العدد 128 -

السنة الحادية عشرة – رمضان 1418 – كانون الثاني 1998م

المرأة وحمل الدعوة

المرأة وحمل الدعوة

على هامش مقال (المرأة المسلمة وحمل الدعوة) بقلم محمد حسين عبد الله المنشور في مجلة الوعي عدد 118 شهر: ذو القعدة 1417هـ / آذار 1997م.

سررت جداً بما جاء في المقال، خاصـة وأنه الأول من نوعه الذي أطلع عليه، لكنه أثار في نفسي قضيتين:

أولاهما: إن حمل الدعوة إلى الإسلام فرض على الرجل، وحتى يعطي هذا الحمل ثماره المرجوة ويحقق الهدف ألا وهو استئناف الحياة الإسلامية لا بد أن يكون ضمن تكتل أو حزب، ولا يجدي العمل الإسلامي الفردي. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل سمح الشباب لنسائهم بالانضمام إليهم؟؟ وهل أعطوهن فرصة التثقيف؟؟ (وهي أولى مراحل الدعوة). إن الشرط الذي وضع أمام تثقيف المرأة هو الذي وقف حائلاً دون تثقيفها.

ذلك أن العلاقة بين الزوج وزوجته وبين الرجل ومحارمه تجعل من العسير الاستمرار والانتظام في الحلقات إلا إذا تم الأمر بطريق رسمي. وحتى لا يلتزم أحدهم بالاستمرار في تثقيفها يرفض أن تكون الحلقة رسمية ويصر على بقائها خاضعة للمزاج الشخصي.

وإذا حاولت المرأة تثقيف نفسها ذاتياً وجدت صعوبة كبيرة، فالكتب مختصرة وتحتاج إلى شرح طويل وإعطاء أمثلة كثيرة ليسهل فهمها، وهذا أمر يحتاج إلى مشرف أو مشرفة، المشرف مزاجي، والمشرفة غير متوفرة ما يجعل المرأة تدور في حلقة مفرغة.

ثم لماذا هذا التضييق في اشتراط أن يكون المشرف امرأة أو محرماً أو زوجاً، وهل هناك سند شرعي يسوّغ ذلك؟ تحدثنا كتب الـسيرة أن خباب بن الأرت كان يدرس فاطمة بنت الخطاب وزوجها، ولم يكن خباب زوجاً ولا محرماً لفاطمة.

وإذا كان الخوف على سمعة الحزب هو الدافع لهذا الشرط فهلا كان الأولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخاف على سمعة المسلمين في عصر الجاهلية الأول، العصر الذي كان يئد الفتاة خوفاً من عارها.

قد يقال إن هذا الشرط أمر إداري فقط، يدخل في المباحات التي يجوز لولي الأمر أن يختار منها ما يراه مصلحة للمسلمين. ولكن أي مصلحة للمسلمين في بقاء هذا الكم الهائل من المسلمات معطلاً متخلفاً عن أداء فرض من أهم الفروض؟

أليس في ذلك تقصير خطير في الدعوة؟ في حين تسعى معظم الحركات في العالم على اختلاف مشاربها وألوانها إلى تنشيط العنصر النسائي وكسب تأييده ما جعل لهم قاعدة جماهيرية واسعة. وقد كان الأولى بِحَمَـلَة الدعوة الإسلامية أن يولوا هذا الجانب عنايتهم واهتمامهم.

وعودة إلى التثقيف الذاتي، هناك بصيص أمل يتمثل في وجود بعض الشباب الذين أخذوا على عاتقهم تأليف الكتب ونشر المقالات في الصحف والمجلات يشرحون فيها بعض الأفكار والمفاهيم والكتب ما يسهل عملية التثقيف الذاتية، ذلك أن الفكرة إذا عرضت بأكثر من طريقة وشرحت بأكثر من زاوية تم فهمها بسهولة مثل كتب العقيدة الإسلامية وطريق العـزة للأستاذ يوسف السباتين، وكتابي مفاهيم إسلامية وتيسير الوصول إلى الأصول للأستاذ محمد حسين عبد الله وكتاب الأموال في دولة الخلافة للأستاذ عبد القديم زلوم إضافة إلى المقالات المنشورة في الصحف والمجلات خاصة مجلة الوعي.

إن مثل هذه المحاولات يجب أن تشجع وأن يكثر منها وأن يحض الشباب على الكتابة والنشر حتى لو لم يأتوا بأفكار جديدة، حتى ولو كانت إعادة لنفس الأفكار أو شرحاً لها، لأن عرض الفكرة بطرق متعددة ومن عدة أشخاص يؤدي إلى فهمها من قبل الفئة الأقل حظأً  والتي بقيت مهملة لا تجد من يأخذ بيدها.

أما القضية الثانية: فهي أن الكاتب في مقالته نسف المقولة التي مفادها (يكفي من المرأة التأييد والمساندة فقط ولا يطلب منها المشاركة الفعالة في حمل الدعوة) وهذا حق لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته لم يكتفوا بتأييد المرأة ومساندتها لهم، وتركها على ما هي عليه من الجهل بأفكار الإسلام وأحكامه. ولم يكتفوا بتثقيف المرأة فقط دون مشاركتها مشاركة فعالة في مرحلة التفاعل مع المجتمع بالصراع الفكري والكفاح السياسي. إن كتب السيرة مليئة بقصص الصحابيات رضي الله عنهن اللواتي شاركن في مراحل التفاعل إلى مرحلة النصرة إلى مرحلة إقامة الدولة الإسلامية والمشاركة في قيامها والدفاع عنها ذكر الكاتب طرقاً منها؛ فهلا سمح الشباب لزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم بحمل الدعوة، بل وتشجيعهم على ذلك.

قد يتعلل أحدهم بأن شفقته ورحمته بنسائه تدفعه إلى منعهن، ونسي أن الله الرحمن الرحيم، الأرحم بعباده من الوالدة بولدها هو الذي فرض عليهن حمل الدعوة كما فرضها عليه، وتوعد المتخلفات والمتخلفين بعقاب شديد.

يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» وغير ذلك من الأدلة التي أوردها الكاتب. من أجل ذلك لم يترك الله للعقل البشري أن يقدر المصلحة والمفسدة وأن يقدر الخير والشر وأن يقدر القبح والجمال. وإنما جعل ذلك بيده وحده فهو الذي يقدر المصلحة والمفسدة والخير والشر. فمن زعم أن مصلحة الأمة وخيرها في الاكتفاء بتأييد المرأة ومساندتها فقط فقد خالف بذلك الحكم الشرعي الذي بيّن أن مصلحة الأمة، وخيرها يتمثل في حمل الرجال والنساء الدعوة إلى الإسلام على السواء. ونحن جميعاً مطالبون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

فمن وصّى نساءه بحمل الدعوة الإسلامية حملاً حقيقياً ووصاهن بالصبر على تحمل تكاليف الدعوة فقد أطاع الله، ومن خاف عليهن من بعيد، وحال بينهن وبين القيام بما فرض الله عليهن فقد خالف أمر الله وعصاه. والله الموفق .

نجاح يوسف السباتين – الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *