

فحَسَبْ التعددية الرأسمالية يجوز أن تَنشأ أحزاب أو حركات تنادي بعقيدة كفر كعقيدة فصل الدين عن الحياة، أو أن تقوم على أساس حَرَّمه الإسلام كالأحزاب القومية والوطنية. كما يجوز أن تَنشأ حركات تنادي بما حرّم الله، كإباحة الشذوذ الجنسي، والزنى، أو أن تنشأ فئات تدافع عن إباحة الميْسِر، وشرب الخمر، والإجهاض، وتحلّل النساء.

وهكذا فإنه لا يجوز لمسلم أن يَقبل بالتعددية التي تدعو لها أميركا، ولا بالتعددية على إطلاقها، لأن ذلك يعني القبول بوجود دعوات للكفر، ولإباحة ما حرّم الله، الأمر الذي لا يَقبل به مؤمن بالله ورسوله، لأنه يعلم علم اليقين أن الله سيعذّبه على ذلك في الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *