العدد 115 -

السنة العاشرة – شعبان1417هـ – كانون الثاني 1997م

قِمَـمٌ ولكِـنْ…

إِنَّ قِمّةَ الجبَلِ أَعلى ذُرْوَةٍ فيهِ وهي رمزٌ لِلرِّفعةِ والشُمُوخِ ولكنَّ القِمَمَ في بِلادي لا شُمُوخٌ ولا رِفعةٌ وهي أَدنى مَنالاً وأَذَلُّ مَوْطِئاً مِن السُفُوحِ وأَخْفَضُ مُسْتَوىً مِن قاعِ البَحْرِ الميِّتِ لذلكَ حُقَّ لنا أنْ نَقولَ

 

قِمَـمٌ ولكِـنْ

الشاعر: يوسف إبراهيم

 

خَفَضُوا الرُؤُوسَ بُطُولةً ونِضالا *** واسْتَعْذَبُوا الأَصْفادَ والأَغْلالا
مَسَحُوا الوُجُوهَ على النِعالِ فَأَصْبَحَتْ
*** لِنِعالِ مَنْ غَصَبُوا البِلادَ نِعالا
واسْتَسْلَمُوا صَفّاً أَمامَ عَدُوِّهِمْ
*** مُتَسابِقِينَ أَعِزّةً أَبْطالا
صالُوا بِمَيْدانِ الكَلامِ بِمَنْطِقٍ
*** دَنِسِ الـمَـقـالِ يُدَنِّسُ الأَفْعالا
نَصْرٌ مِنَ المذْياعِ حازُوا مَجْدَهُ
*** يَكْسُو العُرُوشَ فَخامةً وجَلالا
وتَوَحَّدُوا لكِنْ لِبَيْعِ بِلادِهِمْ
*** وسِواهُ زادُوا فُرْقةً وضَلالا
عارُ الهزِيمةِ لا يَزالُ شِعارَهُمْ
*** يَكْسُو الوُجُوهَ مَهانةً وخَبالا
يَتمَرَّغُونَ على الوُحُولِ وفِعْلُهُمْ
*** جَمُّ الـمَـخـازِيْ يُخْجِلُ الأَوْحالا
قِمَمٌ ولكِنْ ليسَ في شُرُفاتِها
*** نَسْرٌ يَتِيهُ مُحَلِّقاً صَوّالا
زَحَفَ العَدُوُّ بِجَيْشِهِ يَجْتاحُها
*** فَطَوى سُهُولاً واسْتَباحَ جِبالا
صِهْيَوْنُ في حَلَباتِها مُسْتَأْسِدٌ
*** يَزْهُو على ساحاتِها مُخْتالا
ويُجَلِّلُ الأَقْصى هَواناً بَعدَما
*** قَهَرَ الأُسُودَ وذَلَّلَ الأَشْبالا
يَتْلُو بها التِلْمُودَ زُوراً بَعدَما
*** خَفَتَ الأَذانُ وصَوْتُهُ يَتَعالى
لا غَيْثَ في آفاقِها وكَأَنَّما
*** سَحَّتْ وأَمْطَرَتِ السَماءُ وَبالا
وكَأَنَّ أَشْجارَ الـجـِنـانِ بِرَبْعِها
*** عادَتْ سَبايا تَنْدُبُ الأَطْلالا
يا لَلْمَلاييِنِ الغُثاءِ تَسُوسُها
*** أَصْنامُ آزَرَ شِقْوَةً وضَلالا
ورُعاتُها ذُؤْبانُها كَمْ رَوَّعُوا
*** أَمْنَ القَطِيعِ وقَطَّعُوا الأَوْصالا
وسِياطُهُمْ بِالْجَوْرِِ تُلْهِبُها ولا
*** تُبْدِي احْتِجاجاً أو تَرُدُّ سُؤالا
وتَعِيشُ في ذُلِّ العَبِيدِ وتَرْتَجِي
*** فَضْلَ الفُتاتِ وتَحْمِلُ الأَثْقالا
تَسْعى وتُفْزِعُها الخُطُوبُ وخَطْوُها
*** واهِيْ العَزِيمةِ والـخُـطُـوبُ حَبالى
ومَسِيرةُ التارِيخِ ماضِيةٌ ولا
*** سَبْقٌ لِمَنْ سَلَكُوا السَبِيلَ كُسالى
في كلّ قُطْرٍ حاكِمٌ مُتَجَبِّرٌ
*** صَلِفٌ بِمَنْصِبِهِ الأَجِيرِ تَعالى
يَبْنُونَ مِن زَبَدِ الغُرُوِر قُصُورَهُمْ
*** فَتَخالُها رَغْمَ الشُمُوخِ رِمالا
أَتَظُنُّ رَكْبَ التافِهِينَ فَوارِساً
*** تَغْزُو وأَشْباهَ الرِجالِ رِجالا
لُقَبٌ بِكَفِّ الأَجْنَبِيِّ حَقِيرةٌ
*** وبِخَمْرةِ الـمُـسْـتَـعْـمِـرِيـنَ ثِمالا
يا رايةَ الفَتْحِ الـمَـهـِيـضِ جَناحُها
*** مِنْ بَعدِ ما أَفَلَ الضِياءُ وزالا
تُطْوى القُرُونُ على القُرُونِ ولَمْ تَزَلْ
*** تَبْكِي الفُتُوحَ وتَذْكُرُ الأَبْطالا
وتُعِيدُ ذِكْرى الفاتِحِينَ لَعَلَّها
*** تَهَبُ العَزائِمَ نَخْوةً ونِضالا
مُهْرُ الـجِـهـادِ تَرَنَّحَتْ وَثَباتُهُ
*** تَحْتَ الغُزاةِ ولَمْ يَعُدْ صَهّالا
وتَعَطَّلَتْ جَوْلاتُهُ مِنْ بَعدِ ما
*** كانتْ لهُ شُهُبُ السَماءِ مَجالا
يا رايةَ الفَتْحِ التي تَزْهُو على
*** مَرِّ العُصُورِ وتُلْهِمُ الأَجْيالا
وتَقُودُ قافِلةَ الجهادِ وتَحْتَها
*** جُنْدُ العَقِيدةِ لا تَمَلُّ نِزالا
رُسُلُ الهُدى فإِذا الكَتِيبةُ أَرْعَدَتْ
*** نَفَرُوا خِفافاً لِلوَغى وثِقالا
حَمَلُوا إلى الأَرْضِ الضِياءَ فأَطْلَعُوا
*** في كلّ أُفْقٍ في السَماءِ هِلالا
واسْتَمْطَرُوا سُحُبَ السَماءِ وفَجَّرُوا
*** غَدَقاً مِنَ النَبْعِ الرَوِيِّ زُلالا
زَرَعُوا بِآياتِ الكِتابِ حَدائِقاً
*** خُضْرَ الرِياضِ وأَنْهُراً وظِلالا
يا أُمّةً طَوَتِ العُرُوشَ فلَمْ تَدَعْ
*** فَوْقَ العُرُوشِ مُعَظَّماً مُخْتالا
هَزَّتْ قِلاعَ الظالِمِينَ فأَحْدَثَتْ
*** في كلّ أَرْضٍ تَحْتَها زِلْزالا
أَحْيَتْ بِقاعَ الأَرْضِ حيثُ تَحَرَّكَتْ
*** فَتْحاً وشَدَّتْ لِلسَماءِ رِحالا
وسَمَتْ بِدِينٍ خالِدٍ لو طاوَلَتْ
*** يَدُهُ بُرُوجَ النَيِّراتِ لَطالا
يا أُمّةً حَنَتِ اللَياليْ هامَها
*** عَبْرَ العُصُورِ لِمَجْدِها إِجْلالا
وازْدانَتِ الصَفَحاتُ مِنْ تارِيخِها
*** فَخْراً وحازَتْ في العُلُوِّ كَمالا
ما زالَ مِنْ فَجْرِ الخِلافةِ وَمْضةٌ
*** تُحْيِي الرُفاتَ وتَبْعَثُ الآمالا
سَتَعُودُ صافِيةَ الـمَـعِــيـنِ رَوِيّةً
*** تَسْقِي الظِماءَ نَمِيرَها السَلْسالا
والدَوْلةُ الكُبْرى يَرِفُّ لِواؤُها
*** فَتْحاً مُبِيناً ظافِراً ونِضالا
وهَواتِفٌ لِلنَصْرِ حيثُ تَحَرَّكَتْ
*** راياتُها وبَشائِرٌ تَتَوالى
تَفْنى الدُهُورُ ورَكْبُها مُتَقَدِّمٌ
*** يَبْنِي الـحَـضـارةَ صاعِداً يَتَعالى

 

السبت 24 ربيع الثاني 1417هـ.

الموافق: 7 أيلول 1996م


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *