العدد 115 -

السنة العاشرة – شعبان1417هـ – كانون الثاني 1997م

كلمة الوعي: هل جمّدت إسرائيل الآن خطتها في العدوان على سوريا؟

في مطلع شهر ديسمبر 96 كانت ترتيبات حكومة إسرائيل، للقيام بعدوان كبير على سوريا، جارية على قدم وساق. ويعزز هذا ما كشفته مصادر لبنانية رفيعة المستوى من أن السفير الأميركي في بيروت التقى، في نهاية شهر نوفمبر، مراجع مسيحية ودعاها إلى «بذل جهدها للحؤول دون تورّط بعض المسيحيين بعيداً في اتصالات بدأوا بإجرائها مع إسرائيل» وأن أميركا نبهت الفاتيكان ليبذل جهده أيضاً. وقد قام أفرقاء لبنانيون بالتحرش بحافلات ركاب سورية. فاعتدوا عليها فقتلوا وجرحوا. ووصفت النيابة العامة أن يد إسرائيل ليست بعيدة عن هؤلاء الأفرقاء (وقد سمّت الصحف اللبنانية أن الأفرقاء هم حزب الأحرار والقوات اللبنانية المنحلة وجماعة ميشال عون). وهذا يشير إلى أن توقيت العدوان الإسرائيلي كان في الثلث الأخير من شهر ديسمبر حسب التنسيق مع الأفرقاء الذين حذّر منهم السفير الأميركي.

ويعزز هذا أيضاً ما كشفه مصدر رسمي إيراني في 23/12/96 من «أن دمشق أبلغت طهران أخيراً أن في حوزتها معلومات لا تستبعد أن تضرب إسرائيل بعض المواقع العسكرية السورية في عمق الأراضي السورية، خصوصاً منصات صواريخ» وزاد: «إن السوريين أبلغوا الإيرانيين أنهم مطمئنون وواثقون إلى أنهم سيتلقون الدعم من الرياض والقاهرة إذا تعرضت الأراضي السورية لأي عدوان».

هل ترتيبات إسرائيل للعدوان ما زالت كما هي في حجمها وتوقيتها؟ يبدو أنها جُمّدتْ في الوقت الراهن. ومما يدل على ذلك تصريحات أسامة الباز مستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية التي استبعد فيها نشوب حرب بين سورية وإسرائيل في المستقبل القريب. فقد قال مساء 15/12/96 في لقاء في القاهرة مع قضاة مصر، وكان عاد من زيارة للولايات المتحدة: «التقارير الواردة إلى مؤسسات صنع القرار في مصر أكدت عدم وجود حشود عسكرية على الجبهة السورية – الإسرائيلية، والأمر لا يعدو قيام الدولتين بمناورات دورية» وأضاف (أن هناك معلومات تؤكد عدم وجود نوايا لهذه الحرب ).

أسامة الباز العائد من أميركا يقول بأن لديه معلومات تؤكد عدم وجود نوايا لهذه الحرب. وهو لا يريد أن يقول إن معلوماته من أميركا، بل قال بأن التقارير الواردة إلى مؤسسات صنع القرار في مصر من الجبهة السورية الإسرائيلية هي مصدر المعلومات.

شبح العدوان الإسرائيلي كان ماثلاً وقبل نهاية سنة 96. وجاء أسامة الباز ليؤكد عدم وجوده. يعني أميركا أعطته هذه المعلومات وأكدتها له. وهذا يعني أن أميركا أفلحت أخيراً في ثَنْيِ نتانياهو عن مغامرته، في هذا الوقت على الأقل. وهذا يعني أن أميركا حصلت على تعهد من نتانياهو في الأسبوع الثاني من شهر ديسمبر. ولا بد أن نتوقع ثمناً تدفعه أميركا إلى نتانياهو. ويبدو أن نتانياهو لم يبلّغ الأفرقاء اللبنانيين بتجميده لخطته فظلوا في وهمهم. ويبدو أن سوريا لم تبلّغ إيران بتجميد إسرائيل لخطتها لأنها تخاف أن يكون نتانياهو يكذب على أميركا، وهو معروف بخداعه.

ولكن ما الذي جعل نتانياهو يجمّد خطته هذه، علماً أن أميركا من البداية ضد عدوانه هذا، خاصة إذا كان هذا العدوان جزءاً من خطة إنجليزية للإطاحة بالنظام السوري والعودة إلى هذه المنطقة.

نُقِلَتْ أخبار عن وجود خبراء أميركان يدرّبون أجهزة في الجيش السوري. وإذا صح هذا فإن أميركا تكون قد زوّدت الجيش السوري بأسلحة معينة لها تأثير فعال يردع العدوان الإسرائيلي. أضف إلى ذلك الأسلحة السورية الكيميائية التي تخشى إسرائيل عواقب استعمالها. وحاول نتانياهو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حزب العمل لتتحمّل عواقب الحرب ، وأعلن بيريز موافقته، ولكنها لم تُشَكّل. والظاهر أن أميركا ضغطت على بيريز كي يحجم.

وإذا دققنا في العبارة التي نقلها المصدر الرسمي الإيراني من أن سوريا مطمئنة وواثقة من الدعم المصري والسعودي إذا تعرضت لأي عدوان، نتوقع أن يكون نتانياهو فكّر غير مرّة في عواقب عدوانه. وإذا ربطنا هذا بما شدد عليه أسامة الباز في مساء 15/12/96 من قوله: «ضرورة الحفاظ على قوة عسكرية مصرية تحول دون وجود تهديدات في المنطقة» وقوله: «حال السلام بين مصر وإسرائيل لا تعني حال استرخاء عسكري» وقوله: «إن دور مصر الإقليمي لا ترسمه قوى خارجية ولا يتحدد وفقاً لما تراه دولة مجاورة» في إشارة إلى إسرائيل. وعبّر عن دهشته واستغرابه من الأحاديث التي تدور في الأروقة السياسية والإعلامية الإسرائيلية عن دور مصر. وقال: «نحن لا نفرض دورنا على أحد في المنطقة، والظروف هي التي فرضت علينا هذا الدور، ومن دون ذلك سيكون الوضع مهتزّاً ومهترئاًً ونحن نحقق التوازن والاستقرار في المنطقة».

وقد نقلت بعض الصحف في 18/12/96 معلومات عن نية زعماء عرب مباشرة الاتصالات من أجل عقد قمة عربية تتخذ فيها القرارات الحازمة ضد إسرائيل: ليس بوقف التطبيع، بل بإعادة النظر فيه. وليس بتعطيل التمثيل الدبلوماسي القائم بل بقطع هذا التمثيل. وليس بوقف المفاوضات بل بوضع استراتيجية عربية مشتركة المواجهة حرب محتملة مع إسرائيل، فلا تبقى الدولة العربية وحدها مستهدفة ومستفردة في هذه الحرب والجهات الأخرى تقف متفرجة أو تكتفي بالدعم الكلامي لها، بل يجب أن تفهم إسرائيل أن أي اعتداء منها على أية دولة عربية هو اعتداء على كل الدول العربية.

طبعاً أميركا هي الموجه للدول العربية لمثل هذا المؤتمر ومثل هذه القرارات. ورغم أن مثل هذا المؤتمر لا ينجح لأن الدول العربية منقسمة، ولكنه يؤثر على إسرائيل بشكل عميق.

هذه قد تكون بين العوامل التي جعلت نتانياهو يجمّد خطته؟

 ونستنتج أن أميركا هي التي حضّت رفسنجاني على القيام بزيارته (من 19 إلى 22/12/96) ليسعى، بين أمور أخرى، في الإصلاح بين تركيا وسوريا كي لا تتعاون تركيا مع إسرائيل في عدوانها على سوريا (رغم أن أميركا تظهر الانزعاج من لزيارة)، وذلك من أجل تطويق نتانياهو (والإنجليز) للمستقبل.

وإذا أردنا أن نخاطب أمتنا بصراحة نقول لها: أنتم لستم أقوى من إسرائيل فقط، بل أنتم، على أرضكم، أقوى من أميركا وبقية الدول الكبرى، شرط أن تتوحدوا على عقيدتكم وشريعتكم، تحت راية خليفة واحد، يقودكم بكتاب الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *