العدد 111 -

السنة العاشرة – ربيع الآخر 1417هـ – أيلول 1996م

افتتاحيّة العدد: الذلّ والعبوديّة…إلى متى؟

في مقابلة صحفيّة للإذاعة الإسرائيليّة  لهذا الأسبوع قال ياسر معرباً عن أسفه وحزنه لأن نتنياهو لم يقابله حتّى الآن، قال: كيف لا يقابلني نتنياهو وأنا أهمّ شخصيّة لإسرائيل، فأنا الذّي فتح لإسرائيل جميع الأبواب، فوقعت اتفاقيّات سلام مع الأردن وأوجدت علاقات لها مع دول الخليج ودول الشمال الإفريقي، ويستطرد قائلا: ولذلك فإن نتنياهو سيجد نفسه إن عاجلا أو آجلا مضطرّا لمقابلة أهم شخصيّة لإسرائيل.

هذه التصريحات صدرت عمّن كان يزعم زورا وبهتانا أنّه قائد للثورة الفلسطينية. إذ كان يخدع النّاس بأقوال مثل: ثورة حتى النّصر، ثورة لتحرير كامل التراب الفلسطيني. ثمّ بعد ذلك يأتي الآن ويستجدي رئيس وزراء ما يسمّى بدولة إسرائيل ليتفضل عليه بالمقابلة ليعطيه أوامره مباشرة، إذ أنّ رئيس وزراء إسرائيل حينما يجتمع بياسر عرفات لا يجتمع معه كندّ لندّ وإنّما يجتمع معه كسيّد مع عبده فيعطيه الأوامر إعطاء.

لقد كشف المخلصون للأمّة واقع منظّمة التحرير منذ إنشائها سنة 1964 بأنّها منظمّة خائنة أوجدها الكفّار لترويض الأمّة لتقبل بدولة إسرائيل، وهذا الذّي يحصل بالفعل إذ أن الأمّة لم تدرك نصيحة المخلصين إلا بعد فوات الأوان، وصدق بهم قول دريد بن الصّمّة:

أمرتهم أمري بمنعرج اللّوى  

  فلم يستبينوا النّصح إلاّ ضحى الغد

إنّ عملاء الإنجليز هم الذّين أوجدوا المنظّمة، ولكن أمريكا استطاعت استخدام المنظّمة لتنفيذ خطّتها التّي وضعتها لفلسطين منذ أن خرجت من عزلتها بعد الحرب العالميّة الثانية، وأرادت استعمار المنطقة وانتزاعها من الإنجليز، ولذلك جاءت بمشروع التقسيم سنة 1948 الذّي يقضي بأن تقام دولة لليهود في فلسطين وبجانب هذه الدولة كيان للفلسطينيين وتكون القدس دولية. وقد أخذت أمريكا موافقة الأمم المتّحدّة على هذا المشروع بتاريخ 29/7/1947. وقد عملت أمريكا منذ الوقت على تنفيذ هذا المشروع فأدخلت المنظّمة في الجامعة العربيّة سنة 1964 بتأثير عميلها جمال عبد الناصر، وبذلك أبعدت الناحية الإسلامية والناحية العربيّة نهائيّا عن قضيّة فلسطين وحصرتها بين اليهود وأهل فلسطين، ثم أخذت تقوم بالمؤامرات لتنفيذ مخططاتها حتّى كانت سنة 1988 حيث أعلنت منظّمة عرفات في الجزائر قيام الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة، أي الإعتراف بدولة إسرائيل. وقد سبق هذا الإعتراف القيام بأعمال عسكريّة فدائية حتى توهم المنظّمة النّاس بأنّها قامت وكافحت وناضلت ولكنّها لضعفها لم تنجح في التحرير، ولذلك لا بد أن تقبل بالأمر الواقع من أنّ إسرائيل قوّة لا تقهر، وأنّ الشعب الفلسطيني لوحده لا يستطيع تحرير فلسطين، ولذلك فلا بدّ لشعب فلسطين من قبول بالأمر الواقع والتفاوض مع إسرائيل حتّى يمكن له أن يحصل على شيء قبل أن يفوت الأوان. كذلك فإن تصرّفات الدول العربيّة قاطبة تجاه أهل فلسطين جعلهم يقبلون بالتصالح مع إسرائيل، وذلك أن المنظّمة أقنعتهم بأنّه لا بدّ لهم من كيان يلجأون إليه، ومن جواز سفر يحملونه مثلهم مثل بقيّة الشعوب العربيّة، ولذلك كان لا بد من القبول بأي كيان حتّى لو كان أريحا فقط.

والأسباب التيّ جعلت النّاس يقبلون بالأمر الواقع هذا كثيرة منها:

أوّلا: الإنحطاط الفكريّ الذّي أصاب الأمّة وأدّى إلى هدم الخلافة وتمزيق أوصال الأمّة الإسلامية إلى قوميّات ووطنيّات كثيرة، فأصبح المسلمون شعوبا وأقواما متفرّقة متحاربة، فأصبح التركيّ والفارسيّ والهنديّ والعربيّ والكرديّ، ثمّ عمد الكافر إلى الشعب العربيّ فمزّقه تمزيقا كبيرا وصل إلى أكثر من عشرين كيانا، وأوجد بين هذه الكيانات حدودا وسدودا يصعب تخطّيها، وأوجد في كلّ مكان من هذه الكيانات نواطير له للمحافظة على أنظمة الكفر أوّلا، ثمّ على هذه الحدود التّي أوجدها الكافر للحيلولة دون رجوع الإسلام إلى الحياة ودون وحدة هذه الأمّة، وجعلوا منهم جلاوزة وجلاّدين حكّاما خونة همهم وديدنهم خدمة أسيادهم الكفّار وإذلال الأمّة وإجاعتها حتّى لا تفكّر بشيء سوى الرّغيف، وما يحصل الآن في الأردن خير دليل على ذلك، فقد أجاع سليل (…) ملك الأردن شعبه هناك وأرضخهم ليقبلوا بكيان اليهود ووعدهم ومنّاهم (وما يعدهم الشّيطان إلاّ غرورا)، بأن اتفاقيّة السّلام مع يهود ستجلب لهم المكاسب الماديّة وأنّ البلاد ستصبح في بحبوحة من العيش، فانساق النّاس للأسف، وذلك للإنحطاط الفكريّ ونتيجة لسياسة التجويع انساقوا وراء هذا الخداع البرّاق والسراب الخادع، ولكنّهم اكتشفوا حقيقة الأمر وأنّ هذا الإتّفاق لم يأت لهم بما كانوا يتوقّعون، حتّى أنّ السياح الأجانب الذّين كانوا يحضرون إلى الأردن سابقا قل عددهم كثيرا لأنّ الأوروبيين يفضّلون الآن الذهاب إلى إسرائيل ومن هناك يقومون برحالات يوميّة إلى الأردن ويعودون للمبيت والأكل في إسرائيل.

إن النّاس في الأردن ليجدون طعام لهم إلاّ الخبز، ومع ذلك جاءت هذه الدويلة الهزيلة العميلة لتجيع النّاس وتذلّهم فرفعت سعر الخبز أكثر من ثلاثة أضعاف امتثالا لأمر صندوق النقد الدوليّ، حتّى ينحصر تفكير النّاس بالخبز بدل أن يفكّروا في التحرّر والإنعتاق والعودة إلى الإسلام وإيجاد دولته، التّي تزيل هذه الكيانات الهزيلة ومن ضمنها هذا الكيان الخائن الذّي أوجده الانجليز لإذلال المسلمين وحماية يهود في فلسطين، ولذلك فإنّ خطر هذا الكيان لا يقلّ عن خطر مملكة الكرك الصليبيّة على المسلمين في ذلك الوقت.

وقد تحرّك النّاس لرفع سعر الخبز للأسف ولم يتحرّكوا غضبا للّه ورسوله، وغضبا لتنفيذ أحكام الكفر عليهم وتنفيذ الخيانات التّي قامت بها الأردن ولا زالت تقوم، وهي سبّاقة إلى كلّ شرّ وخيانة وحرب لله ورسوله.

ثانيا: الجهل السياسيّ الذّي يسيطر على البلاد والعباد، وهو نتيجة حتميّة للسبب الأول وهو الانحطاط الفكريّ.

ثالثا: الدجل والتضليل والخداع الذّي تقوم به هذه الكيانات الخائنة العميلة للكافر وعدم تمكين المخلصين من الإتّصال بالنّاس اتصالا مؤثّرا، بل إنّ هذه الكيانات تحارب المخلصين من أبناء الأمّة بحجة التطرّف والأصوليّة على حدّ أقوالهم، وعملية الهدم أسرع من عمليّة البناء، وصدق الشاعر حين يقول:

متى ييلغ البنيان يوما تمامهُ  

  إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

ولذلك وقف حسين بالأمس يتهدّد النّاس ويتوعّد ويزمجر ويزبد ويرعد وأنّه سيضرب النّاس بيد من حديد لأنّهم تحرّكوا بدافع إشباع جوعة معدتهم ولم يتحرّكوا لإزالة ملكه وعرشه، ففي هذه البلاد يحرم على المرء أن يظهر تألّمه وتظلّمه من الظلم الواقع عليه أو كما يقول الرّصافي:

وادخلوا بالرجولة، بقعة  

  يضام الفتى فيه ولا يتبرّم

فبلادنا يظلم فيها الإنسان ولا يجوز له أن يتبرّم أي أن يظهر عدم رضاه على هذا الظلم، والحكّام يريدون من هؤلاء النّاس أن يرضوا بهذا الظلم وأن يرضوا بهذه العبوديّة وأن ينساقوا وراءهم دون أن يملكوا حتّى قوت غدهم. وقد أخذ بهذه الأحزاب التّي أثارت النّاس حسب ادّعائه، وأنّ هذه الأحزاب لها ارتباطات خارجيّة أي أنّه يريد أن يظهر للرأي العام زورا وبهتانا أنّ النّاس راضية وأنّ بعض الأحزاب فقط هي التي أثارت النّاس وأنّ هذه الأحزاب ليست أردنيّة حسب قوله وإنّما هي آتية من الخارج، وقد برّأ من هذه الأحزاب حزب العمل الإسلامي، وهذا الحزب يعمل ضمن إطار النظام القائم في الأردن للأسف الشديد، ويتسّمى بأنه حزب إسلاميّ أي أعطى نفسه صفة الإسلام، فأي إسلام هذا الذّي يقبل مهادنة أنظمة الكفر ويشترك معها، وأيّ إسلام هذا الذّي يقبل بمهادنة الخونة ويسكت عن اتفاقيّة الخيانة مع إسرائيل.

رابعا: عدم إدراك الأُّمة لقضاياها المصيريّة. وإلاّ لانشغلت بالقضيّة المصيريّة الأولى لها ولما شغلتها القضايا الفرعية فالقضيّة المصيريّة الأولى للمسلمين هي تحويل بلادهم من دار كفر إلى دار إسلام، أي إقامة الخلافة، أي تطبيق أحكام الشرع وتوحيد بلاد المسلمين وإعادة المسلمين أمّة واجدة وحمل رسالة الإسلام إلى العالم. هذه هي القضيّة المصيريّة الأولى للمسلمين جميعا فإذا أدركوا ذلك فإنّ أعمالهم ستكون على مستوى هذا الإدراك، ولا يمكن أن يقيموا الخلافة إلاّ إذا تحرّروا من قيد الكفّار والاستعمار، ومن ثمّ فإنهم لابدّ لهم أن يزيلوا كيان اليهود ويتمكّنوا من استغلال ثرواتهم بأنفسهم ويبعدوا عن أنفسهم الفاقة والعوز والجهل والفقر والإنحطاط ويعودوا خير أمّة أخرجت للنّاس. ولو أدركوا قضيّتهم المصيريّة لما ثاروا لرفع سعر الخبز وسكتوا عن إقامة الكفر وتحكّم الكفّار والعملاء في شؤونهم ولما سكتوا عن احتلال اليهود لأولى القبلتين ولما سكتوا عن ذبح الروس لإخوانهم الشيشان أو لإغتصاب الصرب أخواتهم في البوسنة والهرسك.

 ولو أدرك المسلمون قضيّتهم المصيريّة لما تمكّن عرفات من توقيع صك الخيانة مع اليهود لإعطائهم فلسطين حقا لهم باسم أهل البلاد ولما جاءت تصريحاته أخيرا يُعَبِر لليهود عن حقيقة نفسه بأنّه أهمّ شخصيّة لإسرائيل، فغريب أمر هؤلاء الخونة والعملاء كيف يجهرون بالخيانة دون خجل أو حياء.

 لذلك لا بدّ للفئة الواعية من الأمّة من تثقيف الأمّة التثقيف السياسي على أساس الإسلام، وإفهام الأمّة قضاياها المصيريّة، وأنّ القضايا المصيريّة تتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن أترك هذا الأمر حتّى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته”. فإذا ما أدركت الأمّة قضاياها المصيريّة واهتمّت بها ولم تشغلها قضاياها الفرعيّة عنها فإنّها لن ترضى بهذه الأوضاع ولن ترضى بهذا الذلّ والهوان والعبوديّة والبعد عن الإسلام، ولن ترضى بهؤلاء الخونة والعملاء الذّين أوصلوا الأمّة إلى هذه الدرجة من الذلّ والهوان، ولما سكتت الأمّة عنهم وهم يَستَجْدُون اليهود قبول الجلوس معهم رغم أنّهم قبلوا أن يكونوا عبيداً لهم.

 ولكن عرفات لا بُدّ أن يدرك أن اليهود لا يريدونه وهو عميل لأمريكا ومنظّمته أداة بيد أميركا لتحجيم اليهود، فإنّ أمريكا تريد أن يكون اليهود أداة بيدها وإسرائيل قاعدة لها، ولكن اليهود يريدون أن يكونوا ندّا لأمريكا وحليفاً لها لاستعمار المنطقة لامتصاص خيراتها والسيطرة عليها…. واليهود يفضّلون حسيناً ولا شكّ على عرفات فهذا عميل للإنجليز وهذا عميل لأمريكا، ولذلك ليس غريبا أن يرفض نتنياهو حتّى الآن مقابلة عرفات، ولولا ضغط الأمريكان على اليهود لأزالوا ما يسمّى بالسلطة الفلسطينيّة وعلى رأسها عرفات، ولكن هؤلاء العبيد لا يعرفون قدر أنفسهم.

إن الصراع مع يهودٍ طويلٌ، ولن يحسم إلا بإقامة دولة الخلافة التي تستأصل شأفة اليهود في فلسطين وتعيد الحق إلى نصابه وتطهر الأرض المقدّسة من دنسهم.

 إنّ أمثال عرفات وحسين ومبارك ما هم إلاّ (…) للكفّار (…) لهم و (…) لقتل المسلمين وإذلالهم، وسجون عرفات وحسنى ومبارك تشهد بذلك فكلّ يوم نسمع عن قتيل فلسطيني في سجون عرفات, وجيش حسين يطلق النار على النّاس لأنّهم جياع يريدون خُبزا.

 فهل يجوز للأمّة أن تسكت عنهم وأن ترضى بهم حكّام وزعماء، كلاّ ثم كلاّ، لابد لها أن تنفض الغبار عنها وأن تشمر عن ساعدها وأن تزمجر وتثور لدينها ومقدساتها وتغضب غضبة مضرية تطيح بهذه العروش والكراسي وتعيد الحقّ إلى نصابه وتقيم دولة الخلافة، فهذه هي القضيّة المصيريّة الأولى للمسلمين وعند قيامها تحل باقي القضايا لأنّها جميعها أعراض للمرض وليست هي المرض.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم )فحياتكم هي في الإسلام ولا حياة لكم بغيره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *