العدد 264 -

العدد 264- السنة الثالثة والعشرون، محرم 1430هـ، الموافق كانون الثاني 2009م

إلى يوم كيوم الهجرة ندعوكم يا أهل النصرة… فهل من مجيب؟

إلى يوم كيوم الهجرة ندعوكم يا أهل النصرة… فهل من مجيب؟

 

إن لله في حياة دهرنا أياماً نتذكر فيها عظيم فضله علينا كمسلمين. ولعل من أهم تلك الأيام هو يوم الهجرة، يوم أذن الله سبحانه وتعالى فيه أن تنتقل دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة من دعوة فردية تكتلية تعمل على أن تبني لنفسها أرضية تنطلق منها إلى العالم، إلى دعوة اكتمل فيها الدين بإقامة دولته في المدينة؛ فكان يوماً عظيماً ذلك اليوم الذي أرخ به المسلمون لأهميته تاريخ الأمة الإسلامية. وإنه لا يعرف أهمية هذا اليوم إلا من فهم حقيقة هذا الدين وأهدافه، وخاصة في هذا الزمن الذي يحتاج فيه المسلمون إلى وصل ما انقطع.

إن المسلمين اليوم يطبقون من دينهم بعض الأحكام الفردية. أما أحكام الدولة، والأحكام الفردية المتعلق تطبيقها بالدولة فممنوعة عليهم، وتفرض عليهم من خارج دينهم، ويحارب من الغرب وأعوانه من الحكام وزبانيتهم من العلماء كل من يدعو إليها وإلى تطبيقها على سيبل تطبيق الدين كله. فالمسلمون اليوم بحاجة ماسة إلى مثل يوم الهجرة السابق ليقوموا بحق الله عليهم من إقامة الدين، وليأخذوا دورهم في الحياة؛ ليعودوا خير أمة أخرجت للناس. فأين المسلمون اليوم من هذا الفرض العظيم والمشروع الواعد.

إن مناسبة الهجرة تعني للمسلمين وللعالم ما تعنيه. إنها تعني للمسلمين إقامة دينهم بإقامة دولتهم. تعني انتهاء الأنظمة التي تحكم بالطاغوت والتخلص من الحكام الخائنين للأمة العملاء للغرب. تعني انتهاء مرحلة استضعاف المسلمين وقتلهم بحساب وبغير حساب. تعني تغير أوضاع المسلمين من هذه الأوضاع البالغة السوء والذل والفقر والتأخر… إلى الوضع الذي يحق فيه الحق ويقام العدل وتأمن فيه الرعية من مسلمين وغير مسلمين. تعني جمع بلاد المسلمين في بلاد واحدة يعيش فيها مليار ونصف المليار مسلم كأمة واحدة ذات رسالة واحدة. تعني انتشار الإسلام بالدعوة والجهاد حتى يعم أرجاء الأرض؛ فلا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا ويدخله الله سبحانه وتعالى فيه بعز عزيز أو بذل ذليل. تعني دخول الإسلام معترك السياسة الدولية عن طريق دولة الخلافة، ووصول هذه الدولة إلى مصاف الدول الكبرى في العالم، بل إلى أولها. تعني وضع حد لكل ما  يعانيه العالم من ويلات تحكم الدول الرأسمالية بها. تعني ظهور أعراف دولية جديدة تتعامل بها دول العالم على قدم المساواة، ونظام دولي جديد لا يسعى إلى الاستعمار بل همه إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام. تعني قيام الحروب بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، لا على المصالح الدنيوية. وأهم ما تعنيه من كل ذلك هو جعل كلمة الله هي العليا في العالم كله، وكلمة الذين كفروا السفلى… وهذا ما يرضي الله سبحانه. ورضى الله عند المسلم هو غاية الغايات.

تمر هذه الأيام ذكرى الهجرة والمسلمون يشعرون بأهمية عودة دينهم إلى مسرح الحياة ليحكموا به. وليس هذا فحسب، بل تحقق لهم أن النظام الرأسمالي هو أسوأ ما عليها، هو ومن يمثله ويطبقه. وأنه لم يجرَّ على المسلمين وعلى العالم، حتى وعلى أهله، إلا الويلات والشرور. وفي مقابل ذلك بات الغرب يشعر أن مبدأه يحتضر، وأن شمسه آيلة إلى الغربوب، وأن أوراق شجرته الخبيثة تسقط ورقة ورقة حتى باتت شبه عارية. وليس هذا فحسب، بل صار الغربي يداخله شعور أن الإسلام يمثل حضارة عالمية صالحة بديلة عن حضارته الفاسدة التي بدأ يتخلى عنها شيئاً فشيئاً. وهكذا نرى أن التوجهين قريبان وليسا متناقضين. ولعل السنة الماضية كانت أكثر السنوات عجافاً بالنسبة لهذا المبدأ الفاسد، إذ شهد أزمة غذاء عالمية، وأزمة غلاء عالمية، وأزمة مالية عالمية، وأعلن أساطين السياسة والفكر والاقتصاد عندهم أن النظام الرأسمالي قد يطاح به جراء هذه الأزمات، وفي الوقت نفسه ظهرت أصوات تدعو إلى الالتفات إلى الإسلام وأخذ أحكامه في الاقتصاد. وهل هناك أصرح من إعلان عجز نظامهم والاعتراف بالنظام الاقتصادي في الإسلام، وليس ذلك فحسب بل وبقدرته على حل مشاكلهم.

ولكن كل هذا الذي نتكلم عنه لا يجعل الإسلام في مركز القيادة، ما لم تقم به دولة. والرأسمالية لا يعلن انهيارها وزوالها من مسرح الحياة إن لم يقم الإسلام بهذه المهمة. وإن أبالسة الغرب من حكامه وسياسييه وعسكرييه وإعلامييه لن يقبلوا الاستسلام، ولن يعلنوا عجز نظامهم. سيسعون إلى الترقيع، وسيشدون النكير وسيعلنون النفير على الإسلام؛ ليحسموا معركتهم التي فتحوها معه في أفغانستان والعراق بشكل سافر، والتي تسير حتى الآن لغير مصلحتهم، إذ باستمرارها يزداد مبدؤهم سقوطاً، وفي مقابل ذلك نرى أن إصرار المسلمين على مواجهة الغرب وضع مبدأهم الإسلامي في واجهة الصراع المبدئي عالمياً، وقد ساعد على ذلك إعلان بوش أن حربه ضد المسلمين صليبية وأن ما يقوم به أوامر إلهية، وهاهو يصرح في زيارته الوداعية الأخيرة إلى أفغانستان والتي وصلها بعد رميه بالحذاء في العراق، أن حربه عقائدية، وأن من طبيعة مثل هذه الحروب أنها لا تنتهي بسرعة، وأنها تأخذ وقتها…

فلتأخذ وقتها، ولتأخذ مداها، فكل المؤشرات تدل على أنها تسير باتجاه واحد، ثابت، وبسرعة. تسير نحو إقامة الخلافة التي طالما حذر مسؤولو الغرب منها، وخلصت دراسات مراكز الأبحاث إليها، وتوقعتها حتى أجهزة استخباراتهم في تقاريرهم. إنهم يضربون ويقتلون ويدمرون ويذلون المسلمين وهم خائفون، خائفون من إعصار الإسلام المدمر ذي الدرجات العالية الذي سيأتي على مبدئهم وحضارتهم ويجعلها كالرماد الذي تذروه الرياح… نعم إن المعركة الفكرية قد حسمت لمصلحة الإسلام، ولم يبقَ لدى الغرب سوى القوة المادية ليواجه بها المسلمين، ويعينه في مسعاه الخائب حكام المسلمين الخونة الذين لا يجاريهم أحد في عداوتهم للمسلمين.

نستطيع أن نقول بكل اطمئنان أن الدعوة لإقامة حكم الله تسير في طريقها المرسوم شرعاً. وأنها وصلت إلى ما قبل نهايتها. وقد تهيأ لها وجود رأي عام منبثق عن وعي عام، لا يستطيع الغرب ولا غيره أن يجهضه؛ لأنه تكوّن بعد معاناة، وأسفر عن إعادة ثقة المسلمين بدينهم: بصحته، باستقامته، بنظافته، بقوته، بقدرته على قيادة العالم من جديد وخاصة بعد إفلاس غيره من المبادئ… لم يبقَ أمام دعوة الحق في التغيير إلا أن يستجيب أهل القوة والمنعة والنصرة لداعي الحكم بالإسلام.

إننا نعلم أن أنصار الله من أهل القوة هؤلاء موجودون، وأنهم كثر، وأنهم يتحرقون للتغيير كأهاليهم وأمتهم ليعلم هؤلاء أن نصرة دينهم فرض عليهم، ولا يجوز أن يؤخروه ساعة من نهار… وليعلموا أنها نصرة للدين لا يتقدم عليها حب حياة ولا خوف من بطش… ليعلم هؤلاء أنهم إن نصروا جماعة الدعوة إلى الخلافة إنما ينصرون الله، وسيرصعون اسمهم في سجل الخالدين في الحياة كما سبقهم إلى ذلك مصعب وأسعد والسعدين وأسيد، وسيكون أجرهم عند الله عظيماً.

إن الأمة اليوم، تنتظر أن ينضم الأنصار من أهل القوة والمنعة إلى جماعة الخير من أهل الدعوة إلى الخلافة، ليقلبوا الموازين، ويعيدوا الحق إلى نصابه، ويعيدوها خلافة راشدة على منهاج النبوة… إنه العمل الحقيقي الوحيد الذي تنتظره الأمة ويخشاه الغرب وأعوانه من حكام المسلمين المفروضين عليهم والمرفوضين منهم، إنه العمل الذي ستنتقل به أوضاع المسلمين كما انتقلت يوم هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة.

فإلى يوم كيوم الهجرة ندعوكم يا أهل النصرة فهل من مجيب؟ قال تعالى: (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ) [الحج 15].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *