العدد 253 -

العدد 253- السنة الثانية والعشرون، صفر 1429هـ، الموافق شباط 2008م

الطب في ظل النظام الرأسمالي (1)

الطب في ظل النظام الرأسمالي (1)

 

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن أخبره أنه طبيب: «الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق» (أبو داود)، أي: أنت ترفق بالمريض وتتلطفه، والله يبرئه ويعافيه.

لطالما كان الطب علماً إنسانياً هدفه تخفيف آلام ومعاناة البشر الجسدية والنفسية أولاً وقبل كل شيء. وعلى مدار التاريخ، كان الطبيب شخصاً نال الاحترام والثقة، باعتباره رفيق المريض، تعالى على مصالحه وشهواته الذاتية في سبيل مساعدة الضعفاء، وأقسم أن لا يضر محتاجًا أو يخون أمانة.

جاء في قَسَمِ أبيقراط في القرن الرابع قيل الميلاد: «أقسم أن أحمي المرضى من الأذى والظلم… وأن لا أصف لمريض دواءً قاتلاً ولا أعطيه نصيحةً تؤدي لموته.. أقسم أن أحيط حياتي وعلمي بالطهارة والقداسة، وبغض النظر عن أي بيتٍ أزور، سأسعى إلى فائدة المريض متعالياً عن قصد الظلم أو الإساءة».

وعلى اختلاف الشعوب والحضارات التي شغلت من التاريخ حيزًا، واختلافها في النظرة إلى الحياة، بقيت للطب مكانته الإنسانية، وبقي قَسَمُ أبيقراط (بصيغِهِ المختلفة) منهجًا لا حياد عنه، حتى في أشد عصور الظلمات، إلا ما شذّ وندر من حالات فردية لا ترقى لأن تكون ظاهرة.

لقد ابتلينا في هذا الزمن بحضارة من أسوأ ما تفتقت عنه عقول البشر القاصرة، حضارة فصلت الدين عن الحياة، وتغاضت عن قيم الأخلاق والإنسانية فضلاً عن القيمة الروحية، ولهثت وراء المادة، ورفعت راية الرأسمالية فوق رقاب الضعفاء، فاستعبدت الناس.

ولم يسلم الطب من وحل الرأسمالية، ولم ينجُ من أنظمتها وطريقة عيشها، فأضحى أداةً لأصحاب رؤوسِ المال، يستغلونه -كما استغلوا كل شيء- لمص دماء المرضى الضعفاء وأموالهم، ولإشباع جشعهم ونزواتهم التي لا تشبع.

ومن فُحش الرأسمالية، أن ظهر الفساد في كل نواحي الطب تقريباً، في نظام التأمين الصحي وشركاته، في شركات الأدوية وأبحاثها، في الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، وفي استغلال الشركات للأطباء واستغلال الأطباء للمرضى. وكما في كل مكان دخلته الرأسمالية، لا بقاء ولا حياة للضعيف، ولا قيمة إلا للمال.

ولم تكن المشكلة هذه المرة في حالات فردية حصلت هنا وهناك، ولكن كانت المشكلة في أساس النظام حيث تفشت لتصيب كل فروعه.

ومن منطلق إظهار الحق، ولتستبين سبيل المجرمين، نتطرق في هذا البحث لبعض ما نال جانب الطب في ظل الرأسمالية، مستعرضين بعض المجالات والنواحي التي نخرها سوس النفعية وأبلاها ظلم الأنظمة الوضعية، آملين من الله أن ينجلي ظلام هذا المبدأ العفن قريباً، ببزوغ شمس الخلافة الموعودة القريبة بإذن الله، وأن تعود للإسلام مكانته ونظامه، ليحفظ لكل ذي حق حقه.

1- التأمين الصحي:

الرأسمالية في أساسها مبدأ ظالم لا مكان فيه للضعفاء، ولا راحة فيه للأقوياء، ولو طُبِّق النظام الرأسمالي كما هو، لثار الناس لشدة ما سيقع بهم من حيف وجور واستغلال. والعقلية النفعية التي لا تقيم وزنًا إلا للمادة، تحمل صاحبها على فعل أي شيء يحقق الربح، ولو كان فيه هلاك الناس، ودمار المجتمع، بل حتى لو كان فيه هدمٌ للنظام الرأسمالي نفسه. ولذلك، وحفظًا للنظام الرأسمالي من حنق الناس وثورتهم ضده إذا طُبق عليهم كما هو، اضطر الرأسماليون إلى إصدار بعض القوانين المخالفة في أصلها للمبدأ الرأسمالي، والتي تهدف إلى ترقيع هذه الثغور المُهلكة في نظامه.

فمثلاً: لو طُبق النظام الرأسمالي كما هو، لكان لصاحب العمل أن يُشغّل من يشاء بأي أجر يشاء، لكون الرأسمالية لا تقيم وزنًا إلا للربح والمنفعة، وحينها سيثور الناس ضد الرأسماليين والدولة، وقد يُغيِّرون النظام. وهنا أدت العقلية النفعية ذاتها في الغرب إلى ابتكار فكرة ترقيع النظام الرأسمالي لإطالة عمره، بأحكام مثل: الحد الأدنى للأجر، وأجر التقاعد للموظفين والإكراميات للعمال، وتعليم أبناء الفقراء مجاناً، وغيرها مما يختلف مقداره وشكله بين دول الرأسمالية المختلفة.

والتأمين الصحي ليس إلاّ واحدًا من هذه الأحكام الترقيعية، وقد تطوّر إلى الشكل الذي نعرفه اليوم من أواسط القرن العشرين إلى أواخره، أي في فترة وجود الشيوعية وخوف العالم الغربي من نشر أفكارها بإثارة العمال في الغرب ضد الرأسماليين.

والتأمين الصحي وسيلة لتغطية تكاليف الرعاية الصحية. وتقوم الحكومات بتوفيره لسكانها لضمان استفادتهم من الخدمات الصحية- عن طريق نظام تأمين بتكلفة معينة يستطيع المواطن دفعها، أو برنامج تموّله الحكومة ويمكّن أولئك السكان من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية دون التعرّض لمخاطر الإملاق أو ضائقة مالية حادة.

وتختلف الطرق المتّبعة إزاء الحماية الصحية الاجتماعية باختلاف البلدان، غير أنّ القاسم المشترك بين جميع البلدان في هذا المجال هو نظام يُدعى نظام تجميع المخاطر. ويمكّن ذلك النظام مجموعة واسعة من الأشخاص من تقاسم مخاطر الإصابة بالمرض واللجوء إلى رعاية مكلّفة. ويعني ذلك أنّه يتم جمع الأموال المخصّصة للرعاية الصحية عن طريق الدفع المسبق، وإدارتها بطريقة تضمن تحمّل جميع أفراد تلك الجماعة -وليس الدولة- تكاليف الرعاية الصحية في حال الإصابة بالمرض، بدلاً من أن يتحمّل كل فرد تلك التكاليف على حدة، وبدلاً من أن تتحملها الدولة.

وفي ذلك النظام يواصل الأشخاص الأصحاء، الذين لا يحتاجون إلاّ إلى رعاية صحية محدودة، تمويل الأشخاص المرضى الذين يعتمدون بشكل أكبر على الموارد الصحية المتاحة.

ويمكن إدارة نظام تجميع المخاطر بطريقتين اثنتين هما:

1- التمويل الصحي القائم على الضرائب: تستخدم الحكومة الدخل المتأتي من الضرائب العامة لتمويل خدمات الرعاية الصحية. ويحقّ لجميع الناس الاستفادة من تلك الخدمات؛ وبالتالي تكون التغطية شاملة.

2- التأمين الصحي الاجتماعي: تُجمع مساهمات الرعاية الصحية من العمال والأشخاص الذين يعملون لحسابهم والمؤسسات والحكومة. ويتم تجميع تلك الأموال في صندوق أو صناديق للتأمين الصحي الاجتماعي. ولا يمكن تحقيق التغطية الشاملة عن طريق هذا النظام التمويلي إلاّ إذا قام كل من السكان بدفع ما عليه، وإذا تم تحديد مساهمة كل فرد وفق قدرته على الدفع. وعليه تلجأ معظم نُظم التأمين الصحي الاجتماعي إلى مصادر تمويلية مختلفة، وتقوم الحكومة بدفع مساهمات الأشخاص غير القادرين على سدادها.

وهناك فئة من السكان في بعض البلدان تستفيد من تغطية مباشرة من خلال الضرائب العامة، بينما على الفئة الثانية دفع مساهمات إلى أحد صناديق التأمين الصحي الاجتماعي أو غير ذلك من أشكال التأمين الصحي، التي قد تكون مؤسسات خاصة.

هذا هو التأمين الصحي باختصار، ورغم أن هذا الحكم جاء لترقيع النظام الرأسمالي، إلا أنه في حقيقته ظلم فضلاً عن أنه يطيل عمر الرأسمالية ويُثبّت جورها. فلماذا يُعالج الفقراء مجانًا مثلاً ولا يعالج باقي الناس مجانًا؟ علمًا أن الدولة مسؤولة عن كفاية الأمة كلها فرداً فرداً فيما لا بد منه كالتطبيب والتعليم والدفاع وحفظ الأمن، وذلك للفقير والغني وللضعيف والقوي سواء بسواء. ولكن بما أن الدولة في النظام الرأسمالي غير ملزمة برعاية شؤون الناس، ابتدعت هذا النظام لكي تمتص به غضب السكان من عدم الاهتمام بشؤونهم الصحية وخصوصًا من لا يستطيع منهم الحصول عليها بنفسه.

كما أن المُؤَمَّن قد لا يتعالج بمقدار ما اقتطع من أجره أو ما دفعه، وطبعاً هو لا يُعاد إليه. وهذا الجزء من أُجْرة المُقتطَعِ منه الذي لا يعاد إليه يكون مظلمة!

وقد يُصاب المُؤَمَّن بمرض نادر أو يحتاج إلى علاج خاص، ولا يوفره له برنامج التأمين بحجة أن الاتفاق الموقع لا يشمل هذه الخدمات، وكأن على الإنسان أن يطلع على الغيب ليعرف أي خدمة سيحتاج وأيها لن يحتاج مع مرّ الزمن!! وبذلك يكون قد دفع التأمين طوال حياته، حتى إذا مرض واحتاجه لم يجده. فهدف شركات التأمين ليس رعاية شؤون الناس وعلاجهم، بل هو الربح وتحقيق المنفعة المادية فقط.

وتكتب شركات التأمين عقودها بصورة مُعقدة وغير مفهومة لكثير من الناس، حتى تتهرب قدر الإمكان من دفع التأمين إذا احتاج إليه المُتعاقد. وما من شيء أيسر على شركات التأمين من إيجاد السبب لإبطال عقد من العقود، والتحلل من التزاماته؛ فالظروف غير العادية -حسب نظامها- تجعلها في حل من جميع التزاماتها، وزيادة الخطر من مبطلات الالتزام ما لم يزد المُؤمَّن في قيمة القسط. والإخلال بشرط من شروطها مهما خفي أمره يعتبر لديها من أهم المحللات. وقد وضعت شروطها وأحْكَمَتْها بحيث لا يأتي بها كاملة إلا قلة من الناس، فيندر أن يَسْلَمَ أحدٌ من المؤمَّنِ لهم من شر هذه الشروط التي تجد شركات التأمين فيها أعظم مجال لتصيُّد الثغرات والتحلل من الالتزامات.

فعلى سبيل المثال، في عقد شركة تأمين معينة، كان على الشركة تمويل علاج كيماوي مُعيّن لسرطان الأمعاء الغليظة فقط إذا كان الورم في المستقيم، والمستقيم طوله حسب كتب التشريح 10-15 سم، فما كان من شركة التأمين إلا أن كتبت في العقد أن طول المستقيم المعتبر في العقد هو 10 سم. وبما أن 99% من المُؤمّنين لا يعرفون شيئًا عن طول المستقيم، فقد يجد بعضهم نفسه مع ورم في أعلى المستقيم بعد أن دفع لسنوات ثمن التأمين الباهظ، ولا يستطيع الحصول على العلاج بسبب فرق 1 أو 2 سم في مكان الورم!!

هذا كله فضلاً عن البيروقراطية المقيتة التي تنتهجها شركات التأمين، فلا يكاد يُحصّل المُؤمَّنُ ما تعاقد عليه مع الشركة إلا بشق الأنفس، هذا إن لم يستسلم خلال غوصه في كوم الأوراق.

وكما استغلت الرأسمالية كل شيء وبحثت عن المنفعة في كل جُحر، استغل الرأسماليون نظام التأمين، فشركات التأمين تجبي من المُؤَمَّنين أضعاف أضعاف ما تنفقه على علاجهم.

وكما قُلنا فإن الخطر الأساسي من التأمين الصحي آت من جهة أنه وسيلة لإطالة عُمر الرأسمالية وتسلطها على رقاب الناس، وهذا أخطر الجوانب في هذا النظام.

لقد أوجب الإسلام على الدولة تحقيق إشباع الحاجات الأساسية للرعية، ‎ومن ضمنها التطبيب، فتؤمن الدولة التطبيب للجميع لا فرق بين غني وفقير ولا بين موظف وغير موظف،‎ وتدفع جميع النفقات المترتبة على ذلك من بيت المال أي من خزينتها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته» (أخرجه أحمد). والطب من المصالح والمرافق التي لا يستغني عنها الناس، فهو من الضروريات، قال عليه الصلاة والسلام: «‏من أصبح منكم معافى في جسده آمنًا في ‏سربه ‏‏عنده قوت يومه فكأنما‏ ‏حيزت‏ ‏له الدنيا» (ابن ماجه)، فقد جعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الصحة حاجة، على أن عدم توفير الطب لمجموعة الناس يؤدي إلى الضرر، وإزالة الضرر واجبة على الدولة، قال عليه الصلاة والسلام: «لا ضرر وضرار» (الإمام مالك). فمن هذه الناحية أيضاً كان التطبيب واجباً على الدولة. وفوق هذا فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أهدي إليه طبيب فجعله للمسلمين، فكون الرسول جاءت الهدية له ولم يتصرف بها ولم يأخذها بل جعلها للمسلمين، دليل على أن هذه الهدية مما هو لعامة المسلمين وليست له.

2- شركات الأدوية:

تقتضي حرية التملك في النظام الرأسمالي أن يُتاح للفرد أو للشركات أن يسعوا للحصول على الربح والمنفعة بأي طريقة كانت، بشرط عدم التعدي على حريات الآخرين، ولو استغلوا الناس وغشّوهم، طالما أنه برضاهم. وقد أدى هذا المبدأ بالفعل إلى ظُلم الفقراء والضعفاء واستغلالهم بصورة بشعة، بل وحرمانهم من حقهم الأساسي بالتطبيب والعلاج.

وللدواء -كسلعة- ثلاث خصوصياتٍ رئيسة، تجعل منه السلعة الأكثر حرجاً إجتماعيّاً واقتصادياً:

الأولى تتمثل في أن الدواء سلعة لا يمكن لمن يحتاجها أن يستغني عنها.

الثانية هي أن الحاجة للدواء موجودة على الدوام منذ عرف الإنسان الدواء، ولم تتوقف الحاجة إليه قط، وهذه الحاجة تتطور باستمرار للزوم الحصول على علاج أنجع، وكذلك للزوم المجابهة العلاجية لمستجدات مرضية جديدة.

الثالثة تختص باعتماد براءة الاختراع على الدواء بعد البحث العلمي العميق والمتواصل.

إن هذه الخصوصيات الثلاث تفسر -إلى حد كبير- سر تمتع الدواء بقيمة مضافة عالية تجعل منه السلعة الأكثر ربحية على الإطلاق بين جميع السلع المشروعة. وكذلك السلعة الأهم عند التعامل مع اتفاقية حقوق الملكية الفكرية (TRIPS).

ولا تنفك شركات الأدوية الكبرى ومافيات سوق الأدوية الدولية تحتكر تصنيع الأدوية وبراءات اختراعها، مستغلة في ذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتجارة الدولية وحماية الملكية الفكرية وغيرها من الوسائل (GATT،TRIPS). وبما أن هذه الشركات الرأسمالية لا تُقيم وزنًا لغير الربح، فهي ترفع سعر الدواء بصورة فاحشة، وتمنع الآخرين من تصنيعه ومنافستها في السعر تحت حجة “براءة الاختراع”. والمتضررون بطبيعة الحال من هذا الاحتكار الفاحش هم الأفراد الفقراء، أو دول العالم الثالث التي لا تستطيع تأمين الأدوية باهظة الثمن لسكانها. وقد ذهبت شركات الأدوية أبعد من ذلك، حيث أنفقت على جماعات الضغط لتعمل على التأثير على الحكومات من أجل عدم التدخل في أسعار الأدوية، فحسب تقرير لمنظمة بابليك سيتيزن الأميركية لحماية المستهلكين والذي صدر في يونيو 2003، بلغ إجمالي إنفاق شركات الأدوية الأميركية على جماعات الضغط بين سنة 1997 وسنة 2002 – 477.6 مليون دولار. وأكدت منظمة بابليك سيتيزن أن حجم إنفاق هذه الشركات على جماعات الضغط بقي ضئيلاً بالمقارنة مع الأرباح التي حققتها. فقد سجلت أهم عشر شركات للأدوية سنة 2002 وحدها ما يقارب 36 مليار دولار أرباحًا.

وهناك العديد من الأدوية المعروفة جيداً في السوق والتي تُستَخدَم منذ عقود طويلة ولا تخضع بالتالي لقوانين الاحتكار التجاري، ما يجعلها رخيصة الثمن وفي متناول أيدي الجميع، ولقد وُجِدَ مؤخراً أن للعديد من هذه الأدوية استخدامات جديدة في معالجة العديد من الأمراض المستعصية. ولكن شركات الأدوية تفضل إنفاق المليارات على بحوث لتطوير وترويج مستحضرات دوائية جديدة باهظة الثمن قليلة الفائدة تقوم باحتكار تصنيعها وبراءات اختراعها حيث تحقق لها ربحاً أكبر.

وباعتبار أن هذه الاحتكارات الدولية في سوق الدواء هي القوة الاقتصادية المحرّكة لتطوير البحوث الصيدلانية، فإنها لا تهتم بتبني الأبحاث العلمية التي تقود إلى إيجاد استخدامات جديدة للأدوية القديمة المعروفة والتي لا يعتبر تصنيعها حكراً على أحد، مما سيؤدي إلى توفير أدوية لا تقل في جودتها وفعاليتها عن تلك الأدوية الباهظة الثمن وبأسعار تجعلها في متناول الجميع، وبالتالي يتم توفير خدمات علاجية للجميع. ويكون المستفيد الرئيسي هنا هم المرضى وخاصة في الدول ذات الاقتصاديات الأقل نموًا والأكثر فقرًا في العالم.

وحسب مجلة دي لانسيت الطبية الأميركية (عدد 2 نوفمبر 2002) فإن شركات الأدوية هذه أصبحت الممول الرئيسي للبحث الطبي مما أسفر عن تضارب في المصالح. فرغم أن البحث الطبي يفضي إلى نتائج قيمة إلا أن الممولين قد يؤثرون في مسار الأبحاث ليضمنوا عدم تهديد أرباحهم.

وتستغل شركات الأدوية القانون الدولي الظالم لتبرير حرمان الدول الفقيرة والنامية من الدواء، وقصة مرض الإيدز هي قصة نموذجية لما تفعله حقوق الملكية الفكرية بالناس، فنسبة مرض الإيدز في جنوب أفريقيا تصل إلى حوالي 10% من السكان. وخلال السنوات الماضية تم تطوير مجموعة من الأدوية التي تُبقي المريض على قيد الحياة، حيث تمنع تكاثر الفيروس وتقلل كميته في الدم، لكن تبقى المشكلة في غلاء ثمن هذه الأدوية. فالشركات المنتجة للأدوية، بموجب نظام براءات الاختراع، تستطيع تحديد السعر الذي تريده.

وتقدر التكلفة الإجمالية لعلاج مريض الإيدز بألف دولار شهرياً، وهو رقم تعجز جنوب أفريقيا ومعها كل الدول الفقيرة عن توفيره لمرضاها، فجاء الحل عن طريق شركة هندية للدواء، حيث عرض المُصنِّع الهندي بيع كمية نوعية من الدواء بسعر أدنى من سعر الشركة المحتكرة بخمس وثلاثين مرة. وعندما منحته جنوب أفريقيا ترخيصاً لإنتاج الدواء اعتبرت شركات الدواء المتحالفة ذلك انتهاكاً لاتفاقية التجارة الحرة التي تفرض حقوقاً للملكية الفكرية!! وأقامت شركات الدواء المتضامنة دعوى على جنوب أفريقيا لانتهاكها تلك الحقوق.

وتشهد بعض دول العالم الثالث اليوم موقفًا مشابهًا لما حصل مع جنوب أفريقيا، كالبرازيل والهند وغيرهما من الدول المنكوبة بالمرض وتعذُّر شراء العلاج المُحتكر.

ومن الجهة المقابلة نجد أن الولايات المتحدة -الدولة الرأسمالية الأولى- وبعد أحداث 11/9 وما تلاها من تهديد بهجمات الجمرة الخبيثة، احتاجت إلى تخزين كميات كبيرة من دواء (السيبرو) المضاد الحيوي النوعي للجمرة الخبيثة، فهددت أميركا شركة (باير) الألمانية مالكة حقوق هذا العقار، إما بإعطائها الدواء بسعر خاص أو باللجوء إلى إنتاجه دون ترخيص، فرضخت الشركة.

وتتذرع شركات الأدوية بأنها تدفع الكثير من النفقات لتطوير الأدوية وإجراء الأبحاث، وبالتالي لا بد لها من الحماية الفكرية لكي تسترد التكلفة التي دفعتها من أجل إدامة البحث وتطوير أدوية جديدة. وتدعي أنها بعد أن تتحمل هذه النفقات لا يتبقى لها سوى نسبة متواضعة من الأرباح.

لكن المدقق يجد أن لا صحة البتة لما تدعيه شركات الأدوية: ففي عام 2002م على سبيل المثال، حققت أكبر عشر شركات أميركية في مجال صناعة الدواء مبيعات بلغت 217 ملياراً من الدولارات، وطبقاً للأرقام التي أعلنت عنها هذه الشركات فقد أنفقت 14% فقط من عائدات المبيعات على البحوث والتنمية.

كما أن أغلب الأدوية في أميركا مثلاً، اكتشفت في المخابر الحكومية، وفي العام 1995م إكتشفت مؤسسة ماساتشوستس للتكنولوجيا أنه من بين 14 دواء من الأدوية الواعدة في نظر مصانع الأدوية في الربع الأخير من القرن،هناك 11 دواء تم اكتشافه عبر أعمال موّلتها الحكومات، أي أن شركات الأدوية لم تنفق شيئاً على اكتشافها وتطويرها.

وظلت شركات الأدوية في الولايات المتحدة تحقق النسبة الأعلى من الأرباح بين كافة الصناعات الأخرى. ولنقارن هامش الـ17% من الأرباح الذي حققته أكبر عشر شركات أميركية لصناعة الدواء في عام 2002، بمتوسط الـ3.1% الذي حققته أكبر خمسمائة صناعة في ذلك العام طبقاً لمجلة “فورشن”. وفي عام 2003 هبطت صناعة الدواء للمرة الأولى هبوطاً طفيفاً من المركز الأول إلى المركز الثالث فيما يتصل بالأرباح، لكن أرباحها ظلت أعلى كثيراً من المتوسط.

ورغم كل تلك الأرباح والأسعار الاحتكارية المرتفعة فإن البحوث الطبية في تراجع، ويدل على ذلك تراجع عدد الأدوية المسجلة سنوياً. ففي عام 1996م أقرت إدارة الأغذية والدواء الأميركية (FDA) 53 دواءً جديدًا في الولايات المتحدة، بينما أقرت 17 دواءً جديداً فقط عام 2003م.

ولا تقف الأمور عند حد الاحتكار في بيع الأدوية ومنع الفقراء من شرائها، بل تتعدى ذلك إلى إخفاء الحقائق المتعلقة بمخاطر الأدوية وعوارضها الجانبية. فمثلا قامت شركة فيزر Pfizer بطرح دواء التهاب المفاصل “سيليبريكس” celebrex، بالرغم من اكتشاف الشركة بعد دراسة أجرتها منذ 4 سنوات أن عدداً غير قليل من مستخدمي الدواء عانوا من سكتات قلبية وجلطات.

وأوضحت هذه الدراسة أن نسبة من عانوا من مشاكل قلبية في الفريق الذي كان يأخذ الدواء كانت أكثر 3.6 مرات عمن عانوا من نفس المشاكل في الفريق الذي كان يأخذ الأقراص الوهمية. هذا وكانت شركة ميرك Merck Co. قد سحبت دواءها المُشابه لعلاج التهاب المفاصل vioxx “فيوكس” من السوق بعد أن وجدت أن هناك احتمالاً كبيراً لإصابة من يأخذه لأكثر من 18 شهراً بمشاكل في القلب وحدوث جلطات.

ولكن بعد سحب “فيوكس” من السوق استمرت شركة “فيزر” في الإعلان والترويج لسيلبريكس بقوة حتى أجبرتها هيئة الرقابة على الدواء والأغذية الأميركية على التوقف.

ويعلق “بروس باستي” مساعد مدير مركز الدراسات القلبية بجامعة واشنطن وهو خبير بالسلامة القلبية، وأحد من تابع تحليل الدراسة في حوار أجراه مع جريدة واشنطن بوست “يبدو أن فيزر قدمت لنا نتائج الدراسة بشكل يجعل خطورة الدواء تبدو أقل مما هي عليه”، وأضاف: “كان على الشركة أن تنشر نتائج هذه الدراسة منذ زمن طويل؛ فالدراسة اكتملت عام 2000م، ولكننا علمنا عنها في 2005م وهذا شيء غير مقبول؛ إذ كيف ننتظر من الأطباء أن يصفوا للمرضى علاجاً لا يعلمون المخاطر والفوائد الحقيقية له؟!”.

وتتعاون بعض المؤسسات الحكومية مع شركات الأدوية لإخفاء الحقائق المتعلقة بمخاطر الأدوية، ولا يُستغرب مثل هذا في حضارة الرأسمالية التي احترفت الرشوة والغش وسيلة للتكسّب، وقد ذكرت مجلة “نيوإنجلند جورنال أوف ميديسن” الطبية سنة 2007م أن إدارة الأغذية والدواء الأميركية (FDA) التابعة لوزارة الصحة الأميركية، صادقت على مضاد حيوي جديد يُدعى “كيتيك”، وهو من تصنيع شركة أدوية تُدعى “سانوفي أفينتيس”. وكانت إدارة الأغذية والدواء الأميركية قد فحصت وراجعت هذا الدواء ثلاث مرات، واعتمدت في مصادقتها له على دراسة أعدتها شركة “سانوفي أفينتيس” نفسها ودفعت فيها للأطباء 400 دولارًا لكل مريض يدخل الدراسة تحت مُسمى نفقات متعلقة بجمع المعلومات. ورغم أن متابعة إعتيادية لإدارة الأغذية والدواء الأميركية على الدراسة كشفت تزويرًا واضحًا في 4 من 10 من الأماكن التي فُحصت، ورغم أن التزوير في بعض الأحيان شمل نتائج كاملة مفبركة ومرضى غير موجودين على الإطلاق، صادق مراقبو إدارة الأغذية والدواء الأميركية على الدواء ثلاث مرات دون ذكر نتائج المتابعة، هذا فضلاً عن أن الدراسة لم تُثبت بشكل قاطع فائدة الدواء.

وفي حملاتها الإعلامية صرّحت شركة “سانوفي أفينتيس” أن تسويق دواء “كيتيك” كان الأكثر نجاحًا من بين كل المضادات الحيوية في التاريخ!

وبعد أن اكتشفت 53 حالة من تسمم الكبد خلال ثلاث سنوات من استعمال الدواء، بعضها كان مميتاً، وبعد رفض إدارة الأغذية والدواء الأميركية المتكرر لمراجعة الدواء ومخاطره، نزعت الإدارة المصادقة عن الدواء بعد تدخل الكونغرس الأميركي.

وهكذا فقد شاركت الحكومة الشركة غش الناس، وبيعهم دواءً لم تثبت نجاعته، وثبتت مخاطره مُسبقًا، وصدق من قال إن آثار الحضارة الرأسمالية خطرة على البشرية.

ولا تتورع شركات الأدوية عن اختلاق الكثير من الأمراض أو تضخيم مشكلات صحية بسيطة لبيع المزيد من الأدوية وتعزيز أرباحهم.

وهذا ما صرحت به المكتبة البريطانية للمعارف الطبية وكذلك باحثون في جامعة نيوكاسل في أستراليا، حيث قالوا في تقرير لهم إن “ترويج الأمراض هو توسيع حدود المرض وبالتالي زيادة نمو الأسواق بالنسبة لهؤلاء الذين يبيعون ويقدمون العلاجات”. وأضاف الباحثون أن محاولات هذه الشركات تتجلى “بوضوح كبير في حملات التوعية بالأمراض التي تمولها العديد من شركات الأدوية. وهي تهدف في كثير من الأحيان إلى بيع الادوية أكثر منها إلى التوعية أو التعريف أو التثقيف بشأن أمراض أو الوقاية الصحية”.

ومن الأمثلة الجديرة بالذكر هنا، الحالة المعروفة بآلام ما قبل الحيض، أو عسر الطمث، فعلى الرغم من أن جميع النساء، منذ حواء وعبر ملايين السنين، يتعرضن لتغيرات فسيولوجية طبيعية في الأيام السابقة مباشرة للدورة الشهرية، فإن شركات الأدوية اكتشفت خلال الآونة الأخيرة أنها حالة مرَضية، تتطلب التدخل من خلال قائمة طويلة من العقاقير والأدوية. وتتراوح أعراض هذه الحالة المرَضية -حسب رأي شركات الأدوية- ما بين التقلب المزاجي، والاكتئاب، والتوتر، والتهيُّج العصبي، والانتفاخ، والتقلصات، وهي الأعراض التي تصيب 75% من النساء، حسب رأي الشركات أيضاً.

وغني عن الذكر طبعاً، وبخلاف بعض النصائح العامة والبسيطة للتخلص من هذه الأعراض، إن شركات الأدوية تقوم حالياً بتسويق قائمة أدوية شديدة التأثير على الجهاز العصبي المركزي. وبما أن ثلاثاً من كل أربع نساء هن (مصابات) بهذه الحالة، نجد أن مبيعات هذه العقاقير تبلغ عشرات بل مئات الملايين من الدولارات سنوياً. هذا على الرغم من أن الدراسات منذ أكثر من سبعة عشر عاماً، وبالتحديد منذ عام 1989، قد أظهرت أن التغيرات الحادثة في مزاج النساء وحالتهن الصحية قبل الدورة الشهرية، لا تختلف كثيراً عن بقية أيام الشهر. والأدهى والأكثر وقعاً، أن العديد من الدراسات أظهرت أن النساء اللواتي تلقين أدوية وهمية، أو “بلاسيبو”، تحسنت لديهن الأعراض بنفس القدر لدى النساء اللواتي كن يتلقين عقاقير شديدة المفعول وكثيرة المخاطر والأعراض الجانبية أيضاً. ورغم كل هذه الدراسات، وما تظهره من وهمية هذه الحالة، نجد أن ماكينة التسويق لدى شركات الأدوية، قد نجحت في أن تجعل منظومة توتر ما قبل الحيض واقعاً طبياً واجتماعياً، ليس لدى العامة فقط، بل بين أفراد المجتمع الطبي أيضاً.

وهذا ما قامت به شركة “ميرك” أيضًا عندما أنتجت دواء الصلع “propcia“، فقد لوحظت حملة من قبل الصحف الرائدة تحدث الناس عن المشاكل النفسية الوخيمة التي تنتج عن سقوط الشعر!!! وكانت هذه الحملة من تنظيم شركة العلاقات العامة العالمية “إدلمان”.

وضمن هذه الحملة كان هنالك دراسة جديدة وجدت أن ثلثي الرجال يعانون من إحدى درجات سقوط الشعر، ودعمت هذه الدراسة بتعليقات من بعض المتخصصين بهذا المجال، وخبر عن إنشاء معهد عالمي لدراسة الشعر، وأضافت الدراسة أن فقدان الشعر يؤدي إلى الاضطراب والهلع بجانب بعض المشاكل النفسية الأخرى؛ بل ويؤثر على السلامة العقلية والكفاءة في العمل!!!

ولكن لم يصرح المقال أن شركة “ميرك” هي التي قامت بعمل الدراسة وإنشاء المعهد، وأن الخبراء الذين علقوا على الدراسة في المقال جاءوا عن طريق شركة “إدلمان”، حتى لا تعلن شركة “ميرك” عن دوائها بشكل مباشر.

ولا تقتصر ظاهرة التوسيع على اختراع أمراض جديدة، بل تظهر أيضاً من خلال تضخيم أمراض بسيطة ومعروفة أو تهويل تأثير عوامل الخطر. فعلى سبيل المثال، عوامل الخطر، مثل هشاشة العظام وارتفاع الكوليسترول، تحولت هي الأخرى من مجرد عوامل خطر إلى أمراض، تعالج بعقاقير تباع بثمن يبلغ أحياناً مئة ضعف تكلفة إنتاجها. وأحيانا أخرى تلجأ شركات الأدوية إلى تكتيك آخر، من خلال دعمها مادياً لأبحاث مشبوهة، توسع من نطاق المرض وتزيد من عدد المرضى. فعلى سبيل المثال تم قبل فترة تخفيض الحد الذي يفترض أنه طبيعي لمستوى الكوليسترول في الدم، وهو معدل يستخدم في تحديد ما إذا كان الشخص مصاباً بارتفاع في الكوليسترول أم لا وهو ما يعني أن الأشخاص الذين يجب خضوعهم للعلاج بالعقاقير المخفضة للكوليسترول، قد تضاعف عددهم في طرفة عين ترافقاً مع هذا التخفيض، وتضاعف معهم أيضاً حجم مبيعات الشركات المصنعة لمثل تلك العقاقير. وهو ما يعني أن هذه التكتيكات والاستراتيجيات، لا تزيد فقط من عدد الأمراض، بل تزيد من عدد من يتم توصيفهم كمرضى، وهو بالتالي ما يزيد من مبيعات شركات الأدوية. وتجدر الإشارة هنا أن ستة من تسعة أعضاء اللجنة التي أصدرت القرار الجديد حول مستويات الكولسترول حصلوا على منح او استشارات مدفوعة من شركات الأدوية المخفضة للكولسترول. وقد خفضت اللجنة مستويات الكولسترول التي يجب الوصول إليها في الدم بواسطة الأدوية وبذلك ضخمت عدد “المرضى” الذين يجب على الطبيب “قانونياً” أن يصف لهم دواء الكولسترول. ولا حاجة للإشارة إلى أن أرباح شركات أدوية الكولسترول بلغت مستويات قياسية. ولن أبسط البحث أكثر لأبين أن لأدوية تخفيض الكولسترول أعراضًا جانبية غير بسيطة يمكن أن تؤذي من يتناولها لغير حاجة.

وفي النهاية، وبما أن العالم الثالث والفقراء لا يشكلون عند العالم الرأسمالي أكثر من سوق استهلاكية يرمون فيها بضاعتهم الفائضة، تُصدّر شركات الأدوية أحياناً شحنات من الدواء الفاسد لهؤلاء الناس، ولا تزال قضية الدم الملوث بالإيدز الذي أرسلته شركات الأدوية الفرنسية لمعالجة أطفال عراقيين مصابين بالهيموفيليا تراوح مكانها لحد الآن رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على هذه الجريمة. ولقي ما لا يقل عن 199 عراقياً حتفهم من أصل 238 أصيبوا بمرض الإيدز بعد حقنهم بدم ملوث اشترته حكومة النظام السابق من شركة فرنسية مطلع ثمانينات القرن الماضي، في حين ينتظر الباقون مصيرهم في ظل افتقاد العلاج اللازم وفقاً لتقارير هيئة الهلال الأحمر العراقي.

وقال رئيس الهيئة سعيد إسماعيل حقي لوكالة فرانس برس في بغداد: «أجرينا مفاوضات مع فرنسا للتوصل إلى تسوية أوضاع 238 شخصاً أصيبوا بالإيدز قضى منهم 199 حتى الآن بسبب الدم الملوث لكنها توقفت عام 2004 فالتعويض المعروض من قبل الفرنسيين كان مهيناً للضحايا لأنه لا يغطي حتى تكاليف العلاجات فضلاً عن الجانب الإنساني في القضية». وأضاف: «عرضت الشركات مبالغ تراوحت بين خمسة آلاف و25 ألف دولار، فهذا المبلغ لا يفي بتكاليف العلاج (…) خمسة آلاف دولار فقط فهل لأنه عراقي؟ هل هذا ما يساويه الإنسان؟ نحن الآن نطالب بـ238 مليون دولار أي مليون دولار لكل ضحية». وقال أيضًا: «ما فعلته الشركات لا يمكن السكوت عنه أو التساهل حياله. وجهنا نداءات إلى شركات الأدوية بواسطة الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر لنحصل على الدواء الثلاثي لمعالجة المصابين لكننا لم نتلقَ شيئاً». «على العالم المتحضر أن يطلع على معاناة المصابين وعائلاتهم وخصوصاً فرنسا. فهل هذه هي الحضارة الغربية؟».

وقد رُفعت دعوى قضائية ضد شركات أفنتيس وسانوفي وباكستر عبر سفارات العراق في باريس وواشنطن، لكن دون جدوى.

وكانت وكالة الأدوية الأميركية قد حذرت في حينه من أن الدم ملوث ورغم ذلك سلمته شركة ماريو الفرنسية إلى العراق وليبيا وتونس والجزائر.

إن هذا كله ما هو إلا ناتج طبيعي لوجهة النظر الرأسمالية عن الحياة. فالمادية والنفعية مقياسها، ومعالجات وتشريعات الملكية الفكرية نتاجها. ووجهة النظر هذه لا تُغَلِّب القيم المادية فحسب بل تُسَخِّر القيم الأخرى لتحقيق القيم المادية. كل ذلك بسبب الأساس الفاسد الذي انبثقت عنه هذه المعالجات الفاسدة التي أغرقت أصحابها والعالم أجمع بالشر والظلم باسم حماية الحقوق والمبتكرات.

[يتبع]

أبو الغيث – فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *