العدد 184 -

السنة السادسة عشرة – جمادى الأولى 1423هـ – تموز 2002م

خطورةُ التطبيع مع كيان يهود ووجوبُ إزالة هذا الكيان

خطورةُ التطبيع مع كيان يهود

ووجوبُ إزالة هذا الكيان

          من المفارقات التي نسمعها هذه الأيام أنّه في مقابل الجرائم التي يقوم بها يومياً كيان يهود، والمجازر الوحشية التي يرتكبها في فلسطين، ومقابل الحقد الدفين والعداء السافر الذي تمارسه أميركا ضد الإسلام والمسلمين ومناصرتها ليهود في تثبيت كيانه في فلسطين رغم مجازره واعتداءاته المتكررة، رغم كل ذلك فإن تصريحات الحكام العرب ومسئولي السلطة لا زالت تطالب بالخطة العربية في مؤتمر القمة الأخير التي قدمتها (السعودية) والتي تركز على تطبيع الدول العربية مع كيان يهود مقابل الانسحاب من الأجزاء المحتلة في 1967م وتعدّ تحقيق ذلك نصراً مؤزراً مبيناً علماً. بأن اليهود قد اهتموا بموضوع التطبيع الوارد في الخطة وألقوا بموضوع الانسحاب وراء ظهورهم، واستمروا في تقطيع أوصال الضفة وغزة وجعلها كانتونات منفصلة معزولة عن بعضها لا حول لها ولا قوة، يدخلونها كيف يشاؤون ومتى يشاؤون يقتلون ويعتقلون ويفجرون ويهدمون ويجرفون المزروعات، وفي الوقت نفسه يرون في خطة العرب أمراً مهماً لهم وهو التطبيع.

          إننا سنبين فيما يلي الخطورة البالغة في التطبيع ثم الحكم الشرعي فيه، وأنه فرع لأصل، وأنّ الواجب هو قطع الأصل فيموت الفرع وينتهي موضوع (التطبيع). فكيان يهود وبقاؤه على أي جزء من فلسطين مهما صغر، هو الداء ومكمن الخطر، والواجب قطعه، فيقطع التطبيع تلقائياً، لا أن يفترض بقاء كيان يهود ثم يعالج التطبيع معه فإن هذه المعالجة ستبقى ناقصة ما دام رأس الأفعى (كيان يهود) باقياً ينعم بالحياة. فنقول وبالله التوفيق:

=======================================

          معنى التطبيع: كلمة (التطبيع) من الكلمات المستحدثة سواء على اللغة العربية الفصحى أو على صعيد الصراع مع اليهود في فلسطين المحتلة.

          فقد جاء في لسان العرب، أن الطبع بمعنى السجية، والطبيعة هي السجية التي جبل عليها الإنسان، وطبّعه أي جعله على سجيته.

          والتطبيع كما هو متعارف عليه دولياً (إعادة علاقات طرفين معيّنين إلى وضعهما الطبيعي الذي كانا عليه قبل أن يطرأ هذا الموقف الصراعي بينهما)، وهذا المفهوم يعني إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين طرفين طرأ بينهما موقف غير طبيعي، أي موقف صراعي سواء بلغ حده الأعلى بإعلان الحرب أو حده الأدنى في حدود الصراعات العادية، ويذكرنا هذا المعنى بما يتردد كثيراً هذه الأيام في وسائل الإعلام المختلفة من مصطلح إعادة ما يسمى (بالمقاطعة العربية لإسرائيل).

          ويعني هذا المصطلح كما جاء في قاموس المصطلحات الحقوقية الدولي أن المقاطعة هي (إجراء تلجأ إليه سلطات الدولة أو هيئاتها أو أفرادها المشتغلون بالتجارة لوقف العلاقات التجارية مع دولة أخرى ومنع التعامل معها أو مع رعاياها بقصد الضغط عليها رداً على ارتكابها أعمالاً عدوانية وما شابهها.

          هذا هو التطبيع وهذا هو واقعه وهذه هي المقاطعة العربية وهذا هو واقعها، والجدير بالذكر هنا أن التطبيع ورفع المقاطعة هو حلم صهيوني قديم وقناعة عميقة في عقول قادة الحركة الصهيونية منذ انشاء دولتهم في فلسطين المحتلة المسلمة.

          وقد حدد زعماء الصهاينة تصورهم للتطبيع خاصة بعد زيارة السادات الخيانية للقدس عام 1977.

          وهذا التصور يعني (إيجاد علاقات طبيعية وعادية بين الطرفين على غرار أي علاقة بين طرفين في حالة سلام وتربطهما علاقات مودة واحترام تنتفي فيها حالة التناقض أو العداء بكافة مظاهره.

          وهذا التصور الصهيوني يقوم على مرتكزات أهمها:

          1 –  إنهاء حالة الحرب بين الطرفين وإقامة سلام تستطيع فيه (إسرائيل) أن تعيش في أمان.

          2 –  اعتراف كامل بالكيان اليهودي وإقامة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وتبادل السفراء وفتح الحدود أمام الأفراد والسلع.

          3 –  إنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية للشركات اليهودية والدول المتعاملة معها وإزالة الحواجز ذات الطابع التمييزي المفروضة ضد حرية تنقل الأفراد والسلع.

          4 –  إقامة علاقات ثقافية واقتصادية وسياحية وفي كافة الميادين وتشجيع ذلك.

          5 –  السماح للسفن الإسرائيلية بعبور قناة السويس ومضيق ثيران.

          6 –  تعهد عربي واضح وفعال بعدم مساعدة العمل الفدائي ومنع الفدائيين من القيام بأي عمل يمس أمن (إسرائيل) وتقديم من يرتكب مثل ذلك للمحاكمة.

          فالكيان الصهيوني يسعى بشدة لتطبيع العلاقات مع الدول المجاورة لتثبيت هذا الكيان وجني الثمار الاقتصادية من اقتحامه للأسواق العربية المستهلكة والواسعة، والسيطرة على المواد الخام الموجودة بغزارة في المنطقة، فاليهود يسعون من خلال الاتفاقات المعقودة مع الدول العربية المجاورة إلى جني ثمار هذا السلام المزعوم والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

          1 –  إزالة الحاجز النفسي بين اليهود والمسلمين بحيث يتقبل المسلمون وجود دولة لليهود في قلب العالم الاسلامي كأي دولة اخرى.

          2 –  إلغاء المقاطعة العربية والإسلامية (لإسرائيل) والتي تحد من هيمنة (إسرائيل) الاقتصادية على الاسواق العربية والاسلامية في الدول المجاورة فقد سببت هذه المقاطعة كثيراً من الإحراج للشركات الأجنبية الكبرى خوفاً من المقاطعة العربية لها.

          3 –  الهيمنة على مصادر المياه الغزيرة في المنطقة والتي تحتاجها (إسرائيل) في الزراعة، فهناك مشاريع ضخمة مخطط لها لاستغلال الثروة المائية خاصة لنهر الأردن واليرموك والليطاني إضافة إلى نهر النيل.

          4 –  تهيئة ظروف مناسبة وحالة سلمية تشجع يهود العالم للهجرة إلى دولة تعيش في أمان ضمن حدود معترف بها، فيهود فلسطين حالياً يشكلون ما يقرب من 26٪ من يهود العالم.

          هذه أهم المكاسب الصهيونية لما يسمى بالتطبيع لذا نرى عزرا وايزمن رئيس وزراء (إسرائيل) السابق يقول في جدل دار حول رفع العلم المصري في تل أبيب إبان عملية السلام مع مصر [إن على إسرائيل إيقاف النقاش الساذج حول ما إذا كان طول السارية التي سيرتفع العلم المصري عليها فوق مقر السفارة المصرية في إسرائيل يبلغ 30 متراً أو 20 متراً وما إذا كانت السفارة ستضم خمسة أشخاص أم ستة أشخاص، والأساس هو وجود علم مصري في إسرائيل أي أن هناك سلاماً]. ويقول إسحق نافون الرئيس السابق للكيان اليهودي [إن العرب المسلمين قبلوا خلال مئات السنين بأن يكونوا أوصياء على اليهود، لكنهم لم يقفوا يوماً أمام المعضلة التي حدثت الآن، مجال مشترك وحقوق متساوية لدولة إسلامية ولدولة يهودية تبدأ بالاعتراف وتنتهي بالصداقة والتحالف].

          وقال مناحيم بيغن رئيس وزراء صهيوني سابق [لن يرفرف بعد الآن أي علم عربي فوق القدس إلا إذا كان هذا العلم فوق سفارة عربية]. أما حاييم هيرتسوغ وهو أيضاً رئيس صهيوني سابق قال في أثناء حفل تقديم أوراق اعتماد محمد بسيوني السفير المصري الأول في (إسرائيل) 23/09/1986م [إنني آمل أن تكون هناك لقاءات أخرى واحتفالات كثيرة يقدم فيها سفراء عرب أوراق اعتمادهم].

          بعد هذا كله لا بد من بيان أهم مظاهر ومجالات التطبيع:

          أولاً: التطبيع السياسي:

          وهو أول مظاهر التطبيع بين العرب والصهاينة، حيث إن عملية التفاوض في ذاتها تعتبر جزءأً أساسياً من عملية التطبيع. فمنذ زيارة السادات الخيانية للقدس لم تنقطع زيارات المسؤولين من كلا البلدين حتى أدت إلى التمثيل الدبلوماسي والقنصلي، حتى اتسعت هذه القاعدة لتشمل حكام الأردن وغيرهم. لقد كانت أجهزة هذا التطبيع تشمل إنشاء لجنة عليا للتطبيع، هذه اللجنة تأخذ طابع المؤسسة في كل بلد على حده، وقد أنيط بهذه اللجان مهمتان الأولى توجيه مفاوضات التطبيع، والثانية متابعة عمليات الانسحاب النهائي للقوات الإسرائيلية. وقد انبثقت عن اللجنة العليا للتطبيع سبع لجان فرعية تختص كل لجنة بجانب من جوانب التطبيع المختلفة. ويشمل أولاً التمثيل الدبلوماسي والتمثيل القنصلي، والتنظيمات الشعبية لتدعيم العلاقات.

          وثاني هذه المظاهر لقاءات القمة والزيارات المتبادلة بين الرؤساء.

          وثالثاً العلاقات البرلمانية والحزبية ويتجلى ذلك بقيام وفود برلمانية من كلا الأطراف بزيارات مشتركة.

          ورابعاً العلاقات العسكرية، وقد حرص الأطراف على زيارات المسؤولين العسكريين والتعاون في ما بينهم لتركيز التطبيع بين القوات المسلحة، فتم عقد لقاءات بين جرحى الحروب من الطرفين وتبادل الهدايا. وتمت زيارات متبادلة بين قطع الأسطول البحري المصري والصهيوني، وزيارات بين المسؤولين من الطرفين للقادة العسكريين لمصانع الطائرات والصناعات الحربية والكليات العسكرية.

          ثانياً: التطبيع الاقتصادي:

          ويعتبر التطبيع الاقتصادي من أكثر المسائل أهمية في أي اتفاق للصلح تم بين (إسرائيل) وغيرها من الدول المجاورة، فالصهاينة ينظرون إلى خيرات الدول المجاورة خاصة والعالم العربي عامة إلى موارده الاقتصادية الضخمة لاستغلالها، ويتطلعون إلى السوق الاستهلاكي العربي الواسع. وتم التركيز على الأمور التالية:

          1 –  التبادل التجاري، ويتضمن ذلك حرية التبادل السلعي ومنح تراخيص استيراد وتصدير، والموافقة على شهادات منشأ للسلع المستوردة والسماح باقامة المراكز التجارية المتبادلة والاشتراك في المعارض ودخول السلع لهذه المعارض إضافة إلى أنه يحق للشركات (الإسرائيلية) نشر الإعلانات التجارية في وسائل الإعلام، وعمل المناطق التجارية الحرة مثل بور سعيد والعقبة. ومنح رجال الأعمال اليهود تأشيرات دخول وخروج ورخص سكن وعمل دون عوائق، والمشاركة في المناقصات المطروحة.

          2 –  قطاع النفط: نظراً لأهمية النفط العربي وحاجة (إسرائيل) له فقد تم الاتفاق أن لليهود حصة منتظمة في النفط المصري تتراوح الكميات بين 2 – 2,5 مليون طن سنوياً تحصل عليها بسعر يقل 5 دولارات في البرميل الواحد عن السعر السائد في السوق، وهذا يخسِّر مصر (77) مليون دولار سنويا، وكل هذا بضمان ألا يحدث تمييز ضد (إسرائيل) والإخلال بهذا الإلتزام من قبل مصر يعني اجتياح الأراضي المصرية.

          3 –  قطاع النقل والمواصلات: ويعني حرية تنقل الأشخاص والآليات وعدم جواز فرض قيود على الحرية من أي طرف، ويشمل وسائل النقل البري والبحري والجوي، واقامة علاقات بريد عادية وهاتف وتلكس وتلغراف.

          4 –  السياحة: فقد كان هذا القطاع حلم صهيوني للسياسيين والمفكرين الصهاينة حين يرون أبواب العالم العربي مفتوحة لهم. فجولدا مائير لم تخفِ حلمها بأنها قد تستطيع يوماً أن تتسوق من خان الخليلي. وقد تحقق حلمها.

          5 –  قطاع الزراعة: والاتفاقات في هذا القطاع قطعت اشواطاً طويلة وكان التعاون الزراعي كبيراً نظراً لتطور الصهاينة في مجال الزراعة والري، وقد قال أحد المسؤولين الصهاينة ويسمى (هوفر) “إن العلاقات بين مصر واسرائيل في مجال الزراعة وصلت إلى نتائج طيبة ومهمة جداً”.

          ثالثاً: التطبيع الثقافي:

          لا شك أن هذا القطاع من أهم القطاعات في مجال التطبيع، وقد أدرك القادة الصهاينة هذه الحقيقة فاتفاقات السلام عادة توقع بين القادة ويظل تطبيقها مرهون بالشعوب ولا بد من تهيئة الأجواء الكفيلة بدفع الشعوب إلى التجاوب مع الساسة وإزالة كل مظاهر العداء، ولهذا اشترط الصهاينة في اتفاقيات السلام خاصة في مجال التطبيع الثقافي أن يُزال من الكتب والصحف والمناهج المدرسية كل ما من شأنه أن يبدي الصهيونية عدواً للأمة العربية والإسلامية والاستعاضة عنها بصورة اليهودي الطيب الذي يمكن التعامل معه ببساطة وليس كما كان ينظر إليه قاتلاً ومجرماً وحاقداً ومراوغاً. ولذلك نظر القادة الصهاينة إلى التطبيع الثقافي على أنه الدعامة الرئيسية لبناء السلام مع العرب والمسلمين فهو أكثر إقناعاً وأكثر استقراراً من أي ترتيبات أمنية عابرة مثل المناطق المنـزوعة السلاح أو قوات طوارئ أو أجهزة إنذار مبكر أو ضمانات دولية، فهو ببساطة محاولة لنـزع العداء لليهود من العقل العربي والإسلامي لذلك تعددت مظاهر الاهتمام والنشاط الصهيوني في هذا القطاع وشمل عدة جوانب منها:

          1 –  إنشاء المراكز الاكاديمية. فقد أقيم مركز أكاديمي يهودي في القاهرة يُعنى بعرض الأفلام وإقامة المعارض وتنظيم المحاضرات وإقامة المكتبات ويهتم بجميع الحقول العلمية من اقتصاد وطب وزراعة وآثار حتى الدراسات العربية والإسلامية.

          2 –  تبادل الزيارات بين اساتذة الجامعات. فقد نشط الصهاينة في ارسال اساتذة الجامعات وإلقاء المحاضرات وتقديم البحوث العلمية المختلفة وإقامة علاقات ثقافية مع المؤسسات الأكاديمية العربية المختلفة.

          3 –  المؤتمرات العلمية. وقد نشط الصهاينة في هذا المجال وقاموا بعقد ندوات ومؤتمرات علمية وطبية وجيولوجية سواءً في دول عربية او بمشاركة دولية مع وجود وفود عربية.

          4 –  المجال التعليمي والتربوي. وقد حظي هذا المجال باهتمام صهيوني كبير ومكثف وتعددت محاور هذا النشاط وشملت كثيراً من المجالات وقد يكون الأهم في هذا المجال هو العمل على تغيير المناهج المدرسية في كل المراحل التعليمية بدعوى ملاءَمة (عصر السلام).

          5 –  مجال الفكر والأدب. وقد حظي هذا المجال باهتمام كبير وشهد تركيزاً ملحوظاً نظراً لأنه يمثل احد المداخل الرئيسية للمفهوم الصهيوني للتطبيع الثقافي نظراً لما يحققه لقاء المفكرين والأدباء من ذيوع وانتشار للفكر والأدب.

          6 –  مجال الرياضة والموسيقى والسينما والتلفزيون وغير ذلك.

          بعد هذا العرض السريع لأهم مجالات التطبيع لا بد من بيان أهم مخاطر التطبيع على المنطقة:

          1 –  استغلال الدين وتطبيعه. لم يسلم هذا الدين الحنيف من أيدي العبث الخبيثة لإقناع بعض السذج عن طريق لَيِّ النصوص الشرعية وتطويعها لخدمة أهدافهم في عملية التطبيع وقبول وجود (إسرائيل) في قلب الأمة الإسلامية مثل قول الله عز وجل: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) [الأنفال/61]. وأن الجهاد شرع للدفاع عن النفس فقط فهو حرب دفاعية وعند الضرورة، وأن معنى الجهاد واسع ولا يحصر في مجال الحرب فقط، والى غير ذلك من الأدلة والمبررات التي تم استغلالها هذا الاستغلال الرخيص لتعاليم الإسلام مما دفع اليهود إلى زيادة المطالبة للحكام العرب بالتحكم في القدر المسموح إدخاله إلى عقول المسلمين من القرآن الكريم، عقيدةً وشريعةً، على النحو التالي:

          أ –  منع السور التي تتحدث عن اليهود وما فعلوه بأنبياء الله.

          ب –  حذف الآيات التي تفضح اليهود وتذكر أوصافهم من الكتب المدرسية.

          ج –  منع عرض البرامج التي تتناول قصص اليهود على شاشات التلفاز.

          د –  عمل لجنة مشتركة أميركية مصرية أردنية فلسطينية يهودية لمحاربة التطرف الأصولي الإسلامي.

          هـ –  استخدام فكرة الحوار بين الأديان ووحدة الأديان والقواسم المشتركة بين الديانات التوحيدية الثلاث وذلك لإلغاء اثر الشريعة الغراء في نفوس أصحابها، وقد عقدت عدة مؤتمرات لهذه الغاية.

          2 –  الاختراق الثقافي: فقد تم الاتفاق على عدة أمور ثقافية في الاتفاقيات الموقعة أهمها:

          أ –  إعادة النظر في البرامج الدراسية بحيث توافق مرحلة التطبيع والسلام وما أسموه التعايش بين الشعوب.

          ب –  نشر الثقافة والآداب اليهودية وتولى هذه المهمة المعهد الأكاديمي الصهيوني التابع للسفارة الصهيونية في مصر عن طريق المحاضرات والنشرات والمهرجانات والخدمات المكتبية والطلابية وغير ذلك من الوسائل والأساليب.

          3 –  ومن أهم مخاطر التطبيع النشاط التجسسي. لقد فتحت الاتفاقات المعقودة بين الحكام العرب والصهاينة البلاد العربية والإسلامية في وجه أجهزة المخابرات والتجسس الصهيونية مثل شعبة الاستخبارات العسكرية المسماة (أمان) ومؤسسة المخابرات والمهمات الخاصة المسماة (بالموساد) وأجهزة الأمن العام الصهيونية وقسم الدراسات والأبحاث في وزارة الخارجية، فقد استطاعت كل هذه الأجهزة أن تشق طريقها في الكثير من العالم العربي خاصة مصر والأردن وكثير من دول الخليج ولبنان وقامت وتقوم بنشاطات مكثفة عبر شبكة هائلة من العملاء والوكلاء تقوم بنشاطات تخريبية. وقد استعمل الصهاينة وسائل مختلفة لاختراق البلاد العربية خاصة والتجسس عليها في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، واستخدمت في ذلك وسائل مختلفة اهمها السفارات اليهودية في هذه الدول فكانت بمثابة البؤر التجسسية الأولى، واستخدمت لذلك أناساً متمرسين مثل موشي ساسون، إسحق بارموشي، سلطان بارموشي، مزالي مناش، ألبيرت أطرقجي، وغيرهم كثير كما استخدمت المعاهد الأكاديمية مثل المعهد الأكاديمي في مصر ثم الشركات والوكالات الصهيونية، والسياح الصهاينة، ثم القوات الأميركية وقوات الأمم المتحدة الفاصلة على الحدود الذين يتواجد بينهم الكثير من اليهود بجوازات سفر دولية.

          4 –  تمييع القضية الفلسطينية، فبعد المطالبة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر بدأ مسلسل التنازلات العربية في خفض سقف المطالب العربية شيئاً فشيئاً إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن مما زاد في غطرسة الكيان اليهودي وصلفه.

          5 –  تقييد وتحديد القدرة الدفاعية للدول التي تسمى بدول الطوق ويتم ذلك بتقييدها في وضع قوات محدودة في المناطق التي ينسحب منها اليهود وتحديد نوعية وكمية الأسلحة التي يجب أن توجد في هذه المناطق وهذا واضح في الاتفاقية المصرية مع اليهود حول سيناء والاتفاق مع السلطة.

          6 –  ضمان أمن وسلامة الكيان الصهيوني، ويبدو ذلك واضحاً في المعاهدة المصرية الصهيونية حيث تنص المادة الاولى (الفقرة أ) ما يلي: (تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل التصديق على هذه المعاهدة) والاتفاق على اتخاذ ترتيبات أمنية مشتركة لوقف هجمات الفدائيين. ومثل هذا في اتفاقية وادي عربة مع الأردن.

          7 –  شق الصف العربي وزيادة شرذمته وذلك يظهر جلياً من خلال إصرار الصهاينة على عقد اتفاقيات منفصلة مع الدول العربية حتى تكون الجبهة العربية مشرذمة ليتسنى للصهاينة التفرد بكل دولة على حدة عن طريق عقد اتفاقيات ملزمة لكل طرف.

          8 –  نشر الفساد والرذيلة في المجتمعات العربية وذلك عن طريق نشر الكتب والمجلات الدورية الفاسدة والبرامج الإذاعية والمتلفزة وعرض الأفلام الخليعة، وقد ثبت ذلك بما لا يدعو للشك فقد سربت شحنات فاسدة من الأغذية الملوثة بالإشعاع النووي عن طريق شركات ألمانية وسويدية وتركية يملكها يهود مهدت لذلك السفارة اليهودية في مصر، كما قامت شعبة الاستخبارات العسكرية اليهودية (أمان) بتهريب المخدرات إلى مصر والأردن. كما عمل اليهود على نشر مرض الايدز عن طريق وجود شبكة تضم العشرات من بائعات الهوى اليهوديات المصابات بهذا المرض يعملن بتوجيه من جهاز الموساد.

          9 –  إيجاد الأجواء المناسبة في فلسطين المحتلة من الأمن والسلام. وذلك لتشجيع المهاجرين الصهاينة للهجرة إلى فلسطين لزيادة القوة البشرية للكيان الصهيوني وجلب الاستثمارات ورؤوس الأموال العالمية.

          إن الصهاينة يريدون لكيانهم الاندماج في وسط العالم الإسلامي والمنطقة العربية ولكن بشروطهم التي تلبي مطالب وآمال قادتهم وذلك بأن تصبح (إسرائيل) هي قائدة المنطقة والمركز الحاكم فيها، وقد لخص ذلك الدكتور – ناداف سافران – الأستاذ الأميركي في العلوم السياسية بقوله: (إن الوصول إلى تسوية النـزاع العربي الإسرائيلي قد أصبح ضرورة حتمية بالنسبة للولايات المتحدة، أما (إسرائيل) فإن حرصها على التسوية يتوقف على مدى تلبية هذه التسوية لشروطها المتعلقة بأمنها القومي وآمالها) انتهى كلامه.

          وقد ظهرت آمال وتطلعات (إسرائيل) للتسوية في جملة واحدة قالها – دافيد بن غوريون – (لن تكون هناك تنازلات إقليمية بل تعديلات طفيفة لتقوية الحدود، وإسرائيل لن تسمح بأي حال من الأحوال بأي عودة للاجئين، والقدس لن تكون موضع مفاوضات).

          وهذا مصداق قوله تعالى: (أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً) [النساء].

          بعد هذا العرض لواقع ومفهوم التطبيع فلا بد من بيان الحكم الشرعي فيه، وبالرجوع إلى معنى التطبيع الذي هو جعل العلاقة طبيعية بين طرفين طرأ بينهما موقف غير طبيعي، وجعل العلاقة طبيعية أي حالة سلام لا حالة حرب ولا تهديد بحرب وهذه الحالة تقتضي الاعتراف المتبادل وإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية وتجارية وثقافية واجتماعية واتصالات وسياحة وغير ذلك من المجالات، ويترتب على ذلك فتح السفارات والمكاتب التجارية والملاحق الثقافية والعسكرية وإقامة شركات وصناعات وبعثات مختلفة وسياحة وما إلى ذلك من مستلزمات الاعتراف المتبادل.

          وهذه الأمور تعني بالمفهوم الشرعي إقرار الصهاينة على اغتصاب أرض المسلمين والتنازل عن أولى القبلتين وثالث الحرمين بالإضافة إلى موالاة أشد الناس عداوة لله وللمؤمنين وإظهار المودة لهم وهذه من الجرائم الكبرى في الإسلام وخيانة لله ولرسوله والمؤمنين فاليهود هم كما وصفهم الله تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود) [المائدة/82]. يضاف إلى ذلك احتلالهم لأرض الإسراء والمعراج، كل ذلك يفرض أن تكون العلاقة معهم هي حالة حرب فعلية فهم قد احتلوا أرضاً إسلامية والواجب على المسلمين تحرير هذه الأرض حتى لو استوعب ذلك كل المسلمين في كل العالم. فكيف يكون بين المسلمين وبينهم تطبيع بالمعنى المذكور؟

          لقد حرم الله موالاتهم بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) [الممتحنة/1]. وقال أيضاً: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة/51]. وقال أيضاً: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) [الممتحنة]. ليس هذا فحسب بل إنَّ على الأمة، فوق عدم قبولها بهذا التطبيع مهما زُيِّن لها، وعدم موالاة الكافرين ومن والاهم من الحكام الخونة، أن تقاوم هذا التطبيع بكل أشكاله، وأن تبذل الوسع في مقاتلة اليهود الغاصبين أينما ثقفوا حتى يتم إخراجهم من الارض المقدسة، قال تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم)  [البقرة/191]. فالعلاقة التي قررها الله عز وجل بيننا وبين يهود هي القتل والقتال وليست الصلح والاستسلام أو التطبيع.

          وبفضل الله عز وجل فإن المسلمين يفهمون هذه العلاقة جيداً حتى اليهود أنفسهم يفهمونها قال اسحق نافون مخاطباً السادات [لم يوجه إلي واحد منهم نظرة، وتهرب معظمهم من مصافحتي ويبدو يا سيدي الرئيس أن أهالي السويس لا يجيدون العربية باستثناء المحافظ فلم يحدثني غيره، وكنت كلما ألقيت سؤالاً بالعربية على أحدهم أجابني بالصمت المطبق]. وقال الياهو بن اليسار أول سفير في مصر [عليكم أن تأخذوا بعين الاعتبار أن ثمة رجلاً واحداً في مصر هو معنا. أما الآخرون فهم ضدنا حتى هؤلاء الجنود الذين يتولون حراسة السفارة قد يستخدمون بنادقهم ضدنا في أي وقت من الأوقات، نحن هنا إذن فريق كوماندوز داخل محيط معادٍ تماماً، علينا أن نتصرف على هذا الأساس]. وقالت نيتشا بن اليسار زوجة السفير [أحد الأمور التي اكتشفتها كإسرائيلية في مصر تتمثل في اعتباري شيطانة].

          وهكذا فإن التطبيع مع يهود هو خطر كله، ومن كبائر الإثم والعدوان، ولكن الأشد خطراً والأعظم إثماً هو بقاء هذا الكيان قائماً على أي جزء من فلسطين، فقتاله واجب وإزالته فرض عظيم، وعلى الأمة، أمة النصر والشهادة، أن تلفظ الحكام وأعوانهم، الذين يعترفون بكيان يهود، سواء أكانوا مهرولين في التطبيع معه أم أقل هرولة فأُسُّ الداء ومكمن الخطر هو وجود هذا الكيان وبقاؤه، والواجب على الأمة أن تقف في وجه هؤلاء الحكام وتعمل على تغييرهم ولا تكون في صفهم حتى لا تحشر يوم القيامة في زمرتهم، قال تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)   [المائدة/51] وقال: (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)  [الممتحنة]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «يحشر المرء مع من أحب» فما على المسلمين إلا أن يزيلوا حاجز الخوف ويحسنوا الظن بالله وبصدق وعده ويعملوا على إقامة دولة الخـلافة التي ستعمل على تخليص البلاد والعباد من دنس صهيون ومن والاهم من الخونة (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [يوسف]

صـديق الوعـي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *