العدد 79 -

العدد 79 – السنة السابعة، جمادى الأولى 1414هـ، الموافق تشرين الثاني 1993م

رد على فتوى ابن باز بشأن الاعتراف بدولة اليهود

بقلم الأستاذ: إبراهيم بن محمد الوزير

اجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على أنه لا يجوز الاعتراف بإسرائيل ولا التفريط بشبر واحد من أرض فلسطين لأنها أرض المسلمين وقد أصدر علماء المسلمين فتاوى بذلك.

الشيخ عبد العزيز بن باز خالف هؤلاء العلماء جميعاً حيث أفتى بجواز المصالحة مع إسرائيل وجواز الاعتراف بوجودها على أرض فلسطين. وقد جاء في فتواه هذا النص (إذا لم يتيسر الاستيلاء على الكفرة والقضاء عليهم فالصلح جائز لمصلحة المسلمين وأمتهم وإعطائهم بعض حقوقهم وهذا أمر مطلوب وقد علم في الأصول المعتبرة أن ما لا يدرك كله لا يترك جله).

والحقيقة أن هذه الفتوى لا يمكن أن تصدر من عالم يفهم الإسلام ويتقي الله عزّ وجل. وأن صدور مثل هذه الفتوى من أي إنسان يدل إما على جهله بالإسلام وأحكامه وأوضاع المسلمين وما يراد بهم اليوم. وإما على انحرافه وضعف دينه وأنه يفضل رضى السلطة على رضي الله سبحانه وتعالى.

والفتوى باطلة من أساسها.

وإليك بعض المناقشة حولها.

أولاً: يقول ابن باز: إذا لم (يتيسر) الاستيلاء على الكفرة والقضاء عليهم فالصلح جائز.

أن طرح لفظة (يتيسر) فيه خطأ كبير وهو يؤدي إلى تمرير ما حصل ولا يؤدي إلى اتباع دين الله وأوامره، فالله سبحانه وتعالى قد أمر بالجهاد، والجهاد مشتق من (الجُهد) و(الإجهاد) وهو التعب والمشقة وبذل أقصى (الجُهد) وليس بحسب التيسر إذا لم (يتيسر) فالذي يطلب بحسب التيسير هو ما كان من أمور الدنيا. إذ أن المؤمن مأمور بأن يجمل في الطلب.

أما أمور الدين فيجب أن يبذل فيها أقصى الجهد ولا يكفي الطلب بالشيء اليسير لا سيما ما يتعلق بالجهاد.

الجهاد بالنفس والمال واجب شرعاً ضد من يغتصب أرض المسلمين

وآيات القرآن الكريم تدل على ذلك فالله يقول: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) فهل قد حصل هذا من المسلمين؟ هل نفر العرب والمسلمون خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله كما أمر؟ إن ذلك لم يحصل منهم منذ استولى اليهود على أرض فلسطين. والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه في آية صرحية أخرى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

فالمسلم الحقيقي قد باع نفسه وماله لله تعالى يقاتل أعداء الله والدين الذين استولوا على ارض المسلمين، وسواء قَتل أو قُتِل في سبيل الله فذلك هو الفوز العظيم. فهل هذه الآية، وقد أمرت ببذل الروح والمال، تعني العمل بحسب التيسر. وهل قدم المسلمون أنفسهم وأموالهم جهاداً في سبيل الله حتى يقولوا: لم نتمكن بعد أن قمنا بكل ما أوجب الله علينا من الجهاد بأموالنا وأنفسنا ولم نستطع الغلبة على اليهود ولذلك (فما لا يدرك كله لا يترك جلّه). إن ذلك لم يحصل كما هو معلوم.

فلماذا يتلاعب ابن باز بمفاهيم الإسلام، ومن اجل من يقول مثل هذا الكلام؟ هل جاهد حكام العرب المسلمون في سبيل الله بأموالهم الشخصية وأنفسهم كما أمر الله، أو حتى بأموال المسلمين العامة التي هي ثمن بترول وما أشبه ذلك من الدخل العام.

هل قدموه جهاداً في سبيل الله أم أنهم يحتفظون به في بنوك أميركا التي يديرها ويملكها اليهود الصهاينة في نيويورك وسويسرا وغيرها؟!!!

يا شيخ (ابن باز) إن الدعم الذي يذهب لإسرائيل من اليهود في أميركا إنما هو جزء بسيط من أرباح الأموال الهائلة التي يخزنها الحكام العرب في بنوك أميركا.

وكان الواجب عليك أن تفتي بتحريم خزن أموال المسلمين في بنوك أعداء المسلمين لما لذلك من أثر شديد في تقوية أعداء المسلمين وإضعاف المسلمين، لا أن تفتي بجواز ترك فلسطين والمسجد الأقصى لأعداء المسلمين.

ألا تتقي الله يا رجل، ألا تفهم ماذا يجري في العالم وما يراد بالمسلمين اليوم؟؟

إعداد القوة لإرهاب أعداء الله واجب شرعاً بنص القرآن

يا شيخ ابن باز، الله سبحانه وتعالى يقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) وهذا أمر الهي يقتضي الوجوب.

فهل أعد حكام العرب المسلمون كلما وجب عليهم إعداده من قوة لمحاربة أعداء الإسلام حتى يمكنك أن تقول: أنهم رغم امتثال أوامر الله وإعداد القوة التي أمر بها الله وبذل النفس والمال والجهاد المستميت لم يتمكنوا من النصر والغلبة (وما لا يدرك كله لا يترك جله). إننا نعلم أنهم لم يُعِدّوا أي شيء من القوة التي أمر الله بإعدادها لإرهاب أعداء الله وأعدائنا.

وأن حكام العرب اليوم في مصر والسعودية والكويت… وغيرها من البلدان العربية لا يجرؤون على أن يعملوا أي مصانع للأسلحة وللحديد الصلب ولغيرها من الصناعات الثقيلة رغم توفر المال عندهم، وصناعات العرب مهازل مضحكة، ومن ذلك أن الصناعات لدينا في اليمن مثلاً عبارة عن حلاوى (ميلم) أو شامبو (لشعر السيدات والحكام المترفين). وماء عادي يغلونه ويبيعونه أغلى من البنزين. والدول العربية لا تخرج في صناعاتها عن هذه الأمور وأمثالها. وليس هذا هو ما أمر الله به من إعداد القوة. أن أثمان البترول والمعادن والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وغيرها من أنحاء البلاد العربية والإسلامية تكفي لإنشاء أعظم مصانع الأسلحة وأكبرها، فهل عمل العرب المسلمون هذا يا شيخ؟ حتى تستطيع أن تقول: قد أعد المسلمون القوة كما أمر الله وبذلوا أنفسهم وأموالهم وقاتلوا وقتلوا كما أمر الله ولكن لم يتمكنوا (وما لا يدرك كله لا يترك جله). إن الحقيقة أنهم لم يعملوا شيئاً من ذلك، وكان أولى بك أن تفتي بوجوب إعداد القوة من قبل الحكام العرب لمحاربة أعداء المسلمين لا أن تفتي بالاعتراف بإسرائيل وترك فلسطين لليهود.

ألا تدرك ما تقول وتفهم ما يجري يا شيح ابن باز؟

الوحدة واجبة وجوباً شرعياً

والله سبحانه وتعالى يأمر المسلمين بالوحدة، وعلماءُ المسلمين قديماً وحديثاً يوجبون أن تكون دولة المسلمين واحدة ولهم رئيس واحد ومجلس شورى واحد ذلك تنفيذاً لقول الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

وكل هذه الحدود بين اليمن والسعودية وبين الإمارات ودبي وبين قطر والسعودية وبين مصر والسودان وغيرها من الحدود المعروفة اليوم بين المسلمين حدود مصطنعة وهي عودة إلى الجاهلية، وأنت تعرف ذلك يا شيخ؟! والواجب أن بصبح المسلمون دولة واحدة فهل تظن أن في إمكان اليهود أن يغلبوهم أو حتى تظن أن أميركا وروسيا مجتمعتيْن تقدر أن تغلبهم وأن تمنعهم من دخول القدس واسترجاع فلسطين؟ إنك تعلم كما يعلم غيرك أن المسلمين إذا توحدوا فلن يقدر أحد على إذلالهم أو احتلال أرضهم. فهل توحد المسلمون وعملوا ما في وسعهم ولكن لم يتمكنوا من غلبة العدو (وما لا يدرك كله لا يترك جله). إنهم لم يتوحدوا بل تفرقوا واختلفوا، وأنت واتباعك أحد أسباب هذه الفرقة والاختلاف، وكان الواجب عليك أن تفتي بوجوب وحدة المسلمين لا بجواز الاعتراف بإسرائيل وبقائها في أرض المسلمين.

أتدري ما تقول يا شيخ ابن باز؟

معنى اتفاقية غزة أريحا ونتائجها

أتدري ما معنى اتفاقية غزة أريحا يا شيخ؟ أن من ضمن الاتفاق الاعتراف الصريح بالكيان الصهيوني المسمى إسرائيل، الاعتراف بإسرائيل معناه أن يقر المسلمون بأن يأخذ اليهود أرض المسلمين ليقيموا عليها دولة لهم. فمن الذي خولك يا شيخ أن تفتي باسم الله العظيم وباسم ديننا الإسلامي أن يصير لليهود دولة على أرض فلسطين؟

إسرائيل مصممة على أن القدس عاصمة لها

وإسرائيل مصممة على أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولتها، وقد صرح بهذا إسحاق رابين في كلمته التي ألقاها عند التوقيع على الاتفاقية في البيت الأبيض. ولم يستطع ياسر عرفات ولم يجرؤ أن يرد عليه بكلمة واحدة حول القدس.

فهل ترى أن من حقك أن تفتي بضياع القدس وتسليم القدس وترك المسجد الأقصى لإرهاب. إن ذلك ما تصر عليه دولة إسرائيل وما تعلنه حتى في حفل التوقيع الذي سمعه العالم أجمع فهل يجوز لك أن تفتي بصحة ذلك ومن الذي خولك أن تفتي بهذا؟

إن مجرد تعيينك مفتياً للديار السعودية لا يخوّلك أن تفتي في القضايا الإسلامية الكبرى، فأنت يا شيخ لا تفهم هذه الأمور وعليك أن تقتصر على ما تفهمه من تحريم زيارة القبور وما أشبه ذلك.

إن عليك يا شيخ ابن باز أن تفهم تعاليم الإسلام فهماً صحيحاً وأن تفهم ما يجري وتدرك ما يريده الكفرة وأن تدرك الوضع الاستسلامي الذي لا مبرر له الذي وصل إليه الحكام العرب وما يريدون وما يريد أعداء المسلمين بهم حتى تستطيع أن تفتي بما يتوافق مع تعاليم الإسلام الصحيحة وبما يرضي الله تعالى.

ونحن ننصحك يا شيخ ابن باز أن تترك منصب الإفتاء وذلك كي تبرئ نفسك من أن تكون من (علماء السلاطين) الذين درجوا على أن يبرروا للحكام أعمالهم الانحرافية.

إن عليك أن تستغفر الله يا شيخ وتتوب إليه وتعلن الرجوع عن هذه الفتوى وأن تربأ بنفسك عن مساندة الانحراف عن مبادئ الإسلام إن كنت من المتقين.

ونريد أن نعلمك يا شيخ ابن باز أن هذه الاتفاقية لن تتم ولن تنهي قضية فلسطين ولن يكون هذا آخر المطاف، وإنما تريد بها إسرائيل ضرب الانتفاضة. وفتواك مضمونها جاوز ضرب الانتفاضة وهو ما تريد إسرائيل وأميركا والحكام العرب يا شيخ ابن باز فهل يجوز لك أن تفتي بجواز ضرب الانتفاضة.

ونعلمك أيضاً يا شيخ ابن باز أن هذه الاتفاقية لن تغل أيدي المجاهدين المؤمنين وأنها ستعود على صانعيها بالوبال وأن المجادين سيستمرون وأن دخول المسجد الأقصى محتم وسيعود الأقصى بإذن الله وستعود فلسطين لأهلها وأن وحدة الأمة الإسلامية قادمة وأن دولة الإسلام الواحدة آتية عما قريب وأن فتواك لن تؤثر فيما يريد الله جل وعلا ولا فيما أمر به.

وليعلم كل إنسان أن نصر الله قادم. أن نصر الله قادم. أن نصر الله آت (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

اللهم إنا ندرأ بك في نحور الأعداء والجبابرة، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.

حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.

وعلى الله توكلت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *