العدد 143 -

السنة الثالثة عشرة – ذو الحجة 1419 هـ – نيسان 1999م

دردشـات سـياسـية

أولاً:  أرنون والأحداث الأخيرة في لبنان

اشتدت الغارات الإسرائيلية في شهر شباط (فبراير) على جنوب لبنان وخاصّة على أهداف يشتبه أنها مواقع تابعة لحزب الله. فقد ذكرت المصادر أنه تم قصف قرى وبلدات في المنطقة المحررة في جباع واللويزة في منطقة إقليم التفاح (المعقل الرئيس لحزب الله في جنوب لبنان)، وقد تم قصف المنطقة الواقعة بين جبال البطم (أحد معـاقـل حـزب الله) وبلدة ياطـر شـمـال القطاع الغربي للشريط الحدودي، بالإضافة إلى قصف مناطق سهل يحمر ومجرى نهر الليطاني وأطراف بلدات مجدل سلم وقبريخا والصوانة ووادي السـلوقي، وقصف بالمدفعية الثقيلة محيط ثكنة الجيش المهجورة في النبطية وضواحيها وكفر تبنيت ومزرعة الحمرا، وضواحي زوطر الشرقية والغربية.

ومع الغارات الإسرائيلية كانت ردود المقاومة اللبنانية مباشرة (لكن ضعيفة). فقد هاجمت موقع القوات الإسرائيلية في الدبشة، وتعرضت لدورية عسكرية على طريق قلعة الشقيف، وهاجمت موقعين آخرين مستخدمة القذائف المدفعية والهاون ما شكَّل ذريعة لتكثيف الغارات الإسرائيلية.

أرادت إسرائيل من تكثيف غاراتها ومن ردود حزب الله عليها جعل قضية الوجود اليهودي في جنوب لبنان القضية الأولى في الشارع الإسرائيلي، وأن يكون الانسحاب منه مطلب اليهود أنفسهم، ولكي تسلط الأضواء على هذه القضية قامت إسرائيل صباح يوم الخميس 18/2/1999م بتوسيع احتلالها للجنوب بإعادة ضم قرية أرنون للشريط الحدودي البالغ 850كم مربع، وقامت بوضع الأسلاك الشائكة وزرع الألغام حول القرية، ثم هدمت أكثر من ثلاثة عشر منزلاً فيها، وأطلقت الرصاص في اليوم التالي على أهالي البلدة الذين حاولوا إزالة الأسلاك الشائكة، ما جعل احتلال البلدة يبدو للعالم جدّياً، ثم كان الرد من حزب الله بقتل ثلاثة ضباط كبار، قائد وحدة المظليين وضابطين في بركة الجبور، بالإضافة إلى إصابات أخرى في الجيش، ما جعل نتنياهو يبدأ بتصريحاته الانهزامية تجاه احتلال لبنان ليوصل رسالة إلى شعبه أنه حان الوقت لبحث الانسحاب، وظهر ذلك في تصريحاته، فقد قال للإذاعة الإسرائيلية لدى تفقده الجرحى «هناك حظ سيئ أحياناً، وهناك أوقات صعبة، ولقد رأينا اليوم إحدى الحالتين» وأضاف «لا يمكن دائماً في هذا النوع من الحرب التي نواجهها في لبنان التخطيط لكل المعطيات، وبفضل الروح القتالية لجنودنا سنتوصل أخيراً إلى ترتيبات تسمح لنا بمغادرة لبنان بحذر ومسؤولية واعتزاز».

وبعدها بأيام وبمرور أسبوع على احتلال أرنون قام شباب وطلاب لبنان يوم الجمعة 26/2/1999م بإزالة الأسلاك الشائكة واقتحام البلدة، وقد اكتفى الجيش الإسرائيلي حينها بإطلاق النار في الهواء، والذي يدل على عدم جدية إسرائيل باحتلال أرنون زراعة ألغام ظهر فيما بعد أنها وهمية، ويبدو أن أميركا رتبت سحب اليهود من أرنون عن طريق شباب لبنان، لأنها طلبت من لبنان عدم تقديم شكوى إلى مجلس الأمن لأنها تعالج الأمر بشكل هادئ.

قامت إسرائيل بعد أيام بغارات على وادي زلايا المتاخم للقطاع الشرقي للمنطقة المحتلة في الجنوب، فتبع ذلك هجوم من حزب الله استهدف قافلة لمسؤولين أمنيين يهود، قتل منهم الجنرال غيرشتاين مسؤول الارتباط مع ميليشيا لحد بالإضافة للناطق العسكري الإسرائيلي وجندي ثالث ومراسل الإذاعة الإسرائيلية إيلان روي. وكل هذه العمليات تصب في خانة حرق نتنياهو شعبياً، لأنه مسؤول عن مقتل الضباط في نظر الشعب اليهودي، كما أن سحب قواته من أرنون اعتبر هزيمة شخصية له.

لقد جعلت كل هذه الأحداث نظرة اليهود لاحتلال جنوب لبنان على أنه شر يجب أن يزال، وصـرح نتنياهو بعد هجـوم المقاومة اللبنانية الأخير ممهداً لذلك «إن المشـكـلة في لبنان عميقة، والحدود غير هادئة مع هذا البلد» وقال: «إن هدفنا النهائي هو الانسحاب من جنوب لبنان» وأكد: «أنه ليس لإسرائيل النية لضم أي شبر من الأراضي اللبنانية» وأشار إلى أن «كافة الإجراءات التي تتخذ على الأرض (في جنوب لبنان) هي مؤقتة وتستهدف حماية إسرائيل من هجمات حزب الله».

لقد أصبحت قضية الانسحاب من جنوب لبنان قضية رئيسة في الشارع اليهودي، حتى تظاهر عشرات الأشخاص أمام مقر وزارة الدفاع في تل أبيب احتجاجاً على بقاء القوات الإسرائيلية في الجنوب اللبناني، الأمر الذي جعل عرض الانسحاب من الجنوب يُتنافس عليه في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، فقد صرح زعيم المعارضة العمالية باراك «أتعهد العمل على إجراء هذا الانسحاب خلال سنة كحد أقصى بعد انتخابي، أي قبل يونيو 2000»، فلحقه مباشرة نتنياهو قائلاً للإذاعة الرسمية «أعتبر أن من الممكن التوصل إلى نتيجة تتيح الانسحاب من جنوب لبنان خلال السنة المقبلة ولكنني أرفض الارتباط بموعد محدد». وقد التقط نتنياهو ما نقله مراسل هيئة الإذاعة البريطانية عن رئيس الوزراء اللبناني سليم الحص، عن استعداد الحكومة اللبنانية لنشر قوات الجيش على الحدود الدولية ومنع عمليات المقاومة اللبنانية ضد الأراضي الإسرائيلية بموجب اتفاق الهدنة عام 1949 فأوفد أحد مستشاريه إلى العاصمة الفرنسية ليبحث موضوع الانسحاب من جنوب لبنان. إن مشكلة جنوب لبنان أصبحت كابوساً على القادة والشارع اليهودي، لأن اليهود يجلدون يومياً هناك، ويعلمون أنه غير مسموح عقد اتفاق سلام منفصل مع لبنان، وممنوع عليهم أن يسحبوا قواتهم من جنوب لبنان، إلاّ بعد أن يوافقوا على الانسحاب الكامل من الجولان السوري المحتل، فقضية جنوب لبنان مرتبطة مع قضية الانسحاب من الجولان، وهذا فحوى تلازم المسارين السوري واللبناني، وهذا هو مفهوم السلام الشامل الذي يطالب به المسؤولون السوريون واللبنانيون، ويصر عليه المسؤولون الأميركان والفرنسيون وكوفي أنان.

حسن ضاحي ـ الكويت

ثانياً:  حلف الأطلسي لماذا؟

بعد أن تفتت الاتحاد السوفيتي، واستقلت جميع الجـمـهـوريـات التي تكوّن منها، انفلتت دول أوروبا الشـرقـيـة من قيودها، وتهاوت أنظمة الحكم فيها، وانقلبت على اشتراكيتها، وانفـرط حلف وارسو، وسحبت الصواريخ المغروسة على أراضيها.

بعد ذلك كله، لم تستطع روسيا العودة إلى قيصريتها، وأرادت العودة إلى أن تكون جزءاً من القارة الأوروبية، فحاولت الرجوع إلى حرية السوق، ولكنها تتعثر؛ فاعتراها الارتباك السياسي لأنها فقدت الكثير من مكونات الانفراد بالقرار السياسي، ودب الاختلال في ميزانها الاقتصادي. وتراكمت عليها الديون وتفاقمت المشاكل السياسية والاجتماعية، حتى إن الكثيرين من الموظفين والمستخدمين تمر عليهم الشهور ولا يتقاضون رواتبهم، وتوقفت التقديمات الاجتـمـاعـيـة التي كانت حكومات الاتحاد السوفيتي تقدمها لشعوبها، وزاد في خطورة الوضع تدهور صحة يلتسين وتشبثه بالسلطة. حينذاك أدركت أميركا أنها الوحيدة القادرة على إدارة العالم بأسره، وظهر ما سمي النظام العالمي الجديد، الذي تتفرد فيه أميركا بقيادة العالم، من خلال منظمات إقليمية ودولية تتربع هي على عرشها، وبهذا أصبح العالم أحادي القطبية، بعد أن كان رباعي القطبية منذ الحرب العالمية الثانية، وإلى اتفاق كينيدي وخروشوف حيث أصبح ثنائي القطبية.

لكـن هذا النظـام الجديـد، الذي تتزعمه أميركا أنتج ردود فعل سـلبية لها. فانفلتت أوروبا من قيودها، وشعرت بزوال الكابوس المخيف الذي كان يهددها، وهو الاتحاد السوفيتي، وحلف وارسو. ولم تعد تستشعر حاجة لبقاء حلف الأطلسي، أو لبقاء أوروبا تحت الزعامة الأميركية، أو لبقاء الجيوش الأميركية في قواعد ثابتة في أوروبا.

ولكن أميركا عندما عمدت إلى تشكيل هذا الحلف بعد الحرب العالمية الثانية كانت ترى أمامها ليس فقط الاتحاد السوفيتي العدو المباشر، ولكن أيضاً الدول الأوروبية الشريك الاستعماري المنافس لها. فكان الحلف المذكور بالنسبة لأميركا يؤدي إلى ردع واحتواء الاتحاد السوفيتي، وإلى أن تُسلم أوروبا قيادها لأميركا وتعترف بتبعيتها لها.

فلما زال العامل الأول، بانتهاء الاتحاد السوفيتي، وانتهاء حلف وارسو، كان لا بد أن يبقى الحلف قائماً بوظيفته الثانية، وهي الهيمنة الأميركية على القارة الأوروبية.

لقد اكتمل للاتحاد الأوروبي بنيانه الاقتصادي وفي طريقه إلى الاتحاد السياسي ليشكل الغطاء لوحدته النقدية والاقتصادية، فله برلمانه ومجلس وزرائـه وميزانيتـه وبنكه المركزي، وعملته الموحدة (اليورو) وأجهزته الأمنية وغيرها. كما يملك هذا الاتحاد اقتصاداً قوياً ومستقراً؛ فكان لا بد أن يظهر عالمياً كمنافس للولايات المتحدة.

نعم ـ لقد بدأ التنافس والمزاحمة، وبدأت المواجهة اقتصادياً وسياسياً، في كثير من مناطق العالم؛ في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط. فالتنافس بين الفرنكوفونية واللغة الإنجليزية واضح في إفريقيا، والصراع على شمال إفريقيا حاد بين أميركا وفرنسا، والحروب الإقليمية في دول إفريقيا وراءها دول الاستعمار الثلاث أميركا وبريطانيا وفرنسا، والتنافس على نفط الخليج وخيراته وعلى سلب ثرواته باسم التسليح وبناء المشاريع الخدماتية واضح للعيان. حتى داخل مجلس الأمن ظهر الصراع في موضوع العراق، وفي توسيع الدول الدائمة العضوية. ناهيك بدول جنوب شرق آسيا.

وهذا يجعل أميركا أشد تمسكاً بحلف الأطلسي، وأكثر تصميماً على توسيعه، وتعميم أنشطته، فبدأت بإدخال دول شرق أوروبا في الحلف، وتعمل على مدّ نشاطاته إلى خارج القارة الأوروبية، وتحاول إبراز أن دول الاتحاد الأوروبي غير قادرة على حل مشاكلها، في حين نجحت هي في حل مشكلة شمال إيرلندا، ومشكلة البوسنة والهرسك، وتحاول حل مشكلة إقليم كوسوفا.

فتحي سليم ـ الزرقاء

ثالثاً:  التجسس على الشبكات الإلكترونية

نشرت مجلة أسبوعية تصدرها جريدة فرانكفورتر رندشاو، الألمانية يوم 8/12/1998، مقالاً يتحدث كاتبه عن موضوع التجسس عبر الشبكات الإلكترونية، فأورد بعض الصفقات التجارية التي عقدتها بعض البلدان الرأسمالية، والتي ما كانت لتتم لولا التجسس على الدول المنافسة عبر الشبكات الإلكترونية. ويذكر الكاتب أن أكبر جهاز لمراقبة الشبكات الإلكترونية موجود في أميركا ويسمى جهاز الإشلون وبواسطته تستطيع المخابرات الأميركية التنصت على كل مكالمة تلفونية وكل بريد إلكتروني وفاكس في كل أنحاء العالم. وهذا الجهاز لم يعترف به رسمياً، غير أنه قد تم النقاش حوله في البرلمان الأوروبي وبحث كيفية التصدي له.

وقد سبق أن نُشر أن ست دول أنجلو ساكسونية تقوم بتسجيل كل المكالمات التليفونية، والرسائل الإلكترونية ورسائل الفاكس في كل أنحاء العالم، ومن هذه الدول: أميركا، بريطانيا، أستراليا وكندا.

المعلومات التي يُحصل عليها من قبل أكبر منظمة مخابراتية أميركية عن طريق هذا الجهاز يتم جمعها في مانوث هل قرب مدينة ليتس الإنجليزية ومن ثم ترسل عبر الأقمار الصناعية إلى فورت ميدا في ولاية ماريلاند الأميركية، وهناك يتم تحليلها بمساعدة العقل الصناعي (ميمكس)، الذي لديه كل معاجم اللغات، بالبحث عن مفاتيح كلمات معينة. تكون محددة للجهاز، لقد تم إنشاء هذا الجهاز (الإشلون) في فترة الحرب الباردة، لكن سرعان ما استخدم من قبل مؤسسات وشركات وأفراد للتجسس على أهداف غير عسكرية. ويرغب الاتحاد الأوروبي في القيام بدراسة حول أساليب التجسس من قبل هذه المؤسسة المخابراتية وإذا توصلوا إلى أن المؤسسة تسيء استخدام جهاز الإشلون (وذلك بالتجسس على أهداف مدنية) فهذا يعني الطعن بمبادئ أوروبا الديموقراطية. ثم يخلص الكاتب إلى أنه ليس هناك وسيلة لحماية المعلومات المرسلة عبر الشبكات الإلكترونية وأن أضمن صـيغة للإرسال هي البريد الجوي. كما قيل الكثير عن خطورة الأجهزة النقالة، وأنه يمكن تحديد منطـقـة البـث، وبالتالي تحديد مكان المرسل لعدة أشهر خلت.

رابعاً:  سقــوط روسيــا

في تقرير عن روسيا كتبه سعود الناصري في جريدة القدس الصادرة في 17/3/99 تحت عنوان «روسيا 1999: فقر ومافيا وديون» جاء فيه:

أن روسيا تعيش اليوم أكثر من أي وقت مضى عواقب سياسة «الإصلاح بالصدمة» التي بدأت عام 1992م حيث الفقر والبطالة والجريمة والفساد والديون الهائلة، مصـحوبـة بتردي الأوضـاع الثـقـافـيـة والعلمية والأخلاقية ناهيك عن تزايد أخطار النـزعات الانفصالية في الأقاليم الاتحادية وحتى الآن لم يظهـر بصـيـص أمـل في النفق الروسي المظلم.

«ارتفع الإجمالي العام لديون روسيا إلى حوالي 150 مليار دولار … وينبغي على روسيا أن تدفع خلال هذا العام ما قيمته 17.5 مليار دولار للمقرضين الأجانب، و 4.5 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، و 1.5 مليار دولار لحملة سندات الخزينة، بكلمة أوضح عليها أن تدفع 23.5 مليار دولار بينما لا تستطيع عملياً إلا 4.5 مليار دولار فقط. وقال ميخائيل كريمر نائب رئيس هيئة الشؤون الدفاعية والأمنية والإصلاح العسـكري في المجلس الاسـتشـاري لرئيس الدولة بالحرف الواحد: التوتر في روسيا قد يبلغ درجة يتحول معها إلى انفجار يقضي على أسس الدولـة ويؤدي بالـبــلاد إلى فوضـى ظـلامـيـة لفترة طويلة». «ويخشى كريمر أن تتحول روسيا إلى دويلات متعددة».

ويقول التقرير: «ومن الكوارث الأخرى التي تنتظر روسيا ما أوردته مؤخراً لجنة الدولة للإحصاء حيث أشارت إلى أن عدد سكان البلاد يمكن أن يتقلص إلى النصف مع حلول منتصف القرن الواحد والعشرين (يبلغ الآن حوالي 146 مليوناً) فقد انخفض معدل الولادة خلال 1997/1998م بنسبة 6% بينما ارتفع معدل الوفيات بنسبة 3,5% وبهذا تكون نسبة الولادات في روسيا قد هبطت إلى أدنى مستوى في العالم بينما ارتفعت نسبة الوفيات إلى مستوى تلك البلدان التي تعاني من ظروف الحرب».

«وتشير التقارير الرسمية إلى أنه دخل إلى روسيا خلال السنوات الثلاث الماضية مبلغ قدره 85 مليار دولار لكن ما تبقى في حسابات عملاء البنوك التجارية الروسية يساوي 32 مليار روبل فأين ذهبت المليارات ألـ 85 من الدولارات» .

مع القرآن الكريم (إن  هذا  القرآن  يهدي  للتي  هي  أقوم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *