العدد السادس -

السنة الأولى، العدد السادس ربيع الأول 1408هـ، الموافق تشرين ثاني 1987م

إقامة دولة الخلافة واجب على المسلمين

فضيلة الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي رئيس الدائرة الدينية في دار الفتوى في لبنان:

إقامة دولة الخلافة واجب على المسلمين

في هذا الباب، نحاول أن نلقي الأضواء على القضايا التي تهم المسلمين، وذلك لمعرفة حكم الشرع فيها. ومَنْ غيرُ العلماء نقتبس منهم هَدْيَ رسول الله ، ونتعلم منهم أمورَ ديننا الحنيف، بحيث يكونون لنا منارة تضيء الظلمات؟

ومن العلماء من يأخذ حديثه بالأسماع والأذهان، حتى يأنس السامع فيشقُّ عليه القيام من المجلس.. وفضيلة الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي من العلماء القلائل الذين يأخذون بلبّ سامعهم لما لحديثهم من عمق، ولما لعلمهم من غزارة. وقد قصدناه في بيته، وقصدنا أن نتنسّم جانباً من علمه الغزير، وقلبه الكبير المفعم بالتقوى والإيمان. وقد استقبلنا ـ رغم مرضه ـ ورحب بنا، وكان بيننا حديث مطوّل. ولولا أن داهمنا وقت صلاة المغرب، ولولا أننا أشفقنا على فضيلة الشيخ من التعب، لما وسعت صفحات المجلة كلّها جانباً من علم هذا العالِم الكبير، وبات حوارنا وكأنه قد سلخ سلخاً.

l l l

لفظتان متقاربتان!

“الوعي”: فضيلة الشيخ، تعلمون أننا في بداية الموسم الجامعي للسنة الدراسية الجديدة. فبماذا تتوجهون إلى الشباب الجامعي المسلم الذي تواجهه تحديات كبيرة في دينه، حتى في حرم الجامعات؟

l تكاد لفظتا الجامعة والجامع أن تكونا متقاربتين. وكنت أتمنى أن تستمد الجامعة أسسها مما يقال في الجامع، لأن الجامع بيت الله، ولا يلقن فيه بالدرجة الأولى إلا ما كان من تعاليم الله، أكانت في كتابه القويم، أو في سنة رسوله العظيم، أو كان في أقوال الأئمة العارفين المجتهدين، أو غيرهم ممّن يلي هذه المرتبة. وحيث أن الجامعة عبارة عن معهد علمي، كنت أتمنى أن تلتزم الجامعة بالعلم الصحيح الصريح الذي لا تناله شائبة من الشوائب، وأن يكون قولاً وفعلاً، وعملاً وتطبيقاً، بحيث تستمد الجامعة كل أقوالها وأفعالها وتطبيقاتها من العلم الصحيح. وإنني ممن يقولون أن الدين الصحيح والعمل الصحيح توأمان لا ينفصلان.

معارض أزياء

فإذا كان الأمر كذلك، ما لنا نرى مشاهد مؤذية في الجامعات؟ فإذا كانت جامعات العلم والتعلم ـ والجامعة عبارة عن أكبر علميّ يبلغ القمة قبل التخرج وبعده ـ أليس الأجدر بالنسبة لطلاب الجامعة وأساتذتها ومن يدرّس فيها من المدرسات أو يكونوا قدوة لطلابهم، سواء أكانوا من صنف الفتيان أو الفتيات، أو الشابات أو الشبّان. ذلك أن من يدخل الجامعة في هذه الأيام وهو لا يعلم أنه معهد علمي يفترض به أن يدرس العلوم بأنواعها ويكون قمّة في ذلك. لأنه إذا دخل الجامعة يظنّها معرضاً للأزياء، فمن أراد أن يجمّل ملبسه وأن يكون أنيقاً في مظهره ـ أكان من الفتيان أو الفتيات ـ فإن الجامعة معرض لهذه المشاهد، ويا للأسف. ومشاهد الفتيات الجامعيات توحي للوهلة الأولى بأنّهنّ لم يأتين لطلب العلم، وإنما جئن ليَبرُزْن للخاطبين، وليتعرّفن على الشباب، وما يتبع ذلك، ذلك أن التقارب أمره معروف وشأنه موصوف. ووضع الفتاة والفتى في جامعات هذه الأيام، ولا سيما ما يعقد في ذلك من خلوات يحرّمها الشرع تحريماً قاطعاً ولا يستسيغها في حال من الأحوال، هذا الوضع لا يرضي أحداً على الإطلاق. فإذا كان الشرع في بعض أحواله قد أَذِن بالاختلاط المحتشم، فإن الاختلاط في حالتنا هذه ليس بمحتشم أبداً، وربما يُزاد عليه كما قلت سابقاً خلوات خاصة.

مستوى هابط!

لذلك أتوجه إلى المدراء والأساتذة والطلاّب من شباب وشابّات أن يراعوا الحشمة العامّة، والأدب العام، وأن يراعوا ـ إن كانوا مسلمين ـ ما أقره به الإسلام. وليعمل هؤلاء أن الإسلام لم يأمر بذلك تعنّتاً ولا استنكاراً، كما لم يأمر به تعقيداً للأمور، وإنِّما أمر به لتكون الحشمة هي الرائدة، وليبقى كل ما كان على ما هو عليه من دون تبديل ولا تغيير في أمر الشريعة، لأنها ما أمرت إلا بمعروف وما نهت إلا عن منكر.

هذا ما أريد أن أقوله وأوجهه إلى إخواننا المسؤولين الذين يرعون الأخلاق. ذلك أن أمر الأخلاق قد هبط مستواه. وخصوصاً في هذه السنوات العجاف مما يتعلق بأمر الحرب الأهلية. فلنعد إلى نصاب الأخلاق، وإلى العمل بها، ولنعد إلى الاحتشام الصحيح، سواء في حرم الجامعة أو في الشوارع والطرقات، أو في الملاهي والمنتزهات. وأدعو إخواني وأخواتي إلى الالتزام بالآداب العامة، لأن الله سبحانه وتعالى عندها يتجلى علينا وعليهم وعلى شعبنا الذي يعاني ما يعاني من الأزمات، لا بد وأن ينظر إليه بالعطف والرحمة إن رجع إلى الآداب والاحتشام.

حملة “ضد” الأخلاق!

“الوعي”: ما تفضلتم به صحيح في لبنان، لكن إذا انتقلنا إلى العالم الإسلامي، فإننا نجد حملة “ضد” الآداب العامة. ففي تركيا وتونس وكثير من أمّهات البلاد الإسلامية تَصدُر القرارات بمنع الفتيات الجامعيات المسلمات من ارتداء اللباس الشرعي الإسلامي. فماذا تقولون في ذلك؟

l الواقع أن الانحراف وقع، والبعد عن طريق الاستقامة والخلق وقع أيضاً. هذا الانحراف إن كان له سبب قريب أو بعيد، فمردّه الدرجة الأولى إلى أننا نريد التقليد في كل شيء. ومن يرغب التقليد؟ معلوم للناس جميعاً أنه ذاك الذي يشعر في نفسه الضعف، وذلك في ما يستحق التقليد وما لا يستحق. فالضعف المقلد، يرى مقلَّده في قمة الخُلُقِيّات، ويراه قمة في الممارسات.

وأمر التقليد كما تعلمون، ذمّه القرآن وذمّه العقلاء تبعاً للقرآن. قال تعالى: (إنا وجدنا آباءنا على أُمَّة وإنَّا على آثارهم مقتدون). والنبي الكريم حذرنا من التقليد، ونهانا عن محاكاة الأجانب الكفار، حتى أنه في الحديث الصحيح وصف المسلمين المقلّدين فقال: «… لو دخل أحدهم جحر ضبّ لدخلتموه…». وهذا يعني أننا لم نعد نفكّر بعقولنا، وإنما ـ ولا أريد هذا التعبير ـ بأرجلنا. أصبحت الشهوات والمغريات تطغى على العقلانية، وصارت العاطفة قائمة بذاتها، وقلّ من يعود إلى فهمه وعقله.

ولو أنك تسأل المرأة المقلّدة: لماذا تكشفين عن مفاتنك؟ لماذا تظهرين بهذا المنظر ألا محتشم؟ لماذا ولماذا؟ إلى آخر الأسئلة، فإنها تَحِيرُ بالجواب ولا تعطيك واحداً صحيحاً. وإذا أرادت أن تحتجّ بحجّة تقول: إن الناس يفعلون مثل ما تفعل. وهذا يعني أنها قد وضعت عقلها على الرفّ ولم تستعمله. وكذلك الرجل، فإنّ!ه وضع عقله على الرفّ ولم يعد يستعمله.

أجهل الجهلة!

وهؤلاء المسؤولون في البلاد الإسلامية ـ أو بعضهم حتى لا نظلم الآخرين، ولا سيما الذين تثقفوا الثقافة الغربية، هؤلاء لو سألتهم ماذا يعلمون من الإسلام؟ ماذا يعرفون من أحكامه؟ هل قرأوا القرآن؟ هل استمعوا إلى نِداء الله؟ لو سألتهم لوجدت الكثيرين منهم من أجهل الجهلة بكتاب الله وسنة نبيه وبالشرع الإسلامي. فهؤلاء ربّتهم الإرساليات على يديها، ولما اطمأنوا إلى حسن مسيرتهم وارتاحوا إلى ممارساتهم واتجاهاتهم وُلُّو في بلاد الإسلام والمسلمون عنهم غافلون.

لذلك يجب علينا أن نقوم بنهضة شاملة عامة. ولا أريد أن أدعو إلى هذه النهضة إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، لأن أكثر الناس إذا أبعدت عن أعينهم الغبار وأبعدت ما يخيِّم على عقولهم عادوا إلى تصحيح مسيرتهم وإلى التفكير بعقولهم وإلى تحسين ممارساتهم. أما الذنب فهو أننا غفلنا عن هؤلاء الذين ليس لهم من الإسلام إلا اسمه، وليس لهم من القرآن إلا رسمه.

“الوعي”: من الملاحظ أن نقمة المسلمين تشتدّ في هذه الأيام على الأوضاع القائمة. وتزداد المطالبة بعودة الإسلام إلى الحياة. لكن الملاحظ كذلك أن المسلمين ينقصهم وضوح الهدف والطريق نحوه. فما الذي يجب على المسلمين العمل له بالضبط؟

تنظيم دقيق

l قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله). والحق يقال، إن وضع المسلمين وقد بعدوا عن دينهم شاذّ، لكن الوعي واليقظة بدأت تدبّ فيهم. ولسنا فقراء والحمد لله فيما يتعلق بأهل العلم والثقافة والفكر، ولسنا فقراء بأرباب الاختصاصات، ولا في أية ناحية من النواحي، معنوية كانت أم مالية. لذلك يجب أن يعمد أهل الاختصاص إلى وضع خطوط عريضة للمجتمع الإسلامي، وأسس له بجانبها. وإذا بدأنا بالخطوط العريضة فالتفاصيل متيسرة إن شاء الله.

ولا نقول يجب أن نبدأ ونُسرع، ولو بدأنا عملنا بالصفر ثم انتقلنا إلى العدد الذي يليه وهكذا فعند ئذ يكون عملنا منظماً وإن أخذ فترة من الوقت. وبذلك نضمن إلى حد ما هذا العمل، بحيث يكون محصّناً ضد العقبات، لأنه إن كان مرتجلاً فقد يبوء بالفشل. فيجب أن يكون عملنا منظّماً دقيقاً. ويجب أن يراعى فيه كل شاردة وواردة حتى لا نقع في شيء من العقبات والمطبّات.

(وإن أحد من المشركين استجارك)

“الوعي”: في مواجهة الدعوة لتطبيق الإسلام، تبرز دعوات مناهضة لإعادة الإسلام إلى الحياة. ومن هؤلاء من يقول أن الإسلام خاص بالمسلمين، وأنه لا يصلح للتطبيق على الأقليات غير المسلمة في بلاد المسلمين فكيف نفرضه عليهم. ما ردّكم على هذا القول؟

l الإسلام لا نفرضه على أحد، لأن الله في صريح نصه يقول: (لا إكراه في الدين قد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ من الغيّ). وما نريده من الأفرقاء في الجانب الآخر أن لا يفرضوا علينا نظرياتهم وأبحاثهم التي لا تمتُّ إلى العقيدة الصحيحة بصلة، ولا إلى الخُلقيات بصلة.

ونحن كمسلمين يجب علينا أن نطبق الإسلام، فريضة دينية من الله تعالى. وتطبيق الإسلام لا يعني مضايقة الآخرين، أكانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم. وصريح القرآن في ذلك آيات عديدة تُبيِّن الحق من الباطل. أما ننظر إلى قوله تعالى: (وإِنْ أحَدٌ من المشركين استجارك فأجرْه) وعلّل ذلك (حتى يسمع كلام الله ثمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنه). فالإسلام لا يأخذ الكافر على حين غرّة، وإنما يريد أن يُسْمعه نداء الله تعالى وكلامه، فإن اقتنع فبها ونعمت، وإن لم يقتنع بقي على عقيدته لا يمسُّه أحد بسوء. وكذلك نجد أن القرآن يقول: ( ولا تسُبُّوا الذين يدعون من دون الله فيَسُبُّوا الله عدواً بغير علم). والنبي ﷺ يقول في صريح سنّته ما معناه: لا ينبغي أن يسبّ أحدٌ أبا الرجل فيسُبَّ أباه. كذلك قول الله تبارك وتعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهم وتقسطوا إليهم).

شاهد لنا

وإذا تركنا أمر النظريات والقواعد والأسس ورجعنا إلى التطبيق، علمنا أن التاريخ الإسلامي اشتمل على كثير من هذه الفضائل. ففي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أهداه أهلُ الحِيرة عن طيب نفس وخاطر، فلم يَردَّ هديتهم، بل تلطف بهم واعتبرها من أصل ما وجب عليهم من الجِزْية. وإذا أردنا أن نتقصّى التاريخ الإسلامي، نجد أن الإسلام عامَلَ أهل الكتاب على أحسن ما عامل أحد من الولاة بقية الناس.

رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيخاً يهودياً يتسوّل، فلام نفسه ولام المسؤولين عنده وقال: نحن أكلنا وغزّ بين مال المسلمين ـ أي من الجزية ـ في حال شبابه، أفنتركه في حال شيخوخته وكهولته؟ ثم أمر له بجراية وراتب حتى مات.

كل هذا وأمثاله مشهود في التاريخ الإسلامي. فعندما كان الإسلام مسيطراً، وكان له إمبراطورية تمدّ أوامرها، وتمدّ كل ما عندها من ذخيرة وقوت في مشارق الأرض ومغاربها، هل حاول أحد من المسؤولين المسلمين أن يتعنّت على أهل الكتاب أو المجوس أو الآخرين؟

فالتاريخ شاهد لنا وليس بشاهد علينا، وإذا امتدّ الحكم الإسلامي فإن أرادوا الدخول تحت هذه الراية فمرحباً بهم على أصل العدل والإنصاف والمساواة. وإن لم يريدوا الدخول في أمر كهذا فلهم شأنهم أيضاً، ويمكن أن يكون هناك وحدة أو اتحاد بيننا وبينهم، ويقيمون شعائرهم الدينية دون أن يُجار عليهم.

لما أراد الوليد بن عبد الملك بناءَ جامع دمشق المعروف بالجامع الأموي، جاؤوا إلى الوليد بعد أن طلب منهم التنازل عن كنيستهم لقاء أضعاف ما تساويه. لكنهم أبَوْا، واحتجّوا بصك المصالحة الذي وقعوه مع خالد بن الوليد عند فتح البلاد.

دريهمات يسيرة!

فالإسلام لم يظلِم رعي  من أتْباعه. علماً بأن من كان في حوزتنا أو تحت أمرتنا من أهل الكتاب فإنَّ لهم مالنا وعليهم ما علينا في أحكام الدنيا والآخرة، أما أحكام الآخرة فإنهم مسؤولون عن عقيدتهم بين يدي الله أحكم الحاكمين. وأما أحكام الدنيا فإنها متساوية بيننا وبينهم، وما يُحكم على المسلم يُحكم على غيره، وما يؤاخذ به المسلم يؤاخذ به غيره، إلا إذا كان من أحكام دينه ذلك.

وأريد أن ألفت النظر إلى أن الخمر ـ وهي محرمة عند المسلمين تحريماً قطعياً ـ مال مقيّد في حق غير المسلم. فإذا تعدّى أحد بكسر حُقّ خمر ضمنها بعد إتلافها ووجب عليه الضمان بثمن المثل. أما لو أن مسلماً اقتنى خمراً ـ وهي عليه حرام، ثم جاء أحد من الناس فأراق ذلك الخمر فلا ضمان عليه شاء صاحبه أو أبى.

لذلك، فإن الإسلام ترك حرية المعتقد لكلّ معتقد من المعتقدين، ولم يضيّق عليه، ولم يفعل ما من شأنه أن يضيِّق عليه. ففي الحرب العالمية الأولى، كان المسلمون يتمنّون أن يدفعوا البدل المالي للدولة أضعافاً مضاعفة حتى يخلّص أحدُهم ابنه من خدمة الدولة ومن القتال، بينما كان أهل الكتاب يُعفَون من الخدمة العسكرية مقابل تلك الدريهمات اليسيرة المسمّاة بالذمة ومال الذمة ـ وما غير ذلك.

خطأ لا يغتفر!

“الوعي” تطرّقت لحكم الإسلام ودولته عندما كان مطبقاً، ونحن نعلم الرخاء والعزّ اللذين عاش فيهما المسلمون أيام دولة الخلافة. فهل هذا النظام المسمى بالخلافة نظام ربّاني، وهل يجب شرعاً على المسلمين العمل لإعادة دولة الخلافة؟

أقولها بصراحة: إنَّ الدول الغربية كم شاركت في المؤتمرات والمؤامرات للقضاء على دولة الخلافة. أنا لا أقول أن دولة الخلافة كانت منزّهة، نعم كانت تحتاج إلى إصلاح، لأن الفساد استشرى، لأن بعض الأمور كان يجب إصلاحها إصلاحاً جذرياً. غير أن دولة الخلافة بمن تآمر عليها من الدول الغربية وبمن تواطأ عليها من بعض العرب والمسلمين فأزاحوها، وهي دولة الخلافة التي تحفظ بيضة الإسلام والمسلمين. ويا أسفاً على بعض أولئك الجماعة من المسلمين الذين تعاونوا مع الدول الحاقدة من دول الغرب. هؤلاء تبيّن لهم خطؤهم فيما بعد، وثبت لديهم أن خطأهم لا يغتفر. ولو رجعنا إلى التاريخ ـ من غير أن نذكر الأسماء ـ لوجدنا أن من تبنّى هذا الرأي وكان من أهل الحلِّ والعَقد، وكان في مقدمة المسلمين الذين يعملون لإبادة دولة الخلافة، وجدناه قد وقع في فخَّ هؤلاء، وفي مكرهم وكيدهم. ويكفي هذا بالإشارة إليه.

واجبة على المسلمين

وإقامة دولة الخلافة واجب على المسلمين، فبدونها لا تحفظ بيضة الإسلام، ولا يمكن رد المتلصِّصة. ولأن إبعاد الخونة والمتآمرين لا بد له من عيون ساهرة في ليلها ونهارها لترد كيد الكائدين ومكر الماكرين. فإذن إقامة دولة الخلافة أمر لا بد منه لحفظ الإسلام والمسلمين، وإلا فإن حال المسلمين توؤل إلى ما نجدهم عليه اليوم: تفرّقوا إلى أيدي سبأ، لا جامعة تديرهم ولا حكومة تحفظ أمرهم، ولا تشريع يراعي أحكامهم. فإذا أردنا أن نعود إلى الإسلام فالبداية تكون في دولة الخلافة، بأن يجتمع المسلمون على ذلك، وينتخبوا ولا سيما أهلُ الحلِّ والعقد منهم ـ من يصلح للخلافة بشروطه الخاصة أو العامّة المعروفة عند فقهاء المسلمين.

“فذلكة” كلامية!

“الوعي”: هناك من يقول إن العمل لإعادة الخلافة ليس فرضاً لأن ذلك دون استطاعة المسلمين، ويستشهد هؤلاء بقوله تعالى: (لا يكلِّف الله نفساً إلا وُسعها). ما ردّ:م على ذلك؟

l هذا الكلام ما هو إلا “فذلكة” كلامية لا يراد بقائلها ولا يراد بهذه الكلمة وجهُ الله تبارك وتعالى. فالله تعالى يقول: (وقل اعملوا فسَيَرى الله عملكم ورسولُه).

ولم التعجُّب في هذا الشأن؟ المسيحيون في العالم لهم رابطة تجمعهم ويجتمعون ـ ممن يوالون البابا ـ تحت إمرته. والآخرون من المسيحيين أيضاً لهم رابطتهم في العالم تجمعهم تحت رأي بطاركتهم. أمَّا المسلمون فلا جامعة لهم تجمعهم، فلماذا يكون المسلمون أقلَّ من سواهم في هذا العالم؟

فالخلافة أمر لا بدَّ منه، والذي يثبِّط أمر المسلمين فيما يتعلق بالخلافة خائن إذا صحَّ هذا التعبير، لأن الفقهاء يعبِّرون بتعبير آخر ـ فهو الخيانة العظمى لله ولرسوله ولجماعة المسلمين.

نظام إلهي مستقل!

“الوعي”: يقول البعض إن الإسلام بطبيعته “ديمقراطي”، رغم أن الديمقراطية نظام كفر وضعيّ بينما الخلافة نظام ربَّاني. ما تعليقكم على هذا القول؟

l أنا لست أتعلَّق كثيراً بالتعابير والأسماء، وإنما يهمني الجوهر قبل أن يهمني التعبير. لا أقول إن الإسلام ديمقراطي كما يزعم البعض، بل أقول إن الإسلام نظام العدل والعدالة والمساواة والإنصاف، قد تقرُب الديمقراطية منه وقد تبعُد، وقد تقْرُب منه بعض المبادئ وقد تبعُد، غير أن الإسلام نظام إلهي مستقل، موحى به إلى خاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام، لا يناله تغيير ولا تبديل. فالإسلام محفوظ (إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّ له لحافظون). وكل ما يقال من كون الإسلام ديمقراطي هرطقة، لأن الإسلام نظام مستقل لا يجوز أن نتّهمه بـ “الديمقراطية”. إنما نقول: إن كان هناك من محاسن في الديمقراطية فقد جاءت في الإسلام. هذا كل ما نستطيع قوله. أما الإسلام فهو يشدّ الآخرين، ولا يشدّ هو إليهم.

نافذة على الأمير!

“الوعي”: نشكركم على هذه التوضيحات القيّمة. فهل من كلمة أخيرة تودّون توجيهها عبر المجلة إلى الشباب المسلم؟

l في هذا المجال، قبل دولة الخلافة لا بدَّ من تمهيد. والتمهيد هو أن يجتمع كبار علماء المسلمين في منتدى يختارونه من الأندية ثم يتعاهدون ويتعاقدون على وحدة الأمة. ثم بعد ذلك يعودون إلى الأصل والأصالة، من الاستنباط من كتاب الله وسنّة رسوله، ومِنْ أقوال الأئمّة الموثوق بهم، ومن أقوال أساطين العلماء وعُقلائهم. فإذا مهّدوا هذا التمهيد، وأصبح علماءُ المسلمين وحدة متكاملة غير مجزّأة، فعند ئذ، نستطيع أن نعيد دولة الخلافة، شاء الحاقدون أم أبوا.

وأما إن بقينا على ما نحن عليه، من التفكك والتشرذم والتباعد، إلى غير ذلك من أمراضنا القائمة، فالمسلمون، لا أقول يبقون على وضعهم، بل هم سيتأخرون أشواطاً وأشواطاً. فادعوا الله عز وجل أن يمُنّ على المسلمين بوحدة حقيقة صحيحة، وليس بوحدة كلامية تسطَّر على الورق فحسب. وإذا مَنَّ الله عليهم بهذه الوحدة، وبالدرجة الأولى وحدة علمائهم، فعند ئذ، تصبح كلمة علمائهم نافذة على الأمير وعلى الملك، وعلى أي رأس في الدولة، وعلى أيِّ رأس كبير أينما كان. وأمَّا إذا بقي الحال على ما هو عليه. فنعوذ بالله من ذلك.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي على ما خصَّنا به من حديث قيِّم، ونسأل المولى تعالى أن نكون ممن تستمعون القول فيتَّبعون أحسنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *