العدد 124 -

السنة الحادية عشرة – جمادى الأولى 1418 – أيلول 1997م

السحر

السحر

بسم اللـه الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: (فلمّا ألقوْا سَحَروا أَعًيُنَ الناس واسترهبوهم وجاءوا بِسِحْرٍ عظيم) [الأعراف 116].

وقال تعالى: (قالَ بل ألـْقُواصلـ فإذا حِبالهم وعِصِيُّهُم يُخَيّلُ إليه مِن سِحْرِهِم أَنّها تَسْعى) [طه 66].

وقال تعالى: (إنّما صَنعوا كَيْدُ سحِرٍصلـ ولا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [طه 69].

نشرت وسائل الإعلام في أواسط شهر آب 1997 عن وجود «سَحَرَة» في موريتانيا وفي عاصمتها نواكشوط. وأن هؤلاء السحرة يحوّلون الرجل أنثى والأنثى رجلاً بمجرد اللمس. وتلقت الشرطة عشرات الشكاوى من رجال ونساء قالوا بأنهم أحسوا بتغيرات جنسية. ومن ذلك أن رجلاً خُيِّل إليه أن له ثديين منتفخين يشير إليهما بإصبعه، بينما هو في الواقع طبيعي جداً ولم تحدث عليه أي تغييرات. ومن ذلك أن رجلاً أحس أنه تحول إلى أنثى عندما لمسه رجل آخر، وصار يصرخ، وانتهى الاثنان في المخفر. حيث أقنعت الشرطة الرجل أنه ما زال رجلاً ولم يفقد عضوه الذكري كما توهّم.

فهل هناك قدرة عند السحرة على تغيير طبائع الأشياء وحقيقتها كتحويل الأنثى ذكراً، وكتحويل الحمار إنساناً، وكتحويل الزجاج خبزاً، وكتحويل قطع القماش أرانبَ أو طيوراً؟

كلا، وبكلام قاطع نقول: لا يستطيع ذلك السحرةُ أو غيرهم من المخلوقات. وهذا لا يقدر عليه إلا اللـه سبحانه. وكل من يعتقد أن السحرة قادرون على ذلك فليس بمسلم، بل هو كافر لأنه ينسب إلى المخلوق القدرةَ التي هي خاصة بالخالق.

وحين اختلف العلماء على السحر، هل له حقيقة أو هو مجرد وهمٍ وخداع، لم يختلفوا على مثل الأمور التي ذكرناها، بل اختلفوا على الأمور السطحية، التي هي في الواقع خلافات لفظية. فالذين قالوا: السحر له حقيقة كانوا يقصدون أنه قد يحدث أثراً في النفوس، ولم يقصدوا أن الساحر يستطيع تغيير طبائع الأشياء فيحول الإنسان حماراً مثلاً. والذين قالوا: السحر لا توجد له حقيقة، بل هو مجرد تخييل وإيهام لم ينكروا أنه قد يحدث أثراً في النفوس، إذ التخييل والإيهام هو تأثير في النفوس. فالإمام أبو حنيفة يعتبر أن السحر لا حقيقة له. وغالبية المعتزلة يعتبرون أن السحر لا حقيقة له. ولم ينكروا أثره في النفوس. ومالك والشافعي وأحمد اعتبروا أن السحر له حقيقة، وقصدوا بذلك أَثَرَهُ في النفوس. فالخلافات بينهم هي خلافات لفظية.

وإذا أنعمنا النظر في الآيات الكريمة المذكورة أعلاه وفي غيرها نجد المعنى واضحاً وصريحاً. والآيات أعلاه تتكلم عن موسى عليه السلام مع سـحرة فرعون. فإن السـحرة ألقوا الحبالَ والعِصـِيَّ، ولم يحوّلوا حقيقةً هذه الحبال وهذه العصيّ إلى حيّاتٍ، بل سحروا أعينَ الناس وأثاروا فيهم جوّاً من الرهبة (اسـترهبـوهـم)، وقد يضـيفون إلى التأثير النفسي خِفّةً في الحركات، وموادَّ تساعد في الخداع كَطَلْيِ الحبال والعصي بالزئبق كي تظهر أنها تتحرك. وقد خُيِّلَ إلى موسى عليه السلام أن الحبال والعصي صارت حيّاتٍ تسعى، فأوجس في نفسه خيفة. إذاً هذا هو السحر. إنه لا يغيّر طبائع الأشياء بل هو يترك أثراً في النفوس. وهذا الأثر قد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً، حسب قدرة الساحر، وحسب استعداد النفوس للانسياق مع الساحر. وهناك بعض الناس لا يؤثر فيهم السحر حين يكونون منتبهين.

وفي الآية الثالثة وصف اللـه سبحانه ما صنعه سحرة فرعون أمام موسى عليه السلام بأنه مجرد (كيْد) أي هو مجرد تأثير نفساني وليس تغييراً لحقيقة الأشياء. ولا يفلح الساحر مهما فعل وحيثما حل.

وكلمة (الساحر) لفظ عام يشمل كل ساحر. ومعنى أنه لا يفلح أي لا يستطيع إيجاد حقائق غير حقائق الأشياء كما خلقها اللـه تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *