العدد 250 -

العدد 250- السنة الثانية والعشرون، ذو القعدة 1428هـ، كانون الأول 2007م

وللسياسة أثر رجعي أيضاً

وللسياسة أثر رجعي أيضاً

 

المفعول الرجعي، أو الأثر الرجعي مصطلح قانوني، أو إداري يُقصد به تطبيق ما يصدر من مراسيم، أو قرارات إدارية على فترة زمنية مضت وانقضت، وهي تمتد إلى الوراء لعدة سنوات، أو لعدة شهور، فهناك قرارات حكومية تصدر أحياناً بمفعول رجعي. أما في السياسة فهي في الغالب تتعلق بالحاضر والمستقبل، أما الماضي فهو تاريخ مضى وانتهى، فتاريخ اليوم هو سياسة الماضي، وسياسة اليوم هي تاريخ المستقبل.

مناسبة هذا الكلام ما يشهده العالم الإسلامي من صراعات سياسية وحروب عسكرية يشنها أعداء الأمة عليه، وهناك صراعات لاتنكشف خفاياها ولا ينكشف من وراءها، وهناك صراعات أخرى تنكشف بعض خفاياها للمتابعين، وإذا ما انكشفت بعض المليشيات وانكشفت ارتباطاتها بأجهزة المخابرات لدولة من الدول، فإن الأمر يقتصر على الحاضر فقط، ولا يعود المرء إلى الوراء بضع سنين لكي يفهم بعض الأحداث التي بقيت غامضة طيلة الفترة الزمنبة الماضية، على ضوء الانكشاف الذي حصل حالياً في ارتباطات الأطراف ببعضها.

أحياناً يتحدث بعض المتابعين للأحداث عن مليشيا مسلحة، ً فيقولون: هذه الحركة فتحت خطّاً على النظام الفلاني، أو أصبحت عميلة للنظام الفلاني، ولكن لو كان أكثر دقة في مراقبة الأحداث بالرجوع إلى الوراء عبر الزمن، لاكتشف بأن المليشيا المذكورة كانت منذ لحظات تأسيسها الأولى صناعة مخابراتية، وقد تمّ إخفاء ساعة ولادتها، ومكان الولادة، وأسباب الولادة، وتمّ التعتيم على القابلة القانونية التي رعت تلك الولادة، ونجحت في ذلك التعتيم أيّما نجاح، وأصبح من الصعوبة بمكان إقناع الناس بعكس ذلك.

لقد أثبتت الأيام أن الكثير من المليشيات كانت تعمل بمثابة بندقية للإيجار، وتعمل لمن يدفع لها أكثر من الآخرين، ولكن الاكتشاف جاء متأخراً بعد سقوط المئات والآلاف من القتلى والمشوهين، وبعد تضليل الآلاف من خيرة أبناء الأمة من ذوي النيات الحسنة الطيبة، الذين يصدّقون بفطرتهم السليمة كل شعار وكل أصحاب مخطط ، مهما كان هذا المخطط موغلاً في العمالة والخيانة، والارتباط بالمخطط الرئيسي للدول المستعمرة، وهم يظنون أنهم يحاربون مخططات هذه الدول المستعمرة، فما أصعب أن يكتشف المرء أنه كان مخدوعاً، ومغفلاً، بعد أن يفني زهرة شبابه في المكان الخطأ، والزمان الخطأ، والخط السياسي والعسكري الخطأ. قال تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف ١٠٤].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *