العدد 279 -

العدد 279 – السنة الرابعة والعشرون، ربيع الثاني 1431هـ، الموافق نيسان 2010م

أيها المسلمون في أفغانستان: الحذر الحذر، لم يبقَ إلا صبر ساعة حتى تنهزم أميركا في عقر داركم

أيها المسلمون في أفغانستان:

الحذر الحذر، لم يبقَ إلا صبر ساعة حتى تنهزم أميركا في عقر داركم

 

مرة أخرى  عن أفغانستان، فإن صمودها في وجه الاحتلال الأميركي بل الغربي المتمثل بـ(الناتو)، بل الدولي المتمثل بـ(إيساف) يقع أثره الطيب في قلب كل مسلم. ونسأل الله أن يسيِّر أمور المسلمين هناك بما يحب ويرضى. واليوم، في خضم هذه المعركة الشرسة التي تخاض ضد المسلمين هناك، لابد من قول كلمة هذا أوانها، ومن إطلاق صرخة نسأل الله أن تصل قلب المؤمنين المجاهدين فيها.

والآن: أين وصل الوضع في أفغانستان؟ وبأي اتجاه يسير؟ وإلى أين سيصل؟

تسع سنوات مرت على الحرب العدوانية الشرسة التي تخوضها الولايات المتحدة على المسلمين في أفغانستان من غير أن تظفر بنائل… اللهم إلا المزيد من الغرق في المستنقع، فهي ابتدأت باحتلال أفغانستان وانتهت اليوم بفقد السيطرة عن أكثر من 70% من الأراضي، وتحتفظ بأسوأ حكام عملاء لها وأكثرهم فساداً، وقد توسعت المقاومة ضدها فأصبحت هناك طالبان باكستان إلى جانب طالبان أفغانستان، ووجودها تمثل في بعض القواعد التي تستطيع أن تحمي نفسها فقط من غير أن تمنع تساقط الصواريخ عليها، ويد طالبان تمتد إلى العاصمة كابول إلى قصر حاكمها العميل الأميركي بل الموظف الأميركي كارزاي… أميركا الآن تخوض معركة يائسة وضعت فيها كل خبراتها وقدراتها وذكائها (كما تقول) من أجل قلب النتائج لمصلحتها… ويمكن القول إنها تخوض المعركة الأخيرة لها هناك، والتي ستستغرق ستة عشر شهراً، أي تنتهي في تموز من سنة 2012م وهو الموعد الذي أعلنه أوباما لسحب قواته من هناك… نعم إنها المعركة الأخيرة فإما تنتصر فيها وإما أن تجرجر وراءها أذيال الهزيمة ويحدث لها ما حدث في فيتنام. وهذه الخطة أخذت وقتاً كافياً لاعتمادها، وجرى اعتمادها على مستوى أعلى سلطة في اتخاذ القرار.

والآن: لماذا حدد أوباما تاريخاً للخروج؟ وما الذي تريد الولايات المتحدة تحقيقه حتى تعتبر نفسها أنها انتصرت؟

أما السؤال الأول فإن الإجابة عليه يتطلب معرفة لماذا ذهبت الولايات المتحدة إلى هناك، ولماذا شنت حربها تلك، ويجب أن لا تعمينا الأسباب الظاهرة والتي تقول إنها للرد على تفجيرات 11/9 عن الدوافع الحقيقية لها وهي السيطرة  على منطقة هي في قلب الصراع الدولي، وكانت على الدوام مطمع الدول الاستعمارية ومقبرة الإمبراطوريات. فأفغانستان دولة تقع على حدود كل من الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران. والذي يسيطر عليها يمكنه التأثير والتهديد لكل هذه الدول… وكان قد سبق الغزو إعلان الولايات المتحدة زمن بوش الصغير وفريق إدارته من المحافظين الجدد عن خطة القرن الأميركي للتفرد في حكم العالم، وهو مشروع أقل ما يقال فيه إنه مشروع تهديدي لكل دول العالم، ويريد صياغة العالم من جديد وفق المصالح الأميركية حصراً، ومنع أي دولة من الاقتراب من موقع المزاحمة والمنافسة… وهذا يتطلب من أميركا أن تقبض لوحدها على تجارة النفط عالمياً، وبالتالي تمنع الصين من الاستفادة من هذه السلعة الاستراتيجية لمنع منافستها ومزاحمتها على صعيد امتلاك القوة العسكرية والقدرة الاقتصادية، ناهيك عن دعم حركات التحرر ضد الصين (الدالاي لاما والإيغور) وفصل تايوان عنها دولياً. ناهيك عن إيجاد تحالف بين باكستان والهند بعد تغيير الحكم في الهند عن طريق الانتخابات… وتتطلب من أميركا إغراق روسيا بالديون لإضعافها وتحويلها من دولة عالمية إلى دولة عادية، ولتجبرها تحت ثقل الديون كي تتخلى عن سلاحها النووي، وهذا ما كانت قد بدأت به قبل شن الحرب على أفغانستان، وعملت على وراثة الحكم في منظومة الدول التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي ما يعني وجودها على حدودها… ويتطلب أن تبقي الاتحاد الأوروبي على تشرذمه… ويتطلب إبقاء الدولار على عرشه من غير منافس، وفرض قوانين العولمة الاقتصادية حتى يصبح الاقتصاد العالمي تتغذى شرايينه من نبض قلب بنكها المركزي وشركاتها الاقتصادية العملاقة… لذا نظرت هذه الدول على أن الحرب على أفغانستان هي في الحقيقة حرباً عليها، فراحت تعمل على إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة من وراء حجاب تماماً كما فعلت هي مع الاتحاد السوفياتي عندما احتل أفغانستان فكان غزوه واحتلاله لأفغانستان ومن ثم تكبده الخسائر الفادحة سبباً في تسريع انهيار الاتحاد السوفياتي كنظام عالمي وليس فقط في هزيمته عسكرياً.

والآن فإن المشهد ذاته أخذ يتكرر مع الولايات المتحدة فهي قد أصيبت في حربها ضد المسـلمين في كل من العراق وأفغانسـتان بخسـائر مادية وبشـرية ضخـمة جداً. ووقعـت بأزمـة مالية هزت ركائزها الاقتصادية هزاً، ليس على صعيد الدولة كدولة بل كنظام رأسمالي، وحدث هذا الزلزال نتيجة إطلاق يد الشــركات الرأسمالية لتدير عملية الاقتصاد العالمي من غير قيود وجاءت الحرب الأفغانية لتكشف عوار هذا النظام ولتسرع في إعلان نتائج الانهيار. والفارق الوحيد بين الانهـيارين الســوفياتي بالأمس، والأميـركي اليوم، أن الأول كان هناك دول رأسمالية على رأسها أميركا تساهم في إعلان وفاته، أما الثاني فلو كان هناك دولة كدولة الخلافة مثلاً لأعلن عن وفاته ودفنه وإراحة الناس منه. على كل هذا هو عملها الذي ينتظر قدومها الميمون.

لما وجدت أميركا نفسها أنها غارقة في الرمال المتحركة الأفغانية، وأن النتائج انعكست عليها، وأنها انشغلت عن أهدافها الاستراتيجية الكبرى، وأن الدول الأخرى قد استفادت من هذا التورط فاستطاعت الصين مثلاً أن تسير بسرعة مذهلة نحو تكوين نفسها عسكرياً واقتصادياً والاقتراب أكثر وأكثر من فرض نفسها كدولة عالمية ثانية، وإذا استمر التورط الأميركي فلربما يكون من نتائجه انهيار أميركا وخروجها من المسرح الدولي وخلو الساحة الدولية لغيرها. وروسيا التي كانت بالأمس القريب تستجدي أميركا المزيد من الاستدانة وإعادة جدولة الديون أصبحت اليوم بعد أن تخلصت من مديونيتها والاحتفاظ بفائض مالي يربو على المئة مليار دولار أصبحت تتعامل مع أميركا تعامل الند للند، وبدأ الكلام عن عودة الحرب الباردة بينهما ما يدل على تحسن موقع روسيا دولياً، واستطاعت أن تجعل محيطها آمناً لها من التدخل الأميركي. فهي الآن تشتغل بأميركا لا العكس. (في جورجيا تدخلت عسكرياً، ومنعتها من الدخول في الناتو، وفي أوكرانيا يعتبر الآن الحاكم فيها أقرب لها…) أما الهند فقد استطاعت بريطانيا من أن تعيد الحكم لحزب المؤتمر التابع تاريخياً لها… ولعل من أكثر الدلائل على مدى ما وصل إليه ضعف أميركا عسكرياً أنها تريد أن تسحب 50 ألف جندي من العراق بحدود شهر آب القادم لتنقلهم إلى أفغانستان، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل تستطيع الولايات المتحدة اليوم أن تخوض حرباً ثالثة؟ وهكذا وصل الوضع في أفغانستان إلى نقطة الفشل، وهو يسير باتجاه تحقيق عكس النتائج التي وضعت الحرب من أجل تحقيقها. وهي تأخر أميركا على المسرح الدولي وتقدم الدول المنافسة لها.

لا شك أن أوباما في اجتماعاته الأخيرة مع أركان حكمه وحربه كان هذا الموضوع هو الموضوع الأبرز، وكان هو وراء تحديد تاريخ الانسحاب. فالولايات المتحدة مهددة كمركز أول في العالم، ومهددة كنظام رأسمالي بالسقوط إن لم توقف هذه الحرب ومهددة بأن يتقدم غيرها من الدول المنافسة عليها.

لهذه الأسباب، ولهذه الحقائق ولغيرها مما لا يتسع المقام لذكره، فإن أميركا مضطرة للخروج من أفغانستان، وهذه هي معركتها الأخيرة بل وتجربتها الأخيرة التي تقول إنها وضعت فيها كل إمكاناتها فإما انتصار (غير متوقع) وإما انسحاب مذل وبذلك يمكن القول إن هذه المعركة تحمل في طياتها خطة خروج لها من المستنقع الأفغاني. والآن، ما الذي تريده أميركا أن تحققه من هذه المعركة حتى تعتبر نفسها أنها انتصرت؟

لقد سبق لنا أن تكلمنا في العدد 275 عن هذه الخطة ومكوناتها وأهدافها، وليس من حاجة إلى إعادة ما ذكر بل يرجع إليه ليبنى عليه. إن أميركا تريد شيئاً واحداً إن حققته فازت وإلا انهزمت، وهي استمالة طالبان، وقد حاولت عن طريق الدول الإقليمية فتح باب الحوار معها فلم تفلح، والآن تريد الضغط العسكري الهائل على طالبان حتى تذعن للحوار. تريد من طرح فكرة استعداد أميركا للتحاور مع المعتدلين من طالبان أن تشق صفوفها إذا ما استجاب البعض منهم. أميركا أحضرت معها في هذ المعركة الأموال النقدية لشراء الذمم، تريد إذا استجاب أحد لها أن تحميه وتمكنه بفعل قوتها العسكرية وأن تجعل منطقته منطقة نامية اقتصادية وآمنة عسكرياً. ومعها مدة 16 شهراً لتتمكن من تحقيق تغيير اقتصادي وأمني على الأرض يكون نموذجاً يشجع الآخرين على حذو طريق العمالة لها… إنها تريد أن توجد عملاء جدداً لها من طالبان لأن كارزاي لا تستطيع به شيئاً… نعم لقد عادت أميركا إلى الأسلوب القديم في استعمار الشعوب وهو أسلوب الاستخبارات القائم على صنع القيادات العميلة وشراء الذمم والاغتيالات والانقلابات ولعل قمة ما يؤيد هذا الكلام هو إعلان أوباما نفسه في أحد خطاباته عن تخلي بلاده عن سياسة التفرد بحكم العالم… هذا باختصار ما تريده أميركا.

نعم إنه لا يخيفنا مثلما يخيف موضوع الحكام العملاء، وإن الأمة مأخوذة من الغرب الرأسمالي الكافر المستعمر عبر الحكام الخونة. وهو أسلوب يجب الحذر منه كل الحذر. وأقرب مثل لذلك العراق فبالأمس كان رجال قلائل من المقاومين والمجاهدين يحققون النصر للأمة والهزيمة لأميركا. فخطف كل ذلك من يسمون اليوم حكام العراق من الخونة المرتبطين الذي سمح لهم بخوض اللعبة الانتخابية بحسب دستور وضعي وضعه الأميركيون بإشراف مباشر منهم وفرض اللوائح النيابية التي لا تعارض سياستهم وإبعاد من يعارضهم بقوة من المرشحين.

فالحذر الحذر لطالبان من أميركا، ومما هو أخطر من أميركا ألا وهو الدول الإقليمية التي ظاهرها الإسلام وباطنها العمالة للغرب. من أمثال السعودية وإيران وباكستان وتركيا. فهذه الدول ستستخدمهم أميركا للحصول عبرهم عما لا تستطيعه بنفسها.

والصبر الصبر أيها المسلمون في أفغانستان، إنه صبر ساعة يأتي النصر إن شاء الله للأمة والهزيمة بعدها لأميركا. فإن انتصار المسلمين هناك هو انتصار لهم في كل مكان.

إن انهزام الولايات المتحدة لا شك سيكون من أهم العوامل التي ستساهم في مولد فجر الخلافة الذي يجمع الأمة من مشرقها إلى مغربها على صعيد واحد. وستعرف دولة الخلافة بعد قيامها قريباً بإذن الله لأمثال هؤلاء المسلمين الأشاوس حقهم من التقدير وتجعل لهم منزلة عالية. فكل الدلائل تشير إلى أن تغييرات جذرية سيشهدها العالم في هذه الآونة وسيكون إقامة الخلافة أهمها، بل يمكن القول إن العصر الآتي هو بإذن الله عصر الخلافة الراشدة الثانية.

اللهم إن الدين دينك، والنصر نصرك، ونحن عبيدك وجنودك، فافتح لنا وبنا، إنك على ما تشاء قدير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *