العدد 146 -

السنة الثالثة عشرة – ربيع الأول 1420 هـ – تموز 1999م

يهود الدونمة معول هدم الخلافة العثمانية (1)

يهود سالونيك، يهود الدونمة، تركيا الفتاة، جمعية الاتحاد والترقي، الماسونية، بريطانيا، فرنسا، روسيا، ألمانيا، اليونان، البلغار، الصرب، الأرمن، الحركة الصهيونية (برئاسة هرتزل)، اليهود بشكل عام، كل هؤلاء ساهموا مساهمات جوهرية في هدم الخلافة العثمانية وتحويلها إلى «الرجل المريض»، وتمزيق أراضي هذه الدولة إلى مستعمرات متعددة الاتجاهات بحسب الجهة المستعمِرة، وفي هذه السطور سيتم التركيز على يهود الدونمة لخطورة الدور التمويهي والخداعي الذي مارسوه من داخل الدولة لهدمها حينما ادعوا الإسلام فاطمأن لهم المسلمون ولم ينتبهوا لخطرهم على الخلافة الإسلامية لأنهم عاملوهم بحسب الظاهر وفي ذلك مكمن الخطر.

من هم الدونمة؟

الدونمة أقلية يهودية، كانت تعيش في منطقة سالونيك، وهم من اليهود الذين هربوا من الأندلس بعد سقوطها، فلجأوا من اضطهاد نصارى أوروبا إلى عدل وأمان الخلافة الإسلامية، التي حافظت على أنفسهم وأموالهم، فمارسوا التجارة والإعلام والسياسة، وتغلغلوا إلى أعماق المجتمع والدولة والحركات السياسية، فأصبحوا قادة في الدولة والعسكر والأحزاب، وتمكنوا من القرار السياسي والعسكري فغدوا هم أصحاب القرار.

أطلق المسلمون الأتراك لقب الدونمة على أتباع اليهودي «ساباتاي زفي»، والدونمة في اللغة التركية تعني العودة أو الرجوع، وهي عكس المرتد، فمن يخرج من الإسلام يسمى مرتداً، أما الدونمة فقد ادّعوا اعتناق الإسلام، لذلك أطلقوا عليهم كلمة تعني العودة من اليهودية إلى الإسلام.

أما «ساباتاتي زفي» فهو حاخام يهودي من هذه الطائفة، انطلق من إزمير وادعى أنه المسيح الحق ولا مخلّص غيره وانه من نسل داود، وطلب من أتباعه قراءة مزامير داود سراً مراعاةً للمسلمين الأتراك، ونصحهم بعدم إظهار الضيق بصوم رمضان، وتقديم أضحية في عيد الأضحى، ولكنه منع التزاوج مع المسلمين، وكانت لهم طقوس خاصة مثل الاحتفال بعيد الخروف في 22 من شهر آذار من كل عام، ويتم فيه ذبح خروف واللهو ليلاً وإطفاء الشموع … ألخ.

ويهود الدونمة ثلاث فرق: اليعاقبة، والقراقاشية، والقابانجية، ولهم لغتان: تركية للتعامل مع الأتراك، وإسبانية للتعامل فيما بينهم، ولكلٍ منهم اسم يهودي خاص، واسم إسلامي رسمي عام. ولهم مدارس خاصة بهم، ومقابر خاصة أيضاً، بلغ عددهم عام 1976م ثلاثين ألفاً.

أطلق على أتباع ساباتاي السباتائيون، وحينما علمت إدارة الأمن العثماني بادعاء ساباتاي بأنه المسيح وأنه يحض أتباعه على طقوس معينة، أبعدته إلى ألبانيا وتوفي هناك عام 1675م، ولا يزال أتباعه إلى اليوم يقفون على ضفاف الأنهار (لأن ساباتاي دفن على ضفة أحد الأنهار) ويدعون قائلين: «يا ساباتاي زفي إننا ننتظرك».

أسماء من الدونمة احتلت مراكز هامة في الدولة العثمانية:

1 ـ إيمانويل قراصو: كان من أوائل المؤسسين لحركة تركيا الفتاة، وكان مسؤولاً أمام جمعية الاتحاد والترقي عن إثارة الشعب، وتحريضه ضد السلطان عبد الحميد، وتأمين التخابر بين سالونيك واستانبول، فيما يتعلق باتصالات تركيا الفتاة. وهو محام عملت جمعية الاتحاد والترقي على تعيينه في المجلس النيابي العثماني، نائباً عن سالونيك مرة، وعن استانبول مرتين. وَصَفَه الإنجليز بأنه من قادة الاتحاد والترقي، عمل أثناء الحرب الأولى مفتشاً للإعاشة، ولعب دوراً هاماً في احتلال إيطاليا لليبيا، وبعد هذه الخيانة هرب إلى إيطاليا، وأخذ حق المواطنة (الجنسية) واستقر في تريستا حتى مات عام 1934م. كان، وهو في تركيا، ينعم برتبة أستاذ أعظم في محفل مقدونيا ريزولبتا الماسوني. كان على رأس أربعة غير أتراك، وهم اللجنة التي كلفتها جمعية الاتحاد والترقي، بتبليغ السلطان عبد الحميد (خليفة المسلمين) قرار خلعه من منصب الخلافة.

2 ـ محمد جاويد: وزير المالية في عهد الاتحاد والترقي، ماسوني بدرجة 33، لعب دوراً كبيراً في الثورة على الخليفة.

3- نزهت فائق: أحد وزراء مالية العهد ذاته.

4- مصطفى عارف: أحد وزراء داخلية الاتحاد والترقي.

5- مصلح الدين عادل: مستشار لوزارة التعليم التركية.

6- مدحت باشا: هو ابن حاخام مجري اشتهر بالمكر والخداع فوصل إلى أعلى مناصب الدولة ليكون، أقوى يهودي يتمكن من بذر الفتن في الدولة العثمانية، وكانت بريطانيا تؤيده وتناصره، وكان يطالبها بحماية تطبيق الدستور (الديمقراطي)، تولى مناصب الولاية في ولايات عديدة منها سوريا، وهو الذي دبّر مؤامرة خلع السلطان عبد العزيز، ودبر مؤامرة اغتياله بعد ستة أيام من خلعه. وكان والياً على البوسنة والهرسك، فأضاف الصليب على العلم العثماني، بحيث يكون هذا العلم علم المنطقة المحلي. تولى منصب الصدر الأعظم (رئيس وزراء)، وخلال ولايته تلك أصدر فرمان حق الاقتراض الخارجي لخديوي مصر إسماعيل باشا، وكان لهذا الفرمان عواقب وخيمة، أدت فيما بعد إلى احتلال مصر من قبل الإنجليز.

7ـ مصطفى كمال (أتاتورك): تخرج هذا اليهودي من كلية عسكرية في موناستير في مقدونيا، وهناك بدأ نشاطه التخريبي ضد الدولة الإسلامية، ربما حسبما رتب له اليهود والبريطانيون والماسون، فتعرف على بعض الضباط المكلفين بتأليف جمعية سرية تدعى «جمعية وطن»، وراح يساهم في اجتماعاتها، ويكتب مقالات نارية في نشرتها السرية، وينشر بعض القصائد من نظمه يدعو فيها الجيش التركي والشعب للثورة على ما أسموه زوراً «الاستبداد الحميدي والحكام الفاسدين»، فقام إسماعيل حقي قائد التدريب الحربي باستدعاء مدير الكلية الحربية، وعنّفه تعنيفاً شديداً على تغاضيه عن نشاط أعضاء هذه الجمعية والمروجين لمبادئها، وذلك بعد استدعاء الخليفة عبد الحميد لإسماعيل حقي وتعنيفه، إلا أن هؤلاء بدأوا يجتمعون خارج ثكناتهم، وقفز مصطفى كمال إلى رئاسة هذه الجمعية، إلا أن رجال الشرطة اكتشفوا هذه الاجتماعات، فراقبوهم وداهموا مكان الانعقاد، واعتقلوهم مع مصطفى كمال وزجوهم في السجن، ثم نفي إلى دمشق في أول باخرة متجهة إلى ميناء بيروت، ومن دمشق انتقل إلى درعا أثناء ثورة الدروز، ثم عاد إلى دمشق فبدأ التآمر من جديد، وكوّن تنظيماً سرياً شبيهاً بتنظيم أو جمعية الوطن، وأخذ يعد هذا التنظيم العسكري لانقلاب عسكري داخل الفيالق العسكرية، ثم يقودها جميعها ويزحف بها إلى استانبول ليخلع السلطان، ويطرد جميع الوزراء، ويعلن النظام الجمهوري العلماني، إلا أنه صرف النظر عن هذه الخطة لصعوبة نجاحها، وأقنعه صديقه (فتحي) بالعودة إلى سالونيك، فعاد ووجد أن جمعية الاتحاد والترقي أصبحت التنظيم الجديد الذي يحضره اليهود والماسون، بأمر من هرتزل لخلع الخليفة، وبدأت محافل الماسون نشاطها في استانبول، واجتذبت الضباط الأتراك الناقمين على الخليفة وحرضتهم على قلب النظام [أتاتورك وخلفاؤه، مصطفى الزين، ص29]. وكان على صلة بالإنجليز وهو في فلسطين، وتآمر معهم حتى مكنهم من الانتصار على جيش الدولة الإسلامية هناك حيث سحب قواته من كل فلسطين وإلى ما بعد جبال طوروس. في الوقت الذي كانت قوات الإنجليز تزحف من مصر إلى فلسطين. [تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص751] وطلبوا منه الثورة على الخليفة بمساعدتهم، وبعد وقت رتب له الإنجليز انتصارات وهمية في الدردنيل، في معركة أنافورطة، فبعد أيام من المعارك، وفي ليلة من ليالي الشتاء، قام الإنجليز بشكل مفاجئ وبتكتم شديد، بإخلاء ما احتلوه من ساحل غاليبولي وعادت سفنهم بسرعة مذهلة وانتهت المعركة بنصر مصطنع لمصطفى كمال وقد تم ترتيب هذا الانسحاب على أعلى مستوى في بريطانيا، حتى أن وزير البحرية آنذاك، تشرشل، لم يكن على علم بالتآمر، فقدم استقالته من الوزارة متحملاً مسؤولية الهزيمة في غاليبولي، ولكن استقالته رفضت لعدم مسؤوليته عن الهزيمة، واستغرب عدم قبول استقالته، كما ورد في مذكرات تشرشل. فعاد إلى استانبول، وبدأ بالترويج للانسحاب من الحرب والسير مع الإنجليز، ثم حصل انتصار آخر ضد اليونان في إزمير، حين توقف هجوم اليونان فجأة دون مقدمات، وبدأ انسحابهم ليلاً فتحول الأتراك إلى الهجوم، ودخلها الجيش التركي دون إطلاق رصاصة واحدة [سقوط الدولة العثمانية، مجدي الصافوري، ص142] وانتشرت أخبار الانتصارات المزعومة بسرعة في العالم الإسلامي، وانخدع المسلمون بالانتصار المصنوع، وكان ذلك تحضيراً لوصوله إلى رئاسة الجمهورية وإلغاء الخلافة حتى إن أحمد شوقي مدحه في قصيدة مطوّلة قائلاً فيها: يا خالد الترك جدّد خالد العرب، وبالفعل حصل ما خطط له أعداء المسلمين على يد هذا اليهودي الماكر ..

8 ـ موئيز كوهين: هو من يهود الدونمة، ألف كتاباً يدعى «توران» ومعناه الطورانية وهو مبتدع فكرة القومية الطورانية، ويعد كتابه بمثابة «الكتاب المقدس للسياسة الطورانية» حسب قول رينيه بينو. ثم نشر هذا الكتاب عام 1914م وقد كتب ونستون تشرشل في مذكراته عن الحرب العالمية الأولى يقول أن مرجعه الوحيد في دراسة موقف الدولة العثمانية هو كتاب موئيز كوهين.

كتب في صحيفة روم أيلي التي كان يملكها يهودي من الدونمة وهو يونس نادي، وكتب في صحيفة الاتحاد والترقي،وكان رئيساً لجمعية تعميم اللغة التركية، وانتخب عضواً في جمعية تورك وجاغي. وعمل على تعريف المجتمع الأوروبي بحركة الاتحاد والترقي، وذلك في الصحف الأوروبية، فقد كان يتقن اللغة العبرية والتركية وعدداً آخر من اللغات الأوروبية.

اشتغل أستاذاً في كلية الحقوق في استانبول من 1914م ـ 1918م، وفي عام 1946 أصبح عضواً في المجلس الإقليمي لحزب الشعب الجمهوري الذي كان يرأسه عصمت إينونو، وفي عام 1948م أقيم حفل لليوبيل الفضي للكتاب الذي أمضوا خمسين عاماً في خدمة الصحافة التركية وكان منهم موئيز كوهين، وفي عام 1950 رشح عضواً لمجلس الأمة عن مدينة استانبول. وكان يستخدم اسماً مستعاراً خلال كتابته الصحفية وهو: تكبن ألب، ومؤنس ألب. وتقول بعض الكتابات أن هذا اليهودي أثر على العلاقات التركية ـ العربية، خاصة في بلاد الشام، والتي اشتكى منها العرب، أثناء حكم جمال باشا الاتحادي، وذلك من خلال إثارته للعنصرية الطورانية لدى الاتحاديين في وجه العرب في بلاد الشام [العثمانيون في التاريخ والحضارة، د.محمد حرب ص121].

9 ـ أحمد أمين يالمان (ولد في سالونيك 1888م ـ توفي في استانبول 1973م) : أسس عدة صحف ومجلات هامة، واشترك في بعض المؤتمرات الصهيونية في الولايات المتحدة، تبنى خلال الحرب العالمية الأولى الدفاع عن قيام دولة أرمنية ودولة كردية تقتطعان من الأراضي العثمانية، وناصر قضايا الماسون الأتراك، والشيوعيين الأتراك، ودافع عن أمن دولة إسرائيل، وكان معادياً للإسلام والمسلمين.

10 ـ عبدي أيبكجي: من أشهر الصحفيين في تركيا، وهو من عائلة أيبكجي، أشهر عائلات يهود الدونمة، تولى عام 1964 إدارة تحرير جريدة مليت الصباحية اليومية، وترأس نقابة الصحفيين الأتراك، وكان عضواً في اللجنة التحضيرية لقانون أخلاق الصحافة، والأمين العام لديوان الشرف الصحفي، وكان عضواً بمجلس إدارة معهد الصحافة بزيورخ، وفي عام 1968م عُين عضواً في هيئة التدريس بمعهد الصحافة بجامعة استانبول. اغتيل في 2/2/1979م فاهتزت تركيا لمقتله.

ويمتلك يهود الدونمة الصحف الآتية: صحيفة (حريت) وهي توزع يومياً ما بين 800.000 نسخة إلى مليون نسخة، وهي ذات مكانة عالمية بين أكثر من 20 صحيفة توزع عالمياً. شعار هذه الصحيفة تركيا للأتراك. وهذه المؤسسة تملك أيضاً دار نشر معروفة، وتملك عدة مجلات دورية أسبوعية وشهرية وسنوية. ومؤسس دار حريت للصحافة والنشر هو «سداد سيماوي» من يهود الدونمة وبعد موته بقيت أسرته تدير هذه المؤسسة حتى الآن.

صحيفة «كون آيدين» يومية تطبع 570 ألف نسخة يومياً وهي ثاني صحف تركيا بعد (حريت) ويملكها يهود الدونمة.

صحيفة مليت: رابع صحف تركيا توزيعاً وأكثر صحف اليسار التركي انتشاراً يملكها يهود الدونمة وتتبع هذه الصحيفة مجلة «صنعت» الفنية الأسبوعية وتتبعها دار نشر مليت بسلاسلها من المنشورات المعروفة في تركيا.

صحيفة جمهورية الصباحية اليومية، ويطلق عليها اسم برافدا تركيا، بسبب صبغتها الماركسية أسسها يونس نادي اليهودي من الدونمة وكان يديرها نوري تورن، وسيطر عليها بعد عام 1972 رشاد أتاباك وهو يهودي من الدونمة أيضاً.

صحيفة ترجمان: ثالثة الصحف الصباحية التركية توزيعاً يديرها (عثمان كبار) من عائلة يهودية من الدونمة كان من قبل ممارسة الصحافة رئيساً لبلدية إزمير.

صحيفة صابحة سرتل «طتين» وهي صحيفة شيوعية نشرت الفكر الماركسي في تركيا تأسست عام 1945م.

صحيفة بوليتيكا: أسسها إسماعيل ‎أيبكجي يهودي من الدونمة، وهو من أبرز الكتاب الماركسيين في تركيا، عمل في صحيفة (مليت) وكان مديراً لهيئة الإذاعة والتلفزيون التركية.

[يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *