العدد 197 -

السنة السابعة عشرة – جمادى الثانية 1424هـ – آب 2003م

مع القرآن الكريم: (أولئك حزب اللَّه)

بسم الله الرحمن الرحيم

مع القرآن الكريم:

(أولئك حزب اللَّه)

          قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)  [المجادلة].

          وقال تعالى: ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)  [المائدة].

ــــــــــــــــــــــــ

أما قوله تعالى: ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) قال البيضاوي «أي لا ينبغي أن تجدهم وادّين أعداء اللّه. والمراد أنه لا ينبغي أن يوادّوهم». إن النفي هنا وقع موقع النهي في المعنى وهذا أبلغ لما يفيد من استغراق النفي للزمن مما يشكل نهياً مطلقاً. فإيراد الإنشاء أي النهي في الآية بصيغة الخبر أي النفي أبلغ من صريح النهي لما فيه من المبالغة في الحث عليه حتى كأنه سورع فيه الامتثال ووقع فأخبر عنه.

وقوله تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) قال البيضاوي «أي ولو كانوا أقرب الناس إليهم». وقال ابن كثير: «لا يوادّون المحادّين ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة] وقيل في قوله تعالى: (ولو كانوا آباءهم) نزلت في أبي عبيدة قتل أباه يوم بدر (أو أبناءهم) في الصدّيق همّ يومئذٍ بقتل ابنه عبد الرحمن (أو إخوانهم) في مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذٍ (أو عشيرتهم) في عمر قتل قريباً له يومئذٍ أيضاً، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذٍ واللَّه أعلم».

وقوله تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) قال ابن كثير «كتب له السعادة وقررها في قلبه وزين الإيمان في بصيرته».

وقوله تعالى: (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهارخالدين فيها) قال سيد في الظلال: «جزاء ما تجردوا في الأرض من كل رابطة وآصرة، ونفضوا عن عقولهم كل عرض من أعراضها الفانية».

وقوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) قال ابن كثير: «سر بديع وهو أنهم لما سخطوا على القرائب والعشائر في اللَّه تعالى عوضهم اللَّه بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم، والفوز العظيم، والفضل العميم».

وقوله تعالى: (أولئك حزب الله) قال سيد: «أولئك جماعته المتجمعة تحت لوائه، المهتدية بهديه، المحققة لمنهجه».

وقوله تعالى: (ألا إن حزب الله هم المفلحون) قال ابن كثير: «تنويه بفلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وقال سفيان: يرون أنها نزلت فيمن يخالط السلطان».

أما الآية من سورة المائدة فقوله تعالى: (ومن يتول الله وسوله والذين آمنوا) قال البيضاوي: «ومن يتخذهم أولياء، (فإن حزب الله هم الغالبون) فإنهم الغالبون. ولكنه وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على البرهان عليه. فكأنه قيل: ومن يتولّ هؤلاء فهم حزب اللَّه، وحزب اللَّه هم الغالبون. وتنويهاً بذكرهم وتعظيماً لشأنهم وتشريفاً لهم بهذا الاسم، وتعريضاً لمن يوالي غير هؤلاء بأنهم حزب الشيطان. وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حزبهم».

يقول سيّد في الظلال: «وهذه لفتة قرآنية مطردة. فاللَّه سبحانه يريد المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير، لا لأنه سيغلب أو سيمكن له في الأرض. فهذه ثمرات تأتي في حينها، وتأتي لتحقيق قدر اللَّه في التمكين لهذا الدين، لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين. والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم، لا شيء لذواتهم وأشخاصهم، وإنما هو قدر اللَّه يجريه على أيديهم، ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم، فيكون لهم ثواب الجهد فيه، وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين اللَّه في الأرض، وصلاح الأرض بهذا التمكين».

«كذلك قد يعد اللَّه المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم، وإطلاقها من عوائق الحاضر أمامهم… فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة، وتخطي العقبة، والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد اللَّه للأمة المسلمة» «كذلك يشي ورود هذا النص بحالة الجماعة المسلمة يومذاك وحاجتها إلى هذه البشريات. ثم تخلص لنا هذه القاعدة التي لا تتعلق بزمان ولا مكان فنطمئن إليها بوصفها سنّة من سنن اللَّه التي لا تتخلف. فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب اللَّه هم الغالبون. وأن الولاء للَّه ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدية لتحقق وعد اللَّه في الآية».

l إن من دلائل الإيمان في نفوس أتباع اللَّه الولاء الكامل للَّه ولرسوله وللمؤمنين، وأنهم لا يوادّون من حادّ اللَّه ورسوله ولو كانوا أقرب الناس إليهم، وهذا يدل على أن حب اللَّه ورسوله هو أقوى الحب في النفس، وأنه لا يقبل حباً من نوع آخر، ويدل على خلوص النفس من كل شرك ويدل على أن وشيجة الإيمان أقوى الوشائج. ويدل على وجود معركة دائمة بين الإيمان والكفر. يقف في صف الإيمان حزب اللَّه تحت راية الحق في مقابل صف الكفر حيث يقف حزب الشيطان تحت راية الباطل. وهما صفان متميزان لا يختلطان ولا يتميعان ولا حلول وسط بينهما .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *