العدد 121 -

السنة الحادية عشرة – صفر 1418 – حزيران 1997م

العـلـم والـظـن

مع القرآن الكريم

العـلـم والـظـن

بسم الله الرحمن الرحيم

قال اللـه تعالى: (إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرةِ لَيُسَمّونَ الملـئكةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثى* وما لَهُمْ به من عِلْمصلـ إنْ يَتَّبِعونَ إلا الظنَّصلـ وإنَّ الظنَّ لا يُغْني مِنَ الحقِّ شيئاً) [سورة النجم 27 – 28].

وقال تعالى: (فلا جُناحَ عليهما أن يتراجَعا إن ظنّا أن يُقيما حُدودَ اللـه) [سورة البقرة 230].

وقال تعالى: (وما قَـتَلوهُ وما صَلَبوهُ ولـكنْ شُـبِّهَ لَهُمْج وإنَّ الذين اختلفوا فيهِ لفي شكّ منهج ما لَهُمْ به من عِلْمٍ إلاّ اتّباعَ الظنِّج وما قَتَلوهُ يقيناً) [سورة النساء 157].

وردت كلمة (العلم) في القرآن بمعنى القطع واليقين. وقد جاءت في مواضع قليلة جداً بمعنى غلبة الظن (الترجيح) مثل (ولا تَـقْفُ ما ليس لكَ به عِلْم) [الإسراء 36]، ومثل (فإنْ علمتموهنَّ مؤمناتٍ فلا تَرجعوهنَّ إلى الكُفّار) [الممتحنة 10]. ووردت كلمة (الظنّ) في القرآن بمعنى الوهم مثل ما ورد في الآية 28 من سورة النجم، المذكورة أعلاه، ووردت بمعنى القطع واليقين مثل (الذين يظنون أَنَّهم مُلاقو رَبِّهمْ وأنهم إليه راجعون) [البقرة 46]، ووردت بمعنى الترجيح مثل ما ورد في الآية 230 من سورة البقرة، المذكورة أعلاه.

فالظن الذي بمعنى الوهم لا يصلح دليلاً على العقائد ولا على الأحكام الشرعية، فالذين يقولون بأن الملائكة إناث ليس عندهم دليل ولا شبهة دليل، وليس عندهم إلا التوهُّم، ومع ذلك فإن الآية الكريمة سـمَّتْ هذا التوهّم ظـنّاً. وهذا النوع من الظن مردود ولا يغني من الحق شيئاً لا في العقائد ولا في الأحكام.

أما الظن الذي بمعنى (ترجيح الرأي) فإنه يُعمل به في الأحكام الشرعية العملية (وليس في أصول العقائد) وذلك مثل قوله تعالى بشأن الرجل الذي يطلّق زوجته ثلاثاً ثم تتزوج غيره، فإن طلّقها الثاني فإنه يجوز أن يعود ويتزوجها الأول (إن ظنّا أن يقيما حدود اللـه) [البقرة 230]. وغالبية الأحكام الشرعية مبنية إما على أحاديث الآحاد أو على آيات ظنية الدلالة.

أما لماذا لا يكفي الترجيح (غلبة الظن) في الاستدلال على العقائد الأساسية، مع أنه يكفي، كما رأينا، في الاستدلال على الأحكام الشرعية فإن الآية 157 من سورة النساء المذكورة أعلاه تبيّن ذلك بياناً واضحاً.

إن الذين ظنوا أن المسيح (عليه السلام) اعتُقِل وصُلِب وقُتِل عندهم دليل راجح على ظنهم هذا، وليس ظنهم مجرد وهم. ذلك أن المسيح كان في البيت مع تلاميذه. وطوقت الشرطة البيت. وألقى اللـه شَبَهَ المسيح على أحد تلاميذه. ورفع اللـه المسيح إليه بمعجزة لم تعلم الشرطة بها. وحين دخلوا البيت واعتقلوا من فيه ظنوا أنهم اعتقلوا المسيح. وأخذوا الشبيه وصلبوه حتى مات. وكان ذلك أمام الناس.

إذاً الذين قالوا بأنهم صلبوا المسيح وقتلوه كان معهم دليل حسيّ قوي جداً، ولكنه لم يكن يقينياً، بل داخَلَهُ شكٌّ من جهتين: الأولى أن الشَّبَهَ لم يكن كاملاً، فالوجه وجه المسيح ولكن الجسد هو غير جسده. والثانية أن العدد نقص واحداً، فقد كان في البيت ثلاثة عشر شخصاً، المسيح وتلاميذه الاثنا عشر، ولم يجدوا في البيت إلا اثني عشر رجلاً. وبسبب هذا الاختلاف في الجسد وهذا الاختلاف في العدد فقد وقع الشك، وهبطت المسألة من مرتبة اليقين الحسي إلى مرتبة الظن (ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن) هذا الظن رفضه اللـه كدليل على هذا الاعتقاد وإن كان هذا الدليل راجحاً. وأرشدنا اللـه سبحانه إلى أن المطلوب في مثل هذه الأمور ليس غلبة الظن فقط بل اليقين (وما قتلوه يقيناً) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *