العدد 121 -

السنة الحادية عشرة – صفر 1418 – حزيران 1997م

كلمة الوعي: إسرائيل تخطط لضرب سوريا من تركيا

منذ أوائل شهر أيار (مايو) 1997 عادت إسرائيل إلى نغمة تهديد سوريا بالحرب. هذه النغمة كانت إسرائيل قد أطلقتها في تشرين الثاني (نوفمبر) 1996. فقد كان موردخاي وزير الدفاع الإسرائيلي صرّح في 17/11/96 بأن تطوير سوريا غاز الأعصاب (في. إكس) يعتبر «تطوراً خطيراً جداً»، وحذر سوريا من أنها يمكن أن تتوقع «هجوماً إسرائيلياً يمكن أن يدمر النظام هناك».

وقد خفتت نغمة التهديد فترة لتعود من جديد، ففي 29 نيسان (ابريل) 97 قالت صحيفة «هآرتس» بأن سوريا أنتجت نوعاً جديداً من الغازات السامة لتجهز بها رؤوس مئات الصواريخ أرض – أرض التي تمتلكها. وفي اليوم نفسه نشرت إذاعة إسرائيل مقابلة مع الخبير العسكري زئيف شيف ذكر أن سوريا تمتلك الغاز (في. إكس) الذي لا تنفع معه الأقنعة الواقية الموجودة في إسرائيل. وفي أوائل أيار (مايو) 97 أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه في ظل جمود المفاوضات والأنباء عن تسلح الجيش السوري فتحت وزارة الخارجية الإسرائيلية ملفاً بعنوان «ملف الحرب». وفي 02/05/97 قال نتانياهو لإذاعة إسرائيل: «نحن مستعدون لمواجهة اندلاع حرب جديدة» وفي اليوم نفسه ناقش مجلس الوزراء الإسرائيلي تصنيع الأقنعة الواقية وتوزيعها على الشعب. وفي اليوم نفسه أيضاً طالب رئيس الأركان الإسرائيلي شاحاك بزيادة ميزانية الجيش لمواجهة احتمال اندلاع الحرب، وأن يكون الاستعداد للحرب أكثر واقعية.  وقد حولت إسرائيل إلى وزارة الدفاع مبلغ 330 مليون دولار من مشروعات أخرى. علماً أن شاحاك كان طلب في 27/10/96 زيادة مبلغ 1.1 بليون دولار لميزانية الدفاع للعام 1997.

وفي 03/05/97 قال وزير الدفاع التركي تورهان تايان، عقب زيارته لإسرائيل: «إن سوريا هي المقر العام للإرهاب الذي يمارس ضد تركيا وضد إسرائيل في وقت واحد، وإيران تساند هذا الإرهاب». وقام تورهان بجولة في مرتفعات الجولان. وقد نقلت جريدة «الحياة» في 04/06/97 أن اتفاقية التعاون الموقعة بين تركيا وإسرائيل تنص في البند (1- أحكام عامة) أن «يشترك أفراد التبادل في المعارك التي تحدث بين الدول المضيفة ودولة ثالثة، وأن يسمح باشتراكهم في عمل (…) إذا كانوا في الدولة المضيفة» وهذا البند أتاح لإسرائيل إمكانية المشاركة في أية عمليات عسكرية ضد طرف ثالث، والمقصود هو سوريا تحديداً، تحت ستار مكافحة الإرهاب وضرب قواعد حزب العمال الكردستاني، أو أية أهداف أخرى تختارها إسرائيل. وكانت إسرائيل أبلغت وزير الدفاع التركي خلال زيارته لها في 03/05/97 «أنها ستعتبر أي هجوم بالصواريخ على تركيا هجوماً عليها». وقال وزير الدفاع التركي بأنه قَلِق من «جهود سوريا وإيران لتطوير قدراتهما في مجال الحرب الكيماوية والصواريخ البالستية» وقال هذا «يشكل مصدر قلق ليس لنا فقط بل وأيضاً لحلف شمال الأطلسي».

في 13/05/97 قامت تركيا بإدخال حوالي ثلاثين ألف جندي إلى شمال العراق وقالت بأنها لن تخرج قبل تحـقيق غرضـها من الدخول وهو القضـاء  على مسـلحي حزب العمال الكردســتاني، وقالت بـأن وجــودهـا

شرعي لأن حاكم المنطقة، البرزاني، هو الذي دعاها. بعض المراقبين يقولون بأن الدخول التركي هذه المرة هو بتوجيه من إسرائيل كي تقطع الطريق على نقل السلاح من إيران، عبر هذه المنطقة ثم عبر سوريا إلى «حزب اللـه»، و «حزب العمال الكردستاني» في لبنان. والأرجح أن الأمر أكبر من مجرد منع نقل السلاح لأنه إذا كانت سوريا ستسمح بنقل السلاح فإنها تستطيع هي أن تعطي السلاح إذا لم يمكن إحضاره من إيران. الأرجح أن تركيا تريد أن تسيطر على هذا الموقع لتستخدمه ضد سوريا وضد إيران إذا لزم الأمر. ولذلك فإن سوريا قلقة جداً من هذا الدخول التركي. العراق لا يبدو عليه الانزعاج الحقيقي من الدخول التركي. بل الأرجح أن هناك تفاهماً تركياً عراقياً على هذا الدخول. وسوريا تحاول كسب العراق لجانبها عن طريق فتح الحدود ورفع الحظر واستئناف التجارة.

بالتأكيد أميركا ضد هذا الدخول التركي إلى شمال العراق، وهي تضغط على تركيا لتنسحب بسرعة. وكانت صحيفة «الواشنطن بوست» ذكرت أن أميركا ضد هذا الدخول التركي. وحين أعلنت تركيا وإسرائيل عن إجراء تمرينات عسكرية بَحْرية هذا الصيف مقابل الشواطئ السورية أعلنت أميركا عن رغبتها مشاركتهما. وهذا يعني أنها تريد لجمهما عن أي عمل ضد سوريا.

في 29/05/97 عملت جريدة «النهار» البيروتية مقابلة مع عبد اللـه أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني. وفي 02/06/97 قام مسؤول في حزب أوجلان بعقد مؤتمر صحفي في ضاحية بيروت الجنوبية أعلن فيه أن فترة السلام والحوار مع أنقرة قد انتهت، وأن حزبه سيضرب أهدافاً إسرائيلية وأميركية في تركيا وخصوصاً في إستانبول، وأنه سيضرب المرافق السياحية التركية.

وفي 06/06/97 اعترف الجيش التركي بسقوط طائرتي هيليكوبتر بصواريخ (سام – 7) في شمال العراق، ووجه الاتهام أولاً إلى سوريا أنها هي التي تزود جماعة أوجلان بهذا السلاح، واتهم بعد سوريا كلاً من إيران واليونان وقبرص وأرمينيا وصربيا.

عبد الحليم خدام حذّر من الخطأ في الحسابات. ونحن نفهم أن هذا التحذير موجه إلى إسرائيل. ولكن قد تركب إسرائيل رأسها، بناءً على حساباتها، وتقوم بما تخطط له من ضرب سوريا.

يبدو أن إسرائيل أقنعت تركيا (جنرالات الجيش) أنها لن ترتاح من ثورة حزب أوجلان، ولن تأمن الخطر الداهم من (الأصولية الإسلامية) إلا إذا ضُرِبَتْ سوريا ضربة تؤخرها سنوات عدة، وتضع حداً لتدخلات إيران. ويبدو أن تركيا سائرة في هذا المخطط. ويبدو أن هذا المخطط ليس إسرائيلياً – تركياً فقط، بدليل أن العراق غير منزعج. ونحن نرجّح أن الإنجليز يؤيدونه، وليس موقف الأردن بعيداً عن موقف العراق فيه. فهو مخطط دولي وليس إقليمياً فقط. مصر والسعودية تؤيدان سوريا وإيران، وأميركا هي مع هذا المحور.

قبل حوالي ستة أشهر كان عند إسرائيل خطة لضرب سوريا، ولكنها ارتدعت أمام الضغط الأميركي وخوفاً من السلاح المتطور الذي تملكه سوريا.

الآن نتانياهو يخطط أن يقوم طيارون إسرائيليون بطائرات تركية من الأراضي التركية وباسم الجيش التركي بضرب مواقع وأهداف داخل سوريا بحجة تصفية قواعد «حزب العمال الكردستاني» وهو يرى أن سوريا لن يكون بيدها مبرر لتوجيه سلاحها الكيميائي المتطورإلى إسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *