العدد 124 -

السنة الحادية عشرة – جمادى الأولى 1418 – أيلول 1997م

العـداء مع اليـهـود

العـداء مع اليـهـود

عندما رجع رسول اللـه صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ والمسلمون من الخندق وقد نصرهم اللـه عز وجل على المشركين وكشف لهم خيانة يهود بني قريظة، ولما كان الرسول صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بيته يريد أن يغتسل من غبار الخندق والمسلمون يستريحون من عناء الغزوة، أتاه جبريل عَلَيْهِ السَّلاَمُ وأمره بالذهاب إلى قتال بني قريظة وقال له: ألا أراك وضعت اللأمة ولم تضعها الملائكة بعد، إن اللـه يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم، فأمر الرسول صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أن ينادي المنادي: «يا خيل اللـه اركبي، من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة»، ولبس رسول اللـه صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الدرع والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس وركب فرسه.

وذهب الرسول صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ والمسلمون معه إلى بني قريظة وحاصروهم، وتقدمت الرماة من المسلمين وقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ لسعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللـه عَنْهُ: يا سعد تقدم فارمهم، فرماهم المسلمون ساعة ويهود ترامي المسلمين ورسول اللـه واقف على فرسه فيمن معه، فلما كان الغد قدم رسول اللـه الرماة أيضا وعبأ أصحابه فأحاطوا بحصون اليهود ورموهم بالنبل والحجارة وهم يرمون المسلمين من حصونهم حتى أمسوا، فنزل نباش بن قيس وكلم رسول اللـه صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ على أن ينزل يهود بني قريظة على ما نزلت عَلَيْهِ بنو النضير، له الأموال ويحقن دماءهم ويخرجون من المدينة بالنساء والذراري، ولهم ما حملت الإبل إلاّ السلاح فأبى رسول اللـه إلا أن ينزلوا على حكمه.

ولما اشتد الحصار على اليهود نزلوا على حكم رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم، فأمر الرسول بأسراهم فكتفوا بالرباط، واخرج النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحية، وجمعت أمتعتهم وما وجد في حصونهم من السلاح والأثاث والثياب فوجد فيها ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع وألفا رمح وألف وخمسمائة درع وأثاث كثير وآنية كثيرة، وخمر وجرار فأهرق ذلك كله، ووجد من الجمال والماشية شيء كثير فجمع هذا كله.

وطلبت الأوس من رسول اللـه أن يهب لهم يهود بني قريظة، فقال لهم رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم قالوا: بلى، فقال رسول اللـه: فذلك إلى سعد بن معاذ.

وسعد بن معاذ يومئذ مجروح من غزوة الخنـدق، فأتـي به مـحـمـولا وهو يقول اللهم أطل في عمري لأحـكـم فـي بني قريظة، ثمّ حكم فيهم فقال: أحكم فيـهم أن يقتل من جرت عليه المواسي، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال فقال رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم: «لقد حكمت بحكم اللـه من فوق سبع سماوات».

فأمر رسول اللـه بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد والنساء والذرية إلى دار ابنة الحارث، وأمر بأحمال التمر فنثرت على بني قريظة ليأكلوا منها ما يشاءون ثمّ غدا رسول اللـه في يوم الخميس السابع من ذي الحجة والأسرى معه، وأتى إلى السوق، فأمر بالأخاديد فحفرت، وحفر فيها هو صلى اللـه عليه وآله وسلم وأصحابه رضي اللـه عنهم، وجلس ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة فكانوا يخرجون أرسالا تضرب أعناقهم، وكان الذين يلون قتلهم على والزبير رضي اللـه عنهما.

ولما جيء بعدو اللـه حيي بن أخطب قال له رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم: ألم يمكن اللـه منك يا عدو اللـه؟ فقال حيي: بلى، واللـه ما لمت نفسي في عداوتك، فضرب عنقه، وأمر الرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم بقتل كل من أنبت منهم، وكان من يشك فيه أَبَلَغَ أم لا، ينظر إلى مؤتزره فإن كان أَنْـبَتَ قتل وإلا ترك في السبي، وتمادى القتل فيهم إلى الليل حتى لما أصبحوا في الغد أكملوا القتل فيمن بقي، وقتل منهم يومئذ ما بين الستمائة إلى السبعمائة وقيل كانوا سبعمائة وخمسين. ولما انتهى المسلمون من قتلهم ردوا عليهم التراب في الخنادق وانتهت بذلك ملحمة من ملاحم العداء بين اليهود والمسلمين. ولم ينته العداء فهو باق ما بقي مسلم ويهودي على وجه الأرض.

هذه قصة من قصص العداء مع اليهود ذكرتها لكم لنستشعر عزتنا عندما كانت لنا عزة بالإسلام، ولندرك ما نحن فيه بعد أن عَزَلْنا الإسلام عن الحياة والدولة.

إن العداء بين المسلمين واليهود، ليس عداء على مشكلة من المشاكل حتى تحل بالتفاهم، كما أنه ليس ثأرا موروثا ينسى ويضيع مع الأيام، أو مالا مسروقا يمكن استرجاعه، أو أرضا مختلَفاً عليها يمكن التعويض عنها، إنه ليس كذلك ولا يمكن أن يكون كذلك.

إن العداء بين المسلمين واليهود هو عداء عقائدي، عداء وجد يوم بعث رسول اللـه صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بالإسلام الذي جعله اللـه خاتمة الرسالات، وجعله الطريق إلى دخول الجنَّة في الدار الآخرة، قال رسول اللـه صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ما من يهودي أو نصراني سمع بي ولم يؤمن بي إلا دخل النَّار».

وما الموقف الذي ذكرناه في أول هذه الكلمة من السيرة العطرة لسيد المرسلين مُحَمَّد صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلا مظهرا من مظاهر هذا العداء، والسيرة النبوية ملأى بمثل هذا الموقف، وليس غريبا على اليهود أن يعادوا الحق فهم على ما أكرمهم اللـه به من الرسالات والفضائل قد ناصبوا اللـه العداء قبل بعثة سيدنا مُحَمَّد صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فهم الذين عصوا وكفروا، وكان قتل الأنبياء شيمة من شيمهم، والغدر من أبشع خصالهم، قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللـه وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفُ بَلْ طَبَعَ اللـه عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً* وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً* وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللـه وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكًّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يقيناً) وقال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللـه وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُواْ بِغَضَبٍ مِنَ اللـه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللـه وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حق ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) وقال: (… وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاءُواْ بِغَضَبٍ مِنَ اللـه ذَلِكَ بِأَنَّهُـمْ كَانُـواْ يَكْـفُرُونَ بِآيَاتِ اللـه وَيَقْـتُـلُـونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُواْ يَعْتَدُونَ).

والآيات في وصف خبث اليهود وعدائهم للإسلام ولرسول الإسلام ولأمة الإسلام كثيرة في كتاب اللـه، وقد حذرنا اللـه منهم ونهانا عن موالاتهم أو التودد إليهم، وجعل ذلك إن حصل منا طعنا في عقيدتنا وميلا إلى ملتهم، قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللـه هُوَ الهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِن اللـه مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِير) وقال عز من قائل: (يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ آمَـنُوا لا تَـتَّـخِـذُوا اليَـهُـودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض وَمَنْ يَـتَـوَلَّـهُـم مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللـه لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ).

أما قضية فلسطين، واحتلال اليهود لأرض المسلمين ومقدساتهم، فإنها ليست هي قضية المسلمين، وإنما هي جزء من قضايا المسلمين التي وجدت إثر زوال دولة الخلافة، وقد أراد الغرب وبمعاونة حكام العرب، واستغلال الخونة من المسلمين أن يحصروا العداء مع اليهود في فلسطين، وذلك لإبعاد الناحية العقائدية عن هذا العداء وطمسها لئلا يكون لها أثر في نفوس المسلمين، وهذا تمييع للعداء العقائدي الذي رسخه القرآن في نفوسنا بصفتنا مسلمين ورضعناه رضعا منذ نعومة أظفارنا.

نعم أرادوا أن يكون العداء عداءً على أرض، وجعلوا الحكَم فيها الحقَّ التاريخي ومجلسَ الأمن، وصوروا للمسلمين أصحابِ هذه الأرض أن استرجاعها يجب أن يكون بالبحث والتفاوض والاتفاقات وأنشـأوا المنظـمة الفلسـطـينية لتكون الممثل الشرعي في التفاوض والتنازل عن أرض المسلمين، ولتوقع مع اليهود التنازل عن هذه الأرض وجعلوا من هذا التنازل تنازل صاحب الحق عن حقه.

وتعدى الأمر ذلك كله أن اصبح التعبير عن الرفض للوجود اليهودي في أرض المسلمين يجب أن يكون تعبيرا ديمقراطيا بالاعتصام والتنديد والمظاهرات أما القتل في اليهود فهو العنف والإرهاب والوحشـية، وهو الذي يستدعي تقديم التعازي لليهود ودفع الديات المغـلّـظـة لهم والاعـتـذار منـهـم والركـوع أمامهم ومعانقة رجالهم والمسح على رؤوس أطفالهم ووصف من يقتلهم بالجنون.

أما ما يفعله اليهود بنا فيجب أن يكون باردا على قلوبنا، وأن نتقبله بروح رياضية – الروح التي يتمتع بها من بكى على رابين وعزّى اليهود بقتلاهم وقال لهم أنتم إخواني ومن قتل منكم فهم أبنائي وبناتي.

في عملية عناقيد الغضب عقد قائد وحدة المدفعية اليهودي اجتماعا مع جنوده بعد مجزرة قانا وأبلغهم بالحرف الواحد: «إن هؤلاء النفايات البشـرية يطـلـقـون عليـكـم الصـواريـخ فماذا تفعلون؟ إنكم تعلمون أن هناك ملايين كثيرة منهم».

ونشرت جريدة هاآرتس الإسرائيلية مقالا بعد عملية عناقيد الغضب قالت فيه ما نصه: «لقد قتلنا أما في النبطية وأطفالها السبعة الذين دفنوا معها تحت الأنقاض، قتلنا الطفلة زينة ابنة العاشرة من العمر وحنان ابنة الثالثة ومريم ابنة الشهرين لأننا لا نهتم بقتلهم، والحرص على حياتهم ليس من الأمور التي نوليها الأهمية أو الأولوية، لقد قتلناهم لأنّ الفرق شاسع بين الاهتمام الضخم بحياتنا وهو اهتمام يصل إلى حد التقديس وبين عدم الاهتمام بأرواحهم لأننا مقتنعون بدرجة لا تقبل الشك أن حياة الآخرين ليست لها أية قيمة لدينا».

دير ياسين… صبرا وشاتيلا… مذبحة صلاة الفجر في الخليل… عناقيد الغضب… وغيرها… وغيرها… وغيرها… ما زالت أحداثها محفورة في صدورنا، وما زالت صور القتلى من النساء والأطفال والشيوخ تقطّع مشاهدها قلوبنا ولن ننساها ما حيينا.

أو يظن دعاة السلام أن شهداءنا الذين قتلوا وسفكت دماؤهم في تلكم الأحداث بهائم لا قيمة لهم عندنا؟ أم أنهم يظـنـون أننا أصـبـحنا من الذلة واحتقار الذات والوضاعة أن ننـسـى حقوقنا، ونتنكر لدماء شهدائنا؟ أم يظنون أن أطفالنا الذين قتلوا كانوا حبات رمل طارت في الهواء لا ثمن ولا قيمة لها، أولم يعلموا أن هذه الأمّة أمة جهاد وقتال وشهادة، أولم يعلموا أننا قوم لا نُهزَم أبدا، إما أن ننتصر أو نستشهد. إن ما أوصلنا إلى هذه الحال هو ضياع راعيـنا وفـقـدان دولتنا وتحكّم دعاة (الاستسلام) مع اليهود فينا.

هم يظنون أنهم بسلامهم هذا، وبتطبيعهم العلاقات، والتودد لليهود سيزيلون العداء العقائدي من نفوس المسلمين، وهم بذلك كالذي كذب كذبة وصدقها، فما هو إلا سلام حكّام فيما بينهم وما هو إلا تطبيع حكومات، فالشعوب لا يمكن أن تسالم أو تطبّع، والمسلمون من أقصى الأرض إلى أقصاها لا يكذبون اللـه ورسوله ليصدقوا حكامهم وحكوماتهم.

إن السلام الذي عقدوه ويُهْرَعون لاستكماله سلام حكام وليس سلام شعوب، وإن التطبيع تطبيع حكومات وليس تطبيع شعوب، ومهما حاول الخونة أن يصوروا غير ذلك للمسلمين فلن يستطيعوا إلا أن يزيلوا آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صَلَّى اللـه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ التي رسخت العداء لليهود لدى المسلمين، ويحفروا قلب كل مسلم ليزيلوا منه بغض اليهود واحتقارهم ويضعوا فيه حب اليهود والتودد لهم، وهذا ما لا يمكن أن يقدروا عَلَيْهِ وليس لهم سبيل إليه وإن كانوا يتمنونه.

لقد تحركت الجرافات لبناء المستوطنات في القدس، وتحركت تجاهها الجيوش الجرارة من التصريحات‍ والأسلحة الفتاكة من التنديدات والصواريخ ذات الرؤوس المملوءة بالتهديدات وصوتت أمريكا بالفيتو وما قوبلت إلا بالشجب المؤدب، والعتب الرقيق، والرجاء بتفهم الموقف.

هذه تصرفاتهم وهذه الردود عليها، باللـه عليكم أَوَصَلْنا إلى حال أسوأ من هذه الحال.

غدا سنصبح للتأريخ مسخرة
ماذا نقول لأجيال ستسألنا
ماذا نقول لرب العرش يسألنا

ماذا سيكتب؟ بل عنا سيعتذرُ
يَنْدى جبينُهمُ لو غيرُهمْ فَخَرُوا
يومَ اللقاءِ ويومَ النّاسُ قد حُشِرُوا؟ q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *