العدد 118 -

السنة الحادية عشرة – ذو القعدة 1417 هـ – آذار 1997م

قضية المفاوضات بين العرب واليهود

أجــوبة أســئلة :

2- قضية المفاوضات بين العرب واليهود

 

 

تصرّفت أطراف ما يُسمى بقضية «الشرق الأوسط» الدولية والإقليمية والمحلية وكأن قضية الخليل هي القضية المحورية، بل وكأن قضية الشرق الأوسط اختُزِلَتْ في قضية الخليل، فجرى الإعلان أن السير العلني في التطبيع، واللقاء مع المسؤولين اليهود رَهْنٌ بحل قضية الخليل. أما وقد جرى التوقيع على اتفاق الخليل بحل بعض القضايا الخلافية، وتأجيل أخرى فقد بدأ التوجه نحو المرحلة النهائية.

ونتيجة لهذا الاتفاق رُفع الحرج عن لقاءات المسؤولين العرب واليهود، وعن السير العلني في عمليات التطبيع. ومن ناحية اليهود فقد تسارعت المفاوضات بين الحزبين الكبيرين لإنجاز وثيقة اتفاق بينهما تحت عنوان «اتفاق وطني حول الوضع النهائي» وتضع الوثيقة الخطوط الحمراء لما يرفضه الحزبان باسم الشعب اليهودي، وتشكِّل الوثيقة رسالة إلى الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وبخاصة أمريكا. فحواها أن الإجماع السياسي والشعبي انعقد على ما جاء في الوثيقة، والوثيقة تعتبر أن القضية الفلسطينية هي قضية إسرائيلية داخلية، فاليهود هم الذين يحددون صيغة الحل وشكله، وهم الذين يحددون شكل الكيان الفلسطيني المنتظر وصلاحياته، ويحددون حدوده، إذ تنص الوثيقة على أن هذا الكيان سيكون داخل حدود الدولة اليهودية، وخارج مدينة القدس، كما اتفق الطرفان في الوثيقة على أن يكون نهر الأردن والمرتفعات المطلَّة عليه حداً جغرافياً، أو حداً أمنياً فإما أن تُضَم هذه المرتفعات للكيان اليهودي، أو تُستخدم كقاعدة ارتكاز لقواته، كما اتفقا أيضاً على أن لا يُزال شيء من المستوطنات فتُضم غالبية المستوطنات للكيان اليهودي، وما لا يُضم منها يجري التفاوض على ترتيبات خاصة بها، واعتبر الطرفان أن القدس عاصمة للكيان اليهودي، وستبقى بكاملها مُوحَّدة تحت السيادة الإسرائيلية، كما اشتملت الوثيقة على حلول لمشكلة اللاجئين وتقاسم المياه.

وبقي الخلاف على الكيان الفلسطيني شكلياً، فيرى فيه حزب العمل دولة فلسطينية منزوعة السلاح، أي منقوصة السيادة أو ما كان رابين يسميه «أقلّ من دولة»، بينما يرى حزب الليكود فيه حكماً ذاتياً موسعاً.

وبقي الخلاف على الجولان بشكل أوضح، فحزب العمل يوافق – حسب تسريباته، وحسب ما يُفهم من تصريحات مسؤوليه – على الانسحاب الكامل من الجولان مقابل شروط صعبة، ويجعل الانسحاب رهناً بموافقة الكنيست، وبموافقة شعبية تُؤخَذ باستفتاء عام، وهذه أمور لا يستطيع حزب العمل أن يتحكم بها فهو رَهَنَ موافقته بمشيئة غيره.

أما حزب الليكود فيرى الاحتفاظ بالجولان، أو بالجزء الأكبر منها.

وستبقى الجولان والعلاقة مع سوريا تشكل عقدة كبرى على الأقل في حكم الليكود، لأن سوريا لن تقبل بأقل من الانسحاب الكامل من الجولان، وتؤيدها أمريكا في ذلك. ويزيد ما يتعرض له الجيش الإسرائيلي من استنزاف في الشريط الحدودي اللبناني العقدة تعقيداً، بل ويشكل مأزقاً لليهود، وهم يبحثون له عن حلّ سريع. ومعلوم أن لبنان مرتبط بسوريا، فهو لا يَقبل حلاً منفرداً ومنفصلاً عن سوريا، إذ لو حصل هذا الحل لبقيت سوريا منفردة خارج الحل، ولما اكترث اليهود كثيراً بالسعي معها. وقد حاولت بريطانيا أن تتوسط في حلّ يقوم على «لبنان أولاً» حتى وإن لم يقُم الحل على صلح دائم بين الكيان اليهودي ولبنان، إذ جرى البحث عن إيجاد ترتيبات أمنية مع تأجيل الصلح الدائم إلى وقت لاحق، لكن أمريكا وسوريا أحبطا المسعى البريطاني الإسرائيلي.

وما دام اليهود يرفضون الانسحاب من الجولان، وما داموا غير قادرين على وقف النزيف في الشريط الحدودي اللبناني، أو السكوت عليه وتقبُّله فإنهم يفكّرون بأحد أمرين:

أولهما:  القيام بحرب محدودة في لبنان تجرها إلى صلح، أو إلى الموافقة على ترتيبات أمنية، أو بالقيام بحرب واسعة مع سوريا، ومع أن هذا الاحتمال قائم إلا أن تنفيذه ليس بالسهولة، فمغامرة كهذه تحتاج إلى ظروف دولية، وإلى مظلّة من دولة كبرى، وسبق أن اعتدى اليهود على لبنان في السنوات 78 و82 و96 ولكنهم لم يفلحوا في جر سوريا إلى حرب لامتناع سوريا عن الانجرار، ولوقوف أمريكا لهم بالمرصاد. ففي سنة 1982 قاموا بعدوان على لبنان وانتصروا عسكرياً ولكنهم فشلوا في جر سوريا، وفي تحقيق شيء من غاياتهم، مما سبّب لرئيس الوزراء مناحيم بيغن الاكتئاب والعزلة السياسية، بل والاجتماعية، ومع كل ذلك فإن الحرب تبقى احتمالاً.

وثانيهما:  انسحاب الجيش اليهودي من الشريط الحدودي من طرف واحد، أي من غير مفاوضات مع لبنان، على اعتبار أن الجيش اللبناني سَيَحِل محله في الشريط الحدودي، وسيقوم بالحفاظ على أمن الحدود، وعلى اعتبار أن المقاومة اللبنانية ستفقِد عندئذٍ ذرائعها في التصدي للجيش اليهودي، لأنها تعمل من أجل تحرير الأراضي اللبنانية فحسب. لكن الانسحاب من طرف واحد فيه مهانة، ويتعارض مع الكبرياء العسكرية، ومع كرامة الدولة، لأنه يساوي الهزيمة، كما يتعارض مع الكبرياء والعجرفة التي يُظهرها نيتينياهو، ومع كل ذلك فإن الانسحاب من طرف واحد يبقى احتمالاً وارداً وبخاصة بعد أن أخذ عدد الذين ينادون بذلك في ازدياد.

وتنفيساً لهذا التوتر، وحتى تبقى عجلة المفاوضات تدور تسعى أمريكا لإيجاد صيغة تعيد الطرفين السوري واليهودي إلى طاولة المفاوضات، وإن لم تؤدِّ المفاوضات إلى نتائج في مستقبل قريب. فالمهم أن يَبقى محرك مركبة المفاوضات يدور حتى وإن لم تتحرك .

 

19 من شهر رمضان المبارك 1417هـ

28/1/1997م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *